تمهيد:
تتميز الكتابة الأدبية الجزائرية بالاختلاف الواضح مقارنة بالكتابات الأخرى وهذا من جهة التجديد والحداثة ، ومن جهة أخرى إلى طبيعة الفكر الجزائري وتكوينه والمؤثرات الثقافية ، والامتزاج المجتمعي، وطبيعة السياسية في المجتمع الجزائري، مما أعطاهم الصدارة في كتابة الرواية خاصة والإبداع عامة ، فالكتابة الروائية الجزائرية ذهبت إلى ذلك التماهي الأجناسي من شعر ونثر ومسرح ورسم وموسيقى وفنون مختلفة ،وهذا الانفتاح جعل منها نص مميزا فريدا له خصائصه وسياقاته التي نتوقف عندها في كل قراءة فلقد انفتح النص على الآداب العالمية والفنون والكتابات الأخرى من تاريخ وتراث وفلسفة وعلوم وغيرها فكانت مشاربه عديدة ومتنوعة ، بل لم تكتف بذلك؛ وتطرق الكتّاب إلى التصوير الفوتوغرافي؛ ليضع القارئ موضع المتلقي والمشاهد للنص والمحلل لكل ما يقرأه من نصوص إبداعية ثرية ،تحمل ما تحمله من زخم الحمولات والمرجعيات والرؤى الإستشرافية ،فهي المرآة العاكسة لواقع إنساني عميق عمق التجربة الكتابية ، لتثرى العمل الأدبي المقدم حينذاك، وتشوق القارئ المستقبل للنص الأدبي، وهذا ما أولجها إلى شهرة، في وقت طرق كتّاب الرواية الساحة الأدبية، العربية ،فاستطاعت الحفاظ على مكانتها، وتقديم النصوص الثرية والمتنوعة، وتمثل ذلك في انتقاء الموضوعات، وحرفية الكتّاب، والتركيز على أدوات الرواية الحديثة، وعدم تقوقعها في التقليد ، بل انفتاحها الواسع على كل النطاقات أضفى بريقا على مضمونها، فشمل مكونات ذات خصوصية أدبية وثقافية تعكس الإنسانية أولا والفرد الجزائري خاصة.
فالإشكالية المطروحة هنا كيف كان الانفتاح النصي مهما للعمل الأدبي ؟، وما طبيعة التداخل الأجناس في العمل الأدبي وكيف نظر له ؟ وإلى أي مدى كان التداخل ألأجناسي حاضرا في رواية الجزائرية سخرية قدر للكاتب جهاد زهري كدراسة تطبيقية خاصة ؟ ،وهل تحمل هذه الرواية الجديدة من حمولات المجتمع الجزائري بإنفتاحاتها وخيالاتها ؟
وهل استطاع الكاتب أن ينقلنا فعلا إلى عالم الرواية بقوة وأين تبرز خصائص الرواية الجزائرية ضمن هذا النص؟
1 تداخل الأجناس من خلال رؤى مختلفة:
تعد نظرية الأجناس الأدبية من أصعب القضايا التي ناقشتها نظرية الأدب، كونها تقوم بتشريح الخطابات والنصوص من أجل فهم الجنس أو النوع الأدبي والتعرف عليه واستيعابه، بحدودها ومراسمها واحترامها وعدم انتهاك حرمتها، كما قد تشترك النصوص الأدبية في قواسم مشتركة واحد تحدد من خلالها خاصية كل جنس ، فإذا كانت القرون الأدبية الأولى تؤمن بنظرية الأجناس الأدبية وبالمعايير التي وضعت من أجل فصل بين هذه الأجناس سواء أكانت هذه الأجناس رئيسية أم فرعية فإن منذ منتصف القرن الماضي أصبح الأجناس متداخلة ومختلطة متداخلة بل ينادي الأدباء والفنانون بهذا التماهي حيث يصعب الحديث عن جنس أدبي معين فتضاربت الآراء حول إمكانية الكتابة ضد أجنسة الأدب والكتابة وفق قالب أجناسي معين لكل نوع أدبي ،وفي التوجه البحثي هذا سنذب إلى الحديث الأول عن قضية الأجناس الأدبية التي بدأت مع أرسطو ومن واله بعد ذلك في عبور مختصر يجعلنا ندرك أهمية هذه القضية التي ترافق الإبداع منذ قرون .
أ مع أرسطو:
حاول أرسطو وضع الأسس التي تقوم عليها نظرية الأنواع الأدبية حيث قسم الأدب في كتابه " الشعر" إلى ثالث أنواع التراجيديا ، الكوميديا، والملحمة وقد بين خصائص كل من التراجيديا والملحمة في الموضوع والمضمون وأداء والوظيفة" فأرسطو حاول دراسة الشعر كونه جنس ينقسم إلى مجموعة من الأنواع فلقد صرح في كتاب " فن الشعر" بجملة الشهيرة القائلة " سنعالج الفن الشعري في ذاته، وفي أنواعه التي توجد ضمن إطار غايتها الخاصة، والطريقة التي يجب فيها تأليف القصص إذا أردنا أن يكون الشعر ناجحا، بإضافة إلى عدد الأجزاء التي تنبثق من البحث نفسه لنتبع غير بعيد عن ذلك(1) فلقد عمد أرسطو إلى النظام الطبيعي في تحديده للأنواع ،وهنا سنعالج إظهار طبيعة كل نوع أو جنس أدبي يختلف عن غيره ،ولقد صرح عن ذلك شكري عزيز ماضي من خلال قوله "وقد حرص أرسطو أن يبين بأن كل نوع أدبي يختلف عن النوع الآخر من حيث الماهية والقيمة ولذلك ينبغي أن يظل منفصلا عن الآخر"(2) اعتمد أرسطو في تحديده لنظرية الأنواع على مبدأ المحاكاة، مرجع ذلك إلى العوامل الاجتماعية فقضية الأجناس هنا هي نوع من محاكاة طبيعة المجتمع الذي يعتمد على التفرقة والطبقة بدل المزج وتداخل " ولعل هذا التشدد في التصنيف يعود إلى تصنيف اجتماعي وتقسيم الناس إلى نبلاء وسوقه في الزمن القديم وهذا ما دفع أرسطو إلى الحديث عن كل ذلك من الملهاة والمأساة والملحمة إذا جعل لكل جنس لغته وأسلوبه وجمهوره فالأدب عنده لا يقتصر على المتعة، وإنما جعل له رسالة أخلاقية" كما أن أرسطو مدرك لوجود بعض التمايزات بين المسرح والملحمة والقصيدة الغنائية غير أنه يرى أن المأساة جنسا يعلو على باقي الأجناس "(3) إن فن الشعر عند أرسطو ينصرف في منظمة لها خصائص وقوانين لدراسة جنس المأساة بوصفه جنسا خاصة.
ب مع الرومانسية:
وبعد الفصل الذي رسمه أرسطو فقد جاءت الرومانسية كنظرية إذا كانت هذه النظريات تؤمن بالفصل بين الأجناس الأدبية فلقد جاءت دعوة الرومانسيين من أجل إبطال هذه الأفكار فالرومانسية والتي تؤمن بانصهار الأجناس الأدبية في بوتقة أدبية واحدة يعد شليجل من بين من أسس لهذه النظرية فهو يرى " أن تقسيم الأدب إلى أجناس هو نوع من التحكم التي ينبغي للأدب الخضوع له" (4)كما يمكن لنا أن نذكر في هذا السياق الجهود التي قام بها الناقد بنديتو كروتشه خاصة بعد إصداره كتاب الشعرية عام 1920 فهو يرى أن الموافق الشعرية هي التي تحدد جنس الكتابة أي أنه يرى أن مصدر الإبداع هو الكاتب نفسه من خلال التعابير الشعورية التي تحدث له كما أنه ظهر مفهوم جديد للأدب يقوم بجمع أجناسا وأنواعا مختلفة داخل وحدة الفنية وجمالية كبرى(5)
وفي هذا يقول تدوروف "وأخيرا بدأت الفكرة وحدة الفنون تفرض نفسها، ومن هنا أخذت تتبلور نظرية للفنون تحاول أن تؤطر على أقل أكثر الممارسات الفنية هيبة، أعني فتدو رف يعترف بتداخل النصوص والأجناس ويطمح إلى أن يكون الأدب الشعر والرسم" (6)
فالنص هو الجسد الذي تشترك فيه كل الأجناس ، والأجناس الأدبية تتطور وفق دورة الحياة فالرواية كانت قصة والشعر كان سجع كهان ولعل من أثار ذلك هو الناقد برونتيير Brunitière في نظرية تطور الأجناس الأدبية" ذهب إلى أن الأجناس الأدبية تولد ثم تنمو ثم تكبر ثم تشيخ ثم تموت وقد يتولد عنها جنس آخر" فالأنواع الأدبية لها وجود في الواقع كوجود الأنواع الطبيعة في المحيط فإمكانية التداخل وتفاعل تحدث من خلال التلاحق بين الأجناس من أجل إعطاء بعد جمالي حداثي " (7) فليت الأنواع تنتج الأنواع في عالقة تناسلية أو تلقيح ذاتي يتم في معزل عن الملقح والمولد الخارجي، وشروط خارجية تولد فيها النوع خارجة تداول وميلاد أنواع دون أخرى" فمراحل التقدم في الأجناس حتمية المناص منها فنوع الأدبي كنوع البيولوجي ينشأ ويتطور ومن خلال هذا المعنى قسم هيغل الشعر وعبر عن التداخل بين أقسامه"(8).
2 تداخل الأجناس في النقد الحديث:
لقد ذهب التصور النقدي الحديث فلقد اهتم الدارسون المحدثون والمعاصرون بنظرية الأجناس الأدبية تأريخا وتعريفا وتنظيرا وتطبيقا إلا أن هناك جانبا من التقصير في دراسة أجناس التراثية العربية، فقد قال عادل الفريجات في بحثه ( الأجناس الأدبية تخوم أو لا تخوم) " لو عدنا إلى تاريخ الأدب العربي القديم وواقع النقد في التراث ناظرين في مدى شموليته لمسألة الكشف عن الأجناس الأدبية ونقدها والتنظير لها، لوجدنا فيها تقصيرا كبيرا" (9)
إلا أن النقاد العرب حديث بدوا الاهتمام به أمثال ذلك: سعيد يقطين، محمد عبد الفتاح، وعبد الفتاح كيليطو، فلقد اهتم هلال غنيمي محمد بأجناس الأدبية إذ خصص فصل الثاني من كتابه " الأدب المقارن" لهذا الموضوع وضمن رأيه كل من أرسطو وكروتشه فصرح " بأن الأجناس الأدبية غير ثابتة، فهي في حركة دائبة بها تتغير قليلا في اعتباراتها الفنية، من عصر إلى عصر، ومن مذهب أدبي إلى مذهب أدبي وفي هذا التغيير قد يفقد الجنس الأدبي طابعه الذي كان يعد جوهريا فيه قبل ذلك" كما اقتصر أيضا على دراسة الأجناس النثرية في الأدب العربي التي لها صلة بالقصة مثال، كما أنه أرجع نمو الأدب إلى التأثر بالآداب الأخرى " (10) ثم أصبح من المسلم به أن هذا النمو للأدب من خلال الأجناس الأدبية قد أدى إلى استدامة هذه الأجناس في ثنايا الآداب المختلفة، كما أدى إلى قيام صالت فنية .
غير بعيد عن ذلك قد حاول عز الدين مناصرة الإقرار بوجود تداخل بين الأجناس الأدبية مبرر موقفه من أن الفصل بين الأجناس يجعلها ضيقة النطاق " إن هذا التفاعل من شأنه أن يسهم في بعث الأنواع، وجعلها تتمتع بأكثر حيوية خالفا في انحصارها ضمن نطاق محدد شكلا ومضمونا، مما قد يحد من استمراريتها" (11) من خلال قول عز الدين مناصرة يبين لنا أن الفصل بين الأجناس الأدبية أمر صعب سواء أكان من ناحية الشكل أم من ناحية الخطاب فقد يؤدي الأمر إلى فقدان خصوصية الجنس . كما أنه يرى " أن مبدأ التجانس بين الأنواع الأدبية أمر لا مفر منه، ذلك أنه يتيح توليد أنواع أخرى، وهو ما يعني أن التطعيم الأدبي لجنس أدبي بنوع آخر يولد حالة جديدة يستدعي مهارات وقدرات معرفية من أجل الكشف عن أسراره وجماليه، ألنه نتاج تالقح أنواع أدبية"(12)
3 تداخل الأجناس في الرواية الجزائرية :
وفق هذا المفهوم لم يبقى هذا الطرح مجرد منظورات نقدية، بل إن بعض المبدعين العرب عامة والجزائريين خاصة ،آمنوا بهذا التطعيم فجاءت كتاباتهم وفق رؤية حداثية جادة بالوقوف على الإضافات النوعية ومحاولة المزاوجة بين النصوص الأدبية سواء أكانت شعرية أم نثرية " ولعل أحالم مستغانمي وواسيني الأعرج ومراد بوكرزازة وغيرهم ممن تلونت إبداعاتهم بهذا التداخل الأجناس إيمانا منهم بأن حياة النوع الأدبي مرهون بمدى هذا التجاوب بين الأنواع ، الشيء الذي يقدم خطوة هامة في مسار التطور الجنسي الأدبي" (13)
وتعد أعمال أحالم مستغانمي من بين تلك الأعمال التي عمدت على تكسير الحدود بين الرواية والشعر من خلال ثلاثيتها الشهيرة " ذاكرة الجسد"و " فوضى الحواس" و " عابر سرير" إن القارئ الثلاثية لا يلبث أن يقف على ظاهرتي الشعرية والأنوثة متغلغلتين في ثناياها، فكل ما فيها يبوح بشكل شعري جميل،
وبأسلوب أنثوي ينتهج الفتنة وإغراء" فلقد قدمت أحالم مستغانمي ثلاثيتها في ثوب جديد بعيد عن طروحات السابقة التي تقف حاجزا أمام الأجناس الأدبية ربما ذاك ما يفسر نجاح أحالم من خلال روايتها " ذاكرة الجسد" فعلى هذا الأساس قامت أحالم بممازجة بين أنواع الأدبية في هذه الرواية، فتارة تقوم بتناص أبيات الشاعر هنري Misho Henri :
أمسيات، أمسيات، غير أمسيات (14)
كما أنها عمدت إلى تضمين أشعار بدر شاكر السياب في قصيدته مطر
عيناك غابتا تخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح بمنأى عنهما القمر(15)
نلمح كذلك تداخلا بارزا بين الرواية والجانب الديني فقد استثمرت النص الديني في رواية ذاكرة الجسد" وتخص المسالة في هذه الحال خطيئة أدم عليه السالم الأولى التي أخرجته من الجنة" ومن خلال توظفها لتفاحة "هل التغزل بالفواكه ظاهرة عربية؟ أم وحده التفاح الذي مازال يحمل نكهة خطيئتنا الأولى ، شهي لحد التغني به في أكثر من بلد
المنهج المستخدم :
تستخدم الباحثة المنهج التحليلي (Content Analysis) للنصوص الروائية المنتقاة للدراسة حيث يعرف بأنه:
"يقوم على وصف منظم ودقيق لمحتوى نصوص مكتوبة أو مسموعة من خلال تحديد موضوع الدراسة وهدفها، وتعريف مجتمع الدراسة الذي سيتم اختيار المادة الخاصة منه لدراسة مضمونها وتحليله " لذلك سوف تقوم الباحثة بعمل دراسة تطبيقية لأعمال روائية جزائرية، اغترفت ونهلت من مختلف الأجناس الأدبية مكونة مزيجا أدبيا رائعا، ومضمونا أدبيًا ثريًا، ودمجا فنيا راسخا، وتجسدت هذه الأعمال في رواية (سخرية قدر) للكاتب (جهاد زهري)، التي ظهرت فيها تقنيات السرد الحديثة من استرجاع واستباق، وتلاعب بالسردية الزمنية ، التي شملت مزيجا قصصيا متنوعا في إطار النص الروائي، وربطت بين هذه القصص تيمه فنية متصلة منذ بداية الأحداث إلى نهايتها، تركيزا على البؤر الرئيسية في مواطن الرواية المختلفة.
