نقد قائمة عزرا باوند لـ 23 محرّمًا في كتابة الشعر.. ت: علي سيف الرواحي

يعد (عزرا باوند) من أهم الأسماء الشعرية في القرن العشرين. ولا تقتصر هذه الأهمية على تجلي موهبته الشعرية الفذة في قصائده الملحمية؛ ولكن أيضا في مساهمته الفاعلة في دعم والنهوض بقامات معروفة في سماء الأدب، من بينهم (ربورت فروست) و (ت. اس. اليوت) و(جميس جويس) و(إرنست همنجواي) وغيرهم.

وقد أسس باوند نفسه كأحد الطلائعيين في النقد الأدبي قبل أن يتم اتهامه بمناصرة الفاشية ومعاداة السامية. وفي هذا الإطار كتب (دايفيد بيركينز) في كتابه تاريخ الشعر المعاصر “في مرحلة حاسمة وحرجة من تاريخ الأدب المعاصر والتي امتدت في الأعوام من ١٩١٢ حتى ١٩٢٢، أصبح لباوند تأثيركبير في الساحة الأدبية كأحد أبرز نقاد الشعر في انجلترا والولايات المتحدة على حد سواء”.

في بداية القرن العشرين ساهم باوند في تأسيس حركة شعرية تميزت في تركيزها على الصور الشعرية. وكان لدى هذه الحركة ثلاثة قوانين رئيسية هي:

١. المعالجة المباشرة “للشيء” سواء كان موضوعيا أو شخصيا.
٢. عدم استخدام أية كلمة لا تخدم الموضوع أو النص أو الفكرة المراد عرضها.
٣. فيما يتعلق بالوزن، فإنه يجب مراعاة تسلسل الجملة الشعرية عوضا عن التسلسل الايقاعي.

في العام ١٩١٣ كتب باوند مقالة بعنوان “بعض المحرّمات في الشعر”. وقد أوردنا القوانين التي أرساها باوند في مقالته تلك والتي تزود الشعراء الشباب بنصائح تمكنهم من السيطرة على غرورهم وكبريائهم وتوجههم لمنح أنفسهم ومجهوداتهم كلية في سبيل فنهم. وباختصار شديد، فإن هذه القوانين تنص على ضرورة وجود هدف ومغزى لكل بيت أو جملة شعرية، مع تجنب الحشو اللغوي والكلمات التي لا تخدم النص في شيء. كما تؤكد هذه القوانين على ضرورة وجود وعي لدى الشاعر بأعمال من سبقه من شعراء كبار، واستخدام هذا الوعي في تشكيل وتأليف أعماله الجديدة.

١. يجب عدم الالتفات إلى النقد الصادر من أشخاص لم يسبق لهم أن انتجوا أعمالا جليلة أو نبيلة. أنظر إلى الفارق الأدبي الكبير بين أعمال الإغريق الأوائل من شعراء ومسرحيين وبين من جاءوا بعدهم في العهد الروماني الذين كانوا مجرد شارحين لأعمال من سبقوهم من الأغريق العظام.

٢. لا تستخدم كلمات سطحية المعنى، وابتعد عن الأوصاف التي لا تكشف عن أي شيء.

٣. تجنب التشبيهات والتعابير التي تخلط بين المجاز التجريدي والواقع لأنه يخلق بعض الرتابة. وسبب ذلك أن بعض الكتاب لا يعي بأن الشيء الواقعي والطبيعي يحمل في طياته ما يكفي من الرمز للإشارة لشيء آخر.

٤. اجعل من المجاز التجريدي عدوك الأول. وما كتبته ببراعة في شكل نثري واضح لا تعاود صياغته بأسلوب شعري متواضع المستوى. ولا تظن أن باستطاعتك خداع القارئ الذكي عن طريق الهرب من الجمال الأصيل الممتنع للفن النثري إلى جمل شعرية مبتورة.

٥. ما قد يمتعض منه الناقد الخبير اليوم سوف بالتأكيد لن ينال استحسان العامة من القراء في الغد. لا تظن بأي حال من الأحوال أن فن الشعر هو أكثر بساطة من الفن الموسيقي، أو تظن أنه بامكانك إرضاء الخبير بأمور الشعر بمجهود أقل مما يبذله العازف على البيانو الراغب في احتراف الفن الموسيقي.

