- مرافعة الاديب القاص عبدالله البقالي
سيدي القاضي
انتظرت ان يثير احدهم اهتمام هذا الصوت القادم من موقع الإدعاء العام، إلى كوننا في صك الإتهام الثاني. لكن ذلك لم يحصل، و لذلك لا أجد بدا من الرد على الإتهام الموجه لي، و الذي يشكك بموجبه المتدخل بنفي ارتباطي بالتربة الأدبية المغربية. و انا أتساءل بدوري ما إن كان المناخ الفكري خصوصا حين يكون مثقلا بالمرجعيات الدينية و التاريخية و الفكرية ووحدة المصير يجب ان ينضبط للتقسيم الجغرافي الاستعماري؟
سيدي القاضي
حين فكرت في رد عن هذا الإتهام، سمعت الملحن المغربي العظيم، المرحوم " عبدالسلام عامر" صاحب روائع " القمر الاحمر" و " الشاطئ" و " راحلة" يجيب قائلا: لا.
و اخال المجاهد عبدالكريم الخطابي الذي فضل ان ينصهر جسده في تربة المشرق يقول أيضا: لا. و سمعت كل مقاومي شمال افريقيا الذين احتضنهم المشرق يقولون بصوت واحد: لا.
قلت في نفسي رغما من ذلك، قد يتهمني السيد جبران إن اوردت هذه الحجج أني لا اعيش مجرد ازمة ناتجة عن الجغراقيا، بل و سيتهمني أني اعيش خارج العصر. ما دمت استحضر كل هؤلاء الشهود الذين هم في عداد الموتى. ومن ثم كان لا بد من التفكير في جواب آخر.
سيدي القاضي
حين انتسبت للمدرسة، لم أكن أعرف ان العالم هو بكل هذه الشساعة. وبكل هذه الألوان و الأطياف و الثقافات. و كل الذي ادركته من صور الكتاب المدرسي ساعتها هو وجود صنف آخر من البشر، مختلف عن الصنف البشري الذي كان يعيش في قريتي. صنف يتمتع بمظهر مثير. شديد الاناقة. شديد الافتتان بالحياة التي يقيم معها علاقة مختلفة من خلال ملبسه و مأكله و مسكنه. اما حين قرأت النصوص الأولى، عمق لدي الإحساس باني انتسب لفئة أقل رقيا. و ان من هم على شاكلتي، خلقوا لأداء أدوار اخرى. و قد نكون وجدنا من اجل ان نصنع رفاه الآخرين الذين لا يستطيعون تحمل مشقة الحياة و تعبها. و لذلك نكون نحن جدارهم الأول في مواجهة الصعاب و جعل الحياة اكثر لينا.
حين قرأنا دروس التاريخ الأولى، صار بالإمكان التنفس بشكل أفضل. لا لأن الجغرافية اتسعت بعد ان سمعنا بالجزيرة العربية ومصر و بلاد اليمن و الحبشة و السودان، بل تنفسنا لأننا كنا اشبه بمفلس عزاؤه الوحيد كامن في الماضي حيث الأمجاد و الصفحات المشرقة.
شعرنا أننا نزداد قوة و صلابة ونحن نتابع مسار شخصيات كخالد بن الوليد و عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب. و شعرنا بالزهو ونحن نتابع المد الاسلامي الذي انطلق كطوفان في كل الاتجاهات. و ازدادت صدورنا انتفاخا حين هوى عرش كسرى. و ارتفعت رؤوسنا مع فتح الاندلس و سقوط بيزنطة. و تلاحقت ملاحم الفخر مع الأموييين و الحضارة العباسية، من خلال ما تم رصه من منجزات عبر تاريخ طويل تنافست فيها أجنحة الدولة الاسلامية لترصيع تاجها بالاضافات الحضارية في شتى المجالات. و ما تم نقله من علوم و ثقافات.
كل هذا سيدي القاضي تعلمناه لحظة بلحظة عبر سنين التنشئة الطويلة. تلقفناه بجماس و انفعال باحث عن ما يشبه ثأر من واقع كان الوقت لا يزال باكرا كي نعي اننا لم نأت للحياة في العصر المثالي.