4 تداخل الأجناس وتراسل الفنون في مجال الرواية:
يقصد بظاهرة تراسل الفنون (اختلاط الأجناس الأدبية) أي تداخل الفنون الأدبية من قصة، ورواية، ومسرح، وشعر، وقد اتسعت ظاهرة تراسل الفنون لتتجاوز الأجناس الأدبية إلى الفنون غير القولبة، وبذلك يضفى كل فن من هذه الفنون خصائصه على الفن الآخر فيستفيد منه ويتأثر به ويؤثر فيه، وبدلا من أن نقرأ نوعا واحدا من فنون الأدب؛ كالرواية أو القصة أو المسرح أو الشعر أصبحنا بصدد قراءة أو دراسة نوعا يحمل صفات وخصائص متعددة من الآداب وزاخرة بالفنون، ولم يكتف باقتباس الفنون من بعضها البعض؛ بل أنها استعارت من الفنون السينمائية بكل خصائصها؛ لترسم لوحة مبدعة تتمازج فيها جميع أنواع الفنون والآداب، مكونة صورة واضحة ومكتملة لتداخل الأجناس مع بعضها البعض.
تعرف ظاهرة تداخل الأجناس وتراسل الفنون: "ظاهرة غير خاصة بالفنون القولبة، وإنما هي ظاهرة بين الفنون جميعها في أرجاء العالم. ومن ثم أصبحت ظاهرة تراسل الفنون من الظواهر التي سيحملها القرن العشرين إلى بدايات القرن الحادي والعشرين كبداية لمنظور جديد لقضايانا القديمة المتجددة كقضية الحرية الفنية، وإشكالية الأجناس الأدبية ." (16)
تتضح شمولية (تراسل الفنون) فهي ظاهرة غير خاصة بالفنون الأدبية سواء كانت قولية أم غير قولية؛ ولكنها ظاهرة عامة تشمل جميع أنواع الفنون مما يجعلها تمتد إلى القرن الحادي والعشرين وتناقش قضايا قديمة متجددة؛ كقضية إشكالية تداخل الأجناس بمختلف خصائصها وتنوعها الأدبي والفني. وقد أدت هذه الظاهرة في مجال الرواية إلى تجديدها بعد مناداة النقاد بموت الرواية، وجعلت من الرواية جسداً حياً نابضاً بالحياة، ومستقبلًا لكل ما هو جديد ومتطور؛ ليضيفه إليه ويستفيد منه ويؤثر فيه ويتأثر به.
بدأت الرواية في الانفتاح على الفنون الأخرى والاقتباس منها، مثلما انفتحت على كل أنواع الآداب والعلوم، وأفادت من علم النفس في ظهور أساليب جديدة لاسيّما أسلوب (تيار الوعي) الذي نهض بالرواية وارتقى بها وجعلها هدفه الأول، والكتابة من أجل الكتابة مما أدى إلى حرية التعبير والإفاضة في الكتابة، والكشف عن المحتوى النفسي للشخصيات، مما أكسب الرواية إثارة وتشويقاً، وجعلها محل اهتمام القارئ وتحديداً المثقف الذي يهتم بمثل هذه الأنواع الأدبية الحديثة والمتطورة، مما تمثل في إفادة الرواية من شكل روائية جديدة ومتجددة أضفت مزيدا من التجديد الإيجابي على مختلف الأجناس الأدبية.
-"إفادة الرواية من الأجناس الأدبية وتمخض عن هذا أن وجدنا شُكولاً روائية جديدة؛ فرواية الأصوات نوع من الحوار بين الشخوص وأفكارها بمعالجة سردية، وقد ساعد على ظهور رواية الأصوات وجود مجال أكبر من الحرية التي سمحت بالرأي و الرأي الآخر، ومن ثَمَ جاءت رواية الأصوات ممثلة لوجهة نظر متباينة ولم تحمل كالرواية التقليدية وجهة نظر أحادية تتوازى مع الراوي العارف بكل شئ"(17)
تمثل الخطوة الثانية من إفادة الرواية في ظهور أنواع أدبية جديدة؛ كرواية الأصوات التي تبرز الحوار بين الشخصيات، وتعطى مساحة أكبر من الحرية للرأي والرأي الآخر؛ فيظهر تعدد وجهات النظر، وتصبح الرواية مادة ثرية للقرّاء، وتختلف عن الرواية أحادية المنظور التي تحمل راوياً واحداً ومن ثَمَ تصبح أحادية الرأى (وجهة نظر أحادية)، وكأن الراوي هو المتسيد على أحداث الرواية مما يولد الشعور بالملل والإحباط والديكتاتورية، وعدم ثراء الحوار، بينما أسهمت ظاهرة (تراسل الفنون) في تطوّر الرواية العربية، وظهور أنواع جديدة فى مجال الرواية إضافة إلى أجزاء مقتبسة من الفنون الأخرى، ما جعل الرواية مزيجاً من هذا وذاك، وذات خصائص فنية مزدوجة من أنواع الفنون والآداب المتنوعة والمختلفة؛ وكأننا بصدد قراءة مختلف الأجناس في جنس أدبي واحد.
يشمل (تراسل الفنون) كل هذه الأنواع من سرد، ووصف، وشعر، ورسم، وسيناريو سينمائي، وترسيمات وإعلانات وأخبار صحفية، ولقطات مسرحية، وصور فوتوغرافية؛ فهي كتابة حرة منفتحة وغير مقيدة بحدود أو شروط سواء كانت هذه الحدود فنية أم أدبية، ولذلك وصفه هذا الباحث بأنه (جدل التجنيس) الذي يثير الحيرة، ويكشف تجانس أنواع أدبية وفنية متنوعة وثرية تضفى إبداعاتها على النوع الآخر.
لذلك اخترت النماذج المنتقاة للدراسة، ثرية بتراسل فنون(تداخل أجناس) ومتنوعة بتنوع الأجناس المختلفة؛ مما أدى إلى إثراء الرواية الجزائرية، وتفردها على الساحة الأدبية أمام العالم أجمع، وفرض أهمية الرواية الجزائرية ومسايراتها للحاق بركب التقدم والتطور الأدبي والفني المتجدد، وقد قمت باختيار أنواع محددة من الروايات التي تراعى هذا التداخل وتكثر منه، وذلك باختيار نماذج روائية معبرة عن مضمون روائي ثرى، وحبكة سردية محكمة، وتيمه فنية متوازنة.
ومن ثم تم الاستعانة برواية للدراسة التطبيقية التحليلية:-
1- رواية ( سخرية قدر) للكاتب جهاد زهري :
عند تناول نماذج من روايات تراسل الفنون أسجل أولاً أن هذا التراسل تطور طبيعي للرواية، كما هو تطور طبيعي لكل الفنون الأدبية ويمثل ظاهرة إبداعية صحية. ومن ناحية أخرى فمن المفترض أن الشكل الروائي يتجدد بترسم زمنية النص الروائي ومن المفترض بداية أن تكون هناك علاقة قوية بين البنية الزمنية للنص الروائي وبين نوع التراسل في الرواية. فمن الواضح أن متابعة مسار السرد ستختلف عن متابعة الحوار حال درسنا للمسرواية مثلاً.. ويبقى التساؤل عن مدى ارتباط الزمن الماضي بالسرد والزمن المضارع بالحوار.. وهل ساعد ذلك على تنويع بنية النص الروائي وزمنيه وشكله الفني عندما تتراسل الرواية مع القصة القصيرة أو عندما تتراسل الرواية مع فن السينما أو المسرح أم لا؟!.
فقد أدت هذه الظاهرة في مجال الرواية إلى تجديدها بعد فقدان الأمل على حد قول النقاد الذين نادوا بموت الرواية، لكن هذه الظاهرة جعلت من الرواية جسداً حياً نابضاً بالحياة ومستقبلاً لكل ما هو جديد ومتطور؛ ليضيفه إليه ويصبح هذا الجسد محل إعجاب ومدح من الآخرين.
البطاقة الفنية للكاتب
جهاد زهري من مواليد 19.12.1987 بمدينة قسنطينة الجزائر درس في تحصل عل شهادة تقني سامي في محاسبة والتسيير، نشر العديد من الأعمال الأدبية في المجلات والجرائد بين الشعر والقصة وشارك في العديد من الأمسيات الأدبية والشعرية، نشر بعض المقالات في مجلّات متنوعة منها نفحة ،العربي الجديد، أنتلجنسيا ،الوطن الجزائري أصداء الشرق جريدة ورقية،همسة قصص قصيرة،جمهورية أون لاين.
2 ملخص الرواية:
صدرت رواية سخرية قدر للكاتب جهاد زهري في 2020، وتعد أول رواية له في مشواره الأدبي الطويل، تدور أحداث الرواية حول قصة (بشير) الذي يمثل بطل الرواية منذ البداية فهو الراوي العليم ليكتب قصته بما يمثل ذلك الحكي ، بطريقته هو وبوجهة نظره هو، وبأسلوبه هو، وصيغها كما تتطلبها الظروف ، وليعرض علي القارئ التفاصيل كاملة بصورة غاية في الدقة عندما يقول: " وكأنَّني شاعر مجدَّدا ،تنتابني رغبة ملحَّة في الكتابة ،تنتابني لحج اللغة لتغرقني،لست متأكدا أنّي أتقن السّباحة جيّدا ،لم أفعل هذا منذ مدَّة ،أحتاج أن أكتب ولذلكَ وحين لم أجد قلما بحوزتي حاولت أن أقتحم صمت أحدهم طالبا منه قلما ،كانت الورقة التي أخرجتها من جيبي كفيلة أن تلمّ شتات اللحظة وأنا أوقّع عليها ما استدركته حينها من مشاعر اليتم الحافل الذي ألمَّ بي كالطوفان ،لكني لم أدخل أرض قصيدة كما توهَّمت " ويوضح قيمة الكتابة في تجسيد الواقع في قولها: " كتبتُ على أعلى الورقة كلمة أو كلمتين ،لا أذكر تحديدا وتساءلتُ ،لماذا فقط هنا وبهذه اللحظات المفعمة بالأسى والجنون تأتي الكلمات ،ولا تأتي حين نحسب أنها ستفعل ذلكَـ، يأتي الشعر غالبا بعد أن نفقد شيئا ما ،يأتي أحينا أيضا حين نفقد كل شيء ،إنَّه دليل الفقد والمشتاقين إلى أنفسهم كأوّل شيء " (18) يفرق بشير بين وجوديين في الرواية وجود ذاتي ووجود أبوي والفصل الذي حدث بينهما في حياته وكأن منبع وإحساسه وقدرته على الحياة وبين وجوده الذاتي وصلته بالله وأسئلته الوجودية التي كانت تحضره في كل مراحل الرواية وهو يبحث عن الحقيقة"
مما جعل الكاتب يعيش مع (فطيمة) أحداث الزمن وأحداث الحقبة التي عاشها فلخصت حياته في الأيام القليلة التي جمعته بها، ويتخيلها بكل تفاصيلها الدقيقة، وأحداثها السعيدة والحزينة معا، وتبدأ الرواية بأحداث النسق الزمني المتداخل ، وتعد المرتكز الأساسي للرواية في جُل أحداثها وهى رواية مبنية على الفترة التي اكتشف فيها بشير أنه أصبح قاتلا فجمعت بين رمز الماضي بكل ذكرياته الذي جعل من بشير يتيما منذ الصغر وعاش على هذا اليتم بكل خطى ثقيلة ووئيدة، وما زاد من تعبه الخيانة التي كان يعيش مع وجودها في كل وقت من قبل أقرب الناس إليه أمه وصديق أبيه بمختلف الأحداث، وجعله يرى بعينها ذلك الوجع فيتحطم وتنهار حياته ويضيع الحاضر والمستقبل أمامه ، يبدأ (بشير) في سرد الأحداث منذ بداية الجريمة التي اقترفها من أجل حبيبته فطيمة والحلم الضائع إلى نهاية الأحداث.كما في قول السارد:" تريدين الصّدق يا فطيمة ،لستُ حزينا لأني طعنتهُ بقلبه،أبدا لست كذلكَ،كان يستحق ما فعلتُ به ،كان بإمكاني أن أطعن العالم كلَّه لأجلكِ ولن أبالي،تختلط داخلي الكثير من المشاعر ،والمواجع يا فطيمة "(20) ثم ينتقل بنا البطل في خطى غير محسوسة إلى ماضيه وطفولته بين ذهاب وإياب لا يشعر بها القارئ في أحداث الرواية،كما في قولها: "حائرا أمام تلك المفاهيم التي يختلط فيها الانتصار بالخيبة ،والحبّ بالمقت ،والجدوى ،جدوى كلّ شيء ، باللاجدوى والهباء الكبير
هل أنا خيبة كبيرة ،أو هباء متَّسع على المدى ؟
وإلى أي مدى يمكنني أن أمضي في خسائري أو انتصاراتي أو ...
ولدتُ بقلب قسنطينة ،المستشفي الجامعي لها ،هكذا أخبرني أبي يوما وأنا أسأله ، ذلكَ اليومِ البارد من ديسمبر ،كانت السماء غاضبة ،والريح تعزف موالها الأبدي ،غير أني كنت سعيدا جدا-قال- ،كنتَ بهذا الحجم مشيرا إلى ذراعه ،وكنتُ أسعدَ كائنٍ بالوجودِ ،وأنتَ تلتحف غطاءكَ الصغير الذي يلفك يومها بمهدك والذي أعدَّته جدتك لك مسبقا ،قام برفع الأذان مباشرة في أذنك،جدَّك الذي توفي بأيام بعد ذلك ،وكنتَ تصرخُ إلى ذلكَ الحين ،وترفس بقدميك الصغيرتين الهواء من حولك َ
الآن افهم لماذا كلَّما حاولت الانتحار ،واستبقت الريح إلى أعالي المدينة وجسور."
