إن جاز التعبير يمكن أن نقول: سلوك المرء دليله... يعرف به، فيحبذ أو يذم... وهكذا حين نسمع جمهورنا يتحدث عن انتكاساته، وسوء التعامل بين أفراده، واحتدام تخلف أوضاعه، وعدم المبالاة بأوطانه، آنذاك يلقي الفرد من هذا الجمهور اللوم على الملام الفاعل، بأنانية لا مسؤولة، إذ لو كان هو الفاعل في موضعه، لتنكر لذلك ولفعل مثله..
ولذا، فنحن مشبعين بهذا التخفي وهذا التنكر، وهو نكران أناني متملص... والغريب مما هو معتاد عندنا هو أنه سرعان ما يتم التعرج بالكلام نحو الغرب، الذي صرنا معه نتعايش بهواجس الحيرة، ونمارس معه القرب والاختلاط، أو نتتبع تطوراته في كل مجال، فنبهر بإنجازاته المعرفية والابتكارية، وخاصة العقلانية والخلقية... إلى درجة أننا، أثناء المقارنة بيننا وبينه، لا يسعنا قهرا سوى أن نمدح الإجراءات السلوكية والمعاملات الاجتماعية الصادرة عن أفراده، منه وإليه… فنعلي من قيمته، ولا نتوانى عن جلد ذواتنا بأقدح الصفات... خاصة حين نتلقى خبر الإسراع بمبادرات منه وازنة، لصالح مجتمعه وإنسانه دون تمييز، سواء كان طفلا أو امرأة أو رجلا... ونتمنى لو تكون هذه حالتنا نحن كشعوب "نامية"، في غمار علاقاتنا الحقوقية ومسؤولياتنا الواجبة على كل منا..
وهكذا نعجب بذلك كله، إلى درجة أننا ندعي تفضيلا أن هذا الغرب معتنق لـ"الإيمان" أكثر منا، على الرغم من أنه في رأي الاعتقاد الجمعي لدينا غير "مؤمن".. فأي إيمان نقصد يا ترى؟ ألا نكتشف أنه صالح ونحن فاسدون.. وهو صادق ونحن كاذبون.. وهو محترم للعهود والأمانات في مجتمع أفراده وفي مؤسساته، ونحن دون مبادئ مشرفة تذكر؟ بل نخل بها ونحن عارفون... وإجمالا، فمجتمعه جدي ومجتمعنا منافق... أليس كذلك؟ ألا نتمنى بكل شوق أن نصير على منواله أو نعيش بين ظهرانيه، إلى درجة أن المغرمين به يتحولون إليه على مستوى "المجانسة"، و"اللباس" و"الأكل" و"الشرب" و"المصاحبة" و"الثقة"... بل وحتى الاعتقاد الروحي والتمذهب الحداثي، والتقاليد الاجتماعية المستجدة لديه، ثم التلذذ بلغو لسانه، والكتابة بلغته...
أما الفرد في مجتمعنا فيعتبر نفسه غير مسؤول في كل الحالات، على الرغم من أنه مذنب في حقه، مشوه لسمعته... إنه يرى أن المسؤولية يتحملها "مجتمعه"، وينسى نفسه، وكأنه يوجد خارج هذا المجتمع، في منأى عن أسرته وشارعه ودروبه... وبهذا، فإن إنساننا يعتبر مجتمعه حالة ميتافيزيقية، أو كيانا غيبيا، أو منتميا إلى كوكب آخر غير كوكبنا... في حين أنه فرد يعيش ضمنه، وهو منه وإليه...ألا نملك، نحن أيضا قيما وتراثا، وكذا تاريخا وهوية...؟
صحيح أن لدى هذا الغرب سلبيات هو أيضا؛ لكنه يتخلى عنها في زمانها، متجاوزا إياها، ونحن نبقيها بيننا تكرر نفسها... فهو يجني من إيجابياته ثمارا معطاء، ونحن نخوض في سلبياتنا، لا نميز بين أي شيء.. أما إيجابياتنا نحن، إذا وجدت، فهي تنحصر وتغلب عليها النزوات والأطماع، وتلهينا عنها كل المفاسد والمغامرات الطائشة.. فكيف ستعجب بنا وتقدرنا طلائع الأجيال عندنا، ونحن نسيئ إليها وإلى هويتنا جميعا؟ وكيف ستحترمنا المجتمعات المتقدمة، وهي ترانا متخلفين عنها بكثير، ثقافة وأخلاقا..
