يرى البعض أن التقيُّد بقواعد اللغة تقييد للإبداع، وأن المهم أن يصل المعنى إلى القارئ أو المتلقي، ولو خرجنا عن القواعد... وهو كلام ظاهره الصواب، وباطنه العذاب.
إنك إذا كتبت باللغة العربية دون التزام قواعدها، احتمل كلامك عدة احتمالات، فإذا قال قائل: "كتابًا واحدًا معي"، ونحن نعلم أنه لا يلتزم القواعد، فلن نعرف أصلًا هل الجملة اسمية أم فعلية، فهل يقصد أن معه كتابًا واحدًا، أم أنه يطلب أن نقرأ معه كتابًا واحدًا؟
ولكنه إذا كان يلتزم القواعد، وقال "كتابًا واحدًا معي" فإن هذا يحصر الاحتمالات في الجملة الفعلية، فيكون المعنى "اقرؤوا كتابًا واحدًا معي"، وإذا قال "كتاب واحد معي" فإن الاحتمال محصور في الجملة الاسمية، فيكون المعنى أن معه كتابًا واحدًا.
وفكرة "المهم وصول المعنى" هي فكرة ساذجة جدًّا، لأن المعنى هكذا لن يصل، لأن عدم استعمال القواعد يفتح باب احتمالات المعنى على مصراعيه، وسيكون المعنى أول الضحايا.
...
الأمر ببساطة أن اللغة وقواعدها كالطعام والإناء، فإذا كان المرء بليغًا لكنه لا يعرف القواعد، فإنه كمن يُعِدّ طعامًا شهيًّا ثم يقدّمه لك دون وضعه في وعاء مناسب، فلا تستطيع تذوُّقه.
وإذا كان المرء غير بليغ، لكنه يعرف القواعد، فإنه كمن يُعِدّ طعامًا غير شهيّ، ولكن يقدّمه في وعاء مناسب.
وإذا كان المرء بليغًا، ويعرف القواعد، فإنه كالطباخ الماهر، يُعِدّ طعامًا شهيًّا، ويقدّمه في وعاء مناسب، فتأكل من يديه أجمل وجبة.
****
حين قال "الحقُّ يُقال"، لم ندرِ أقَوْلًا يعني أم إقالة.
***
افصل بين "ما"وما بعدها.
***
تسمية علم "الإحصاء" هي تسمية مجازية، فقد كان العرب لا يعرفون الأعداد، وكانوا حين يرعون الأغنام والإبل مثلًا يضعون "حصاة" مقابل كل غنمة أو جمل أو ناقة تخرج، وحين تعود الحيوانات يُخرِجون من الحصى حصاةً مقابل كل حيوان منها، ليدركوا إن كانت قد عادت جميعًا أو فُقِدَ بعضها.
ومن اسم "الحصى" اشتقُّوا الفعل "أحصى"، أي "عدّ الحصى"، ومنه كان المصدر "الإحصاء"، الذي استُعمِلَ مجازًا لذلك العلم الضخم المستعمَل حاليًّا.
***
كذلك إذا تأمّلتَ قليلًا في "القلم"
أدركتَ أنه أصبح مجرَّد اسم مجازيّ!
لماذا؟
لأن الاسم في الأصل أُطلِق على "القُلامة" التي تخرج من البوص ونحوِه، ثم نقلّمها لنجعل لها سِنًّا يَحسُن بها الخط، وتُغمَس سنُّها في الحبر ليُكتَب بها.
ثم أُطلِقَ مجازًا على الأداة التي نملؤها بالحبر لنكتب بها، وهي ليست قلامة ولا مقلَّمة.
***
لا تقُل: شدَدْتُ من أزرِ أخي.
قُل: شدَدْتُ أزرَ أخي.
الفعل "شدّ" يتعدى بنفسه لا بحرف جَرّ؛، قال تعالى: "هارون أخي اشدُدْ به أزري"، ولم يقُل: "اشدُدْ به من أزري".
