ميلود خيزار - تجارة المرض..

لم يزل تصوّر المرض، أنثروبولوجيا، مرتبطا بفكرة "الموت و الانقراض و الزّوال"، كأعلى سقف (و منه إلى سؤال المآل و الصّيرورة)، و بفكرة العطَب الجسدي العابر(الذي يعني تراجع أو تدهور مهارات الجسد في أداء الوظائف الحيوية و تلبية الحاجات اليومية، بشكل يهدّد وضع و مصير الكيان). و قد يفضي بالمريض من العطالة إلى حالة "العجز" أي إلى استسلام الجسد لـمشيئة مغايرة (الآخرين، الالة،.. الخ)، بكل ما يعنيه ذلك من "تقلص" مساحة الحرية و الاستقلالية. و لكن العطب و هاجس المرض هما ما يمنح "الصحّة" هذا المفهوم "المرتبط بالخوف" و بالتالي بكلّ هذا الاهتمام (المبالغ فيه أحيانا) بالجسد و يجعلا منه "موضوعا" طبّيا و فلسفيا بامتياز.
و عليه يمكن اعتبار الطبّ (و كلّ ما يحيط به من بيولوجيا، صيدلة، علم نفس، أمراض عقلية)، شكلا من أشكال "تجارة الخوف". و ربّما من أكثر أشكال التجارة عنفا و رواجا و ربحا.
تكبر دائرة "الخوف" (و بالتالي "تجارة الخوف") حين يصبح الطبّ مساحة منافسة شرسة بين أطراف متعدّدة في تصوّرها للظاهرة (المخبر، المستشفى، العلم، السّياسة، الاقتصاد، الإعلام، الدّين) و لكنها "متّفقة" حول نقطة جوهرية: ضرورة "استغلالها"، كفرصة.
في دائرة الخوف لا أحد يسال (أو يهتم للسؤال) عن "كم" الأوهام التي تنتجها هذه "الأطراف" و "تبيعها" بأثمان باهظة "لمستهلك جاهز" أنهكه "الخوف".
لا أحد سيخبرك أنّ "الخوف من المرض" هو ما يجعل جسدك "هشا". لا أحد سيخبرك أنّ المرض، مثلا، لا يأتي من الأجسام المجهرية المسمّاة (جراثيم) فقط، و أنّ "ثقافة الخوف" هي "ألطف" مبررات و طرق "التنازل" عن "الملكية الخاصّة" للجسد.
هكذا يتمّ تطويع الجسد و الاستفراد به و فصله (طبيا و قانونيا و سياسيا) عن الكيان الإنساني و جعله موضوعا لكل الحيل و سلعة لكل أشكال الممارسة التجارية و أهمّها "تجارة الخوف".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى