قبل بضع ساعات استلمت ديوانا جديدا نشره الشاعرُ لقاح عبد الناصر عنوانه: “أحمد.. بالأحمر يلغي الموت.. ” أُرسلتْ لي نسخةٌ منه مع الصديق أحمد الرجواني، وأول ما استلمْته أثار انتباهي شكله المعماري، صورتان الأولى في الواجهة الأمامية، والثانية في الواجهة الخلفية، فأمّا الأولى للمرحوم أحمد بن جلون، وهو بؤرة السلوك الإبداعي، والثانية للشاعر عبد الناصر، وهو صاحب الفعْل، ومنه نسجّل التفاعلَ بين العلامتين، وهما يشكّلان إلى جانبِ علاماتٍ أخرى فضاء الدّيوان، من حيث معمارُه، وبدا من خلال معطيات نصية أن حزب الطليعة الديموقراطي القاعدي هو من تكلّف بنشر العمل، وهنا يمكننا أن نفترض أن العلامة الثالثة المذكورة توّا، هي الجسر الرابط، بين العلامتين الأولتين، وبالتالي فالعلاقة علاقةُ مبدأ، وتلازم انتماءٍ.
أمّا بلغة اللساني جيرار جينيت فعتبات الخطاب الشعري كانت غنية، وثمة علاقة بين العتبات كلّها، فالديوان إنما عبر كل عنصر فيه عن نفسه بمنهجية التفكيكيين، و في الوقت نفسه فهو بنيانٌ مرصوص والعلاقة بين لبناته سمتها التلاحم بمنطق البنيويين، أما من العتبات كعلاماتٍ طبعا، فثمّة العنوان إضافة للإهداءِ الذي بفعل التدافع النّسقي يسجّل حضوره في الفضاء، وبين العنوان والإهداء خيط سميك، فالديوان أهداه الشاعر إلى روح شهيد حركة التحرر العالمية أحمد بن جلون، فهذا الأخير منه الإبداع، وإلى روحه الإبداعُ، وتشرف الأستاذ النقيب عبد الرحمان بنعمرو بنقش التقديم بأحرف من دماء الشهيد الطاهرة، وبلغة الواقع، والواقعية.
إن في الديوان ثلاثين نصا قصيرا، صغير الحجم، لا يتعدى كل نص بضع أسطر شعرية، نقول هذا لأنه يغلبُ عليه النّمط التفعيلي، في كثير من مواطنه، و التفعيلات ـ ما دام النص تفعيليا ـ لا تتجاوز بنيتُه عشرين تفعيلة كما في النص الثالث، و بالحديث عن عنصر الإيقاع فكما في رأي أستاذنا الدكتور عز الدين إسماعيل الجمال يحكمه النظام، و لا شيء يبدو جميلا ما لم يكن منظّما ـــ حتى و إن كنت مؤمنا بمبدأ أن جمال الأشياء ليس فيها إنما في الذوات المدركة لعناصر الوجود المشكّلة لموضوعاته ـــ و حسن إيقاع شعرنا القديم يرتبط بالنظام الموسيقى الذي تحكمه قوانين على شكل قواعد وجودها له غاية و الغاية أن يخرج المنتوج الأدبي في أبهى حلله، فهي تشكل المداخل بلغة التوليديين، و المخرج يجسده الخطاب الشعري، و لعل ما لم يرد فهمه بعضهم، أنما القاعدة لم توضع لتعجز أحدا،، والنّسق من سمات الشكل الجديد ـــ نقول الجديد متحفّظين ــ فالجديد ليس عبارة قدحية كما قد يظن أحدُهم، فشعر التفعيلة احتفظ باللبنة الأساسية المتمثلة في التفعيلة نفسِها، و من كبار الشعراء المعاصرين الحقيقيين المجددين درويش محمود و نزار قباني و غيرُهما احتفظوا بالتفعيلة، فهي رمز الجمال الإيقاعي المتدفق المتوهج، وليستْ رمزَ العبودية و الخضوع كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين، كنا لا بد أن نشير إلى لب فكرة التفعيلة قبل أن نواصل حديثنا عن عنصر الإيقاع في الديوان، والمسجّل أن الشاعر عبد الناصر زاوج بين النصين العمودي و التفعيلي في ديوانه و هو الأمر الذي سجّلناه ونحن نقارب ديوانه أشجار نصيرة الجذلى، وهو المعطى الحاضر في جل دواوينه كجداول الروح، و الأرق، وتجربة التجريب إنما أراد أن يعلن من خلاله الشاعر أنه ذو توجهين، أصيل وحداثي في الوقت ذاته، ولكنّ ثمة حدودا حمراء لا يمكن تجاوزها، و عنصر الحدود مهم في الفن والعلم معا، و طإن الباحث في كتب العلوم خاصة قديمها وجديدها ليجد العلماء في حقل العلوم البحثة الحقة، و العلوم الإنسانية و العلوم اللسانية يركزون عليها، وإنّ ثمة تقييدا و فصلا منهجيا، و في هذا كله كانوا يبحثون عن النظام المتمثل في عنصر التقطيع.