***
لِنِداء ما فيه "أل" التعريف نستعمل "أيُّها" للمذكر، و"أيَّتُها" للمؤنَّث.
ولا تدخل "يا" النداء على ما فيه "أل"، فلا نقول "يا الرجل" بل "أيها الرجل"، لأن "يا" تنبيه بمنزلة التعريف، ولا تجتمع أداتا تعريف لكلمة واحدة، فلم يجُز اجتماع حرف النداء و"أل" التعريف قبل المنادى.
***
في اللغة العربية، إذا دلّ على مذكَّر فتحنا شينه (عَشَر - عَشَرَة)، وإذا دلّ على مؤنَّث سكَّنَّا شينَه (عَشْر - عَشْرَة):
- عَشْر نساءٍ وعشَرَة رجالٍ.
- إحدى عَشْرَة ليلةً وأحدَ عَشَرَ يومًا.
***
لا تقُل: أخلينا السكان من المكان.
قُل: أخلينا المكان من السكان.
وقُل: أجلينا السكّان من المكان.
...
"أخلى الشيَ" أي جعله خاليًا.
و"أجلى الناسَ" أي أخرجهم وأبعدهم.
***
كلمات "ميثاق - ميلاد - ميعاد - ميناء" المشتقة من جذور تبدأ بالواو (ووثق - ولد - وعد - وني)، أصلها "مِوناء - مِوثاق - مِولاد - مِوناء"، ولكن الواو قُلبت ياءً لتناسب كسرة الميم قبلها.
***
لماذا نجمع "مدير" على "مديرون/مديرين"، لا على "مُدَراء"؟
تُجمع "مدير" ونحوُها على "مديرون/مديرين"، جمعًا سالمًا، لأنها اسم فاعل رباعي، أي اسم فاعل مَصوغ من فعل رباعي هو "أدار/يُدير"، ومن هذا جمع "مقيم - معين - مصيب - إلخ" على "مقيمون - معينون - مصيبون - إلخ"، جمعًا سالمًا.
كذلك فكلمة "مُدَراء" إذا كانت جمعًا لـ"مدير"، فستكون من أعجب الكلمات العربية، لأن وزنها "مُفَلاء"، وهو وزن غير مستعمَل في العربية، لأن الميم فيها زائدة لا من أصل الكلمة. وهذا غير مشابه لكلمات كـ"سفير/سفراء" و"وزير/وزراء"، إلخ، لأن أول الكلمة (السين والواو) من أصلها، لا زائد عليها.
فاجمع "مدير" جمعًا سالمًا (مديرون/مديرين)، ولا تكسّره (مُدَراء).
***
قال الجوهري في الصحاح: الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة عربية إلا أن تكون مُعرَّبة، نحو "الجردقة" وهي الرغيف، و"الجُرموق" وهو ما يُلبَس فوق الخُفّ.
***
لا تجمع "ميناء" على "موانئ" بالهمزة.
جمع "ميناء" هو "مَوَانٍ"، وإذا عُرّفت أو أُضيفت لحِقَت بها الياء (المواني - مواني المدينة).
...
السبب في هذا أن أصل الكلمة هو "وَنَيَ"، أي إن الهمزة في "ميناء" منقلبة عن أصل، هو الياء، لهذا فعند جمع التكسير تنقلب الهمزة ياءً، كما في "بناء/أبنية" و"حذاء/أحذية"، ولا يُقال "أبنئة - أحذئة".
وجاء في لسان العرب وغيره أن جمع الميناء، والمِينَى، هو "مَوانٍ" بالتخفيف.
***
الميناء...
اشتُق اسمه من الجذر "وني"، أي "ضَعُفَ"، لأنه المكان الذي تلجأ إليه السفن ونحوها حين تضعُف، أي حين يقلّ وَقودُها أو يقلّ زاد راكبيها.
***
قُلْ: إِنَّهُمْ بُلْهٌ.
لَا تَقُلْ: إِنَّهُمْ بُلَهَاءُ.