تمثل أحداث الرواية فترة حياة بشير كفرد من مدينة قسنطينة بالجزائر يعكس صورة مجتمع يحمل كل التوجهات الثقافية والاجتماعية والسياسية يعكس فيها مدى تفشي الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسلطوي بكل أنواعه ،وكيف أصبح المجتمع تابع للمادية والمظاهر المصطنعة والمزيفة بتزييف عقول الشعب الواهية الذي قبّل هذا سواء برضا منه أو عدم رضا،
وقع هذا المجتمع فريسة للتطور الحضاري ، فأخذ هذا التطور جانبه السلبي وما بين ذلك من ميول واستسلام للحضارة أو صمود ومقاومة للطغيان الواقع، تحكى الرواية عن أحداث تأثير الانحلال الأخلاقي في مجتمعنا في الجزائر والنتائج الوخيمة التي وصل إليها أبناءنا وتأثير ذلك على مستقبل الأجيال فتتعرض الرواية لعدة أحداث قوية ووطيدة الصلة بالتفكك الأسري وأسباب الوصول إلى الآفات الاجتماعية ومنها ظاهرة الانتحار في مجتمعنا المرفقة بالأسئلة الوجودية ومدى الجهل الذي تحمله الأجيال الصاعدة بقيمة الدين والوجود الإلهي ومدى قداسته في حياتنا وكيف كان البطل يحاور ربه وبسائله في مواقف الضعف والبؤس التي كان يعيشها " ها انا أخبرك يا فطيمة أنّي لا أعلم شيئا ،لا شيء ،ماهية الأمور وحقيقتها أو تقديرها هل هي موجودة فعلا ام انَّها عدم؟ ،هل قمت فعلا بقتل أحدهم قبل قليل ؟،صدقيني لا أعلم ،أنا حائر يا فطيمة ،حائر جدا ،هل تفهمين هذا ؟" (21)
والمواقف النفسية الذي أثر تأثيرا كبيرا على سير الأحداث سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية؛ لا سيما الإجتماعية التي تمثل لُب القضية وجذرها الأصلي، وتتعرض الرواية لقضية تداخل الأجناس (تراسل الفنون) ويتمثل هذا الاقتباس في القرآن الكريم- الشعر- الحكي داخل الحكي- التقنيات السردية الحديثة من تيار وعى- الحلم- المنولوج الداخلي- الاسترجاع- الاستباق- الفضاء المكان – الفضاء الزمان.
وتناولت الرواية قصة (بشير) الشاب الذي يعيش في مدينة قسنطينة بحي بلوزداد، المدينة العريقة التي تحمل في جسورها كل أنواع الحضارات والحلم الضائع المتمثل و الموصول بنسبة لبشير في مدينة (قسنطينة ) فرح بشير لأنه وجد حب حياته فطيمة ذلك المتغير الجذري في حياته سواء من الجانب الوجودي أو من جانب نظرته للحياة إلا أن عناد البؤس كان أقوى منها، وحرمها من الفرصة الأولى التي واتتها لتحقيق هذا الحلم في العيش وسط مشاعر الصدق والحب والنقاء ، وعاد مرة أخرى إلى يأسه لكنه قاتل هذه المرة ، وذلك بسبب ما فعله صديقه فواز بفطيمه مع الرجل الذي كان تابعا لفواز و ألياس الذي تميز بصفة المتسلق الغدار تعرف عليه في زقاق السويقة المنطقة التي كانت تقطنها فطيمه ليكون واسطة له فوصوله إليها لكنه كان واسطة في موتها وقتلها ، وضيع عليهما الحلم الكبير، وقتل بشير الرجل الذي كان ينعتها بأقذر الصفات هذا الجريمة التي كانت بداية لسرد الويلات التي عاشها وجميع أنواع العذاب وسرده لنا ونهاية السجن
ولم نغفل عن قصة فطيمه رمز الضعف والحرمان الكلي من الأبوين والفقر والمجتمع البائس الذي عاشت فيه والذي يروج لجسد المرأة كسلع تعرض، المرأة المومس التي كانت تعمل لدى فواز وكان يعتبرها ممتلكاته الخاصة ،فهذا الأخير كان يعتبر الصديق المقرب في فترة الطفولة والمراهقة لبشير
كان يمثل حياة بشير في مراهقته فهما تشاركا نفس الظروف والمعاناة فهو كان يتيم الأبوين وكانت تربيه جدته وسط أعمامه كما عان بشير اليتيم الأب والمعاملة السيئة من طرف أمه وحرمانه من عاطفتها وحناها ومحبتها فالحنان والمحبة أخذهما من أبيه فقط عكس ما تدعيه الفطرة والأمومة فقد كان يصفه في قوله:" عامل البريدِ الذي لا يعرفه أحد ،أنا الذي قرأت كتاباته التي كان يخفيها هنا وهناكَ ،لأعرف شخصا آخر مختبئا تحتَ ذلكَ الجسد ،شخصا عميقا ،ووحيدًا ،ومتشائما حدَّ الجمل التي كان يوقعها ،كنتُ أرقبُه أحيانا وأنا أذهب إلى المرحاض ِ ليلا ،فأجده تحتَ مصباح المكتب ،ولم أدر يومها ما يكتبهُ كان الغالب أنه يعمل ،كما كان يخبرني دائما ،لكنَّ الجمل التي تركها بعدَ رحيلهِ ،قد عرَّفتني بهِ أكثرَ وأكثرَ ،وروحه التي التصقت بروحي ،لم تغادر ،لكنَّها جعلت مني ما أكتبه ،وأوقعه بالمكان ذاته ،وعلى الطاولة نفسها ،وعلى مطفأة سجائرهِ اطفي غضبي وما أُحرقني به من لفافات التّبغ التي فاضت بها منفضة السَّجائر .... " (22) أما أمه كانت تمقته ولا تعطيه من محبتها إلا ما جاء عابرا
فالأحداث كانت تسير بتداول بين ما عاشه أبيه من قهر بسب الخيانة التي عاشها مع زوجته والشك الذي قهره وجعل حياته جحيم فقلبته إنسان سكير غير مسؤول وأيضا ما يعيشه بشير مع أمه التي أكملت خيانتها بعد وفات والده مع صديقه دون أن تكترث لوجود ابنها واستمرت علاقتها المحرمة حتى أصبح ابنها شابا ليكتشف تلك الخيانة بتدرج ويحس بما كان يحسه والده بضبط حين كان يراوده الشك ويعيش ذلك الوجع لكنه لم يكن يعلم أن من يطعنه هو صديقه.
3_شخصيات الرواية:
بشير :بطل أحداث الرواية وابن زليخة وحبيب فطيمة وسارد الرواية وصاحب القصة.
فطيمة : الفتاة الألمانية البائسة التي اختطفت من أبويها السائحين التي تعرف عليها بشير وعشقها
زليخة أم بشير: هي المحور الأساسي التي بنيت عليه الرواية وهي تمثل الخيانة الحقد
الزبير أب بشير:وهو الرجل الذي يمثل القهر و التقزيم والوجع ولشك هو الذي عاش كل هذا من طرف زوجته فكان يهرب إلى السكر والسمر والصيد مع أصدقائه
الساسي :هو صديق الحبيب لزبير وخائنه في نفس الوقت مع زوجته وهو المدمر الأول لحياة الزبير وبشير معا.
فواز :الصديق الوحيد لبشير أيام الطفولة والمراهقة ورفيقه في مغامراته جمعهم اليتم والبؤس وفقدان مشاعر المحبة والأمومة ،وهو من أنهى سعادته وفرحته بالحب فجمعهم فقدان الحب في الصغر ،وحب نفس المرأة فالكبر .
الجدة: لعبت هذه الشخصية الحبل الواصل لبشير بين طفولته وسن المراهقة فكانت الداعم الوحيد للعاطفة والمحبة بعد والده .
الدكتور يوسف عزمي: صديق الزبير وهو الطبيب الذي كان يلعب دور الوفاء في الرواية الذي قلت مواطنه في النص ،وكان من جهة أخرى كان المنقذ لبشير في المرحلة التي وصل فيها للانتحار وإلى فقدان طعم الوجود والحياة وكان داعما له حتى النهاية حتى بعد جريمة القتل وكأنه الإنسان الوحيد الذي تقبل بشير كما هو بعد فطيمة .
الياس : الشخصية التي كانت وسيلة فواز في إنهاء حياة بشير و فصل حلمه وفرحته عن الوجود مثلت هذه الشخصية الدهاء والمكر والخداع والتسلق.
4 زمن الرواية :
شكل فضاء حياة بشير، الرقعة الشاسعة للمساحة الزمنية التي شهدت وقائع وأحداث وشخوص رواية (سخرية قدر) فكان فضاء حياة بشير من جريمة قتله لرجل إلى بداية حياته ومجيئه للحياة هو الفضاء الزمني لرواية ، يستخلص من هذا ديمومة الأوضاع الفاسدة وكذلك استمرارية الظلم ومظاهر العنف والخوف والاستلاب، والوجع والخيانة و اللاستقرار والمعاناة التي يعيشها الشاب الجزائري من بطالة وتدني فمستوى المعيشة وتفشي الانحلال الأسري عبر امتداد هذا الفضاء الزمني الطويل, وتسعى الرواية إلى اعتمادها على الثنائية الزمنية ' الماضي و الحاضر, والتي تتصف بالتشابه في القول ببقاء أوضاع المجتمع الجزائري:- الاجتماعية والثقافية والنفسية متشابهة ومن هنا تطفو جرأة هذا العمل الروائي الجديد وتتجذر أحداثه و شخوصه في أعماق أخدود المجتمع الجزائري المعاصر، مما يظهر المفارقات الزمنية (Anachronies Narratives) وهى مفارقة زمن القصة مع زمن الخطاب، مما يتولد عن هذه المفارقة تلاعب السارد أو الراوي بأحداث الرواية للوراء على هيئة ومضات (Flash Back) فتتذكر الشخصية أحداث ماضية، وهذا القفز أو الارتداد للوراء كما يطلقون عليه يسمى (الاسترجاع Analapsis).
ويعنى الاستذكار للماضي، والحنين له فلا يستطيع الإنسان، أن ينسى ماضيه فيرتد إليه من حين لآخر، مع وجود العوامل المساعدة على هذا الاستذكار كالأحداث والشخصيات والمواقف والزمان والمكان.
ولذلك يكثر الارتداد للوراء (الاسترجاع) في أحداث الرواية أو فى سياق العمل الأدبي، لكي يعّرف القارئ بالتفاصيل التي لم تذكر مباشرة، ولكنه لجأ لاسترجاعها ليوضح له الأحداث والشخصيات المبهمة، أثناء سير الأحداث ويفسرها عن طريق الاسترجاع
تبدأ الرواية بالزمن الفني الهابط وبالاسترجاع وتبدأ حكايتها من مكان الجريمة التي اقترفها فهي ترمز لنهاية ،إلا أن الرواية بدأت منذ كتابة البطل لقصته ، وتوصليها للقراء على أكمل وجه ممكن ، كما أنه يريد أن يخرج قصته للنور بأفضل الأساليب والتراكيب؛ مما جعله يستعين بلغته و دقة تراكبه وتحكمه بأساليب الكتابة الحديثة التي تصلح للقراءة والقراء.
فالزمن هو الحياة التي عاشها بشير البطل في هذه الرواية، لكنها فرقت بين الاثنين لأنه يعيش الزمن بكل ما فيه من تأملات، وأفراح، وأتراح؛ مما جعله يركز على السردية الزمنية الذي تتيح له معايشة الحدث والشعور بطوله وبقصره رغم قصر الحياة نفسها، إلا أن الحدث زمنه ووقته أطول، وهذا ما أراد الكاتب توصيله للقراء بالفعل حيث أنه اختصر حياة كاملة في قراءة ساعات للعمل المكتظ بالحياة النفسية والأسرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك الوقت.
يعود مرة أخرى في نهاية الأحداث ليختم قوله دائما بفطيمة كما بدأها وكأن حياته ملخصة بوجود فطيمة فيها ،في قوله : "لا يمكنني أنا الرجل المنكسر أنا الذي لا سلطة لي أن أسمي شوارع المدينة ،وأزقَّتها باسم فطيمة حبيبتي ،لذلك ،سميت بها هذا الجرح ....عفوا أقصد هذا النَّص الذي لا يمكنه ان ينتهي هنا فقط ،إنَّها قصَّة أكبر من اللغة ومن كل شيء .........."(23)
5 فضاء المكان :
إن فضاء المكان في هذه الرواية هو مدينة قسنطينة بين شارع بلوزداد وبين السويقة يشكل تعدد الفضاء ظاهرة جمالية متميزة, يطغى محور المدينة على العمل الروائيي والقصصية, بحيث تتداخل فضاءات المدينة فيكونان نسيجا متشابكا من الصلات و الدلالات و الرموز.
فضاء شارع بالوزداد :
يركز النص كثيرا على تصوير شارع بلوزداد الفضاء المكاني الذي دارت فيه معظم الأحداث وحياة بشير يقول الراوي "بلغتُ بلوزداد ،هذا الشَّارع الذي كبرت بهِ ،وكبر يتمي فيهِ ،كنت أعتقد أنَّه العالم كلّهُ ،وأَلَّا شيء غير بلوزداد ،وبلوزداد إسمه الذي لا يناديه به أحد ،الجميع ينادونه "سانجان" القديس جان ،أبي من شرح لي هذا ذات يومٍ،هو من أخبرني الحقيقة التي احتفيت بها يومها أيَّما احتفاء ورحت أخبر أصدقائي بهذا ،بينهم فوَّاز ،أو كما كنَّا نناديه الزَّعيمَ ،إذ كان أجرأنا في تقَدّم الحروب التي كنا نعلنها على الأحياء المجاورة" ويحاولأيضا أن يعطي تفصيلا للمكان الذي عاش فيه كل أحداث الألأم والوجع والخيانة والفقدان" بيت الزبير فيقول "دخلت الشقة التي كانت تقع على مستوى الطابق الرابع من العمارة التي تطل على بلوزداد وعلى "لاريبانجي"على حد سواء ،ويمكن الدخول إليها من الجهتين ،من أي شارع أشاء ،دخلت،نزعت معطفي ،كانت المدفأة مشتعلة ً،وكان المنزل دافئا ،لكنَّها وحدها الروح من أصيبت ببرد الذكريات ،هذه التي تشكَّلت وحشا يريدُ تدميري ،وحشا كبر معي ،وترعرع بأرجاء كياني ،والآن يحاول القضاء عليَّ ،يريد أن يحرقني وعالمي على حدٍّ سواء" (24) ويصف وشارع بالوزداد وتفاصيله أمن الداخل ومن الخارج, وتبرز صورته على لسان السارد؛ فعيناه تلتقطان بسرعة مذهلة وفضولية قِطع وملامح البيت حجرة جانبية الشارع غرفة الأب ومكتبه فى قول الراوى:-" لا شيء لا يستحق الكتابة في بلوزداد،هواؤه ،شمسه ،مطره ،الذين يمكثون به هنا وهناك وفي حرم مقاهيه ،أشجاره التي تكتسي خضرة الجنَّة إذا حل الرَّبيع وبياضا خاشعا إذا سقط الثَّلج حتى تحسّ فجأة أنَّك تحب الله ،هل يوجد رصيف بالعالم يشعرك بحبّك لله ودون سابق إنذار ؟ رصيف بلوزداد يفعل ذلك ،الرَّصيف الإسفلتي ،نعم ،إني أحس بمتعة غريبة وأنا أخطو عليه الخطوة تلو الأخرى وكأني بجنَّة ما ،كانت خطواتي يوما ما صغيرة هامشيَّة" (25) بينما يختلف سردها في وصف الفضاء المكاني لسويقة ، وذلك حسب التوزيع الجغرافي لكل من الشارعين
فضاء السويقة:
يأتي الحديث عنها بسبب ذهاب بشير هناك وتعرضه لتعدي قطاع الطرق وإنقاذ فطيمة له وكانت هذه محطة في الرواية مصدرا للحب و لانكسار الأحلام فهو لم يتمكن من الوصول لفطيمة إلا بعد مجازفة أودت بحياتها بسبب الحياة التي تعيشها و قدرها المحتوم منذ البداية في عيش البأس ،فيصور لنا بشير طبيعة الحياة المكان الذي كانت تعيش فيه فطيمة فيقول" حين خرجت من الدَّار ،التي كانت بقلب السّويقة ،"الزَّلَّايقة" تحديدا،إسم الزنقة التي تواجدت بها دارها ،التي كانت ماخورا مخفيّا ،لم أكن أعلم بوجوده ،بقلب المدينة القديمة ،وكنت أفكر ماذا تفعل فتاة برقتها ،وعذوبتها ،وشفافيَّة روحها في مكان كذاك ،وبقي وجهها الملائكي بحزنه وغموضهِ مرسَّخا بذاكرتي ،وملتصقا بها كل لحظة مضيت فيها إلى العالم ،والى المدينة بعد تلك الليلة ،وبضع صبيحة كانت من الجنة بكل تأكيدٍ حين
فضاء المقاهي والمخامر الليلية:
يشكل هذا الفضاء أيضا مجالا واسعا، فهي تسلب الإنسان إنسانيته و يتعرض فيه لجميع أنواع الإهانات والذل والتعذيب, رغم كونه نقطة انتقال إلا أنه يمثل دورا أساسيا في بنية الفضاءات المجتمعية , ففيه تدار كل الخطط والتدابير غير القانونية, وتحضر الملفات وتُحَرَفُ الأقوال, وتتضاعف التُهم، وترمى بغير ذنب تغييب العقول وتدنس الأجسام وتباع المحرمات والمخدرات ،تبرز من خلال التركيز على الناس الذين يذهبون إليها ومدى التعاسة التي أوصلتهم لهذه الإدمانات والتعذيب لشخصية المواطن الجزائري والشاب الضعيف
6 تداخل الأجناس في رواية سخرية قدر:
تعد ظاهرة تيار الوعي في الروايات المعاصرة من أشهر الاتجاهات التي ظهرت في القرن العشرين وكانت بداية ظهورها في الرواية الفرنسية، ولكنها اتسعت حتى وصلت الأدب العربي، ولأن الرواية شكل مفتوح ومتسع لكل التجارب، أقبل الأدباء على دراسة الأساليب الحديثة وتطبيقها على الرواية الحديثة، وكان من ضمنها أسلوب تيار الوعي.
