في السجن ، وبينما اقرأ كتابي على الطيارة مراقبا الداخلين من باب الزنزانة عائدين من الزيارة ، دخل الاستاذ احمد الاربعيني ومدرس اللغة العربية وعضو تنظيمي بجماعة الاخوان المسلمين ، فرش زيارته واخرج الاكل واعطاه لمسؤول المطبخ، اخرج البسكويت واحتفظ به لنفسه ، ثم اخرج كيسا من الادوية ، فتحه واخرج اول علبة وفتحها واخرج منها الروشته خاصتها (الدليل المرفق بعلبة الدواء) نظر الىها 5 ثواني على الاكثر ثم نادى (يا استاذ احمد ، هو الدواء دة بتاع ايه !) صرخت في نفسي ... ما تقرأ ال de--script--ion يا عم .. ما انت مسكت الورقة بتاعة الوصفة الطبية للدواء بايدك ، ودي مكتوب فيها كل حاجة عن علبة الدواء ، ما تقرأ الوصفة يا عم بدال ما تسأل هو الدواء دة بتاع ايه ! يا اخي على الاقل تسلي نفسك في ساعات وليالي السجن بانك تقرا ورقة الوصفة الدوائية ، دة احنا حتى ممنوع عننا كسجناء دخول الكتب ، سلي وقتك يا اخي ... بس ازاي ،، القراءة من اصعب او هي اصعب الافعال على البشر الحاليين مستوطني كوكبنا القرن 21
اذكر ايضا مما اذكر عن سجني مع الاخوان المسلمين 2016 التالي :
الغرفة تضم 30 شخص ، 15 على الارض و15 على االطيارة ، اغلبهم ملهمش دعوة بحاجة ، ممسوكين غلط ، لم يشاركوا بالمظاهرات والاحتجاجات وابدا لم يكونوا حزبيين ، وبرغم ذلك فهم (خللوا في السجن) بقالهم سنة وص و20 شهر و3 سنين !! ثم هنالك من انتموا للاخوان داخل الحبس ودول اكثر من الاخوان المنظمين ، اي من كانوا اعضاء بمنظمة الاخوان المسلمين من خارج السجن وكانوا تقريبا 5 او 6 اشخاص بالغرفة ، كنت في سجالي الاضطراري معهم بقوة اننا سجناءا لشهور في وش بعض ، كنت في سجالي معهم اسالهم : مش هقولكم هل قريتوا برامج الاحزاب او الاشتراكيين الثوريين مثلا لتحكموا عليهم ، لأ فقط اسألكم هل قرأتم برنامج حزب الحرية واالعدالة حزب الاخوان المسلمين اللي انتم منتمين اليه ؟ وكانت اجابتهم المتوقعة (لأ لم نقرأا برنامج حزبنا ) !
لفيت على الاوض اسأل اعضاء االاخوان هل قريتوا برنامج حزب الحرية والعدالة ، ولو حد منهم قاللي اه قريتوا فلم اكن لاشكك واسأل عن فصوله وابوابه التي تتطابق مع برنامج الحزب الوطني 2010 وبرنامج المصريين الاحرار 2012 .. كنت هصدق اي حد يقولي انه قرأ البرنامج وهسكت .. لكن صدقوني .. ولا واحد من 80 سجين سياسي في برج العرب ، لا واحد من الربع اللي سكنت فيه بسجن برج العرب ، ولا واحد رد بانه قرأ برنامج الحرية والعدالة ، صدقوني ، بالذات الاخوان منهم ، كانوا يقروا وبأريحية زائدة انهم لم يقرأوا برنامج حزبهم !