التَّحْلِيلُ: يَشِيعُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ اسْتِخْدَامُ كَلِمَةِ «بُلَهَاءُ» جَمْعًا لِلْمُفْرَدِ «أَبْلَهُ» أَوْ «بَلْهَاءُ». وَالصَّوَابُ فِي هَذَا اسْتِخْدَامُ كَلِمَةِ «بُلْهٌ»، لِأَنَّ «أَبْلَهُ» وَ«بَلْهَاءُ» عَلَى وَزْنَيْ «أَفْعَلُ» وَ«فَعْلَاءُ»، وَهَذَا الْوَزْنُ يُجْمَعُ عَلَى «فُعْلٌ».
وَقَدْ جَاءَ فِي «الْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ»: «بَلِهَ بَلَهًا مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَعُفَ عَقْلُهُ فَهُوَ أَبْلَهُ وَالأُنْثَى بَلْهَاءُ وَالْجَمْعُ بُلْهٌ مِثْلُ: أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ وَحُمْرٍ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ خَيْرُ أَوْلَادِنَا الْأَبْلَهُ الْغَفُولُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ كَالْأَبْلَهِ فَيَتَغَافَلُ وَيَتَجَاوَزُ فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالْبَلَهِ مَجَازًا».
كَمَا جَاءَ فِي «الْمُعْجَمُ الْوَسِيطُ»: «(بَلِهَ) ــَ بَلَهًا، وَبَلَاهَةً: ضَعُفَ عَقْلُهُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ، فَهُوَ أَبْلَهُ، وَهِيَ بَلْهَاءُ. (ج) بُلْهٌ».
وَلَمْ تَرِدْ كَلِمَةُ «بُلَهَاءُ» فِي أَيٍّ مِنَ الْمَعَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا. وَالشَّائِعُ فِي وَزْنِ «فُعَلَاءُ» أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِمَا هُوَ عَلَى وَزْنِ «فَعِيلٌ» مِثْلَ «سُعَدَاءُ» الَّتِي هِيَ جَمْعُ «سَعِيدٌ»، وَ«شُرَكَاءُ» الَّتِي هِيَ جَمْعُ «شَرِيكٌ»... وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ الْمُفْرَدُ «بَلِيهٌ» لِتَكُونَ «بُلَهَاءُ» جَمْعًا لَهُ.
(من كتاب "الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية")
***
المخطئ والخاطئ
"المخطئ" اسم فاعل من الفعل "أخطأَ"، وهو الذي يقع في الخطأ بلا تعمُّد، والاسم منه هو "الخَطَأ".
و"الخاطئ" اسم فاعل من الفعل "خَطِئَ"، وهو الذي يقترف الخطيئة عمدًا، والمصدر منه هو "الخِطْء".
...
تجد في القرآن الكريم مثلًا: "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"، أي إذا وقعنا في الخطأ غير متعمِّدين.
وفيه أيضًا: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ".
كذلك تجد فيه "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ"، لأنهم كانوا يقترفون الخطايا عمدًا.
وفيه: "وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ".
...
إذًا:
المخطئ: مَن يقع في الخطأ غير متعمِّد.
والخاطئ: مَن يقترف الخِطْء/الخطيئة متعمِّدًا.
***
لا تقل: التزِمْ بالبقاء في المنزل.
قل: التزِم البقاء في المنزل.
الفعل "التزم" يتعدى بنفسه لا بحرف الجر، ومثله الأفعال "لَزِمَ - ألزَمَ - استلزَمَ" بكل تصريفاتها.
***
كيف تثنّي "بناء - إنشاء - صحراء" وتجمعها جمعًا سالمًا؟
- بناء.. جمعها بناءات وبناوات، ومثناها بناءان وبناوان، لأن الهمزة فيها منقلبة عن أصل هو الياء، ومثلها سماء وصفاء وعَناء...
- إنشاء.. جمعها إنشاءات، ومثناها إنشاءان، لأن الهمزة فيها أصلية فلا تُقلَب واوًا، ومثلها ابتداء وإجراء... ولا تقل "إنشاوات - إنشاوان".