نستطيع القول أن التعريف يهدف إلى الكشف عن الكيان النفسي للشخصيات بإلقاء الضوء على المستوى الذهني فيكشف لنا الغموض سواء كان ذلك عن طريق استرجاع لأحداث نجهلها أو تمنى لأحداث نريدها أو حوار نفسي غامض أو باستخدام أية تقنية من تقنيات تيار الوعي التي تبرز نواحي الغموض لدى الشخصية الأدبية، وعلى ذلك فإن روايات تيار الوعي هي الروايات التي تكتب بإفاضة وحرية تامة في التعبير عن المشاعر وطرق أبواب مغلقة لم تطرقها الروايات من قبل، ولا تهتم بالتسلسل الزمني للأحداث التي تظهر في الروايات التقليدية. ويتسم أسلوب تيار الوعي بعدة خصائص تحدده وتميزه عن الأساليب الأخرى، ومن أهم هذه الخصائص ما يأتي:
أ المنولوج الداخلي:
اعتمدت الروايات الحديثة، وخاصة روايات تيار الوعي على هذا التكنيك إلا أنه يتشابه مع تكنيك مناجاة النفس في أن كليهما يعمل على إفراغ المحتوى الذهني للشخصية ولكنهما يختلفان في حضور الراوى، ونجد ذلك متمثلاً في
في حديث بشير مع نفسه في وصوله لقمة الشك واليأس يحادث بشير نفسه ويسأل كل هذه الأسئلة التي يتمنى أن يجد لها إجابة واضحة جلية؛أسئلته الوجودية مع الله مع الظروف مع الحياة لكي يريح فكره من هموم متثاقلة على نفسه، ويريح قلبه من ألم لا يدرى نهايته، ومن فتاة لا يعلم عنها شيء.
ب إدراج اللهجة العامية :
لقد حاول الكاتب في كثير من المواقع تقريب واقع المجتمع الجزائري على طبيعته دون تصنع بحقائقه ومعانيه وذلك بالذهاب إلى استعمال اللهجة العامية الجزائرية وفي هذا يقول باللهجة العامية: "البركة في راسك أختي زليخة ،قال عمي السّاسي يومها
-أخلااايا" واش صرا ،ردَّت أمي بهلع
سأكتشف لاحقا أي هلع هذا
-فقدناه ...لن يعود الزبير بعد اليوم "(26)
ج الاقتباس من الشعر والغناء:
لم يتوقف الكاتب عن النهل من الأجناس الأدبية الأخرى، بل جعل من روايته مصبا لكل الأجناس الأدبية، ومن بينها الشعر مثل قول الراوى:
بينما في موضع آخر استعان بهذه الأبيات
ولم أعد اميزُ بين الناي وقلبي "
كلاهما مثقوبٌ
ويفحُ الانين
!
صادق رحيم/شاعر سوري"(27)
أما الغناء فقد اقتبس من أغنية عبد الوهاب لا تكذبي :
"لا تكذبي
إني رأيتكما معا
فدعي البكاء فلقد كرهت الأدمع
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى"(28)
د_إدراج الفكر الفلسفي:
نجد أن الكاتب من خلال شخصية بشير يطرح تساؤلات فلسفية عميقة وجودية بامتياز بطريقة بسيطة لكنها شاسعة ومفتوحة على عدة أبواب وهذا في قوله:" في الصباح الباكر ،استيقظت على أذان الفجر ،فتحت عينيَّ عن آخرهما ،كنت وكأني لأوَّل مرَّة أنصت إليه ،وكان صوت المؤذن شجيُّا ،يريح الرّوح ،ويعيد ما اندثر منها إلى مكانه
اللَّه أكبر ،الله أكبر
إنَّ وقع الكلمة ،كان رهيبا ،هاهي تثير فيَّ تساؤلات مرَّة أخرى ،هل هو أكبر من هذا الجحيم الذي أعيشه ،وإن كان كذلكَ فلماذا لا يخلّصني مما أنا فيه ،غطَّيت وجهي بوسادة ثانية ورحت أبكي بحرقة ،تنهمر الدموع نهرا من الآلام ،والخواء ،والأسئلة ،ومرة أخرى أسأله بشدة وبغضبٍ
أنت أكبر من كلّ شيءٍ ،لذلك لا أظن أني أستطيع أن ألومك ،لكني أفعل ،وكنتُ في هذا كأني أتحدَّاه غير أني لم أكن أتحدَّى إلا ضعفي ،الذي أصبح وحشا يلتهمني ،ألوم هذه الدَّائرة الفارغة التي لم أستطع الخروج منها ..
إني ألومك ،أنت كان بإمكانك أن تنقذني ،لكنَّك لم تفعل ،هل تختبرني؟" (29)
فتساؤل هنا عن الوجود اللاهي والوجود الذات وما تخبئه الحياة عن نهاية المأساة ولماذا هذه الحياة غير عادلة معه
ذ التصوير الفوتوغرافي :
نجد أن الكاتب في وصفه لصورة وكأنه يعيد رسمها لنا لدرجة أن المتلقي يرها بعينه وهذا ما نجده في تصويره" ألقا تشيخوفا "و "فطيمة " فيقول :" إنها يا بني ،نجمة السينيما الألمانية ،هاجرت من روسيا إلى ألمانيا ،وكانت محاطة بالكثير من الألغاز والأسرار ،معظمها لم يتم اكتشافها إلى يومنا هذا ،كان هتلر يدعوها إلى كل الاحتفالات الرسمية ،وكان مفتونا بها ،وكانت محط انتباه المخابرات السوفياتية آنذاك ، وفي ربيع عام 1945 وصلت الحرب إلى برلين وبات الرايخ الثالث وزعيمهم أدولف هتلر يعيش أيامه الأخيرة. وقتئذ ظهر ضباط من جهاز الاستخبارات السوفيتية في منزل تشيخوفا في شهر أفريل ذلك العام وأخذوها على متن طائرة إلى موسكو واستقروا بها في شقة مجهولة. وبعد شهرين أعاد هؤلاء الضباط أولغا إلى برلين وتركوها، توفيت أولغا تشيخوفا عام 1980 وبقيت إلى وقتنا الحالي واحدة من النساء الأكثر غموضاً في القرن العشرين" (30) أما عن فطيمة يقول"ضحكت،بخجل بادي ،وانكشف سرُّ عميق من أسرار الله الكبيرة التي تحف العالم ،وتختبئ في أماكن لا ينتبه لها الغافلون،ورحت أنظر إليها ...
كانت بيضاء حليبية ، يتهاوى شعرها اللَّيلي المنسدل كشلال أسود على رقبتها ويصبو بطوله إلى نصف ظهرها ، وبينما تسقط خصلات منه على. وجهها تعيد ترتيبه بيدها البيضاء الناعمة بأظافر متطاولة ، مطلية بلون وردي فاتح ، رقبتها كانت تحوي قلادة ذهبية خفيفة تسير على صدرها حتى تختفي مع جيبه ، وقد أحاطت يدها بسوار رقيق مثلها ، وكعبها بخلخال ،يقارب برقته سوار يدها ، يتدلى منه شيء لم احدد ماهيته ، إنها المرة الأولى التي أرى امرأة تحيط كعبها بخلخال ،كانت بسيطة ، لا بل كانت أبسط من البساطة بقليل ، وفاتنة ، لا ، بل كانت أفتن من الفتنة بكثير ، واضحة حد الغموض ، غامضة حد التجلّي"(31)
لا أدري لماذا كانت مقاربتي بفطيمة التي كنت عندها وهو يتحدث عن اولقا امرأة أخرى من التاريخ ،وزاد شغفي بالصورة
ر_التناص مع النص القرأني:
يقول الراوي :" إثر صرختها تلكَ ،والتي أيقظت الجميع ،ونوَّمت فيَّ كل شيءٍ ،وألقت بي بعيدا ،إلى الهاوية ...وما أدراك ما هي ،نار حامية ....." (32) نجد أن الكاتب هنا كان تناقصه جزئيا حيث حاور المعنى الغوي في النص القرآني في قوله تعالى في سورة القارعة
{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاك مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}
ز التناص مع الأسطورة:
نجد أن عقدة أوديب حاضرة بقوة في الرواية وتلتقي معها في فكرة الخيانة والابن ولكن الاختلاف يكمن في حب الأبوي عكس الحب الغريزي للأم المعهود فهنا الكاتب خرق أفق التوقع في كتابته هذه حيث وجه الحب الغريزي الذي يربط الابن بأمه إلى الأب وهذا عكس ما يتوقعه القارئ
نتيجة :
الواضح في الرواية هو التركيز على القضايا اجتماعية فلسفية والدينية و أخلاقية واختيار الفترة ذاتها لمعالجة جُل الأحداث المطروحة على الساحة الجزائرية في هذا العصر، وتضمين الأنثى في الرواية وأهمية وجودها في الترميز على قدسية النص، وإضافة تقديسات خاصة وأحكام دينية تقنع القارئ بما يريد توصيله بالأدلة والبراهين الواقعية العقلية ليوصل فكرته وليصور الواقع كما هو في الجانب الإنساني من المبادئ أومن الجانب الأخلاقي وانعدام المسؤولية والتشتت الأسري والعواقب الوخيمة على الأبناء والمعانات التي ستستمر معهم مدى الحياة لأن البناء من البداية أساسه باطل وفاسد وهذا مالم يفهمه بشير طيلة الرواية لأنه كان يعاتب القدر دائما على بؤسه وشقائه ،فكان الاقتباس من الشعر العربي والأغاني العربية وتداخل مضامين شعرية داخل المضامين الروائية؛ وكأن كل كاتب يريد أن تخرج روايته في أبهى صورها بل مزينة بأجناس أدبية أخرى خدمت النص المرهون بالدراسة وأضفت عليه بريقا ثقافيا وقوة لغوية عالية ، ومزيجا فنيا أدبيا لا يخلو من الإثارة والتشويق وقبول العمل بمختلف أجناسه
قائمة المصادر والمراجع:
1 جان ماري شيفير، ما الجنس الأدبي، تر غسان السيد، إتحاد كتاب العرب، دط، ت 2991 ،ص21.
2 شكري عبد العزيز ماضي ، في نظرية الأدب، ص.11
3 وفاء يوسف إبراهيم،الأجناس الأدبية في كتاب الساق على الساق في ماهو الفارياق، ص 01-09.
4 هيثم عباس وعبد الكريم خضير السعدي، نظرية الأجناس الأدبية، ص201
5 ينظر، المرجع نفسه، ص201.
6رينه وليك أوتسن وآرن، نظرية الأدب، ص010
7دياب قديد، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية الجزائرية المعاصرة- الكتابة ضد أجنسة الأدب
تداخل الأنواع الأدبية، المؤتمر النقد الدولي الثاني عشر، جامعة اليرموك، مج2 ص019
8رشيد يحياوي، شعرية النوع الأدبي، دار إفريقيا، دار الغرب المغرب، ط2 ،ت2993 ،ص212.
9 وفاء يوسف إبراهيم،الأجناس الأدبية في كتاب الساق على الساق في ماهو الفارياق،ص30
10 محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ص221 .
11_عزالدين مناصرة، علم التناص المقارن، دار مجدالوي للنشر والتوزيع، الأردن، ط2 ،ت1331 ، ص19.
12دياب قديد ، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية الجزائرية المعاصرة،تداخل الأنواع الأدبية مج2 3 ص 092.
13دياب قديد، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية الجزائرية المعاصرة، تداخل الأنواع الأدبية، مج2 ، ص093.
14يحي الشيخ صالح، ثلاثية أحالم مستغانمي – شعرية الرواية وأنثوية الشعر – تداخل الأنواع الأدبية، مج1 ،ص933.
15- جريش سيماوى الحلقة النقدية في مهرجان جريش السادس عشر ـ ص 47.
16- حسن بحراوى ـ بنية الشكل الروائي ـ المركز الثقافي العربي ـ ص 122.
17_أحلام مستغانمي، ذاكرة الجسد، منشورا الجزائر، ط1 ،.1333 ،ص11.
18 جهاد زهري ،سخرية قدر،ط1،دار النشر،الجزائر،2020،ص:01.
19 نفس المصدر،ص:03.