مجمل القول سيدي القاضي اننا عبر سنين التنشئة كنا نرى المشرق. و في حصص اللغة الأجنبية كان نرى الغرب. الغرب الذي جسد لنا صور المجتهد بسريلات قصيرة، ومعطف جميل. و الكسول يرتدي جلبابا و يضع على رأسه قلنسوة.
بدونا كطفل صغير يتجاذبه طرفان، و لذلك بدت الرقعة التي ننتسب إليها كأنما انعدمت فيها الجاذبية ما دام اي ريح كانت قادرة على تحريكنا من اماكننا.
لقد اوجدتنا الجغرافيا في ممر " التيارات الهوائية الدائمة"و إن قدر الثبات و الاستقرار لدينا لا يتمتع إلا بحياة قصيرة لا تتعدى الزمن الفاصل بين الموجة و الموجة التي ستليها، و لذلك اعتبر أني انتمي للجيل الذي عاش الزمن المتأخر من فترة الثبات التي تلت عبور موجة. و يتاهب لاستقبال موجة جديدة كانت تتأهب في الأفق.
لقد عاش جيلي النصف الثاني من عمر الأفكار القومية العربية. و تربينا في المدرسة التي تحولت شعارات التعريب فيها الى حقيقة. و كنا ننسج بداية حلم تعبيد مسار التاريخ الجديد نحو المجد القديم عبر عبدالناصر، و افكار حزب البعث و كل الأفكار التي كانت تصلنا بلا عناوين اصحابها. و لا زلت اتذكر اننا كل صباح كننا ننشد النشيد الوطني القديم
يا علمي
يا علم العرب اخفق و اشرق
في الافق الأزرق يا علم
يا نسيج الامهات
في الليالي الحالكات
...
هكذا تعمقت مكانة المشرق في الوجدان لدى كل من مروا بالمدرسة فيما بعد نيل الاستقلال. وهو ما اعتبر ه الحد الأدنى المشترك من التاثير الذي طبع حصيلة كل متمدرس. لكن التجربة أضافت لرصيدي الكثير.
كان لدي جب استطلاع جارف. و كنت اتوق لحياة اكثر اتساعا من تلك التي كنت اتحرك فيها. وكانت المطالعة وسيلتي.
يصعب علي استحضار كل الذين قرات لهم. لكن الكتاب المشرقي كان له سحره الذي لا يقاوم. كل البوصلات كانت تشير الى المشرق. السياسيين. المفكرين. الطلاب. لكني مع ذلك نوعت قراءاتي. قرأت للروس و لليبانيين. و للامريكيين اللاتنيين. و لكني قرأت للمغاربة ايضا رغم ان هذا الادب كان لا يزال يبحث له عن هوية. و اعتقد بخصوص الادب المغربي ان فن الزجل كان الأقدر و الأنجح في عكس الروح المغربية.
سيدي القاضي
بعد بسطي لهذه الأرضية، و بعد ان وضعتكم في الصورة. ما الاتهام المفترض توجيهه لشخص كبر في هذا المناخ؟ هل ستنصب المؤاخذة على كونه تجاوب مع هذه الروح؟
و إن افترضنا العكس، فهل نكون بصدد الحدث عن بشر يعكس ما ببيئته ام يعكس وضعا غريبا عنه؟
وحين نتحدث عن الارتباط، ماذا يمكن ان يكون القصد؟ هل نقصد المواضيع المثارة؟ هل هي كيفية الإثارة؟ و هل هي صيغ التلفظ؟
بالرغم من اجواء التنشئة سيدي القاضي، و كرد على صك الاتهام، اقول انه لولا أدبيات النشر و قوانينها في المنتديات، لأوردت اكثر من شهادة صدرت عن اساتذة مشارقة شهدوا على انهم في اول تعامل لهم مع نصوصين عرفوا أنها تنتمي لكاتب مغربي قبل التعرف علي. و أسوق هنا كمثال لذلك، عناوين نصوص للتاكد من هذا.