- صحراء.. جمعها صحراوات، ومثناها صحراوان، بإقلاب الهمزة واوًا، لأن الهمزة زائدة على الأصل، ولا تقل "صحراءات - صحراءان".
***
الرّشْوَة (بفتح الراء وضمّها وكسرها)، جمعها رِشًى أو رُشًى.
ولا تقُل: رشاوى، ولا رَشاوٍ.
***
لا تقل: مصائد - مكائد - معائش - معائب - إلخ.
قل: مصايد - مكايد - معايش - مَعايب - إلخ.
الكلمات التي من أصل أجوف، إذا صيغت على وزن "مفاعل" وجب أن تكون عينها مطابقة لأصلها.
من ذلك: مصايد، معايش، مفاوز، معايب، مراوح، مَحاور، مَعاوِل، إلخ.
ومن الخطأ أن نستبدل بالحرف الأصلي الهمزة، كما يشيع قول "مصائد - مكائد - إلخ".
يُستثنى من ذلك ما كان جمعًا شاذًّا لاسم فاعل رباعي كـ"مصائب".
***
***
لا تقُل: تحدّثنا في "مختلَف الأمور" (بفتح اللام) بمعنى "جميع الأمور".
قُل: تحدّثنا في "مختلِف الأمور" (بكسر اللام) بمعنى "جميع الأمور".
مختلِف الأمور هو الأمور المختلِفة، أي المتنوعة.
نقول "كسّرنا مشتبِك الأغصان" أي "الأغصان المشتبِكة"، ونقول "شربنا من منساب الماء" أي "من الماء المنساب"، و"حاربنا بقويّ الأسلحة" أي "بالأسلحة القوية"، و"رأينا طِوال الرجال" أي "الرجال الطوال"... و"تحدثنا في مختلف الأمور" أي "في الأمور المختلفة".
أما "مختلَف الأمور" بفتح اللام فلا تعني "الأمور المختلِفة"، بل "الأمور المختلَف فيها"، بافتراض جواز حذف شبه الجملة "فيها". والأمور المختلَف فيها ليست "مختلِف الأمور" بمعنى "جميع الأمور"، بل هي فقط ما نختلف فيه من الأمور، أي إن المعنى سيختلف بشدة عن المقصود.
***
قرأ يومًا "إنه في موقف لا يُحسَد عليه".
وقرأ يومًا "إنه في موقف يُرثَى له".
وحين أراد التعبير عن سوء الحال اختلط عنده التعبيران فكتب: "إنه في موقف لا يُرثَى له".
وانتشرت مقولته بين الناس ولم ينتبه أحد للخلط زمنًا طويلًا، وحين انتبه أحدهم وقال: هذه المقولة خطأ، والصواب (إنه في موقف يُرثَى له)، فالرثاء يكون على الموقف الصعب"، قام له مَن اعتادوا الخطأ والخلط وقالوا: "اللغة وسيلة للتفاهم بين الناس، وما دام المعنى مفهومًا فلا مشكلة".
...
هكذا نتعامل مع آلاف الأخطاء -نعم، آلاف الأخطاء- في اللغة.
...
أعزَّكم الله وحفظكم من الزَّلَل، لا تستسلموا للخطأ الشائع لمجرد شيوعه.
قاعدة "خطأ شائع خير من صواب مهجور" يُقصَد بها الألفاظ التي هجرها الناس ولم يعودوا يستعملونها، والتي إذا استُعملت لم يُفهم معناها، أما القواعد والتراكيب اللغوية وأساليب الصرف والاشتقاق، إلخ، فقواعد ثابتة، لا يمكن أن تُهجَر. ومعظم مَن يردِّدون هذه القاعدة يردِّدونها مع أخطاءٍ صوابُها منتشر ومستعمَل، لا يمكن بأي حال أن يوصف بأنه "مهجور"، فلا تكسلوا عن ذِكْر الصواب، فالنفس تُرَبَّى في اللغة بالتكرار كالطفل، والتكرار يليِّن أمامها كل صُلْب.