20 نفس المصدر،ص:05
21 نفس المصدر،ص:14
22 نفس المصدر،ص:20
23 نفس المصدر،ص:12
24 نفس المصدر،ص:56
25_ نفس المصدر،ص:74
26 نفس المصدر،ص:18
27 نفس المصدر ،ص:87
28 نفس المصدر ،ص:34
29 نفس المصدر،ص:41
30 نفس المصدر، ص:65
31 نفس المصدر،ص:10
32_ نفس المصدر ،ص:19
تتميز الكتابة الأدبية الجزائرية بالاختلاف الواضح مقارنة بالكتابات الأخرى وهذا من جهة التجديد والحداثة ، ومن جهة أخرى إلى طبيعة الفكر الجزائري وتكوينه والمؤثرات الثقافية ، والامتزاج المجتمعي، وطبيعة السياسية في المجتمع الجزائري، مما أعطاهم الصدارة في كتابة الرواية خاصة والإبداع عامة ، فالكتابة الروائية الجزائرية ذهبت إلى ذلك التماهي الأجناسي من شعر ونثر ومسرح ورسم وموسيقى وفنون مختلفة ،وهذا الانفتاح جعل منها نص مميزا فريدا له خصائصه وسياقاته التي نتوقف عندها في كل قراءة فلقد انفتح النص على الآداب العالمية والفنون والكتابات الأخرى من تاريخ وتراث وفلسفة وعلوم وغيرها فكانت مشاربه عديدة ومتنوعة ، بل لم تكتف بذلك؛ وتطرق الكتّاب إلى التصوير الفوتوغرافي؛ ليضع القارئ موضع المتلقي والمشاهد للنص والمحلل لكل ما يقرأه من نصوص إبداعية ثرية ،تحمل ما تحمله من زخم الحمولات والمرجعيات والرؤى الإستشرافية ،فهي المرآة العاكسة لواقع إنساني عميق عمق التجربة الكتابية ، لتثرى العمل الأدبي المقدم حينذاك، وتشوق القارئ المستقبل للنص الأدبي، وهذا ما أولجها إلى شهرة، في وقت طرق كتّاب الرواية الساحة الأدبية، العربية ،فاستطاعت الحفاظ على مكانتها، وتقديم النصوص الثرية والمتنوعة، وتمثل ذلك في انتقاء الموضوعات، وحرفية الكتّاب، والتركيز على أدوات الرواية الحديثة، وعدم تقوقعها في التقليد ، بل انفتاحها الواسع على كل النطاقات أضفى بريقا على مضمونها، فشمل مكونات ذات خصوصية أدبية وثقافية تعكس الإنسانية أولا والفرد الجزائري خاصة.
فالإشكالية المطروحة هنا كيف كان الانفتاح النصي مهما للعمل الأدبي ؟، وما طبيعة التداخل الأجناس في العمل الأدبي وكيف نظر له ؟ وإلى أي مدى كان التداخل ألأجناسي حاضرا في رواية الجزائرية سخرية قدر للكاتب جهاد زهري كدراسة تطبيقية خاصة ؟ ،وهل تحمل هذه الرواية الجديدة من حمولات المجتمع الجزائري بإنفتاحاتها وخيالاتها ؟
وهل استطاع الكاتب أن ينقلنا فعلا إلى عالم الرواية بقوة وأين تبرز خصائص الرواية الجزائرية ضمن هذا النص؟
1 تداخل الأجناس من خلال رؤى مختلفة:
تعد نظرية الأجناس الأدبية من أصعب القضايا التي ناقشتها نظرية الأدب، كونها تقوم بتشريح الخطابات والنصوص من أجل فهم الجنس أو النوع الأدبي والتعرف عليه واستيعابه، بحدودها ومراسمها واحترامها وعدم انتهاك حرمتها، كما قد تشترك النصوص الأدبية في قواسم مشتركة واحد تحدد من خلالها خاصية كل جنس ، فإذا كانت القرون الأدبية الأولى تؤمن بنظرية الأجناس الأدبية وبالمعايير التي وضعت من أجل فصل بين هذه الأجناس سواء أكانت هذه الأجناس رئيسية أم فرعية فإن منذ منتصف القرن الماضي أصبح الأجناس متداخلة ومختلطة متداخلة بل ينادي الأدباء والفنانون بهذا التماهي حيث يصعب الحديث عن جنس أدبي معين فتضاربت الآراء حول إمكانية الكتابة ضد أجنسة الأدب والكتابة وفق قالب أجناسي معين لكل نوع أدبي ،وفي التوجه البحثي هذا سنذب إلى الحديث الأول عن قضية الأجناس الأدبية التي بدأت مع أرسطو ومن واله بعد ذلك في عبور مختصر يجعلنا ندرك أهمية هذه القضية التي ترافق الإبداع منذ قرون .
أ مع أرسطو:
حاول أرسطو وضع الأسس التي تقوم عليها نظرية الأنواع الأدبية حيث قسم الأدب في كتابه " الشعر" إلى ثالث أنواع التراجيديا ، الكوميديا، والملحمة وقد بين خصائص كل من التراجيديا والملحمة في الموضوع والمضمون وأداء والوظيفة" فأرسطو حاول دراسة الشعر كونه جنس ينقسم إلى مجموعة من الأنواع فلقد صرح في كتاب " فن الشعر" بجملة الشهيرة القائلة " سنعالج الفن الشعري في ذاته، وفي أنواعه التي توجد ضمن إطار غايتها الخاصة، والطريقة التي يجب فيها تأليف القصص إذا أردنا أن يكون الشعر ناجحا، بإضافة إلى عدد الأجزاء التي تنبثق من البحث نفسه لنتبع غير بعيد عن ذلك(1) فلقد عمد أرسطو إلى النظام الطبيعي في تحديده للأنواع ،وهنا سنعالج إظهار طبيعة كل نوع أو جنس أدبي يختلف عن غيره ،ولقد صرح عن ذلك شكري عزيز ماضي من خلال قوله "وقد حرص أرسطو أن يبين بأن كل نوع أدبي يختلف عن النوع الآخر من حيث الماهية والقيمة ولذلك ينبغي أن يظل منفصلا عن الآخر"(2) اعتمد أرسطو في تحديده لنظرية الأنواع على مبدأ المحاكاة، مرجع ذلك إلى العوامل الاجتماعية فقضية الأجناس هنا هي نوع من محاكاة طبيعة المجتمع الذي يعتمد على التفرقة والطبقة بدل المزج وتداخل " ولعل هذا التشدد في التصنيف يعود إلى تصنيف اجتماعي وتقسيم الناس إلى نبلاء وسوقه في الزمن القديم وهذا ما دفع أرسطو إلى الحديث عن كل ذلك من الملهاة والمأساة والملحمة إذا جعل لكل جنس لغته وأسلوبه وجمهوره فالأدب عنده لا يقتصر على المتعة، وإنما جعل له رسالة أخلاقية" كما أن أرسطو مدرك لوجود بعض التمايزات بين المسرح والملحمة والقصيدة الغنائية غير أنه يرى أن المأساة جنسا يعلو على باقي الأجناس "(3) إن فن الشعر عند أرسطو ينصرف في منظمة لها خصائص وقوانين لدراسة جنس المأساة بوصفه جنسا خاصة.
ب مع الرومانسية:
وبعد الفصل الذي رسمه أرسطو فقد جاءت الرومانسية كنظرية إذا كانت هذه النظريات تؤمن بالفصل بين الأجناس الأدبية فلقد جاءت دعوة الرومانسيين من أجل إبطال هذه الأفكار فالرومانسية والتي تؤمن بانصهار الأجناس الأدبية في بوتقة أدبية واحدة يعد شليجل من بين من أسس لهذه النظرية فهو يرى " أن تقسيم الأدب إلى أجناس هو نوع من التحكم التي ينبغي للأدب الخضوع له" (4)كما يمكن لنا أن نذكر في هذا السياق الجهود التي قام بها الناقد بنديتو كروتشه خاصة بعد إصداره كتاب الشعرية عام 1920 فهو يرى أن الموافق الشعرية هي التي تحدد جنس الكتابة أي أنه يرى أن مصدر الإبداع هو الكاتب نفسه من خلال التعابير الشعورية التي تحدث له كما أنه ظهر مفهوم جديد للأدب يقوم بجمع أجناسا وأنواعا مختلفة داخل وحدة الفنية وجمالية كبرى(5)
وفي هذا يقول تدوروف "وأخيرا بدأت الفكرة وحدة الفنون تفرض نفسها، ومن هنا أخذت تتبلور نظرية للفنون تحاول أن تؤطر على أقل أكثر الممارسات الفنية هيبة، أعني فتدو رف يعترف بتداخل النصوص والأجناس ويطمح إلى أن يكون الأدب الشعر والرسم" (6)
فالنص هو الجسد الذي تشترك فيه كل الأجناس ، والأجناس الأدبية تتطور وفق دورة الحياة فالرواية كانت قصة والشعر كان سجع كهان ولعل من أثار ذلك هو الناقد برونتيير Brunitière في نظرية تطور الأجناس الأدبية" ذهب إلى أن الأجناس الأدبية تولد ثم تنمو ثم تكبر ثم تشيخ ثم تموت وقد يتولد عنها جنس آخر" فالأنواع الأدبية لها وجود في الواقع كوجود الأنواع الطبيعة في المحيط فإمكانية التداخل وتفاعل تحدث من خلال التلاحق بين الأجناس من أجل إعطاء بعد جمالي حداثي " (7) فليت الأنواع تنتج الأنواع في عالقة تناسلية أو تلقيح ذاتي يتم في معزل عن الملقح والمولد الخارجي، وشروط خارجية تولد فيها النوع خارجة تداول وميلاد أنواع دون أخرى" فمراحل التقدم في الأجناس حتمية المناص منها فنوع الأدبي كنوع البيولوجي ينشأ ويتطور ومن خلال هذا المعنى قسم هيغل الشعر وعبر عن التداخل بين أقسامه"(8).
2 تداخل الأجناس في النقد الحديث:
لقد ذهب التصور النقدي الحديث فلقد اهتم الدارسون المحدثون والمعاصرون بنظرية الأجناس الأدبية تأريخا وتعريفا وتنظيرا وتطبيقا إلا أن هناك جانبا من التقصير في دراسة أجناس التراثية العربية، فقد قال عادل الفريجات في بحثه ( الأجناس الأدبية تخوم أو لا تخوم) " لو عدنا إلى تاريخ الأدب العربي القديم وواقع النقد في التراث ناظرين في مدى شموليته لمسألة الكشف عن الأجناس الأدبية ونقدها والتنظير لها، لوجدنا فيها تقصيرا كبيرا" (9)
إلا أن النقاد العرب حديث بدوا الاهتمام به أمثال ذلك: سعيد يقطين، محمد عبد الفتاح، وعبد الفتاح كيليطو، فلقد اهتم هلال غنيمي محمد بأجناس الأدبية إذ خصص فصل الثاني من كتابه " الأدب المقارن" لهذا الموضوع وضمن رأيه كل من أرسطو وكروتشه فصرح " بأن الأجناس الأدبية غير ثابتة، فهي في حركة دائبة بها تتغير قليلا في اعتباراتها الفنية، من عصر إلى عصر، ومن مذهب أدبي إلى مذهب أدبي وفي هذا التغيير قد يفقد الجنس الأدبي طابعه الذي كان يعد جوهريا فيه قبل ذلك" كما اقتصر أيضا على دراسة الأجناس النثرية في الأدب العربي التي لها صلة بالقصة مثال، كما أنه أرجع نمو الأدب إلى التأثر بالآداب الأخرى " (10) ثم أصبح من المسلم به أن هذا النمو للأدب من خلال الأجناس الأدبية قد أدى إلى استدامة هذه الأجناس في ثنايا الآداب المختلفة، كما أدى إلى قيام صالت فنية .
غير بعيد عن ذلك قد حاول عز الدين مناصرة الإقرار بوجود تداخل بين الأجناس الأدبية مبرر موقفه من أن الفصل بين الأجناس يجعلها ضيقة النطاق " إن هذا التفاعل من شأنه أن يسهم في بعث الأنواع، وجعلها تتمتع بأكثر حيوية خالفا في انحصارها ضمن نطاق محدد شكلا ومضمونا، مما قد يحد من استمراريتها" (11) من خلال قول عز الدين مناصرة يبين لنا أن الفصل بين الأجناس الأدبية أمر صعب سواء أكان من ناحية الشكل أم من ناحية الخطاب فقد يؤدي الأمر إلى فقدان خصوصية الجنس . كما أنه يرى " أن مبدأ التجانس بين الأنواع الأدبية أمر لا مفر منه، ذلك أنه يتيح توليد أنواع أخرى، وهو ما يعني أن التطعيم الأدبي لجنس أدبي بنوع آخر يولد حالة جديدة يستدعي مهارات وقدرات معرفية من أجل الكشف عن أسراره وجماليه، ألنه نتاج تالقح أنواع أدبية"(12)
3 تداخل الأجناس في الرواية الجزائرية :
وفق هذا المفهوم لم يبقى هذا الطرح مجرد منظورات نقدية، بل إن بعض المبدعين العرب عامة والجزائريين خاصة ،آمنوا بهذا التطعيم فجاءت كتاباتهم وفق رؤية حداثية جادة بالوقوف على الإضافات النوعية ومحاولة المزاوجة بين النصوص الأدبية سواء أكانت شعرية أم نثرية " ولعل أحالم مستغانمي وواسيني الأعرج ومراد بوكرزازة وغيرهم ممن تلونت إبداعاتهم بهذا التداخل الأجناس إيمانا منهم بأن حياة النوع الأدبي مرهون بمدى هذا التجاوب بين الأنواع ، الشيء الذي يقدم خطوة هامة في مسار التطور الجنسي الأدبي" (13)
وتعد أعمال أحالم مستغانمي من بين تلك الأعمال التي عمدت على تكسير الحدود بين الرواية والشعر من خلال ثلاثيتها الشهيرة " ذاكرة الجسد"و " فوضى الحواس" و " عابر سرير" إن القارئ الثلاثية لا يلبث أن يقف على ظاهرتي الشعرية والأنوثة متغلغلتين في ثناياها، فكل ما فيها يبوح بشكل شعري جميل،
وبأسلوب أنثوي ينتهج الفتنة وإغراء" فلقد قدمت أحالم مستغانمي ثلاثيتها في ثوب جديد بعيد عن طروحات السابقة التي تقف حاجزا أمام الأجناس الأدبية ربما ذاك ما يفسر نجاح أحالم من خلال روايتها " ذاكرة الجسد" فعلى هذا الأساس قامت أحالم بممازجة بين أنواع الأدبية في هذه الرواية، فتارة تقوم بتناص أبيات الشاعر هنري Misho Henri :
أمسيات، أمسيات، غير أمسيات (14)
كما أنها عمدت إلى تضمين أشعار بدر شاكر السياب في قصيدته مطر
عيناك غابتا تخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح بمنأى عنهما القمر(15)
نلمح كذلك تداخلا بارزا بين الرواية والجانب الديني فقد استثمرت النص الديني في رواية ذاكرة الجسد" وتخص المسالة في هذه الحال خطيئة أدم عليه السالم الأولى التي أخرجته من الجنة" ومن خلال توظفها لتفاحة "هل التغزل بالفواكه ظاهرة عربية؟ أم وحده التفاح الذي مازال يحمل نكهة خطيئتنا الأولى ، شهي لحد التغني به في أكثر من بلد
المنهج المستخدم :
تستخدم الباحثة المنهج التحليلي (Content Analysis) للنصوص الروائية المنتقاة للدراسة حيث يعرف بأنه:
"يقوم على وصف منظم ودقيق لمحتوى نصوص مكتوبة أو مسموعة من خلال تحديد موضوع الدراسة وهدفها، وتعريف مجتمع الدراسة الذي سيتم اختيار المادة الخاصة منه لدراسة مضمونها وتحليله " لذلك سوف تقوم الباحثة بعمل دراسة تطبيقية لأعمال روائية جزائرية، اغترفت ونهلت من مختلف الأجناس الأدبية مكونة مزيجا أدبيا رائعا، ومضمونا أدبيًا ثريًا، ودمجا فنيا راسخا، وتجسدت هذه الأعمال في رواية (سخرية قدر) للكاتب (جهاد زهري)، التي ظهرت فيها تقنيات السرد الحديثة من استرجاع واستباق، وتلاعب بالسردية الزمنية ، التي شملت مزيجا قصصيا متنوعا في إطار النص الروائي، وربطت بين هذه القصص تيمه فنية متصلة منذ بداية الأحداث إلى نهايتها، تركيزا على البؤر الرئيسية في مواطن الرواية المختلفة.