عدلت الاسماء حفظا لماء وجههم . لاني بالنهاية اتحدث هنا عن زيف وضحالة الوعي للطليعة السياسية المزعومة بالمجتمع .. عن "المعتقلين السياسيين" من يفترض بانهم ضمن اعلى الهرم الاجتماعي وفئة السياسيين ، اتكلم عن معتقلي الرأي االلي الثورة لما بتقوم بتحررهم بصفتهم بوصلة ودليل انتصار الثورة والرأي المقموع والمظلوم بالوطن، لم يقرأوا اصلا برنامج حزبهم.. مرة اخرى .. ليه .. لان القراءة من اصعب الافعال التي يمكن على انسان القرن الحالي ان يقوم بها .. يا راجل .. اقرأ برنامج حزبي ... يااااه .. اغلب الظن ان القليل القليل من اصادقائي ودائرة معارفي هم
من سيقرأوا هذا االمقال والاغلب ايضا ان العديد منهم قد توقفوا عن القراءة قبل ان يصلوا لهذه الفقرة.
نشاطهم الاساسي كان اللحمة. لم تخل مائدة طعام كل يوم من الدجاج واللحم واحيانا كان يقدم معهم السمك. كانت براعتهم تتجسد في تأمين اللحم والدجاج بشكل يومي وكانوا يقروا انهم يأكلوا افضل مائة مرة من مواطني مصر ، قادة الاخوان بالسجن- على العكس من قاد الجهاديين - قد اقروا اتفاقا مع ادارة السجن من ضمن بنوده دخول كافة المأكولات الممنوعة بالسجن وقد تنازلوا من ناحية اخرى عن دخول الكتب !
صرخت فيهم كييييييييييييف ! بعد ما يقرب 3 شهور جاءت اجابتهم (مش بردو انت ليك في التاريخ والثورات الشيوعية .. صحيح ما تشرح لنا الشيوعية) عرض علي بعدها مسؤول الغرفة محاضرتين بالبرنامج الثقافي الاسبوعي ؛
جرت عادتهم باسكات الغرفة ساعة يوميا بعد العشاء – ساعة يحاضر فيها شخصا مختلفا يوميا بينما تُلزم الغرفة - التي لا يسكت ضجيج همسها ابدا – تُلزم بصمت الساعة.
اغرتني الفكرة، احاضرهم فاستذكر ما قد نسيته بالذات بمنع الكتب عننا باالسجن. بدأت جلساتي بشرح ثورات مطلع القرن الماضي ابتداءا بروسيا الثورة 1905
بعد جلسات واسابيع ولما وصلنا لاندلاع الثورة العالمية بانتهاء الحرب العالمية الاولى، اصبحت الاحداث اكثر تعقيدا وتداخلا فصعبت مهمة استحضار الاسماء والتوارايخ على وجه الدقة بينما كنت قد عانيت الامرين من سلوك الاخوان المنظمين اثناء محاضرتي فحصل ان حدثت نفسي كثيرا بالانسحاب ؛ تحضير وترتيب الاحداث وكيفية شرحها وايجازها بساعة واحدة لم يكن ابدا علىى قدر سلوكهم اغلبهم ينام لان الوجبة الاسياسية اليومية تسبق تماما الدرس اليومي وتسبب النعاس. البعض يتهامس ويلعب الشطرنج وقليل من يستحضروا اوراقهم للمتابعة معي .. استاذ احمد الذي ذكراه اعلاه في واقعة الروشتة كان يدعي الشخير كأنه نائما وكثيرا ما اضحكنا
جائني مسؤول الغرفة وطلب تقليل وقت المحاضرة لتكون 45 دقيقة بدلا من 60 دقيقة .. رفضت فخيرني بين الانسحاب او تقليل الوقت فرفضت الاثنين فنُقل الخلاف لاستفتاء الغرفة.
وعدهم المسؤول باستبدال فقرتي بفقرة لن يختلف عليها او يرفضها احد ، اعتبرته تحفيزا ليصوتوا ضدي ، فطبيعي ان ما يعنيه بفقرة بديلة لن يختلف عليها احد ان تكون فقرة القران وتجويده خاصة ان اغلبهم متعتعين وصفر تجويد..