ولنا أن نمثل للقالبين الأصيل والحداثيّ، حيث يقول الشاعر :
لعمرك إنك دفق شريف
وصدق تعالى و روح شفيف
لمثلك تعلو الأماني فخارا
و يخلد نور مليح طريف
وفي قصيدته الأخيرة خاطب الشاعر الشهيد أحمد بحرقة :
يا أحمد
صرت أخا
و رفيقا
يا أحمد صرتك
صرت لقاحيا
أكرع ماء الله على فرح
في نخبك
وأصلي في نخبك
وأعود إلى روحي
في نخبك
أو حبك
في الديوان حضور و غياب، ثمة عناصر فرضت نفسَها على النسق الإبداعي فدلّت و هي تؤثث الديوان، وثمة أخرى لا قيمة حضورية لها، إنّنا ما دمنا نصفُ الجانب الإيقاعي الموسيقى علينا أن نشير إلى قوة حضور بحر المتقارب، و بحر المتدارك / الخبب، فقد تناوبا معبريْن عن معانٍ لا يكاد يدرك منها المتلقي سوى القليلِ، فكل كلمة في قالب التفعيلة في نظري هي كتلة من الدلالات، كما كل حرف فيها أنما هو كتلة من السمات المميزة في رأي اللساني والناقد رومان ياكوبسون صواتيا، و له سمات شعورية نفسيا إبداعيا في رأيي، ولنا أن نكسّر الحدود في التنظير والنقد بين عنصري النسق شكله ومضمونه ونجمع بينهما، فنقول : إن الإيقاع حركته سريعة تدل على حزن الشاعر، فقد بدت فيه مرارة فقدان أخيه المناضل، المجاهد أحمد، وللإيقاع معنى تعبر عنه حركته كما يذهب إلى ذلك أستاذنا الدكتور حسن الغرفي في كتابه حركة الإيقاع في الشعر المعاصر.
أن تكتب شعرا وأنت لا تفقه في اللغة حرفا خطأٌ كبير في رأيي، وأن تزعم شاعرية وأنت لا تفقه الأداة التي تفكر بها وتبدع بها كما في رأي أستاذنا الدكتور سعيد بنكراد ففي ذلك مجازفة، في اللغة الشعرية الخاصة بالشاعر لقاح ميزتان ــ تتعدّد الميزات فيها لكننا نأخذ الجزء معبرين عن الكل ــ أولا من جانب الصوت في علاقة بالإيقاع و المعنى، يعرف اختيارَ ما يستطيع أن يضفي الحسن على إبداعه من المعجم من ألفاظ، وكلّ عنصر صوتي في تركيب اللفظة يجسد انسجاما صوتيا، وهذا مخرجه اتساقٌ خطابي متين، ويخدم الحالة الشعورية للشاعر، فليس ثمّة ألفاظ فيها عيوب صوتية تأليفية، فبلغة اللساني جون مكارتي، هناك تأليف حسن، و بلغة الجرجاني و البلاغيين تناغم الحروف وانسجامها، والميزة الثانية في علاقة بالجانب البلاغي البياني، صوّره المنسوجة بعيدة المدى ليس يستطيع إدراكها و سبر أغوارها متلقٍ عادٍ، إنما يدل عن مكنة الشاعر وحذقه، فهو عارف بقواعد البيان العربي الأصيل، ومعرفة المباحث البلاغية شرط من شروط الإبداع في نظري، فبعد الصديق أحمد عن ناظره، اقتضى توظيف صور بعيدة، ونسج أيقونات مثالية ترتبط بعالم ثانٍ.
فما أغربها من صور يقول الشاعر :
دمه صخب
رئتاه شوق يمضي
نحو غد
يتصوح فيه الرعب
تقتضي الضرورة تبيان ملامح الشعرية في الخطابات، فعيب النقد الحديث عند الدارسين المعاصرين أنهم قلّما تجدهم يبرزون مكامن القوة والضعف، و إن كنّا لم أبرز بشكل عملي المظاهر.