4 تداخل الأجناس وتراسل الفنون في مجال الرواية:
يقصد بظاهرة تراسل الفنون (اختلاط الأجناس الأدبية) أي تداخل الفنون الأدبية من قصة، ورواية، ومسرح، وشعر، وقد اتسعت ظاهرة تراسل الفنون لتتجاوز الأجناس الأدبية إلى الفنون غير القولبة، وبذلك يضفى كل فن من هذه الفنون خصائصه على الفن الآخر فيستفيد منه ويتأثر به ويؤثر فيه، وبدلا من أن نقرأ نوعا واحدا من فنون الأدب؛ كالرواية أو القصة أو المسرح أو الشعر أصبحنا بصدد قراءة أو دراسة نوعا يحمل صفات وخصائص متعددة من الآداب وزاخرة بالفنون، ولم يكتف باقتباس الفنون من بعضها البعض؛ بل أنها استعارت من الفنون السينمائية بكل خصائصها؛ لترسم لوحة مبدعة تتمازج فيها جميع أنواع الفنون والآداب، مكونة صورة واضحة ومكتملة لتداخل الأجناس مع بعضها البعض.
تعرف ظاهرة تداخل الأجناس وتراسل الفنون: "ظاهرة غير خاصة بالفنون القولبة، وإنما هي ظاهرة بين الفنون جميعها في أرجاء العالم. ومن ثم أصبحت ظاهرة تراسل الفنون من الظواهر التي سيحملها القرن العشرين إلى بدايات القرن الحادي والعشرين كبداية لمنظور جديد لقضايانا القديمة المتجددة كقضية الحرية الفنية، وإشكالية الأجناس الأدبية ." (16)
تتضح شمولية (تراسل الفنون) فهي ظاهرة غير خاصة بالفنون الأدبية سواء كانت قولية أم غير قولية؛ ولكنها ظاهرة عامة تشمل جميع أنواع الفنون مما يجعلها تمتد إلى القرن الحادي والعشرين وتناقش قضايا قديمة متجددة؛ كقضية إشكالية تداخل الأجناس بمختلف خصائصها وتنوعها الأدبي والفني. وقد أدت هذه الظاهرة في مجال الرواية إلى تجديدها بعد مناداة النقاد بموت الرواية، وجعلت من الرواية جسداً حياً نابضاً بالحياة، ومستقبلًا لكل ما هو جديد ومتطور؛ ليضيفه إليه ويستفيد منه ويؤثر فيه ويتأثر به.
بدأت الرواية في الانفتاح على الفنون الأخرى والاقتباس منها، مثلما انفتحت على كل أنواع الآداب والعلوم، وأفادت من علم النفس في ظهور أساليب جديدة لاسيّما أسلوب (تيار الوعي) الذي نهض بالرواية وارتقى بها وجعلها هدفه الأول، والكتابة من أجل الكتابة مما أدى إلى حرية التعبير والإفاضة في الكتابة، والكشف عن المحتوى النفسي للشخصيات، مما أكسب الرواية إثارة وتشويقاً، وجعلها محل اهتمام القارئ وتحديداً المثقف الذي يهتم بمثل هذه الأنواع الأدبية الحديثة والمتطورة، مما تمثل في إفادة الرواية من شكل روائية جديدة ومتجددة أضفت مزيدا من التجديد الإيجابي على مختلف الأجناس الأدبية.
-"إفادة الرواية من الأجناس الأدبية وتمخض عن هذا أن وجدنا شُكولاً روائية جديدة؛ فرواية الأصوات نوع من الحوار بين الشخوص وأفكارها بمعالجة سردية، وقد ساعد على ظهور رواية الأصوات وجود مجال أكبر من الحرية التي سمحت بالرأي و الرأي الآخر، ومن ثَمَ جاءت رواية الأصوات ممثلة لوجهة نظر متباينة ولم تحمل كالرواية التقليدية وجهة نظر أحادية تتوازى مع الراوي العارف بكل شئ"(17)
تمثل الخطوة الثانية من إفادة الرواية في ظهور أنواع أدبية جديدة؛ كرواية الأصوات التي تبرز الحوار بين الشخصيات، وتعطى مساحة أكبر من الحرية للرأي والرأي الآخر؛ فيظهر تعدد وجهات النظر، وتصبح الرواية مادة ثرية للقرّاء، وتختلف عن الرواية أحادية المنظور التي تحمل راوياً واحداً ومن ثَمَ تصبح أحادية الرأى (وجهة نظر أحادية)، وكأن الراوي هو المتسيد على أحداث الرواية مما يولد الشعور بالملل والإحباط والديكتاتورية، وعدم ثراء الحوار، بينما أسهمت ظاهرة (تراسل الفنون) في تطوّر الرواية العربية، وظهور أنواع جديدة فى مجال الرواية إضافة إلى أجزاء مقتبسة من الفنون الأخرى، ما جعل الرواية مزيجاً من هذا وذاك، وذات خصائص فنية مزدوجة من أنواع الفنون والآداب المتنوعة والمختلفة؛ وكأننا بصدد قراءة مختلف الأجناس في جنس أدبي واحد.
يشمل (تراسل الفنون) كل هذه الأنواع من سرد، ووصف، وشعر، ورسم، وسيناريو سينمائي، وترسيمات وإعلانات وأخبار صحفية، ولقطات مسرحية، وصور فوتوغرافية؛ فهي كتابة حرة منفتحة وغير مقيدة بحدود أو شروط سواء كانت هذه الحدود فنية أم أدبية، ولذلك وصفه هذا الباحث بأنه (جدل التجنيس) الذي يثير الحيرة، ويكشف تجانس أنواع أدبية وفنية متنوعة وثرية تضفى إبداعاتها على النوع الآخر.
لذلك اخترت النماذج المنتقاة للدراسة، ثرية بتراسل فنون(تداخل أجناس) ومتنوعة بتنوع الأجناس المختلفة؛ مما أدى إلى إثراء الرواية الجزائرية، وتفردها على الساحة الأدبية أمام العالم أجمع، وفرض أهمية الرواية الجزائرية ومسايراتها للحاق بركب التقدم والتطور الأدبي والفني المتجدد، وقد قمت باختيار أنواع محددة من الروايات التي تراعى هذا التداخل وتكثر منه، وذلك باختيار نماذج روائية معبرة عن مضمون روائي ثرى، وحبكة سردية محكمة، وتيمه فنية متوازنة.
ومن ثم تم الاستعانة برواية للدراسة التطبيقية التحليلية:-
1- رواية ( سخرية قدر) للكاتب جهاد زهري :
عند تناول نماذج من روايات تراسل الفنون أسجل أولاً أن هذا التراسل تطور طبيعي للرواية، كما هو تطور طبيعي لكل الفنون الأدبية ويمثل ظاهرة إبداعية صحية. ومن ناحية أخرى فمن المفترض أن الشكل الروائي يتجدد بترسم زمنية النص الروائي ومن المفترض بداية أن تكون هناك علاقة قوية بين البنية الزمنية للنص الروائي وبين نوع التراسل في الرواية. فمن الواضح أن متابعة مسار السرد ستختلف عن متابعة الحوار حال درسنا للمسرواية مثلاً.. ويبقى التساؤل عن مدى ارتباط الزمن الماضي بالسرد والزمن المضارع بالحوار.. وهل ساعد ذلك على تنويع بنية النص الروائي وزمنيه وشكله الفني عندما تتراسل الرواية مع القصة القصيرة أو عندما تتراسل الرواية مع فن السينما أو المسرح أم لا؟!.
فقد أدت هذه الظاهرة في مجال الرواية إلى تجديدها بعد فقدان الأمل على حد قول النقاد الذين نادوا بموت الرواية، لكن هذه الظاهرة جعلت من الرواية جسداً حياً نابضاً بالحياة ومستقبلاً لكل ما هو جديد ومتطور؛ ليضيفه إليه ويصبح هذا الجسد محل إعجاب ومدح من الآخرين.
البطاقة الفنية للكاتب
جهاد زهري من مواليد 19.12.1987 بمدينة قسنطينة الجزائر درس في تحصل عل شهادة تقني سامي في محاسبة والتسيير، نشر العديد من الأعمال الأدبية في المجلات والجرائد بين الشعر والقصة وشارك في العديد من الأمسيات الأدبية والشعرية، نشر بعض المقالات في مجلّات متنوعة منها نفحة ،العربي الجديد، أنتلجنسيا ،الوطن الجزائري أصداء الشرق جريدة ورقية،همسة قصص قصيرة،جمهورية أون لاين.
2 ملخص الرواية:
صدرت رواية سخرية قدر للكاتب جهاد زهري في 2020، وتعد أول رواية له في مشواره الأدبي الطويل، تدور أحداث الرواية حول قصة (بشير) الذي يمثل بطل الرواية منذ البداية فهو الراوي العليم ليكتب قصته بما يمثل ذلك الحكي ، بطريقته هو وبوجهة نظره هو، وبأسلوبه هو، وصيغها كما تتطلبها الظروف ، وليعرض علي القارئ التفاصيل كاملة بصورة غاية في الدقة عندما يقول: " وكأنَّني شاعر مجدَّدا ،تنتابني رغبة ملحَّة في الكتابة ،تنتابني لحج اللغة لتغرقني،لست متأكدا أنّي أتقن السّباحة جيّدا ،لم أفعل هذا منذ مدَّة ،أحتاج أن أكتب ولذلكَ وحين لم أجد قلما بحوزتي حاولت أن أقتحم صمت أحدهم طالبا منه قلما ،كانت الورقة التي أخرجتها من جيبي كفيلة أن تلمّ شتات اللحظة وأنا أوقّع عليها ما استدركته حينها من مشاعر اليتم الحافل الذي ألمَّ بي كالطوفان ،لكني لم أدخل أرض قصيدة كما توهَّمت " ويوضح قيمة الكتابة في تجسيد الواقع في قولها: " كتبتُ على أعلى الورقة كلمة أو كلمتين ،لا أذكر تحديدا وتساءلتُ ،لماذا فقط هنا وبهذه اللحظات المفعمة بالأسى والجنون تأتي الكلمات ،ولا تأتي حين نحسب أنها ستفعل ذلكَـ، يأتي الشعر غالبا بعد أن نفقد شيئا ما ،يأتي أحينا أيضا حين نفقد كل شيء ،إنَّه دليل الفقد والمشتاقين إلى أنفسهم كأوّل شيء " (18) يفرق بشير بين وجوديين في الرواية وجود ذاتي ووجود أبوي والفصل الذي حدث بينهما في حياته وكأن منبع وإحساسه وقدرته على الحياة وبين وجوده الذاتي وصلته بالله وأسئلته الوجودية التي كانت تحضره في كل مراحل الرواية وهو يبحث عن الحقيقة"
مما جعل الكاتب يعيش مع (فطيمة) أحداث الزمن وأحداث الحقبة التي عاشها فلخصت حياته في الأيام القليلة التي جمعته بها، ويتخيلها بكل تفاصيلها الدقيقة، وأحداثها السعيدة والحزينة معا، وتبدأ الرواية بأحداث النسق الزمني المتداخل ، وتعد المرتكز الأساسي للرواية في جُل أحداثها وهى رواية مبنية على الفترة التي اكتشف فيها بشير أنه أصبح قاتلا فجمعت بين رمز الماضي بكل ذكرياته الذي جعل من بشير يتيما منذ الصغر وعاش على هذا اليتم بكل خطى ثقيلة ووئيدة، وما زاد من تعبه الخيانة التي كان يعيش مع وجودها في كل وقت من قبل أقرب الناس إليه أمه وصديق أبيه بمختلف الأحداث، وجعله يرى بعينها ذلك الوجع فيتحطم وتنهار حياته ويضيع الحاضر والمستقبل أمامه ، يبدأ (بشير) في سرد الأحداث منذ بداية الجريمة التي اقترفها من أجل حبيبته فطيمة والحلم الضائع إلى نهاية الأحداث.كما في قول السارد:" تريدين الصّدق يا فطيمة ،لستُ حزينا لأني طعنتهُ بقلبه،أبدا لست كذلكَ،كان يستحق ما فعلتُ به ،كان بإمكاني أن أطعن العالم كلَّه لأجلكِ ولن أبالي،تختلط داخلي الكثير من المشاعر ،والمواجع يا فطيمة "(20) ثم ينتقل بنا البطل في خطى غير محسوسة إلى ماضيه وطفولته بين ذهاب وإياب لا يشعر بها القارئ في أحداث الرواية،كما في قولها: "حائرا أمام تلك المفاهيم التي يختلط فيها الانتصار بالخيبة ،والحبّ بالمقت ،والجدوى ،جدوى كلّ شيء ، باللاجدوى والهباء الكبير
هل أنا خيبة كبيرة ،أو هباء متَّسع على المدى ؟
وإلى أي مدى يمكنني أن أمضي في خسائري أو انتصاراتي أو ...
ولدتُ بقلب قسنطينة ،المستشفي الجامعي لها ،هكذا أخبرني أبي يوما وأنا أسأله ، ذلكَ اليومِ البارد من ديسمبر ،كانت السماء غاضبة ،والريح تعزف موالها الأبدي ،غير أني كنت سعيدا جدا-قال- ،كنتَ بهذا الحجم مشيرا إلى ذراعه ،وكنتُ أسعدَ كائنٍ بالوجودِ ،وأنتَ تلتحف غطاءكَ الصغير الذي يلفك يومها بمهدك والذي أعدَّته جدتك لك مسبقا ،قام برفع الأذان مباشرة في أذنك،جدَّك الذي توفي بأيام بعد ذلك ،وكنتَ تصرخُ إلى ذلكَ الحين ،وترفس بقدميك الصغيرتين الهواء من حولك َ
الآن افهم لماذا كلَّما حاولت الانتحار ،واستبقت الريح إلى أعالي المدينة وجسور."