* فوائد لغوية منقولة عن مجموعة:
***
إنك إذا كتبت باللغة العربية دون التزام قواعدها، احتمل كلامك عدة احتمالات، فإذا قال قائل: "كتابًا واحدًا معي"، ونحن نعلم أنه لا يلتزم القواعد، فلن نعرف أصلًا هل الجملة اسمية أم فعلية، فهل يقصد أن معه كتابًا واحدًا، أم أنه يطلب أن نقرأ معه كتابًا واحدًا؟
ولكنه إذا كان يلتزم القواعد، وقال "كتابًا واحدًا معي" فإن هذا يحصر الاحتمالات في الجملة الفعلية، فيكون المعنى "اقرؤوا كتابًا واحدًا معي"، وإذا قال "كتاب واحد معي" فإن الاحتمال محصور في الجملة الاسمية، فيكون المعنى أن معه كتابًا واحدًا.
وفكرة "المهم وصول المعنى" هي فكرة ساذجة جدًّا، لأن المعنى هكذا لن يصل، لأن عدم استعمال القواعد يفتح باب احتمالات المعنى على مصراعيه، وسيكون المعنى أول الضحايا.
...
الأمر ببساطة أن اللغة وقواعدها كالطعام والإناء، فإذا كان المرء بليغًا لكنه لا يعرف القواعد، فإنه كمن يُعِدّ طعامًا شهيًّا ثم يقدّمه لك دون وضعه في وعاء مناسب، فلا تستطيع تذوُّقه.
وإذا كان المرء غير بليغ، لكنه يعرف القواعد، فإنه كمن يُعِدّ طعامًا غير شهيّ، ولكن يقدّمه في وعاء مناسب.
وإذا كان المرء بليغًا، ويعرف القواعد، فإنه كالطباخ الماهر، يُعِدّ طعامًا شهيًّا، ويقدّمه في وعاء مناسب، فتأكل من يديه أجمل وجبة.
****
حين قال "الحقُّ يُقال"، لم ندرِ أقَوْلًا يعني أم إقالة.
***
افصل بين "ما"وما بعدها.
***
تسمية علم "الإحصاء" هي تسمية مجازية، فقد كان العرب لا يعرفون الأعداد، وكانوا حين يرعون الأغنام والإبل مثلًا يضعون "حصاة" مقابل كل غنمة أو جمل أو ناقة تخرج، وحين تعود الحيوانات يُخرِجون من الحصى حصاةً مقابل كل حيوان منها، ليدركوا إن كانت قد عادت جميعًا أو فُقِدَ بعضها.
ومن اسم "الحصى" اشتقُّوا الفعل "أحصى"، أي "عدّ الحصى"، ومنه كان المصدر "الإحصاء"، الذي استُعمِلَ مجازًا لذلك العلم الضخم المستعمَل حاليًّا.
***
كذلك إذا تأمّلتَ قليلًا في "القلم"
أدركتَ أنه أصبح مجرَّد اسم مجازيّ!
لماذا؟
لأن الاسم في الأصل أُطلِق على "القُلامة" التي تخرج من البوص ونحوِه، ثم نقلّمها لنجعل لها سِنًّا يَحسُن بها الخط، وتُغمَس سنُّها في الحبر ليُكتَب بها.
ثم أُطلِقَ مجازًا على الأداة التي نملؤها بالحبر لنكتب بها، وهي ليست قلامة ولا مقلَّمة.
***
لا تقُل: شدَدْتُ من أزرِ أخي.
قُل: شدَدْتُ أزرَ أخي.
الفعل "شدّ" يتعدى بنفسه لا بحرف جَرّ؛، قال تعالى: "هارون أخي اشدُدْ به أزري"، ولم يقُل: "اشدُدْ به من أزري".
***
لِنِداء ما فيه "أل" التعريف نستعمل "أيُّها" للمذكر، و"أيَّتُها" للمؤنَّث.