المهم ان صوتوا ضدي وابدلوني بعم "الحلواني" الطباخ يشرح وصفات وطرق الطعام !
اول جلسات "الحلواني" كانت عن صنع الرز بلبن بالكريمة والكشري. بعد شهور حُكم عليه السجن عشر سنوات منن من النظام الجمهوري الحقير
هكذا استبدل البرنامج الثقافي لغرفة السجناء السياسيين النقاش عن تاريخ الثورات بالنقاش عن اصناف الطعام وطرق تحضيرها . اصلا منهم "زياد" الذي تندر قائلا "حديد ابقى اكتب مقال عن استبدالك بالاكل" كان زيدان دائما ما يردد لي هذه الجملة "ابقى اكتب مقال" .
اغلب هؤلاء حوكموا ابتداءا من 3 سنوات حتى 15 سنة منهم 10 اشخاص من قضية واحدة حكم عليهم شبيه كرشه بالسجن مائة عام مقسمة عليهم. سرقت الجمهورية اعمارهم يقضوها بالسجن
كنت اجادلهم بمعاونة محكوم 5 سنوات بالانتماء للقاعدة ، نشرح لهم .. كل معتقل يرى المستقبل في ثلاثة حلول (ان يقضي محكوميته كاملة – ان يحصل على العفو الدوري او الرئاسي – ان تحرره ثورة تهزم البوليس وتحرق المقرات والسجون) الان ولنفرض ان ثورة قامت وحررتكم ووضعتكم على راس المفاوضات والمؤتمرات السياسية بصفتكم معتقلي الراي والسياسية بالوطن ، فكيف ستشرحوا اي خطط لتغيير وتطهير المجتمع بينما لم تحضروا اي شئ منظمتكم – اي الاخوان – لازالت منقسمة عن تطهير او هدم البوليس والجيش .. كان القاعدة يرى مثلنا الشيوعيون بضرورة هدم مؤسسات القمع البوليس والجيش وكان المنظمين بالاخوان يحاولوا شرح (لا يا جماعة صوابعك مش زي بعض الجيش والبوليس فيه ضباط كويسين) هذا جزء يسير عن اللحمة والتاريخ والسجن مع الاخوان المصريين .
" غلب المين مذ كان الخلق … وماتت من غيظها الحكماء "
في القلب من هذا كله .. ما هي مهامنا نحن الكتاب والادباء والشعراء في القلب من مجتمع توقف اغلب سكانه عن اقتناء الككتب وقراءتها ويتلقوا كل معلوماتهم من الفدييوز ؟
سألني احدهم .. امتى اخر مقال نشرته ؟ السؤال جيد لان اخر مقال نشرته يختلف عن اخر ما كتبته
عادة لا اكتب الا حين اكاد اجن او انفجر ، رغم اني اعيش الموت في صمتي ، رغم اني قد قررت ان اهب حياتي للكلمة ، نقدا لكل ما هو كائن . ما عنى ودائما ما سيعني " الفضح ".. وغالبا ما اكتب مجدددا عهدا قديما بالا اترك هذا العالم دون فضيحة .
اتراجع عن النشر لعدة اسباب مكتفيا بارسال المسودة لرهط من الرفاق ( فمن عهد آدم قام للفهماء من الناس الرقيب كالجزار )
اصلا ، قد قلنا نحن الكتاب قبلا كل شئ ( قلنا ما في الخمر لكن الناس كانوا عننا مشغولين بشؤون اللقمة وخصوصا كيلو اللحمة )
نباتيا من مثلي لا يأكل اللحم طوعا والناس من حوله اصطفوا بطوابير اللحمة بشوارع مصر عيد الاضحى 2019 كان السابق هو ما قد جال بذهني.
