أمل الكردفاني - المرتع

أنا لا أعرف على وجه التحديد لماذا اخترت هذا العنوان، بدا لي أنه يحمل بُعد الإرتكاس في الوحل..في استسلام بهيمي تام للواقع كاستسلام الله لواقعه المحزن ككائن فرد عالق مع وحشته في سماء العماء بلا هدف منطقي وحقيقي أكثر من مخلوقاته التي يُحاول إشراكها في عذاباته الشخصية.
يبدو المرتع قصة مزمنة في العالم الإنساني أو في الحقيقة (تاريخ البشرية)، إذ تتكثف الاعتباطية في عمقه وتؤكد المرتعية..
هناك فيديو أثار انتباهي، لأصوات أشخاص يضحكون على مشهد مسرحي وفي النهاية يخبرنا المقطع عن أنك تستمع إلى ضحكات أشخاص ماتو جميعهم.. فالمسرحية قديمة جداً. لا أعرف من قام بإخراج هذا المقطع، ولكنه شخص ذكي، لأنه منحنا الصدمة والكآبة من خلال الاستماع إلى الضحكات. وهو بذلك يعطي قمة معنى الشيء بنقيضه. وينسف كل دأبنا على البحث عن السعادة.. ويوغلنا في عدمية شاملة وكالحة... فنقبع في مراتعنا بقنوط.
لم أقرر أن تمثل المرتعية شعاراً لمذهب عدمي.. ولكنها كلمة محزنة جداً، إذ أنني اشاهد الأبقار والخراف ترتع ببطء تمهيدا لذبحها.. وهذا حالنا جميعاً. إذا لا تهدف الإنسانية إلى شيء مثل تحقيق خلودها..ولكنها تفشل وتعرف أنها لن تنجح أبداً.. إن إكسير الشباب، (وسأبحث عن معنى إكسير الآن)، حلم الذين ضحكوا في ذلك المقطع...كانت ضحكاتهم هي إكسيرهم..
جاء في المختصر:
إِكسير: (اسم)
الإِكْسِير : مادَّة مركَّبة، كان الأَقْدَمون يزعُمون أَنها تحوِّل المعْدِن الرَّخيص إِلى ذهبٍ
الإِكْسِير شراب في زعمهم يُطيل العمر..
ولا أعرف لماذا استخدموا اسما من المصدر كَ سَ رَ ؟
ربما لأن الكسر استثناء على استقامة الفناء.. فهو دليل استحالة الخلود ومن ثمَّ استحالة إكسير الحياة نفسه كضرب من الوهم؟
ربما..

تعليقات

حاول جلجامش أن يجد حلا للغز الفناء لكنه آب في نهاية المطاف بخيبة كبيرة و بإحباط مر ،و توصل إلى قناعة هي أن الإنسان يمكن أن يصير خالدا في المآثر التي يحدثها و يخلفها وراءه بعد مماته.
المرتعية هي قدر الإنسان القسري،و أعتقد أن طرفة بن العبد لامس معناها حين قال:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لكالطِّوَل المرخى و ثنياه في اليد
فالإنسان يرتع و لكنه مربوط بحبل الفناء الذي لا مر منه.
 
تحيات طيبات اخواي الكريمين د. أمل الكردفاني والسي مصطفى معروفي
مقالة شائقة ومركزة تشرح حالة من حالات هذا الواقع الذي نمثل فيه كومبارس على مرتع الحياة الذي هو بمتابة ركح كبير وهجين.. وتطرح مشكل القدرية التي ترهن حياة الانسان ومآله الى سببية القضاء والقدر ، قد يجهل البعض كنهه او يتنكرون لاسبابه ومبرراته وخالقه وللناس فيما يعشقون مذاهب. وقد سقت قصة الفيديو وهو امر مشابه لما يقع حاليا ازاء جائحة كورونا المرعبة. حيث يتفكه الناس ويمزحون وبخترقون قانون الطوارىء مستسهلين الامر ، و مستخفين بخطورة الفيروس الفتاك، وقد سبق لبوكاشيو ان كتب الديكاميرون، وهو عمل ادبي استلهمه من حكايات من كتاب الليالي، حيث حجز افراد انفسهم في بيت بعيد هروبا من الطاعون الذي اجتاح مدينة البندقية .. وتحايلوا على الوحدة والموت بالحكايات.. امر صعب صديقي ان تنتهي الحياة بالمآسي، وانتظار الموت الاشد قسوة
وما طرحته ليس عدميا البتة بل تحصيل حاصل لما يقع .. لانه لا احلى من مجابهة النكبات بالضحك والفكاهة والسخرية. التي تمثل اكسيرا للحياة نبيد الاحزان ، مثل نبنة الخلود التي أضاع جلجامش وقته في سبيل البحث عنها وحينما اقترب منها ابتلعتها الافعى.. وتلك هي هبثية الحياة التي استغلها الوجوديون ابتداء من سقراط مرورا طرفة ابن العبد كما قال الصديق السي مصطفى معروفي وصولا الى كيركجارد ومن بعده هيدغر و سارتر وما بينهما

كل المودة صديقي الرائعين
 
أعلى