ولا تدخل "يا" النداء على ما فيه "أل"، فلا نقول "يا الرجل" بل "أيها الرجل"، لأن "يا" تنبيه بمنزلة التعريف، ولا تجتمع أداتا تعريف لكلمة واحدة، فلم يجُز اجتماع حرف النداء و"أل" التعريف قبل المنادى.
***
في اللغة العربية، إذا دلّ على مذكَّر فتحنا شينه (عَشَر - عَشَرَة)، وإذا دلّ على مؤنَّث سكَّنَّا شينَه (عَشْر - عَشْرَة):
- عَشْر نساءٍ وعشَرَة رجالٍ.
- إحدى عَشْرَة ليلةً وأحدَ عَشَرَ يومًا.
***
لا تقُل: أخلينا السكان من المكان.
قُل: أخلينا المكان من السكان.
وقُل: أجلينا السكّان من المكان.
...
"أخلى الشيَ" أي جعله خاليًا.
و"أجلى الناسَ" أي أخرجهم وأبعدهم.
***
كلمات "ميثاق - ميلاد - ميعاد - ميناء" المشتقة من جذور تبدأ بالواو (ووثق - ولد - وعد - وني)، أصلها "مِوناء - مِوثاق - مِولاد - مِوناء"، ولكن الواو قُلبت ياءً لتناسب كسرة الميم قبلها.
***
لماذا نجمع "مدير" على "مديرون/مديرين"، لا على "مُدَراء"؟
تُجمع "مدير" ونحوُها على "مديرون/مديرين"، جمعًا سالمًا، لأنها اسم فاعل رباعي، أي اسم فاعل مَصوغ من فعل رباعي هو "أدار/يُدير"، ومن هذا جمع "مقيم - معين - مصيب - إلخ" على "مقيمون - معينون - مصيبون - إلخ"، جمعًا سالمًا.
كذلك فكلمة "مُدَراء" إذا كانت جمعًا لـ"مدير"، فستكون من أعجب الكلمات العربية، لأن وزنها "مُفَلاء"، وهو وزن غير مستعمَل في العربية، لأن الميم فيها زائدة لا من أصل الكلمة. وهذا غير مشابه لكلمات كـ"سفير/سفراء" و"وزير/وزراء"، إلخ، لأن أول الكلمة (السين والواو) من أصلها، لا زائد عليها.
فاجمع "مدير" جمعًا سالمًا (مديرون/مديرين)، ولا تكسّره (مُدَراء).
***
قال الجوهري في الصحاح: الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة عربية إلا أن تكون مُعرَّبة، نحو "الجردقة" وهي الرغيف، و"الجُرموق" وهو ما يُلبَس فوق الخُفّ.
***
لا تجمع "ميناء" على "موانئ" بالهمزة.
جمع "ميناء" هو "مَوَانٍ"، وإذا عُرّفت أو أُضيفت لحِقَت بها الياء (المواني - مواني المدينة).
...
السبب في هذا أن أصل الكلمة هو "وَنَيَ"، أي إن الهمزة في "ميناء" منقلبة عن أصل، هو الياء، لهذا فعند جمع التكسير تنقلب الهمزة ياءً، كما في "بناء/أبنية" و"حذاء/أحذية"، ولا يُقال "أبنئة - أحذئة".
وجاء في لسان العرب وغيره أن جمع الميناء، والمِينَى، هو "مَوانٍ" بالتخفيف.
***
الميناء...
اشتُق اسمه من الجذر "وني"، أي "ضَعُفَ"، لأنه المكان الذي تلجأ إليه السفن ونحوها حين تضعُف، أي حين يقلّ وَقودُها أو يقلّ زاد راكبيها.
***
قُلْ: إِنَّهُمْ بُلْهٌ.
لَا تَقُلْ: إِنَّهُمْ بُلَهَاءُ.