في القلب من موسم المسلمين لجمع وافتراس الابقار والخراف ( عيد الاضحى 2019 ) كانت الاخبار تشرح لمن عقلوا ان لازالت ضحايا اعيادنا بشر لاخراف ؛ بسوريا استمر قصف ادلب ما ادى لاستشهاد صبي في التاسعة من عمره صباح العيد وكذلك الجبهات بليبيا واليمن والعراق والسودان .. واخلاءا قسريا من جيش الصهاينة لحرم القدس عقب صلاة العيد الخ من اخبار لا يعقل منها سوى ان ( الارض كل الارض لا تعدو جزيرة تُجرى عليها مجزرة ) بينما الناس بمصرنا مشغولين بشؤون االلقمة وخصوصا كيلو اللحمة. .. اسوأ الامصار قطري.
حسما للقصة واشكاليتها .. لن يتغير هذا العالم الا على الاقل عندما تصل اقلية حرجة من سكان المجتمع لوعي القراءة ، تلك فقط ما تساعد العقل الانساني على وعي النقد والاستفهام والسعي اكثر فاكثر وراء المعلومة.
الاغلب ان من استغنوا عن مكتبة المنزل لصالح التلفاز 32 بوصة سيرموا رايي هذا بالهزأ او باحسن الاحوال سيجادلوا بسفسطة ان المعلومة قد تتحصلها من دون القراءة عبر الفيديو او التقرير المسموع . هؤلاء بعد ان احيلهم للبحث عن الفارق بين تلقي المعلومة عبر القراءة وتلقي نفس المعلومة عبر السمع وما صاحبه من مؤثرات ، بعد احالتهم لبحث لن يقوموا به فاشرح لهم ان الرجاء الانساني ليس فيهم بل في من احتفظ بمكتبة بمنزله يورثها اولاده - ان نجت من مداهمات البوليس - كيما يعرفوا تطوراته وابحاثه الفكرية .. في هؤلاء فقط رجاء الانسان .. اقولها مشددا وبحزم ( في هؤلاء فقط ) .
اما رجائي وانتصاري وانتقامي بعد عذابي فسيكون باندلاع الثورة وعندها سيظهر على السطح وعي القراءة من جديد. انتقامي ورهاني باندلاع انتفاضة شعبية سنعمل فيها نحن الشيوعيون لانتصار الثورة وهزيمة الجيش الجمهوري على الاقل بمنع تداول الشعار الذي ساد في ثورات الربيع العربي 2011 لمن يتذكر (الجيش والشعب ايد واحدة) خلاصي ورجائي وانتقامي ان هنالك شبابا قابلتهم في السجون وخارجها وعدوني وطالبوني بكتب لقراءتها ودراستها عندما عايشوني وشاهدوا نهمي وسعيي للمعلومة والمعرفة عبر القراءة وفقط عبر القراءة
"ولئن عمرت دور بمن لا احبهم ... فلقد عمرت بمن احبهم المقابر"
اذكر ايضا مما اذكر عن سجني مع الاخوان المسلمين 2016 التالي :
الغرفة تضم 30 شخص ، 15 على الارض و15 على االطيارة ، اغلبهم ملهمش دعوة بحاجة ، ممسوكين غلط ، لم يشاركوا بالمظاهرات والاحتجاجات وابدا لم يكونوا حزبيين ، وبرغم ذلك فهم (خللوا في السجن) بقالهم سنة وص و20 شهر و3 سنين !! ثم هنالك من انتموا للاخوان داخل الحبس ودول اكثر من الاخوان المنظمين ، اي من كانوا اعضاء بمنظمة الاخوان المسلمين من خارج السجن وكانوا تقريبا 5 او 6 اشخاص بالغرفة ، كنت في سجالي الاضطراري معهم بقوة اننا سجناءا لشهور في وش بعض ، كنت في سجالي معهم اسالهم : مش هقولكم هل قريتوا برامج الاحزاب او الاشتراكيين الثوريين مثلا لتحكموا عليهم ، لأ فقط اسألكم هل قرأتم برنامج حزب الحرية واالعدالة حزب الاخوان المسلمين اللي انتم منتمين اليه ؟ وكانت اجابتهم المتوقعة (لأ لم نقرأا برنامج حزبنا ) !