" الامتحان الشفاهي" " الخبز الأبيض" " اغتيال حمور" " الكبرال بلميمون"
هذا ما يحضرني الان سيدي القاضي. و شكرا لكم.
//////////////////////////////////
تدخل نقوس المهدي محامي الاديب عبدالله البقالي
السيد الرئيس المحترم
لم نعرف لحد الان لماذا يصر الإدعاء بطرفيه على التشبت بشماعة " ق ق ج" ويعلق عليها كل الإدعاءات لتعجيز موكلنا، ولو طارت معزة، وتوجيه المحاكمة الى النفق المسدود، وهو يدري جيدا ان بين الاستاذ البقالي وبين هذا النوع من السرد ود مفقود، وللناس فيما يعشقون مذاهب، وقد قال موكلنا بهذا الصدد ما قاله مالك في الخمر..
من الضروري التوضيح وهذا قول لا ينفي امرا ولا يؤكد موقفا، انه حينما نطرح مسالة الققج على وجه التحديد، فلا احد بمستطيع بافادتنا بحلول ناجعة حول مقومات هذا الجنس من السرد، ولا محله من الإعراب، فكل يدلي باراء نظرية جاهزة مستهلكة مكرورة تتكلم عن نفس الأغراض والشروط التكثيف والإدهاش والحجم، لكن " القاعدة في الراس والخسارة في اللوحة " كما يقول الفقهاء، فكل يكتب على هواه، وكيفما اتفق حتى اننا أصبحنا نقرا نكتا والغازا وطلاسم ركيكة غير مفهومة أصلا وغير مجدية، في الوقت الذي نجد لباقي الأجناس مفاهيم أكاديمية تحددها وتقننها وترسم خرطة طريقها، وكتابة مثل هذه وإن فرضت روحها عنوة، فلن يكتب لها مستقبل ادبي برغم زحفها الكاسح كالطوفان، والطوفان لا يخلف الا الخراب والدمار.
و أسوق هنا ما اورده د. عبدالله ابراهيم في مقال موسوم ب " الجاحظ ووصفه انهيار مكانة القصّاص في الأدب العربي، وكان من أشهر قصاصي عصره، أثرى وجوده عالم القص المزدهر، وأورث تلك الموهبة لابنه عبدالصمد الذي كان من معاصري الجاحظ، وقد ذهل الجاحظ وعامة البصريين من عبدالصمد الرقاشي؛ لأنه كان يضمّن قصصه معلومات تفصيلية ترد في سياق الاعتبار بخلق الكائنات، شغل بالحديث مرة عن «خلق البعوضة» واستغرق منه ذلك ثلاثة مجالس قصصية تامة. رأى الجاحظ، وهو من المهتمين بشأن الحيوانات، ذلك ميزة متفرّدة من قاص خصّص ثلاثة مجالس لخلق البعوضة. كان استعراض المعلومات من تقاليد التفوق، يُذهل التوسع، والإغراق في التفاصيل، جمهوراً يترقب المعرفة، ويهيم بالتخيلات... "
ويضيف د. عبدالله ابراهيم " فسد القصّ حينما غزاه الأدعياء من القصّاص، أولئك الذين أغرتهم جاذبية القص، ولم يكونوا مؤهلين له. وفي المأثور تحذير من فساد العِرق، ثمة تعارض بين الدعوة لصفاء العِرق، وبين الانصهار والتهجين، انتهكت أصالة عِرق القصاص، وهي حرفة القص، حينما أصهر الغرباء إلى سلالة الرقاشي، أي دنوا منهم، ولبسوا لبوسهم، وامتزجوا فيهم. انتهكت تقاليد القص، فخارت السلالة وسقطت"
اين هذا الكلام الجميل مما نقرا حاليا على شبكات الإنترنيت، لعلها احدى آفات وجنايات العولمة على الأدب والمعارف عموما، وإلا ماذا ينتظر القارئ من الكاتب؟
ألا تلاحظون معي ان الاستاذ البقالي لا يرضى بما دون النجوم، ولا يرضيه ادب السندويتش، وقد قال ما يرضي ضميره، ويبرئ ذمته امام العالمين...