٦. لا تخشَ من التأثر بأقصى عدد ممكن من الشعراء والفنانين الكبار، ولكن تحلَّ باللياقة اللازمة للاعتراف بفضلهم عليك، أو اجعل هذا الفضل يتماهى مختفيا في عملك. ولا تحصر هذا التأثر في استخدام المزخرفات اللفظية المأخوذة من شعرائك المفضلين، لأنه آجلا أم عاجلا سوف يتم القبض عليك بالجرم المشهود.

٧. تجنب الزركشات اللفظية، الجيد منها والرديء.

٨. دع قارئك المحتمل يملأ نفسه بأرقى الإيقاعات الشعرية التي يمكن أن يكتشفها في نصك، خاصة وإن كان هذا القارئ سيقرأ شعرك بلغة أجنبية. وذلك لكي لا يشتت تركيزه عن حركة الايقاع حينما يحاول معرفة معنى الكلمات. مثال على ذلك بعض الأغاني الشعبية، شعر دانتي وقصائد شكسبير. دعه يحلل شعر غوته بكل هدوء ورويّة حتى يصل إلى عمق المحتويات القيمة الصوتية والإيقاعية للجمل والأبيات الشعرية، مهما كانت قصيرة أو طويلة، سواء بها تكثيف نغمي أم لا، ويصل إلى جذور الكلمات حتى يراها بطبيعتها اللغوية البحتة.

٩. ليس بالضرورة أن تعتمد القصيدة على موسيقاها الداخلية، لكن إن كان ذلك هو الحال فيجب أن تكون تلك الموسيقى غاية في الجودة بحيث تسعد القارئ الخبير.

١٠. اجعل قارئك الجديد يشعر بمعرفتك في أصول الشعر وفنونه من محسنات لفظية وسجعية، وتفنن في أسلوب القافية وتعدد الأصوات في النص، فذلك من ضروريات الكتابة تماما مثل ما تتوقع أنت أن يعرف المؤلف الموسيقي كل شيء عن حرفته ويتقنها. كل وقت هو مناسب للاهتمام بمثل هذه الجزيئات سواء كلها مجتمعة أو كل واحدة على حدة، حتى وإن كان الشاعر لا يستخدمها بكثرة.

١١. ما لا يصلح للنثر لا يصلح للشعر. لا تستخدم الكلمات الرتيبة التي قد تجدها في نص نثري في عملك الشعري.

١٢. لا تهتم كثيرا بالمظاهر أو تحاول إبراز ضلاعتك باللغة الوصفية، دع ذلك لكتاب المقالات الفلسفية المبتدئين. ولا تكثر من الوصف أو استخدام التفاصيل الكثيرة غير المهمة. وتذكر أن الرسام بإمكانه وصف منظر طبيعي أفضل منك وبذلك فإن معرفته بذلك الشيء أكثر بكثير.

١٣. عندما يتكلم شكسبير عن “فجر ملتف بعباءةٍ خمرية اللون” فهو يبرز شيئا ليس في مقدور فنان الرسم إبرازه. يوجد في هذا البيت العدمي الشيء المدعو الوصف، هو شيء تلقائي، كل ما على شكسبير أو أي شاعر محترف هو تقديمه كما هو للقارئ.

١٤. تعلم منهج رجل العلوم في عمله عوضا عن منهج المروّج الذي يحاول بيع صابون. فالعالم لا ينتظر أي احتفاء حتى يكتشف شيئا ذا قيمة. وهو يبدأ عمله بدراسة ما حققه العلماء من قبله. وهو لا يعتمد في عمله على شخصيته الساحرة ولا ينتظر أن يصفق له زملائه وهو في المراحل الأولية لعمله أو عندما يحقق اكتشافات صغيرة.