التَّحْلِيلُ: يَشِيعُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ اسْتِخْدَامُ كَلِمَةِ «بُلَهَاءُ» جَمْعًا لِلْمُفْرَدِ «أَبْلَهُ» أَوْ «بَلْهَاءُ». وَالصَّوَابُ فِي هَذَا اسْتِخْدَامُ كَلِمَةِ «بُلْهٌ»، لِأَنَّ «أَبْلَهُ» وَ«بَلْهَاءُ» عَلَى وَزْنَيْ «أَفْعَلُ» وَ«فَعْلَاءُ»، وَهَذَا الْوَزْنُ يُجْمَعُ عَلَى «فُعْلٌ».
وَقَدْ جَاءَ فِي «الْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ»: «بَلِهَ بَلَهًا مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَعُفَ عَقْلُهُ فَهُوَ أَبْلَهُ وَالأُنْثَى بَلْهَاءُ وَالْجَمْعُ بُلْهٌ مِثْلُ: أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ وَحُمْرٍ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ خَيْرُ أَوْلَادِنَا الْأَبْلَهُ الْغَفُولُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ كَالْأَبْلَهِ فَيَتَغَافَلُ وَيَتَجَاوَزُ فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالْبَلَهِ مَجَازًا».
كَمَا جَاءَ فِي «الْمُعْجَمُ الْوَسِيطُ»: «(بَلِهَ) ــَ بَلَهًا، وَبَلَاهَةً: ضَعُفَ عَقْلُهُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ، فَهُوَ أَبْلَهُ، وَهِيَ بَلْهَاءُ. (ج) بُلْهٌ».
وَلَمْ تَرِدْ كَلِمَةُ «بُلَهَاءُ» فِي أَيٍّ مِنَ الْمَعَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا. وَالشَّائِعُ فِي وَزْنِ «فُعَلَاءُ» أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِمَا هُوَ عَلَى وَزْنِ «فَعِيلٌ» مِثْلَ «سُعَدَاءُ» الَّتِي هِيَ جَمْعُ «سَعِيدٌ»، وَ«شُرَكَاءُ» الَّتِي هِيَ جَمْعُ «شَرِيكٌ»... وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ الْمُفْرَدُ «بَلِيهٌ» لِتَكُونَ «بُلَهَاءُ» جَمْعًا لَهُ.
(من كتاب "الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية")
***
المخطئ والخاطئ
"المخطئ" اسم فاعل من الفعل "أخطأَ"، وهو الذي يقع في الخطأ بلا تعمُّد، والاسم منه هو "الخَطَأ".
و"الخاطئ" اسم فاعل من الفعل "خَطِئَ"، وهو الذي يقترف الخطيئة عمدًا، والمصدر منه هو "الخِطْء".
...
تجد في القرآن الكريم مثلًا: "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"، أي إذا وقعنا في الخطأ غير متعمِّدين.
وفيه أيضًا: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ".
كذلك تجد فيه "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ"، لأنهم كانوا يقترفون الخطايا عمدًا.
وفيه: "وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ".
...
إذًا:
المخطئ: مَن يقع في الخطأ غير متعمِّد.
والخاطئ: مَن يقترف الخِطْء/الخطيئة متعمِّدًا.
***
لا تقل: التزِمْ بالبقاء في المنزل.
قل: التزِم البقاء في المنزل.
الفعل "التزم" يتعدى بنفسه لا بحرف الجر، ومثله الأفعال "لَزِمَ - ألزَمَ - استلزَمَ" بكل تصريفاتها.
***
كيف تثنّي "بناء - إنشاء - صحراء" وتجمعها جمعًا سالمًا؟
- بناء.. جمعها بناءات وبناوات، ومثناها بناءان وبناوان، لأن الهمزة فيها منقلبة عن أصل هو الياء، ومثلها سماء وصفاء وعَناء...
- إنشاء.. جمعها إنشاءات، ومثناها إنشاءان، لأن الهمزة فيها أصلية فلا تُقلَب واوًا، ومثلها ابتداء وإجراء... ولا تقل "إنشاوات - إنشاوان".