لفيت على الاوض اسأل اعضاء االاخوان هل قريتوا برنامج حزب الحرية والعدالة ، ولو حد منهم قاللي اه قريتوا فلم اكن لاشكك واسأل عن فصوله وابوابه التي تتطابق مع برنامج الحزب الوطني 2010 وبرنامج المصريين الاحرار 2012 .. كنت هصدق اي حد يقولي انه قرأ البرنامج وهسكت .. لكن صدقوني .. ولا واحد من 80 سجين سياسي في برج العرب ، لا واحد من الربع اللي سكنت فيه بسجن برج العرب ، ولا واحد رد بانه قرأ برنامج الحرية والعدالة ، صدقوني ، بالذات الاخوان منهم ، كانوا يقروا وبأريحية زائدة انهم لم يقرأوا برنامج حزبهم !
عدلت الاسماء حفظا لماء وجههم . لاني بالنهاية اتحدث هنا عن زيف وضحالة الوعي للطليعة السياسية المزعومة بالمجتمع .. عن "المعتقلين السياسيين" من يفترض بانهم ضمن اعلى الهرم الاجتماعي وفئة السياسيين ، اتكلم عن معتقلي الرأي االلي الثورة لما بتقوم بتحررهم بصفتهم بوصلة ودليل انتصار الثورة والرأي المقموع والمظلوم بالوطن، لم يقرأوا اصلا برنامج حزبهم.. مرة اخرى .. ليه .. لان القراءة من اصعب الافعال التي يمكن على انسان القرن الحالي ان يقوم بها .. يا راجل .. اقرأ برنامج حزبي ... يااااه .. اغلب الظن ان القليل القليل من اصادقائي ودائرة معارفي هم
من سيقرأوا هذا االمقال والاغلب ايضا ان العديد منهم قد توقفوا عن القراءة قبل ان يصلوا لهذه الفقرة.
نشاطهم الاساسي كان اللحمة. لم تخل مائدة طعام كل يوم من الدجاج واللحم واحيانا كان يقدم معهم السمك. كانت براعتهم تتجسد في تأمين اللحم والدجاج بشكل يومي وكانوا يقروا انهم يأكلوا افضل مائة مرة من مواطني مصر ، قادة الاخوان بالسجن- على العكس من قاد الجهاديين - قد اقروا اتفاقا مع ادارة السجن من ضمن بنوده دخول كافة المأكولات الممنوعة بالسجن وقد تنازلوا من ناحية اخرى عن دخول الكتب !
صرخت فيهم كييييييييييييف ! بعد ما يقرب 3 شهور جاءت اجابتهم (مش بردو انت ليك في التاريخ والثورات الشيوعية .. صحيح ما تشرح لنا الشيوعية) عرض علي بعدها مسؤول الغرفة محاضرتين بالبرنامج الثقافي الاسبوعي ؛
جرت عادتهم باسكات الغرفة ساعة يوميا بعد العشاء – ساعة يحاضر فيها شخصا مختلفا يوميا بينما تُلزم الغرفة - التي لا يسكت ضجيج همسها ابدا – تُلزم بصمت الساعة.
