فؤاد نصر الدين - الأنثى والصياد

ظلت فى قفص العصافير تحاول الخروج من سجنها الأبدى لتنطلق بعيدًا؛ فلم تستطع . راحت تصرخ من بين القضبان الحديدية دون جدوى فأنهارت داخل القفص فى بكاء متشنج ، ثم هبت فزعة من نومها .
تطلعت حولها فرأت عصفور الكناريا فى قفصه حزينا . نهضت من فراشها متجهة صوب الباب الذى وجدته موصدًا بالأقفال . أخذت تهزه بيأس ، ثم خطت خطوات نحو الجدار الساقط عليه بقعة ضوء بيضاء من نافذة صغيرة . أطلت بوجهها الأبيض الجميل عبر الفتحة الصغيرة ذات القضبان الحديدية أبصرت طائرًا يلتقط الحب من فوق الأرض ، ثم يطير محلقا فى الفضاء الواسع . تمنت لو كانت طائرًا بجناحين تطير مثله حول العالم الرحب بلا قيود . تراجعت للخلف قليلاً . رأت العصفور الكنارى فى قفصه أخذت تغنى له فى حزن وشجن لكنها لم تستطع إكمال غنوتها فعادت لحزنها القديم وحيدة . جلست فوق الفراش الشاغر متطلعة نحو الباب الموصد فى قوة دفنت رأسها فى الوسادة الخالية . أنهمرت من عينيها دمعتان . حاولت أن تتماسك حتى لا ينفرط عقد الدموع من عينيها . رفعت رأسها ناحية الباب الموصد . سمعت صوت المفتاح فيه . دققت النظر جيدًا رأته يفتح الباب ويدخل حاملا بندقيته فوق كتفه . أندفعت إليه كالطوفان الهادر نازعة البندقية من بين يديه وفى سرعة صوبتها نحوه وأطلقت رصاصة واحدة سقط على أثرها صريعًا ، ثم أنطلقت من فوهة الباب تاركة الحجرة والدماء والجثة وعصفور الكنارى . أفاقت فوجدت نفسها لا تزال فوق الفراش الشاغر ، تمنت مرة أخرى لو تحقق أحلامها وتصبح طائرًا حرًا ، أو تنزلق بجسدها من خلال قضبان النافذة إلى الخارج . سنوات فى حجرتها حبيسة الصياد الذى لا تفارقه البندقية . حلمها الأبدى خطف البندقية وقتله بها . صورة مقتله لا تفارق خيالها . فجأة سمعت طلق نارى . ظنت أن حلمها تجسد . أصبح أمامها له صوت . أسرعت نحو النافذة لترى الحلم . سقط الطائر المرفرف بجناحيه فوق الأرض غارقا فى بقعة دم أحمر ألتقطته يد قاسية ثم أختفى من ناظرتها أهتز الباب مصدرًا صريرًا ثم فتح عن رجل ضخم يحمل بندقية فوق كتفة وبيده الطائر المصاب ، ما أن رأته يدخل حتى أتجهت صوب الباب كإنطلاق القذيفة . دفعته بعيدًا وفرت هاربة . أبعدت الدفعة القوية الرجل الضخم عن مكانه فى ذهول . لم ينتبه لحظئذ إلا بعد ما فرت منه . رمى بطائره المصاب فوق الأرض أسفل عصفور الكناريا لينطلق مسرعًا فى غضب يطلق أعيرته النارية خلف الأنثى المرفرفة بجناحيها فى الفضاء الواسع .

1994
أعلى