المشكلة لدى الشعراء الناشئين هي صعوبة تصنيفهم ووضعهم في خانة محددة لموهبتهم الشعرية ولإنجازاتهم. قد يرى بعضهم أنه حقق ما يشفع له بأن يكون شاعرا، وهذا التخبط في الساحة الشعرية هو ما جعل الجمهور يعرض عن الشعر الحديث.

١٥. لا تبتر نصك إلى قطع مشوهة عديمة الملامح. ولا تقف عند نهاية السطر بصورة تجعل الفكرة غير مكتملة. اجعل بداية البيت الشعري متناغم في الوزن مع سابقه من الأبيات، إلا إذا كنت تريد خلق حالة نفسية معينة لدى القارئ بوقوفك المفاجئ. وباختصار تصرف كأنك موسيقي موهوب، تتعامل مع المقاطع بكل حرفية. ولكي تتقن الحرفة يجب عليك اتباع القوانين غير المعلنة لها.

16. وبشكل طبيعي، يجب ألا يدمر نظام الوزن لديك تشكيل النص وألا يؤثر في وقع الكلمات أو معناها. ومن غير المحتمل أن تستطيع خلق نظام وزن قوي كفاية بحيث يؤثر على النص، لكن في الوقت نفسه قد تقع ضحية للتوقفات غير الموفقة نتيجة وصولك لنهاية السطر أو انتصاف البيت الشعري.

17. في حين يعتمد الموسيقيّ على حدة ودرجة ارتفاع نغمة عزف جوقته الموسيقية، فإنك كشاعر لا يمكنك ذلك. لقد أسيء استخدام مفهوم التناغم في الشعر كثيرا؛ حيث أن المعنى الحقيقي للتناغم هو موافقة الطبقات المختلفة للصوت الصادرة في وقت واحد مع بعضها البعض. ولكن في البيت الشعري الجيد قد تجد بقايا موسيقية حيث يكون لها صدى في أذن السامع كآلة موسيقية ضابطة للإيقاع.

18. يجب أن تحتوي القافية على عنصر المفآجأة لكي تحدث نوعا من المتعة والتشويق. وليس بالضرورة أن يكون الأمر غاية في الغرابة، يجب أن يكون هنالك توازن متى ما لزم استخدام غير المتوقع.

19. الصور الشعرية التي تحث وتثير مخيلة القارئ لن تُفقد مطلقا حين يترجم الشعر إلى لغة أخرى. ولكن الجزء الذي يطرب الأذن يجب أن يُقرأ بلغته الأصلية.

20. يمثل شعر (دانتي) الوضوح التام في التعابير، في مقابل أسلوب (ميلتون) البلاغي المتعدد المعاني. لكي تكسر الرتابة في شعرك عليك بقراءة (وردورث) كثيرا. وإذا أردت أن تستخلص بواطن الأمور عليك بـ (سافو) أو (كاتالاوس) أو (فيلون) أو (هاين) في أحسن حالاته، أو (جاتيير) عندما لا يكون بارد المشاعر. وليس هنالك أفضل من الشاعر الكبير (تشوسر) إذا أردت أن تكون متعدد اللهجات والأصوات. ولا يضر إن قرأت نثرا جيدا من حين لآخر، وهو الأمر الذي قد يعلمك الانضباط في الكتابة إن مارسته على سبيل التمرين.

٢١. وتعد الترجمة تمرينا جيدا للكتابة، خاصة حين تجد نصك مهلهلا وغير متماسك حينما تعاود صياغته. وبالترجمة تضمن أن يظل المعنى والتركيب البنائي للقصيدة متماسكا.

٢٢. حينما تكتب بأسلوب متسق بمعنى أن يكون شكل النص واحدا من حيث الجملة الشعرية والوزن (مثال على ذلك السوناتات)، تأكد من اكتمال كل جملة شعرية من حيث المعنى والوزن حتى لا تترك مجالا للحشو.

٢٣. لا تقم بإفساد معنى صورة شعرية ما في محاولتك لشرح فكرة أخرى. يحدث هذا عادة حينما تجد نفسك عاجزا عن ايجاد كلمة مناسبة لوصف صورة معينة. ولكن قد يكون هنالك استثناءات لهذه القاعدة.
أعلى