تمثل أحداث الرواية فترة حياة بشير كفرد من مدينة قسنطينة بالجزائر يعكس صورة مجتمع يحمل كل التوجهات الثقافية والاجتماعية والسياسية يعكس فيها مدى تفشي الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسلطوي بكل أنواعه ،وكيف أصبح المجتمع تابع للمادية والمظاهر المصطنعة والمزيفة بتزييف عقول الشعب الواهية الذي قبّل هذا سواء برضا منه أو عدم رضا،
وقع هذا المجتمع فريسة للتطور الحضاري ، فأخذ هذا التطور جانبه السلبي وما بين ذلك من ميول واستسلام للحضارة أو صمود ومقاومة للطغيان الواقع، تحكى الرواية عن أحداث تأثير الانحلال الأخلاقي في مجتمعنا في الجزائر والنتائج الوخيمة التي وصل إليها أبناءنا وتأثير ذلك على مستقبل الأجيال فتتعرض الرواية لعدة أحداث قوية ووطيدة الصلة بالتفكك الأسري وأسباب الوصول إلى الآفات الاجتماعية ومنها ظاهرة الانتحار في مجتمعنا المرفقة بالأسئلة الوجودية ومدى الجهل الذي تحمله الأجيال الصاعدة بقيمة الدين والوجود الإلهي ومدى قداسته في حياتنا وكيف كان البطل يحاور ربه وبسائله في مواقف الضعف والبؤس التي كان يعيشها " ها انا أخبرك يا فطيمة أنّي لا أعلم شيئا ،لا شيء ،ماهية الأمور وحقيقتها أو تقديرها هل هي موجودة فعلا ام انَّها عدم؟ ،هل قمت فعلا بقتل أحدهم قبل قليل ؟،صدقيني لا أعلم ،أنا حائر يا فطيمة ،حائر جدا ،هل تفهمين هذا ؟" (21)
والمواقف النفسية الذي أثر تأثيرا كبيرا على سير الأحداث سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية؛ لا سيما الإجتماعية التي تمثل لُب القضية وجذرها الأصلي، وتتعرض الرواية لقضية تداخل الأجناس (تراسل الفنون) ويتمثل هذا الاقتباس في القرآن الكريم- الشعر- الحكي داخل الحكي- التقنيات السردية الحديثة من تيار وعى- الحلم- المنولوج الداخلي- الاسترجاع- الاستباق- الفضاء المكان – الفضاء الزمان.
وتناولت الرواية قصة (بشير) الشاب الذي يعيش في مدينة قسنطينة بحي بلوزداد، المدينة العريقة التي تحمل في جسورها كل أنواع الحضارات والحلم الضائع المتمثل و الموصول بنسبة لبشير في مدينة (قسنطينة ) فرح بشير لأنه وجد حب حياته فطيمة ذلك المتغير الجذري في حياته سواء من الجانب الوجودي أو من جانب نظرته للحياة إلا أن عناد البؤس كان أقوى منها، وحرمها من الفرصة الأولى التي واتتها لتحقيق هذا الحلم في العيش وسط مشاعر الصدق والحب والنقاء ، وعاد مرة أخرى إلى يأسه لكنه قاتل هذه المرة ، وذلك بسبب ما فعله صديقه فواز بفطيمه مع الرجل الذي كان تابعا لفواز و ألياس الذي تميز بصفة المتسلق الغدار تعرف عليه في زقاق السويقة المنطقة التي كانت تقطنها فطيمه ليكون واسطة له فوصوله إليها لكنه كان واسطة في موتها وقتلها ، وضيع عليهما الحلم الكبير، وقتل بشير الرجل الذي كان ينعتها بأقذر الصفات هذا الجريمة التي كانت بداية لسرد الويلات التي عاشها وجميع أنواع العذاب وسرده لنا ونهاية السجن
ولم نغفل عن قصة فطيمه رمز الضعف والحرمان الكلي من الأبوين والفقر والمجتمع البائس الذي عاشت فيه والذي يروج لجسد المرأة كسلع تعرض، المرأة المومس التي كانت تعمل لدى فواز وكان يعتبرها ممتلكاته الخاصة ،فهذا الأخير كان يعتبر الصديق المقرب في فترة الطفولة والمراهقة لبشير
كان يمثل حياة بشير في مراهقته فهما تشاركا نفس الظروف والمعاناة فهو كان يتيم الأبوين وكانت تربيه جدته وسط أعمامه كما عان بشير اليتيم الأب والمعاملة السيئة من طرف أمه وحرمانه من عاطفتها وحناها ومحبتها فالحنان والمحبة أخذهما من أبيه فقط عكس ما تدعيه الفطرة والأمومة فقد كان يصفه في قوله:" عامل البريدِ الذي لا يعرفه أحد ،أنا الذي قرأت كتاباته التي كان يخفيها هنا وهناكَ ،لأعرف شخصا آخر مختبئا تحتَ ذلكَ الجسد ،شخصا عميقا ،ووحيدًا ،ومتشائما حدَّ الجمل التي كان يوقعها ،كنتُ أرقبُه أحيانا وأنا أذهب إلى المرحاض ِ ليلا ،فأجده تحتَ مصباح المكتب ،ولم أدر يومها ما يكتبهُ كان الغالب أنه يعمل ،كما كان يخبرني دائما ،لكنَّ الجمل التي تركها بعدَ رحيلهِ ،قد عرَّفتني بهِ أكثرَ وأكثرَ ،وروحه التي التصقت بروحي ،لم تغادر ،لكنَّها جعلت مني ما أكتبه ،وأوقعه بالمكان ذاته ،وعلى الطاولة نفسها ،وعلى مطفأة سجائرهِ اطفي غضبي وما أُحرقني به من لفافات التّبغ التي فاضت بها منفضة السَّجائر .... " (22) أما أمه كانت تمقته ولا تعطيه من محبتها إلا ما جاء عابرا
فالأحداث كانت تسير بتداول بين ما عاشه أبيه من قهر بسب الخيانة التي عاشها مع زوجته والشك الذي قهره وجعل حياته جحيم فقلبته إنسان سكير غير مسؤول وأيضا ما يعيشه بشير مع أمه التي أكملت خيانتها بعد وفات والده مع صديقه دون أن تكترث لوجود ابنها واستمرت علاقتها المحرمة حتى أصبح ابنها شابا ليكتشف تلك الخيانة بتدرج ويحس بما كان يحسه والده بضبط حين كان يراوده الشك ويعيش ذلك الوجع لكنه لم يكن يعلم أن من يطعنه هو صديقه.
3_شخصيات الرواية:
بشير :بطل أحداث الرواية وابن زليخة وحبيب فطيمة وسارد الرواية وصاحب القصة.
فطيمة : الفتاة الألمانية البائسة التي اختطفت من أبويها السائحين التي تعرف عليها بشير وعشقها
زليخة أم بشير: هي المحور الأساسي التي بنيت عليه الرواية وهي تمثل الخيانة الحقد
الزبير أب بشير:وهو الرجل الذي يمثل القهر و التقزيم والوجع ولشك هو الذي عاش كل هذا من طرف زوجته فكان يهرب إلى السكر والسمر والصيد مع أصدقائه
الساسي :هو صديق الحبيب لزبير وخائنه في نفس الوقت مع زوجته وهو المدمر الأول لحياة الزبير وبشير معا.
فواز :الصديق الوحيد لبشير أيام الطفولة والمراهقة ورفيقه في مغامراته جمعهم اليتم والبؤس وفقدان مشاعر المحبة والأمومة ،وهو من أنهى سعادته وفرحته بالحب فجمعهم فقدان الحب في الصغر ،وحب نفس المرأة فالكبر .
الجدة: لعبت هذه الشخصية الحبل الواصل لبشير بين طفولته وسن المراهقة فكانت الداعم الوحيد للعاطفة والمحبة بعد والده .
الدكتور يوسف عزمي: صديق الزبير وهو الطبيب الذي كان يلعب دور الوفاء في الرواية الذي قلت مواطنه في النص ،وكان من جهة أخرى كان المنقذ لبشير في المرحلة التي وصل فيها للانتحار وإلى فقدان طعم الوجود والحياة وكان داعما له حتى النهاية حتى بعد جريمة القتل وكأنه الإنسان الوحيد الذي تقبل بشير كما هو بعد فطيمة .
الياس : الشخصية التي كانت وسيلة فواز في إنهاء حياة بشير و فصل حلمه وفرحته عن الوجود مثلت هذه الشخصية الدهاء والمكر والخداع والتسلق.
4 زمن الرواية :
شكل فضاء حياة بشير، الرقعة الشاسعة للمساحة الزمنية التي شهدت وقائع وأحداث وشخوص رواية (سخرية قدر) فكان فضاء حياة بشير من جريمة قتله لرجل إلى بداية حياته ومجيئه للحياة هو الفضاء الزمني لرواية ، يستخلص من هذا ديمومة الأوضاع الفاسدة وكذلك استمرارية الظلم ومظاهر العنف والخوف والاستلاب، والوجع والخيانة و اللاستقرار والمعاناة التي يعيشها الشاب الجزائري من بطالة وتدني فمستوى المعيشة وتفشي الانحلال الأسري عبر امتداد هذا الفضاء الزمني الطويل, وتسعى الرواية إلى اعتمادها على الثنائية الزمنية ' الماضي و الحاضر, والتي تتصف بالتشابه في القول ببقاء أوضاع المجتمع الجزائري:- الاجتماعية والثقافية والنفسية متشابهة ومن هنا تطفو جرأة هذا العمل الروائي الجديد وتتجذر أحداثه و شخوصه في أعماق أخدود المجتمع الجزائري المعاصر، مما يظهر المفارقات الزمنية (Anachronies Narratives) وهى مفارقة زمن القصة مع زمن الخطاب، مما يتولد عن هذه المفارقة تلاعب السارد أو الراوي بأحداث الرواية للوراء على هيئة ومضات (Flash Back) فتتذكر الشخصية أحداث ماضية، وهذا القفز أو الارتداد للوراء كما يطلقون عليه يسمى (الاسترجاع Analapsis).
ويعنى الاستذكار للماضي، والحنين له فلا يستطيع الإنسان، أن ينسى ماضيه فيرتد إليه من حين لآخر، مع وجود العوامل المساعدة على هذا الاستذكار كالأحداث والشخصيات والمواقف والزمان والمكان.
ولذلك يكثر الارتداد للوراء (الاسترجاع) في أحداث الرواية أو فى سياق العمل الأدبي، لكي يعّرف القارئ بالتفاصيل التي لم تذكر مباشرة، ولكنه لجأ لاسترجاعها ليوضح له الأحداث والشخصيات المبهمة، أثناء سير الأحداث ويفسرها عن طريق الاسترجاع
تبدأ الرواية بالزمن الفني الهابط وبالاسترجاع وتبدأ حكايتها من مكان الجريمة التي اقترفها فهي ترمز لنهاية ،إلا أن الرواية بدأت منذ كتابة البطل لقصته ، وتوصليها للقراء على أكمل وجه ممكن ، كما أنه يريد أن يخرج قصته للنور بأفضل الأساليب والتراكيب؛ مما جعله يستعين بلغته و دقة تراكبه وتحكمه بأساليب الكتابة الحديثة التي تصلح للقراءة والقراء.
فالزمن هو الحياة التي عاشها بشير البطل في هذه الرواية، لكنها فرقت بين الاثنين لأنه يعيش الزمن بكل ما فيه من تأملات، وأفراح، وأتراح؛ مما جعله يركز على السردية الزمنية الذي تتيح له معايشة الحدث والشعور بطوله وبقصره رغم قصر الحياة نفسها، إلا أن الحدث زمنه ووقته أطول، وهذا ما أراد الكاتب توصيله للقراء بالفعل حيث أنه اختصر حياة كاملة في قراءة ساعات للعمل المكتظ بالحياة النفسية والأسرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك الوقت.
يعود مرة أخرى في نهاية الأحداث ليختم قوله دائما بفطيمة كما بدأها وكأن حياته ملخصة بوجود فطيمة فيها ،في قوله : "لا يمكنني أنا الرجل المنكسر أنا الذي لا سلطة لي أن أسمي شوارع المدينة ،وأزقَّتها باسم فطيمة حبيبتي ،لذلك ،سميت بها هذا الجرح ....عفوا أقصد هذا النَّص الذي لا يمكنه ان ينتهي هنا فقط ،إنَّها قصَّة أكبر من اللغة ومن كل شيء .........."(23)
5 فضاء المكان :
إن فضاء المكان في هذه الرواية هو مدينة قسنطينة بين شارع بلوزداد وبين السويقة يشكل تعدد الفضاء ظاهرة جمالية متميزة, يطغى محور المدينة على العمل الروائيي والقصصية, بحيث تتداخل فضاءات المدينة فيكونان نسيجا متشابكا من الصلات و الدلالات و الرموز.
فضاء شارع بالوزداد :
يركز النص كثيرا على تصوير شارع بلوزداد الفضاء المكاني الذي دارت فيه معظم الأحداث وحياة بشير يقول الراوي "بلغتُ بلوزداد ،هذا الشَّارع الذي كبرت بهِ ،وكبر يتمي فيهِ ،كنت أعتقد أنَّه العالم كلّهُ ،وأَلَّا شيء غير بلوزداد ،وبلوزداد إسمه الذي لا يناديه به أحد ،الجميع ينادونه "سانجان" القديس جان ،أبي من شرح لي هذا ذات يومٍ،هو من أخبرني الحقيقة التي احتفيت بها يومها أيَّما احتفاء ورحت أخبر أصدقائي بهذا ،بينهم فوَّاز ،أو كما كنَّا نناديه الزَّعيمَ ،إذ كان أجرأنا في تقَدّم الحروب التي كنا نعلنها على الأحياء المجاورة" ويحاولأيضا أن يعطي تفصيلا للمكان الذي عاش فيه كل أحداث الألأم والوجع والخيانة والفقدان" بيت الزبير فيقول "دخلت الشقة التي كانت تقع على مستوى الطابق الرابع من العمارة التي تطل على بلوزداد وعلى "لاريبانجي"على حد سواء ،ويمكن الدخول إليها من الجهتين ،من أي شارع أشاء ،دخلت،نزعت معطفي ،كانت المدفأة مشتعلة ً،وكان المنزل دافئا ،لكنَّها وحدها الروح من أصيبت ببرد الذكريات ،هذه التي تشكَّلت وحشا يريدُ تدميري ،وحشا كبر معي ،وترعرع بأرجاء كياني ،والآن يحاول القضاء عليَّ ،يريد أن يحرقني وعالمي على حدٍّ سواء" (24) ويصف وشارع بالوزداد وتفاصيله أمن الداخل ومن الخارج, وتبرز صورته على لسان السارد؛ فعيناه تلتقطان بسرعة مذهلة وفضولية قِطع وملامح البيت حجرة جانبية الشارع غرفة الأب ومكتبه فى قول الراوى:-" لا شيء لا يستحق الكتابة في بلوزداد،هواؤه ،شمسه ،مطره ،الذين يمكثون به هنا وهناك وفي حرم مقاهيه ،أشجاره التي تكتسي خضرة الجنَّة إذا حل الرَّبيع وبياضا خاشعا إذا سقط الثَّلج حتى تحسّ فجأة أنَّك تحب الله ،هل يوجد رصيف بالعالم يشعرك بحبّك لله ودون سابق إنذار ؟ رصيف بلوزداد يفعل ذلك ،الرَّصيف الإسفلتي ،نعم ،إني أحس بمتعة غريبة وأنا أخطو عليه الخطوة تلو الأخرى وكأني بجنَّة ما ،كانت خطواتي يوما ما صغيرة هامشيَّة" (25) بينما يختلف سردها في وصف الفضاء المكاني لسويقة ، وذلك حسب التوزيع الجغرافي لكل من الشارعين
فضاء السويقة:
يأتي الحديث عنها بسبب ذهاب بشير هناك وتعرضه لتعدي قطاع الطرق وإنقاذ فطيمة له وكانت هذه محطة في الرواية مصدرا للحب و لانكسار الأحلام فهو لم يتمكن من الوصول لفطيمة إلا بعد مجازفة أودت بحياتها بسبب الحياة التي تعيشها و قدرها المحتوم منذ البداية في عيش البأس ،فيصور لنا بشير طبيعة الحياة المكان الذي كانت تعيش فيه فطيمة فيقول" حين خرجت من الدَّار ،التي كانت بقلب السّويقة ،"الزَّلَّايقة" تحديدا،إسم الزنقة التي تواجدت بها دارها ،التي كانت ماخورا مخفيّا ،لم أكن أعلم بوجوده ،بقلب المدينة القديمة ،وكنت أفكر ماذا تفعل فتاة برقتها ،وعذوبتها ،وشفافيَّة روحها في مكان كذاك ،وبقي وجهها الملائكي بحزنه وغموضهِ مرسَّخا بذاكرتي ،وملتصقا بها كل لحظة مضيت فيها إلى العالم ،والى المدينة بعد تلك الليلة ،وبضع صبيحة كانت من الجنة بكل تأكيدٍ حين
فضاء المقاهي والمخامر الليلية:
يشكل هذا الفضاء أيضا مجالا واسعا، فهي تسلب الإنسان إنسانيته و يتعرض فيه لجميع أنواع الإهانات والذل والتعذيب, رغم كونه نقطة انتقال إلا أنه يمثل دورا أساسيا في بنية الفضاءات المجتمعية , ففيه تدار كل الخطط والتدابير غير القانونية, وتحضر الملفات وتُحَرَفُ الأقوال, وتتضاعف التُهم، وترمى بغير ذنب تغييب العقول وتدنس الأجسام وتباع المحرمات والمخدرات ،تبرز من خلال التركيز على الناس الذين يذهبون إليها ومدى التعاسة التي أوصلتهم لهذه الإدمانات والتعذيب لشخصية المواطن الجزائري والشاب الضعيف
6 تداخل الأجناس في رواية سخرية قدر:
تعد ظاهرة تيار الوعي في الروايات المعاصرة من أشهر الاتجاهات التي ظهرت في القرن العشرين وكانت بداية ظهورها في الرواية الفرنسية، ولكنها اتسعت حتى وصلت الأدب العربي، ولأن الرواية شكل مفتوح ومتسع لكل التجارب، أقبل الأدباء على دراسة الأساليب الحديثة وتطبيقها على الرواية الحديثة، وكان من ضمنها أسلوب تيار الوعي.