اغرتني الفكرة، احاضرهم فاستذكر ما قد نسيته بالذات بمنع الكتب عننا باالسجن. بدأت جلساتي بشرح ثورات مطلع القرن الماضي ابتداءا بروسيا الثورة 1905
بعد جلسات واسابيع ولما وصلنا لاندلاع الثورة العالمية بانتهاء الحرب العالمية الاولى، اصبحت الاحداث اكثر تعقيدا وتداخلا فصعبت مهمة استحضار الاسماء والتوارايخ على وجه الدقة بينما كنت قد عانيت الامرين من سلوك الاخوان المنظمين اثناء محاضرتي فحصل ان حدثت نفسي كثيرا بالانسحاب ؛ تحضير وترتيب الاحداث وكيفية شرحها وايجازها بساعة واحدة لم يكن ابدا علىى قدر سلوكهم اغلبهم ينام لان الوجبة الاسياسية اليومية تسبق تماما الدرس اليومي وتسبب النعاس. البعض يتهامس ويلعب الشطرنج وقليل من يستحضروا اوراقهم للمتابعة معي .. استاذ احمد الذي ذكراه اعلاه في واقعة الروشتة كان يدعي الشخير كأنه نائما وكثيرا ما اضحكنا
جائني مسؤول الغرفة وطلب تقليل وقت المحاضرة لتكون 45 دقيقة بدلا من 60 دقيقة .. رفضت فخيرني بين الانسحاب او تقليل الوقت فرفضت الاثنين فنُقل الخلاف لاستفتاء الغرفة.
وعدهم المسؤول باستبدال فقرتي بفقرة لن يختلف عليها او يرفضها احد ، اعتبرته تحفيزا ليصوتوا ضدي ، فطبيعي ان ما يعنيه بفقرة بديلة لن يختلف عليها احد ان تكون فقرة القران وتجويده خاصة ان اغلبهم متعتعين وصفر تجويد..
المهم ان صوتوا ضدي وابدلوني بعم "الحلواني" الطباخ يشرح وصفات وطرق الطعام !
اول جلسات "الحلواني" كانت عن صنع الرز بلبن بالكريمة والكشري. بعد شهور حُكم عليه السجن عشر سنوات منن من النظام الجمهوري الحقير
هكذا استبدل البرنامج الثقافي لغرفة السجناء السياسيين النقاش عن تاريخ الثورات بالنقاش عن اصناف الطعام وطرق تحضيرها . اصلا منهم "زياد" الذي تندر قائلا "حديد ابقى اكتب مقال عن استبدالك بالاكل" كان زيدان دائما ما يردد لي هذه الجملة "ابقى اكتب مقال" .
اغلب هؤلاء حوكموا ابتداءا من 3 سنوات حتى 15 سنة منهم 10 اشخاص من قضية واحدة حكم عليهم شبيه كرشه بالسجن مائة عام مقسمة عليهم. سرقت الجمهورية اعمارهم يقضوها بالسجن
كنت اجادلهم بمعاونة محكوم 5 سنوات بالانتماء للقاعدة ، نشرح لهم .. كل معتقل يرى المستقبل في ثلاثة حلول (ان يقضي محكوميته كاملة – ان يحصل على العفو الدوري او الرئاسي – ان تحرره ثورة تهزم البوليس وتحرق المقرات والسجون) الان ولنفرض ان ثورة قامت وحررتكم ووضعتكم على راس المفاوضات والمؤتمرات السياسية بصفتكم معتقلي الراي والسياسية بالوطن ، فكيف ستشرحوا اي خطط لتغيير وتطهير المجتمع بينما لم تحضروا اي شئ منظمتكم – اي الاخوان – لازالت منقسمة عن تطهير او هدم البوليس والجيش .. كان القاعدة يرى مثلنا الشيوعيون بضرورة هدم مؤسسات القمع البوليس والجيش وكان المنظمين بالاخوان يحاولوا شرح (لا يا جماعة صوابعك مش زي بعض الجيش والبوليس فيه ضباط كويسين) هذا جزء يسير عن اللحمة والتاريخ والسجن مع الاخوان المصريين .
" غلب المين مذ كان الخلق … وماتت من غيظها الحكماء "
في القلب من هذا كله .. ما هي مهامنا نحن الكتاب والادباء والشعراء في القلب من مجتمع توقف اغلب سكانه عن اقتناء الككتب وقراءتها ويتلقوا كل معلوماتهم من الفدييوز ؟
سألني احدهم .. امتى اخر مقال نشرته ؟ السؤال جيد لان اخر مقال نشرته يختلف عن اخر ما كتبته
عادة لا اكتب الا حين اكاد اجن او انفجر ، رغم اني اعيش الموت في صمتي ، رغم اني قد قررت ان اهب حياتي للكلمة ، نقدا لكل ما هو كائن . ما عنى ودائما ما سيعني " الفضح ".. وغالبا ما اكتب مجدددا عهدا قديما بالا اترك هذا العالم دون فضيحة .