سيدي القاضي
انتظرت ان يثير احدهم اهتمام هذا الصوت القادم من موقع الإدعاء العام، إلى كوننا في صك الإتهام الثاني. لكن ذلك لم يحصل، و لذلك لا أجد بدا من الرد على الإتهام الموجه لي، و الذي يشكك بموجبه المتدخل بنفي ارتباطي بالتربة الأدبية المغربية. و انا أتساءل بدوري ما إن كان المناخ الفكري خصوصا حين يكون مثقلا بالمرجعيات الدينية و التاريخية و الفكرية ووحدة المصير يجب ان ينضبط للتقسيم الجغرافي الاستعماري؟
سيدي القاضي
حين فكرت في رد عن هذا الإتهام، سمعت الملحن المغربي العظيم، المرحوم " عبدالسلام عامر" صاحب روائع " القمر الاحمر" و " الشاطئ" و " راحلة" يجيب قائلا: لا.
و اخال المجاهد عبدالكريم الخطابي الذي فضل ان ينصهر جسده في تربة المشرق يقول أيضا: لا. و سمعت كل مقاومي شمال افريقيا الذين احتضنهم المشرق يقولون بصوت واحد: لا.
قلت في نفسي رغما من ذلك، قد يتهمني السيد جبران إن اوردت هذه الحجج أني لا اعيش مجرد ازمة ناتجة عن الجغراقيا، بل و سيتهمني أني اعيش خارج العصر. ما دمت استحضر كل هؤلاء الشهود الذين هم في عداد الموتى. ومن ثم كان لا بد من التفكير في جواب آخر.
سيدي القاضي
حين انتسبت للمدرسة، لم أكن أعرف ان العالم هو بكل هذه الشساعة. وبكل هذه الألوان و الأطياف و الثقافات. و كل الذي ادركته من صور الكتاب المدرسي ساعتها هو وجود صنف آخر من البشر، مختلف عن الصنف البشري الذي كان يعيش في قريتي. صنف يتمتع بمظهر مثير. شديد الاناقة. شديد الافتتان بالحياة التي يقيم معها علاقة مختلفة من خلال ملبسه و مأكله و مسكنه. اما حين قرأت النصوص الأولى، عمق لدي الإحساس باني انتسب لفئة أقل رقيا. و ان من هم على شاكلتي، خلقوا لأداء أدوار اخرى. و قد نكون وجدنا من اجل ان نصنع رفاه الآخرين الذين لا يستطيعون تحمل مشقة الحياة و تعبها. و لذلك نكون نحن جدارهم الأول في مواجهة الصعاب و جعل الحياة اكثر لينا.
حين قرأنا دروس التاريخ الأولى، صار بالإمكان التنفس بشكل أفضل. لا لأن الجغرافية اتسعت بعد ان سمعنا بالجزيرة العربية ومصر و بلاد اليمن و الحبشة و السودان، بل تنفسنا لأننا كنا اشبه بمفلس عزاؤه الوحيد كامن في الماضي حيث الأمجاد و الصفحات المشرقة.
شعرنا أننا نزداد قوة و صلابة ونحن نتابع مسار شخصيات كخالد بن الوليد و عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب. و شعرنا بالزهو ونحن نتابع المد الاسلامي الذي انطلق كطوفان في كل الاتجاهات. و ازدادت صدورنا انتفاخا حين هوى عرش كسرى. و ارتفعت رؤوسنا مع فتح الاندلس و سقوط بيزنطة. و تلاحقت ملاحم الفخر مع الأموييين و الحضارة العباسية، من خلال ما تم رصه من منجزات عبر تاريخ طويل تنافست فيها أجنحة الدولة الاسلامية لترصيع تاجها بالاضافات الحضارية في شتى المجالات. و ما تم نقله من علوم و ثقافات.
كل هذا سيدي القاضي تعلمناه لحظة بلحظة عبر سنين التنشئة الطويلة. تلقفناه بجماس و انفعال باحث عن ما يشبه ثأر من واقع كان الوقت لا يزال باكرا كي نعي اننا لم نأت للحياة في العصر المثالي.