ثمة صورة كما أشرنا في البداية على ظهر الديوان، هي صورة فوتوغرافية للشاعر عبد الناصر يظهر حاملا محفظته، و كعادته يعبر بلغة الابتسامة، و المثير فيها الألوان، فهناك صراعها، تتصارع فيما بينها بحثا منها عن السيادة، والصورة ــ في الدراسات السيميائية ــ عند أستاذنا الدكتور عبد السلام إسماعيلي علوي لغة، لها نحوها، و معجمها، إن كان في نظري مبدأ الاعتباطية شمولي، سأقطع الصورة وأستعمل منها ما له علاقة بالموضوع، إن لباس الشاعر فيه إيحاءات عميقة، والناشر أحسن اختيارَ الصورة، فلها علاقة بالديوان، السواد فرض نفسه محققا الغلبة والسيادة، والدلالة واضحة من لفظ الصورة دون حاجة للتأويل، و إن تحقق في ما نكتب، باعتبارها خطابا ذا صلة بالنسق اللغوي، دلالة الحزن والفقد، فلا محالة ترك موتُ المناضل أحمد في نفس الشاعر بالغَ الأُثر، ولأن النفس لا نستطيع تشخيصها، ولأنّ هناك ارتباطا بين الجواهر والأشكال في نظري، فقد أسقطنا على الصورة ما أسقطنا.
هناك اتّساقٌ بين العتبات كما قلنا في أول وهلة، ولنا أن نشير إلى عتبة التأريخ فقد بسط الشاعر كل تفاصيل الكتابة الشعرية، فأرّخ بنفسه مقدما معطياتٍ مرتبطةً بزمان العملية الإبداعية ومكانها، كمكناس المغربية، وغرناطة الإسبانية، وغيرهِما.
قراءتنا هذه، ساد فيها الوصف، وفي أحايين عديدة ارتبط بالتفسير، انطلقنا من معطيات نصية وارتبطنا بما هو خارج نصي في بعض المواطن، في محاولة منا لوضعها تحت مجهر الخارج ومدى ارتباطهما معا، إن القائد أحمد تجلت خصاله في النص وظهرت ملامح أفكاره، فمن وظائف اللغة التي وظفها الشاعر التجسيد، وفي نظري نجح وإن كنت في البداية قلت إن ما كان يرمي إليه من معان كان بعيد المأخذ، و عموما أغنى اللقاح المكتبة الأدبية الشعرية المغربية وبرْهن على أنه ما يزال شاعرا ثائرا، و في وجدانه يحيا الشاعر المناضل ويرسم أعمق الرسومات خطابا، و مرة أخرى نؤكد على أن في مجال الإبداع الشعري تعالقا بين النسقين اللغوي وغيرِ اللغوي.
أمّا بلغة اللساني جيرار جينيت فعتبات الخطاب الشعري كانت غنية، وثمة علاقة بين العتبات كلّها، فالديوان إنما عبر كل عنصر فيه عن نفسه بمنهجية التفكيكيين، و في الوقت نفسه فهو بنيانٌ مرصوص والعلاقة بين لبناته سمتها التلاحم بمنطق البنيويين، أما من العتبات كعلاماتٍ طبعا، فثمّة العنوان إضافة للإهداءِ الذي بفعل التدافع النّسقي يسجّل حضوره في الفضاء، وبين العنوان والإهداء خيط سميك، فالديوان أهداه الشاعر إلى روح شهيد حركة التحرر العالمية أحمد بن جلون، فهذا الأخير منه الإبداع، وإلى روحه الإبداعُ، وتشرف الأستاذ النقيب عبد الرحمان بنعمرو بنقش التقديم بأحرف من دماء الشهيد الطاهرة، وبلغة الواقع، والواقعية.