اتراجع عن النشر لعدة اسباب مكتفيا بارسال المسودة لرهط من الرفاق ( فمن عهد آدم قام للفهماء من الناس الرقيب كالجزار )
اصلا ، قد قلنا نحن الكتاب قبلا كل شئ ( قلنا ما في الخمر لكن الناس كانوا عننا مشغولين بشؤون اللقمة وخصوصا كيلو اللحمة )
نباتيا من مثلي لا يأكل اللحم طوعا والناس من حوله اصطفوا بطوابير اللحمة بشوارع مصر عيد الاضحى 2019 كان السابق هو ما قد جال بذهني.
في القلب من موسم المسلمين لجمع وافتراس الابقار والخراف ( عيد الاضحى 2019 ) كانت الاخبار تشرح لمن عقلوا ان لازالت ضحايا اعيادنا بشر لاخراف ؛ بسوريا استمر قصف ادلب ما ادى لاستشهاد صبي في التاسعة من عمره صباح العيد وكذلك الجبهات بليبيا واليمن والعراق والسودان .. واخلاءا قسريا من جيش الصهاينة لحرم القدس عقب صلاة العيد الخ من اخبار لا يعقل منها سوى ان ( الارض كل الارض لا تعدو جزيرة تُجرى عليها مجزرة ) بينما الناس بمصرنا مشغولين بشؤون االلقمة وخصوصا كيلو اللحمة. .. اسوأ الامصار قطري.
حسما للقصة واشكاليتها .. لن يتغير هذا العالم الا على الاقل عندما تصل اقلية حرجة من سكان المجتمع لوعي القراءة ، تلك فقط ما تساعد العقل الانساني على وعي النقد والاستفهام والسعي اكثر فاكثر وراء المعلومة.
الاغلب ان من استغنوا عن مكتبة المنزل لصالح التلفاز 32 بوصة سيرموا رايي هذا بالهزأ او باحسن الاحوال سيجادلوا بسفسطة ان المعلومة قد تتحصلها من دون القراءة عبر الفيديو او التقرير المسموع . هؤلاء بعد ان احيلهم للبحث عن الفارق بين تلقي المعلومة عبر القراءة وتلقي نفس المعلومة عبر السمع وما صاحبه من مؤثرات ، بعد احالتهم لبحث لن يقوموا به فاشرح لهم ان الرجاء الانساني ليس فيهم بل في من احتفظ بمكتبة بمنزله يورثها اولاده - ان نجت من مداهمات البوليس - كيما يعرفوا تطوراته وابحاثه الفكرية .. في هؤلاء فقط رجاء الانسان .. اقولها مشددا وبحزم ( في هؤلاء فقط ) .
اما رجائي وانتصاري وانتقامي بعد عذابي فسيكون باندلاع الثورة وعندها سيظهر على السطح وعي القراءة من جديد. انتقامي ورهاني باندلاع انتفاضة شعبية سنعمل فيها نحن الشيوعيون لانتصار الثورة وهزيمة الجيش الجمهوري على الاقل بمنع تداول الشعار الذي ساد في ثورات الربيع العربي 2011 لمن يتذكر (الجيش والشعب ايد واحدة) خلاصي ورجائي وانتقامي ان هنالك شبابا قابلتهم في السجون وخارجها وعدوني وطالبوني بكتب لقراءتها ودراستها عندما عايشوني وشاهدوا نهمي وسعيي للمعلومة والمعرفة عبر القراءة وفقط عبر القراءة
"ولئن عمرت دور بمن لا احبهم ... فلقد عمرت بمن احبهم المقابر"