مجمل القول سيدي القاضي اننا عبر سنين التنشئة كنا نرى المشرق. و في حصص اللغة الأجنبية كان نرى الغرب. الغرب الذي جسد لنا صور المجتهد بسريلات قصيرة، ومعطف جميل. و الكسول يرتدي جلبابا و يضع على رأسه قلنسوة.
بدونا كطفل صغير يتجاذبه طرفان، و لذلك بدت الرقعة التي ننتسب إليها كأنما انعدمت فيها الجاذبية ما دام اي ريح كانت قادرة على تحريكنا من اماكننا.
لقد اوجدتنا الجغرافيا في ممر " التيارات الهوائية الدائمة"و إن قدر الثبات و الاستقرار لدينا لا يتمتع إلا بحياة قصيرة لا تتعدى الزمن الفاصل بين الموجة و الموجة التي ستليها، و لذلك اعتبر أني انتمي للجيل الذي عاش الزمن المتأخر من فترة الثبات التي تلت عبور موجة. و يتاهب لاستقبال موجة جديدة كانت تتأهب في الأفق.
لقد عاش جيلي النصف الثاني من عمر الأفكار القومية العربية. و تربينا في المدرسة التي تحولت شعارات التعريب فيها الى حقيقة. و كنا ننسج بداية حلم تعبيد مسار التاريخ الجديد نحو المجد القديم عبر عبدالناصر، و افكار حزب البعث و كل الأفكار التي كانت تصلنا بلا عناوين اصحابها. و لا زلت اتذكر اننا كل صباح كننا ننشد النشيد الوطني القديم
يا علمي
يا علم العرب اخفق و اشرق
في الافق الأزرق يا علم
يا نسيج الامهات
في الليالي الحالكات
...
هكذا تعمقت مكانة المشرق في الوجدان لدى كل من مروا بالمدرسة فيما بعد نيل الاستقلال. وهو ما اعتبر ه الحد الأدنى المشترك من التاثير الذي طبع حصيلة كل متمدرس. لكن التجربة أضافت لرصيدي الكثير.
كان لدي جب استطلاع جارف. و كنت اتوق لحياة اكثر اتساعا من تلك التي كنت اتحرك فيها. وكانت المطالعة وسيلتي.
يصعب علي استحضار كل الذين قرات لهم. لكن الكتاب المشرقي كان له سحره الذي لا يقاوم. كل البوصلات كانت تشير الى المشرق. السياسيين. المفكرين. الطلاب. لكني مع ذلك نوعت قراءاتي. قرأت للروس و لليبانيين. و للامريكيين اللاتنيين. و لكني قرأت للمغاربة ايضا رغم ان هذا الادب كان لا يزال يبحث له عن هوية. و اعتقد بخصوص الادب المغربي ان فن الزجل كان الأقدر و الأنجح في عكس الروح المغربية.
سيدي القاضي
بعد بسطي لهذه الأرضية، و بعد ان وضعتكم في الصورة. ما الاتهام المفترض توجيهه لشخص كبر في هذا المناخ؟ هل ستنصب المؤاخذة على كونه تجاوب مع هذه الروح؟
و إن افترضنا العكس، فهل نكون بصدد الحدث عن بشر يعكس ما ببيئته ام يعكس وضعا غريبا عنه؟
وحين نتحدث عن الارتباط، ماذا يمكن ان يكون القصد؟ هل نقصد المواضيع المثارة؟ هل هي كيفية الإثارة؟ و هل هي صيغ التلفظ؟
بالرغم من اجواء التنشئة سيدي القاضي، و كرد على صك الاتهام، اقول انه لولا أدبيات النشر و قوانينها في المنتديات، لأوردت اكثر من شهادة صدرت عن اساتذة مشارقة شهدوا على انهم في اول تعامل لهم مع نصوصين عرفوا أنها تنتمي لكاتب مغربي قبل التعرف علي. و أسوق هنا كمثال لذلك، عناوين نصوص للتاكد من هذا.