إن في الديوان ثلاثين نصا قصيرا، صغير الحجم، لا يتعدى كل نص بضع أسطر شعرية، نقول هذا لأنه يغلبُ عليه النّمط التفعيلي، في كثير من مواطنه، و التفعيلات ـ ما دام النص تفعيليا ـ لا تتجاوز بنيتُه عشرين تفعيلة كما في النص الثالث، و بالحديث عن عنصر الإيقاع فكما في رأي أستاذنا الدكتور عز الدين إسماعيل الجمال يحكمه النظام، و لا شيء يبدو جميلا ما لم يكن منظّما ـــ حتى و إن كنت مؤمنا بمبدأ أن جمال الأشياء ليس فيها إنما في الذوات المدركة لعناصر الوجود المشكّلة لموضوعاته ـــ و حسن إيقاع شعرنا القديم يرتبط بالنظام الموسيقى الذي تحكمه قوانين على شكل قواعد وجودها له غاية و الغاية أن يخرج المنتوج الأدبي في أبهى حلله، فهي تشكل المداخل بلغة التوليديين، و المخرج يجسده الخطاب الشعري، و لعل ما لم يرد فهمه بعضهم، أنما القاعدة لم توضع لتعجز أحدا،، والنّسق من سمات الشكل الجديد ـــ نقول الجديد متحفّظين ــ فالجديد ليس عبارة قدحية كما قد يظن أحدُهم، فشعر التفعيلة احتفظ باللبنة الأساسية المتمثلة في التفعيلة نفسِها، و من كبار الشعراء المعاصرين الحقيقيين المجددين درويش محمود و نزار قباني و غيرُهما احتفظوا بالتفعيلة، فهي رمز الجمال الإيقاعي المتدفق المتوهج، وليستْ رمزَ العبودية و الخضوع كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين، كنا لا بد أن نشير إلى لب فكرة التفعيلة قبل أن نواصل حديثنا عن عنصر الإيقاع في الديوان، والمسجّل أن الشاعر عبد الناصر زاوج بين النصين العمودي و التفعيلي في ديوانه و هو الأمر الذي سجّلناه ونحن نقارب ديوانه أشجار نصيرة الجذلى، وهو المعطى الحاضر في جل دواوينه كجداول الروح، و الأرق، وتجربة التجريب إنما أراد أن يعلن من خلاله الشاعر أنه ذو توجهين، أصيل وحداثي في الوقت ذاته، ولكنّ ثمة حدودا حمراء لا يمكن تجاوزها، و عنصر الحدود مهم في الفن والعلم معا، و طإن الباحث في كتب العلوم خاصة قديمها وجديدها ليجد العلماء في حقل العلوم البحثة الحقة، و العلوم الإنسانية و العلوم اللسانية يركزون عليها، وإنّ ثمة تقييدا و فصلا منهجيا، و في هذا كله كانوا يبحثون عن النظام المتمثل في عنصر التقطيع.
ولنا أن نمثل للقالبين الأصيل والحداثيّ، حيث يقول الشاعر :
لعمرك إنك دفق شريف
وصدق تعالى و روح شفيف
لمثلك تعلو الأماني فخارا
و يخلد نور مليح طريف
وفي قصيدته الأخيرة خاطب الشاعر الشهيد أحمد بحرقة :
يا أحمد
صرت أخا
و رفيقا
يا أحمد صرتك
صرت لقاحيا
أكرع ماء الله على فرح
في نخبك
وأصلي في نخبك
وأعود إلى روحي
في نخبك
أو حبك
في الديوان حضور و غياب، ثمة عناصر فرضت نفسَها على النسق الإبداعي فدلّت و هي تؤثث الديوان، وثمة أخرى لا قيمة حضورية لها، إنّنا ما دمنا نصفُ الجانب الإيقاعي الموسيقى علينا أن نشير إلى قوة حضور بحر المتقارب، و بحر المتدارك / الخبب، فقد تناوبا معبريْن عن معانٍ لا يكاد يدرك منها المتلقي سوى القليلِ، فكل كلمة في قالب التفعيلة في نظري هي كتلة من الدلالات، كما كل حرف فيها أنما هو كتلة من السمات المميزة في رأي اللساني والناقد رومان ياكوبسون صواتيا، و له سمات شعورية نفسيا إبداعيا في رأيي، ولنا أن نكسّر الحدود في التنظير والنقد بين عنصري النسق شكله ومضمونه ونجمع بينهما، فنقول : إن الإيقاع حركته سريعة تدل على حزن الشاعر، فقد بدت فيه مرارة فقدان أخيه المناضل، المجاهد أحمد، وللإيقاع معنى تعبر عنه حركته كما يذهب إلى ذلك أستاذنا الدكتور حسن الغرفي في كتابه حركة الإيقاع في الشعر المعاصر.