نستطيع القول أن التعريف يهدف إلى الكشف عن الكيان النفسي للشخصيات بإلقاء الضوء على المستوى الذهني فيكشف لنا الغموض سواء كان ذلك عن طريق استرجاع لأحداث نجهلها أو تمنى لأحداث نريدها أو حوار نفسي غامض أو باستخدام أية تقنية من تقنيات تيار الوعي التي تبرز نواحي الغموض لدى الشخصية الأدبية، وعلى ذلك فإن روايات تيار الوعي هي الروايات التي تكتب بإفاضة وحرية تامة في التعبير عن المشاعر وطرق أبواب مغلقة لم تطرقها الروايات من قبل، ولا تهتم بالتسلسل الزمني للأحداث التي تظهر في الروايات التقليدية. ويتسم أسلوب تيار الوعي بعدة خصائص تحدده وتميزه عن الأساليب الأخرى، ومن أهم هذه الخصائص ما يأتي:
أ المنولوج الداخلي:
اعتمدت الروايات الحديثة، وخاصة روايات تيار الوعي على هذا التكنيك إلا أنه يتشابه مع تكنيك مناجاة النفس في أن كليهما يعمل على إفراغ المحتوى الذهني للشخصية ولكنهما يختلفان في حضور الراوى، ونجد ذلك متمثلاً في
في حديث بشير مع نفسه في وصوله لقمة الشك واليأس يحادث بشير نفسه ويسأل كل هذه الأسئلة التي يتمنى أن يجد لها إجابة واضحة جلية؛أسئلته الوجودية مع الله مع الظروف مع الحياة لكي يريح فكره من هموم متثاقلة على نفسه، ويريح قلبه من ألم لا يدرى نهايته، ومن فتاة لا يعلم عنها شيء.
ب إدراج اللهجة العامية :
لقد حاول الكاتب في كثير من المواقع تقريب واقع المجتمع الجزائري على طبيعته دون تصنع بحقائقه ومعانيه وذلك بالذهاب إلى استعمال اللهجة العامية الجزائرية وفي هذا يقول باللهجة العامية: "البركة في راسك أختي زليخة ،قال عمي السّاسي يومها
-أخلااايا" واش صرا ،ردَّت أمي بهلع
سأكتشف لاحقا أي هلع هذا
-فقدناه ...لن يعود الزبير بعد اليوم "(26)
ج الاقتباس من الشعر والغناء:
لم يتوقف الكاتب عن النهل من الأجناس الأدبية الأخرى، بل جعل من روايته مصبا لكل الأجناس الأدبية، ومن بينها الشعر مثل قول الراوى:
بينما في موضع آخر استعان بهذه الأبيات
ولم أعد اميزُ بين الناي وقلبي "
كلاهما مثقوبٌ
ويفحُ الانين
!
صادق رحيم/شاعر سوري"(27)
أما الغناء فقد اقتبس من أغنية عبد الوهاب لا تكذبي :
"لا تكذبي
إني رأيتكما معا
فدعي البكاء فلقد كرهت الأدمع
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى"(28)
د_إدراج الفكر الفلسفي:
نجد أن الكاتب من خلال شخصية بشير يطرح تساؤلات فلسفية عميقة وجودية بامتياز بطريقة بسيطة لكنها شاسعة ومفتوحة على عدة أبواب وهذا في قوله:" في الصباح الباكر ،استيقظت على أذان الفجر ،فتحت عينيَّ عن آخرهما ،كنت وكأني لأوَّل مرَّة أنصت إليه ،وكان صوت المؤذن شجيُّا ،يريح الرّوح ،ويعيد ما اندثر منها إلى مكانه
اللَّه أكبر ،الله أكبر
إنَّ وقع الكلمة ،كان رهيبا ،هاهي تثير فيَّ تساؤلات مرَّة أخرى ،هل هو أكبر من هذا الجحيم الذي أعيشه ،وإن كان كذلكَ فلماذا لا يخلّصني مما أنا فيه ،غطَّيت وجهي بوسادة ثانية ورحت أبكي بحرقة ،تنهمر الدموع نهرا من الآلام ،والخواء ،والأسئلة ،ومرة أخرى أسأله بشدة وبغضبٍ
أنت أكبر من كلّ شيءٍ ،لذلك لا أظن أني أستطيع أن ألومك ،لكني أفعل ،وكنتُ في هذا كأني أتحدَّاه غير أني لم أكن أتحدَّى إلا ضعفي ،الذي أصبح وحشا يلتهمني ،ألوم هذه الدَّائرة الفارغة التي لم أستطع الخروج منها ..
إني ألومك ،أنت كان بإمكانك أن تنقذني ،لكنَّك لم تفعل ،هل تختبرني؟" (29)
فتساؤل هنا عن الوجود اللاهي والوجود الذات وما تخبئه الحياة عن نهاية المأساة ولماذا هذه الحياة غير عادلة معه
ذ التصوير الفوتوغرافي :
نجد أن الكاتب في وصفه لصورة وكأنه يعيد رسمها لنا لدرجة أن المتلقي يرها بعينه وهذا ما نجده في تصويره" ألقا تشيخوفا "و "فطيمة " فيقول :" إنها يا بني ،نجمة السينيما الألمانية ،هاجرت من روسيا إلى ألمانيا ،وكانت محاطة بالكثير من الألغاز والأسرار ،معظمها لم يتم اكتشافها إلى يومنا هذا ،كان هتلر يدعوها إلى كل الاحتفالات الرسمية ،وكان مفتونا بها ،وكانت محط انتباه المخابرات السوفياتية آنذاك ، وفي ربيع عام 1945 وصلت الحرب إلى برلين وبات الرايخ الثالث وزعيمهم أدولف هتلر يعيش أيامه الأخيرة. وقتئذ ظهر ضباط من جهاز الاستخبارات السوفيتية في منزل تشيخوفا في شهر أفريل ذلك العام وأخذوها على متن طائرة إلى موسكو واستقروا بها في شقة مجهولة. وبعد شهرين أعاد هؤلاء الضباط أولغا إلى برلين وتركوها، توفيت أولغا تشيخوفا عام 1980 وبقيت إلى وقتنا الحالي واحدة من النساء الأكثر غموضاً في القرن العشرين" (30) أما عن فطيمة يقول"ضحكت،بخجل بادي ،وانكشف سرُّ عميق من أسرار الله الكبيرة التي تحف العالم ،وتختبئ في أماكن لا ينتبه لها الغافلون،ورحت أنظر إليها ...
كانت بيضاء حليبية ، يتهاوى شعرها اللَّيلي المنسدل كشلال أسود على رقبتها ويصبو بطوله إلى نصف ظهرها ، وبينما تسقط خصلات منه على. وجهها تعيد ترتيبه بيدها البيضاء الناعمة بأظافر متطاولة ، مطلية بلون وردي فاتح ، رقبتها كانت تحوي قلادة ذهبية خفيفة تسير على صدرها حتى تختفي مع جيبه ، وقد أحاطت يدها بسوار رقيق مثلها ، وكعبها بخلخال ،يقارب برقته سوار يدها ، يتدلى منه شيء لم احدد ماهيته ، إنها المرة الأولى التي أرى امرأة تحيط كعبها بخلخال ،كانت بسيطة ، لا بل كانت أبسط من البساطة بقليل ، وفاتنة ، لا ، بل كانت أفتن من الفتنة بكثير ، واضحة حد الغموض ، غامضة حد التجلّي"(31)
لا أدري لماذا كانت مقاربتي بفطيمة التي كنت عندها وهو يتحدث عن اولقا امرأة أخرى من التاريخ ،وزاد شغفي بالصورة
ر_التناص مع النص القرأني:
يقول الراوي :" إثر صرختها تلكَ ،والتي أيقظت الجميع ،ونوَّمت فيَّ كل شيءٍ ،وألقت بي بعيدا ،إلى الهاوية ...وما أدراك ما هي ،نار حامية ....." (32) نجد أن الكاتب هنا كان تناقصه جزئيا حيث حاور المعنى الغوي في النص القرآني في قوله تعالى في سورة القارعة
{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاك مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}
ز التناص مع الأسطورة:
نجد أن عقدة أوديب حاضرة بقوة في الرواية وتلتقي معها في فكرة الخيانة والابن ولكن الاختلاف يكمن في حب الأبوي عكس الحب الغريزي للأم المعهود فهنا الكاتب خرق أفق التوقع في كتابته هذه حيث وجه الحب الغريزي الذي يربط الابن بأمه إلى الأب وهذا عكس ما يتوقعه القارئ
نتيجة :
الواضح في الرواية هو التركيز على القضايا اجتماعية فلسفية والدينية و أخلاقية واختيار الفترة ذاتها لمعالجة جُل الأحداث المطروحة على الساحة الجزائرية في هذا العصر، وتضمين الأنثى في الرواية وأهمية وجودها في الترميز على قدسية النص، وإضافة تقديسات خاصة وأحكام دينية تقنع القارئ بما يريد توصيله بالأدلة والبراهين الواقعية العقلية ليوصل فكرته وليصور الواقع كما هو في الجانب الإنساني من المبادئ أومن الجانب الأخلاقي وانعدام المسؤولية والتشتت الأسري والعواقب الوخيمة على الأبناء والمعانات التي ستستمر معهم مدى الحياة لأن البناء من البداية أساسه باطل وفاسد وهذا مالم يفهمه بشير طيلة الرواية لأنه كان يعاتب القدر دائما على بؤسه وشقائه ،فكان الاقتباس من الشعر العربي والأغاني العربية وتداخل مضامين شعرية داخل المضامين الروائية؛ وكأن كل كاتب يريد أن تخرج روايته في أبهى صورها بل مزينة بأجناس أدبية أخرى خدمت النص المرهون بالدراسة وأضفت عليه بريقا ثقافيا وقوة لغوية عالية ، ومزيجا فنيا أدبيا لا يخلو من الإثارة والتشويق وقبول العمل بمختلف أجناسه
قائمة المصادر والمراجع:
1 جان ماري شيفير، ما الجنس الأدبي، تر غسان السيد، إتحاد كتاب العرب، دط، ت 2991 ،ص21.
2 شكري عبد العزيز ماضي ، في نظرية الأدب، ص.11
3 وفاء يوسف إبراهيم،الأجناس الأدبية في كتاب الساق على الساق في ماهو الفارياق، ص 01-09.
4 هيثم عباس وعبد الكريم خضير السعدي، نظرية الأجناس الأدبية، ص201
5 ينظر، المرجع نفسه، ص201.
6رينه وليك أوتسن وآرن، نظرية الأدب، ص010
7دياب قديد، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية الجزائرية المعاصرة- الكتابة ضد أجنسة الأدب
تداخل الأنواع الأدبية، المؤتمر النقد الدولي الثاني عشر، جامعة اليرموك، مج2 ص019
8رشيد يحياوي، شعرية النوع الأدبي، دار إفريقيا، دار الغرب المغرب، ط2 ،ت2993 ،ص212.
9 وفاء يوسف إبراهيم،الأجناس الأدبية في كتاب الساق على الساق في ماهو الفارياق،ص30
10 محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ص221 .
11_عزالدين مناصرة، علم التناص المقارن، دار مجدالوي للنشر والتوزيع، الأردن، ط2 ،ت1331 ، ص19.
12دياب قديد ، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية الجزائرية المعاصرة،تداخل الأنواع الأدبية مج2 3 ص 092.
13دياب قديد، تداخل الأجناس الأدبية في الرواية الجزائرية المعاصرة، تداخل الأنواع الأدبية، مج2 ، ص093.
14يحي الشيخ صالح، ثلاثية أحالم مستغانمي – شعرية الرواية وأنثوية الشعر – تداخل الأنواع الأدبية، مج1 ،ص933.
15- جريش سيماوى الحلقة النقدية في مهرجان جريش السادس عشر ـ ص 47.
16- حسن بحراوى ـ بنية الشكل الروائي ـ المركز الثقافي العربي ـ ص 122.
17_أحلام مستغانمي، ذاكرة الجسد، منشورا الجزائر، ط1 ،.1333 ،ص11.
18 جهاد زهري ،سخرية قدر،ط1،دار النشر،الجزائر،2020،ص:01.
19 نفس المصدر،ص:03.
20 نفس المصدر،ص:05
21 نفس المصدر،ص:14
22 نفس المصدر،ص:20
23 نفس المصدر،ص:12
24 نفس المصدر،ص:56
25_ نفس المصدر،ص:74
26 نفس المصدر،ص:18
27 نفس المصدر ،ص:87
28 نفس المصدر ،ص:34
29 نفس المصدر،ص:41
30 نفس المصدر، ص:65
31 نفس المصدر،ص:10
32_ نفس المصدر ،ص:19