*باحث في سوسيولوجية الأدب
ولذا، فنحن مشبعين بهذا التخفي وهذا التنكر، وهو نكران أناني متملص... والغريب مما هو معتاد عندنا هو أنه سرعان ما يتم التعرج بالكلام نحو الغرب، الذي صرنا معه نتعايش بهواجس الحيرة، ونمارس معه القرب والاختلاط، أو نتتبع تطوراته في كل مجال، فنبهر بإنجازاته المعرفية والابتكارية، وخاصة العقلانية والخلقية... إلى درجة أننا، أثناء المقارنة بيننا وبينه، لا يسعنا قهرا سوى أن نمدح الإجراءات السلوكية والمعاملات الاجتماعية الصادرة عن أفراده، منه وإليه… فنعلي من قيمته، ولا نتوانى عن جلد ذواتنا بأقدح الصفات... خاصة حين نتلقى خبر الإسراع بمبادرات منه وازنة، لصالح مجتمعه وإنسانه دون تمييز، سواء كان طفلا أو امرأة أو رجلا... ونتمنى لو تكون هذه حالتنا نحن كشعوب "نامية"، في غمار علاقاتنا الحقوقية ومسؤولياتنا الواجبة على كل منا..
وهكذا نعجب بذلك كله، إلى درجة أننا ندعي تفضيلا أن هذا الغرب معتنق لـ"الإيمان" أكثر منا، على الرغم من أنه في رأي الاعتقاد الجمعي لدينا غير "مؤمن".. فأي إيمان نقصد يا ترى؟ ألا نكتشف أنه صالح ونحن فاسدون.. وهو صادق ونحن كاذبون.. وهو محترم للعهود والأمانات في مجتمع أفراده وفي مؤسساته، ونحن دون مبادئ مشرفة تذكر؟ بل نخل بها ونحن عارفون... وإجمالا، فمجتمعه جدي ومجتمعنا منافق... أليس كذلك؟ ألا نتمنى بكل شوق أن نصير على منواله أو نعيش بين ظهرانيه، إلى درجة أن المغرمين به يتحولون إليه على مستوى "المجانسة"، و"اللباس" و"الأكل" و"الشرب" و"المصاحبة" و"الثقة"... بل وحتى الاعتقاد الروحي والتمذهب الحداثي، والتقاليد الاجتماعية المستجدة لديه، ثم التلذذ بلغو لسانه، والكتابة بلغته...
أما الفرد في مجتمعنا فيعتبر نفسه غير مسؤول في كل الحالات، على الرغم من أنه مذنب في حقه، مشوه لسمعته... إنه يرى أن المسؤولية يتحملها "مجتمعه"، وينسى نفسه، وكأنه يوجد خارج هذا المجتمع، في منأى عن أسرته وشارعه ودروبه... وبهذا، فإن إنساننا يعتبر مجتمعه حالة ميتافيزيقية، أو كيانا غيبيا، أو منتميا إلى كوكب آخر غير كوكبنا... في حين أنه فرد يعيش ضمنه، وهو منه وإليه...ألا نملك، نحن أيضا قيما وتراثا، وكذا تاريخا وهوية...؟
صحيح أن لدى هذا الغرب سلبيات هو أيضا؛ لكنه يتخلى عنها في زمانها، متجاوزا إياها، ونحن نبقيها بيننا تكرر نفسها... فهو يجني من إيجابياته ثمارا معطاء، ونحن نخوض في سلبياتنا، لا نميز بين أي شيء.. أما إيجابياتنا نحن، إذا وجدت، فهي تنحصر وتغلب عليها النزوات والأطماع، وتلهينا عنها كل المفاسد والمغامرات الطائشة.. فكيف ستعجب بنا وتقدرنا طلائع الأجيال عندنا، ونحن نسيئ إليها وإلى هويتنا جميعا؟ وكيف ستحترمنا المجتمعات المتقدمة، وهي ترانا متخلفين عنها بكثير، ثقافة وأخلاقا..
*باحث في سوسيولوجية الأدب