أحمد معيوف - قُتِلَ الجعد ومات إبن الراوني!!!… (1/3)

(1) الجعد بن درهم

لا توجد معلومات كافية تسلط الضوء عن الجعد بن درهم وتاريخه، وبالتالي فإن الحديث عنه يظل منقوص دوما. وانقل هنا عن احد الكتب التي فردت له باب كامل، وهو كتاب “مقالة التعطيل والجعد بن درهم” لمؤلفه الدكتور محمد بن خليفة التميمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، يقول في الكتاب “من الصعوبة بمكان البحث في بطون كتب التراجم والانساب والتاريخ والمقالات والعقائد عن جوانب حياة هذا الرجل، فتلك الكتب لم تعر هذا الرجل قدرا من العناية والاهتمام إلا بالقدر الذي يتعلق ببدعته التي اظهرها ودعا إليها وعرف بها، مع بعض الاشارات المتفرقة والبسيطة عن حياته”، انتهى الاقتباس. ويظل السؤال الحائر: كيف يغيب رجل بحجم الجعد بن درهم عن التاريخ، وأراه وفكره واسلوبه ساهم في التأسيس لفكر المعتزلة الذي سيطر على الحياة السياسية والفكرية على امتداد حقبة تاريخية امتدت لعقود منذ نهاية الحكم الاموي وازدهرت خلال الحكم العباسي خاصة في زمن المأمون والمعتصم والواتق.

أُختلِفَ في اصله وفي مولده، ينسبه البعض الى خرسان الفارسية، وينسبه البعض الى الاكراد. الذين ينسبونه الى الفرس هم أولائك الذين يعتقدون ان الفرس اكثر الطوائف خروجا عن الاسلام، لانهم يعتقدون في تفوقهم العرقي على باقي الامم، فلما سقطت دولتهم على يد العرب رأو ان يكيدو لهم عن طريق الحيلة، فأظهروا اسلامهم ليكيدو للاسلام وللعرب من الداخل، لهذا ادخل الجعد ضمن هذه الطائفة. والذين ينسبونه الى اصول كردية، يقولون بان أم مروان بن محمد آخر الخلفاء الامويين هي جارية كردية تسمى لبابة، كانت امه لابراهيم بن الاشتر الذي خرج على الامويين وقُتل في احدى المعارك، فاخدها محمد بن مروان منه بعد قتله، وانجبت له مروان بن محمد الذي اشتهر بلقب الحمار بسبب شدة صبره وجلده في الحرب. تذهب الروايات، ان هذه الامه هي اخت (او ربما ام) الجعد بن درهم، ويؤيد هذه الرواية في تقديرهم ان الجعد بن درهم كان مربي لمروان، حتى انه لقب بمروان الجعدي نسبة لمؤدبه جعد بن درهم.

من اشهر من تتلمذا على يد الجعد كما اشرنا الخليفة مروان بن محمد، ذلك ان محمد بن مروان قد أُعجب به وبعقليته فاختاره ليكون معلماً لابنه، ولاشك أن هذه منزلة كبيرة ومنصب عظيم لا يكون إلا لمن كان يستحقه بأهليته وعلمه. وكذلك من تلاميذه، الجهم ابن صفوان، الذي تنسب اليه الطائفة الجهمية.

وجريرة الجعد، التي قتل بسببها، كما يصفها اتباع المذهب السلفي، انه اول من قال بخلق القرآن، كما كان ينفي أن يكون الله قد كلم موسى عليه السلام تكليماً، أو أن يكون قد اتخذ النبي ابراهيم عليه السلام خليلاً.

وفي حين لم يرد الا القليل القليل جدا عن تاريخ هذا الرجل، الا ان قصة قتله من اشهر القصص التي لم يخلو مصنف من مصنفات الثرات الا وذكرته، فقد اشتهر إن خالد بن عبد الله القسري الذي كان امير مكة في عهد الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك، وأمير العراق على عهد هشام، قام بقتل الجعد يوم عيد الأضحى بالكوفة، وذلك بعد أن خطب في الناس خطبته المشهورة تلك والتي قال فيها: أيها الناس! ضحوا يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.

وفي حين هناك اجماع من المذاهب السنية التي تنسب نفسها الى السلف حتى وقتنا هذا ان الجعد زنديقا وكافرا خارجا عن الملة، ويستحق القتل على مقاله وكفره، الا ان المدافعين عنه يعتقدوا بإن الجعد اراد أن يبالغ في توحيد الله سبحانه وتنزيهه، مما دفعه إلى القول بنفي الصفات التي توحي بالتشبيه والذهاب الى تأويلها، ومن بينها صفة الكلام والخُلة، مما أدى به إلى أن يقول بخلق القرآن وان ينفي اتخاد الله لابراهيم خليلا بمعنى الخلة التي بين البشر، وان يعتقد بان الله وضع كلامه في الشجرة فحدثت موسى به اي ليس مشافهه.



أعلى