- صحراء.. جمعها صحراوات، ومثناها صحراوان، بإقلاب الهمزة واوًا، لأن الهمزة زائدة على الأصل، ولا تقل "صحراءات - صحراءان".
***
الرّشْوَة (بفتح الراء وضمّها وكسرها)، جمعها رِشًى أو رُشًى.
ولا تقُل: رشاوى، ولا رَشاوٍ.
***
لا تقل: مصائد - مكائد - معائش - معائب - إلخ.
قل: مصايد - مكايد - معايش - مَعايب - إلخ.
الكلمات التي من أصل أجوف، إذا صيغت على وزن "مفاعل" وجب أن تكون عينها مطابقة لأصلها.
من ذلك: مصايد، معايش، مفاوز، معايب، مراوح، مَحاور، مَعاوِل، إلخ.
ومن الخطأ أن نستبدل بالحرف الأصلي الهمزة، كما يشيع قول "مصائد - مكائد - إلخ".
يُستثنى من ذلك ما كان جمعًا شاذًّا لاسم فاعل رباعي كـ"مصائب".
***
***
لا تقُل: تحدّثنا في "مختلَف الأمور" (بفتح اللام) بمعنى "جميع الأمور".
قُل: تحدّثنا في "مختلِف الأمور" (بكسر اللام) بمعنى "جميع الأمور".
مختلِف الأمور هو الأمور المختلِفة، أي المتنوعة.
نقول "كسّرنا مشتبِك الأغصان" أي "الأغصان المشتبِكة"، ونقول "شربنا من منساب الماء" أي "من الماء المنساب"، و"حاربنا بقويّ الأسلحة" أي "بالأسلحة القوية"، و"رأينا طِوال الرجال" أي "الرجال الطوال"... و"تحدثنا في مختلف الأمور" أي "في الأمور المختلفة".
أما "مختلَف الأمور" بفتح اللام فلا تعني "الأمور المختلِفة"، بل "الأمور المختلَف فيها"، بافتراض جواز حذف شبه الجملة "فيها". والأمور المختلَف فيها ليست "مختلِف الأمور" بمعنى "جميع الأمور"، بل هي فقط ما نختلف فيه من الأمور، أي إن المعنى سيختلف بشدة عن المقصود.
***
قرأ يومًا "إنه في موقف لا يُحسَد عليه".
وقرأ يومًا "إنه في موقف يُرثَى له".
وحين أراد التعبير عن سوء الحال اختلط عنده التعبيران فكتب: "إنه في موقف لا يُرثَى له".
وانتشرت مقولته بين الناس ولم ينتبه أحد للخلط زمنًا طويلًا، وحين انتبه أحدهم وقال: هذه المقولة خطأ، والصواب (إنه في موقف يُرثَى له)، فالرثاء يكون على الموقف الصعب"، قام له مَن اعتادوا الخطأ والخلط وقالوا: "اللغة وسيلة للتفاهم بين الناس، وما دام المعنى مفهومًا فلا مشكلة".
...
هكذا نتعامل مع آلاف الأخطاء -نعم، آلاف الأخطاء- في اللغة.
...
أعزَّكم الله وحفظكم من الزَّلَل، لا تستسلموا للخطأ الشائع لمجرد شيوعه.
قاعدة "خطأ شائع خير من صواب مهجور" يُقصَد بها الألفاظ التي هجرها الناس ولم يعودوا يستعملونها، والتي إذا استُعملت لم يُفهم معناها، أما القواعد والتراكيب اللغوية وأساليب الصرف والاشتقاق، إلخ، فقواعد ثابتة، لا يمكن أن تُهجَر. ومعظم مَن يردِّدون هذه القاعدة يردِّدونها مع أخطاءٍ صوابُها منتشر ومستعمَل، لا يمكن بأي حال أن يوصف بأنه "مهجور"، فلا تكسلوا عن ذِكْر الصواب، فالنفس تُرَبَّى في اللغة بالتكرار كالطفل، والتكرار يليِّن أمامها كل صُلْب.
* فوائد لغوية منقولة عن مجموعة:
***