" الامتحان الشفاهي" " الخبز الأبيض" " اغتيال حمور" " الكبرال بلميمون"
هذا ما يحضرني الان سيدي القاضي. و شكرا لكم.
//////////////////////////////////
تدخل نقوس المهدي محامي الاديب عبدالله البقالي
السيد الرئيس المحترم
لم نعرف لحد الان لماذا يصر الإدعاء بطرفيه على التشبت بشماعة " ق ق ج" ويعلق عليها كل الإدعاءات لتعجيز موكلنا، ولو طارت معزة، وتوجيه المحاكمة الى النفق المسدود، وهو يدري جيدا ان بين الاستاذ البقالي وبين هذا النوع من السرد ود مفقود، وللناس فيما يعشقون مذاهب، وقد قال موكلنا بهذا الصدد ما قاله مالك في الخمر..
من الضروري التوضيح وهذا قول لا ينفي امرا ولا يؤكد موقفا، انه حينما نطرح مسالة الققج على وجه التحديد، فلا احد بمستطيع بافادتنا بحلول ناجعة حول مقومات هذا الجنس من السرد، ولا محله من الإعراب، فكل يدلي باراء نظرية جاهزة مستهلكة مكرورة تتكلم عن نفس الأغراض والشروط التكثيف والإدهاش والحجم، لكن " القاعدة في الراس والخسارة في اللوحة " كما يقول الفقهاء، فكل يكتب على هواه، وكيفما اتفق حتى اننا أصبحنا نقرا نكتا والغازا وطلاسم ركيكة غير مفهومة أصلا وغير مجدية، في الوقت الذي نجد لباقي الأجناس مفاهيم أكاديمية تحددها وتقننها وترسم خرطة طريقها، وكتابة مثل هذه وإن فرضت روحها عنوة، فلن يكتب لها مستقبل ادبي برغم زحفها الكاسح كالطوفان، والطوفان لا يخلف الا الخراب والدمار.
و أسوق هنا ما اورده د. عبدالله ابراهيم في مقال موسوم ب " الجاحظ ووصفه انهيار مكانة القصّاص في الأدب العربي، وكان من أشهر قصاصي عصره، أثرى وجوده عالم القص المزدهر، وأورث تلك الموهبة لابنه عبدالصمد الذي كان من معاصري الجاحظ، وقد ذهل الجاحظ وعامة البصريين من عبدالصمد الرقاشي؛ لأنه كان يضمّن قصصه معلومات تفصيلية ترد في سياق الاعتبار بخلق الكائنات، شغل بالحديث مرة عن «خلق البعوضة» واستغرق منه ذلك ثلاثة مجالس قصصية تامة. رأى الجاحظ، وهو من المهتمين بشأن الحيوانات، ذلك ميزة متفرّدة من قاص خصّص ثلاثة مجالس لخلق البعوضة. كان استعراض المعلومات من تقاليد التفوق، يُذهل التوسع، والإغراق في التفاصيل، جمهوراً يترقب المعرفة، ويهيم بالتخيلات... "
ويضيف د. عبدالله ابراهيم " فسد القصّ حينما غزاه الأدعياء من القصّاص، أولئك الذين أغرتهم جاذبية القص، ولم يكونوا مؤهلين له. وفي المأثور تحذير من فساد العِرق، ثمة تعارض بين الدعوة لصفاء العِرق، وبين الانصهار والتهجين، انتهكت أصالة عِرق القصاص، وهي حرفة القص، حينما أصهر الغرباء إلى سلالة الرقاشي، أي دنوا منهم، ولبسوا لبوسهم، وامتزجوا فيهم. انتهكت تقاليد القص، فخارت السلالة وسقطت"
اين هذا الكلام الجميل مما نقرا حاليا على شبكات الإنترنيت، لعلها احدى آفات وجنايات العولمة على الأدب والمعارف عموما، وإلا ماذا ينتظر القارئ من الكاتب؟
ألا تلاحظون معي ان الاستاذ البقالي لا يرضى بما دون النجوم، ولا يرضيه ادب السندويتش، وقد قال ما يرضي ضميره، ويبرئ ذمته امام العالمين...