أن تكتب شعرا وأنت لا تفقه في اللغة حرفا خطأٌ كبير في رأيي، وأن تزعم شاعرية وأنت لا تفقه الأداة التي تفكر بها وتبدع بها كما في رأي أستاذنا الدكتور سعيد بنكراد ففي ذلك مجازفة، في اللغة الشعرية الخاصة بالشاعر لقاح ميزتان ــ تتعدّد الميزات فيها لكننا نأخذ الجزء معبرين عن الكل ــ أولا من جانب الصوت في علاقة بالإيقاع و المعنى، يعرف اختيارَ ما يستطيع أن يضفي الحسن على إبداعه من المعجم من ألفاظ، وكلّ عنصر صوتي في تركيب اللفظة يجسد انسجاما صوتيا، وهذا مخرجه اتساقٌ خطابي متين، ويخدم الحالة الشعورية للشاعر، فليس ثمّة ألفاظ فيها عيوب صوتية تأليفية، فبلغة اللساني جون مكارتي، هناك تأليف حسن، و بلغة الجرجاني و البلاغيين تناغم الحروف وانسجامها، والميزة الثانية في علاقة بالجانب البلاغي البياني، صوّره المنسوجة بعيدة المدى ليس يستطيع إدراكها و سبر أغوارها متلقٍ عادٍ، إنما يدل عن مكنة الشاعر وحذقه، فهو عارف بقواعد البيان العربي الأصيل، ومعرفة المباحث البلاغية شرط من شروط الإبداع في نظري، فبعد الصديق أحمد عن ناظره، اقتضى توظيف صور بعيدة، ونسج أيقونات مثالية ترتبط بعالم ثانٍ.
فما أغربها من صور يقول الشاعر :
دمه صخب
رئتاه شوق يمضي
نحو غد
يتصوح فيه الرعب
تقتضي الضرورة تبيان ملامح الشعرية في الخطابات، فعيب النقد الحديث عند الدارسين المعاصرين أنهم قلّما تجدهم يبرزون مكامن القوة والضعف، و إن كنّا لم أبرز بشكل عملي المظاهر.
ثمة صورة كما أشرنا في البداية على ظهر الديوان، هي صورة فوتوغرافية للشاعر عبد الناصر يظهر حاملا محفظته، و كعادته يعبر بلغة الابتسامة، و المثير فيها الألوان، فهناك صراعها، تتصارع فيما بينها بحثا منها عن السيادة، والصورة ــ في الدراسات السيميائية ــ عند أستاذنا الدكتور عبد السلام إسماعيلي علوي لغة، لها نحوها، و معجمها، إن كان في نظري مبدأ الاعتباطية شمولي، سأقطع الصورة وأستعمل منها ما له علاقة بالموضوع، إن لباس الشاعر فيه إيحاءات عميقة، والناشر أحسن اختيارَ الصورة، فلها علاقة بالديوان، السواد فرض نفسه محققا الغلبة والسيادة، والدلالة واضحة من لفظ الصورة دون حاجة للتأويل، و إن تحقق في ما نكتب، باعتبارها خطابا ذا صلة بالنسق اللغوي، دلالة الحزن والفقد، فلا محالة ترك موتُ المناضل أحمد في نفس الشاعر بالغَ الأُثر، ولأن النفس لا نستطيع تشخيصها، ولأنّ هناك ارتباطا بين الجواهر والأشكال في نظري، فقد أسقطنا على الصورة ما أسقطنا.
هناك اتّساقٌ بين العتبات كما قلنا في أول وهلة، ولنا أن نشير إلى عتبة التأريخ فقد بسط الشاعر كل تفاصيل الكتابة الشعرية، فأرّخ بنفسه مقدما معطياتٍ مرتبطةً بزمان العملية الإبداعية ومكانها، كمكناس المغربية، وغرناطة الإسبانية، وغيرهِما.
قراءتنا هذه، ساد فيها الوصف، وفي أحايين عديدة ارتبط بالتفسير، انطلقنا من معطيات نصية وارتبطنا بما هو خارج نصي في بعض المواطن، في محاولة منا لوضعها تحت مجهر الخارج ومدى ارتباطهما معا، إن القائد أحمد تجلت خصاله في النص وظهرت ملامح أفكاره، فمن وظائف اللغة التي وظفها الشاعر التجسيد، وفي نظري نجح وإن كنت في البداية قلت إن ما كان يرمي إليه من معان كان بعيد المأخذ، و عموما أغنى اللقاح المكتبة الأدبية الشعرية المغربية وبرْهن على أنه ما يزال شاعرا ثائرا، و في وجدانه يحيا الشاعر المناضل ويرسم أعمق الرسومات خطابا، و مرة أخرى نؤكد على أن في مجال الإبداع الشعري تعالقا بين النسقين اللغوي وغيرِ اللغوي.