د. سميّة عزّام - النظرية الكرنفالية للناقد الروسي ميخائيل باختين حين يجتمع الإيديولوجي والجمالي في النص (السردي)... ويسخر الشعب من آلامه .

إن كان الكلام يعبّر، فالأسلوب يبرز. وقوة الأسلوب في نص ما تتبدّى في القدرة على اللعب باللغة والتصوير لخلق الجماليات وإحراز المتعة في التلقّي. إذ إن أساس المتعة هو الإعجاب بأسرار اللغة العربية، وإمكانية الكشف عن أجمل الحالات الإنسانية، بحيث إن الكلمات وأشياء الحياة نفسها مجنّدة للثورة. "وهل الكلام إلا بمعناه؟!". مقولة تتجّه بنا نحو محتوى/مضمون الكلام ،في اتجاه آخر متلازم مع اتجاه الشكل أو أفق التعبير عن التجربة داخل النص، على ما يرى عبد القاهر الجرجاني من خلال نظرية النظم بعدم إمكانية الفصل بين اللفظ والمعنى مثلما لا نستطيع أن نفصل بين الثوب وخياطته؛ أو كما يرى ابن رشيق إلى أن اللفظ جسم روحه المعنى.
من النظريات الغربية التي تتناول التعبير الفني/الجمالي عن الفكر/الإيديولوجيا في نص أو خطاب أدبي هي النظرية الكرنفالية لباختين؛ إذ إن من أطرف الأساليب التي تبرز القضايا هو الأسلوب الساخر أو ما يسميه باختين:"المحاكاة الساخرة". فما هي الكرنفالية؟
- الكرنفالية:Le Carnavale الكرنفال هو حدث شعبي يتوجّه ضد الثقافة الرسمية السائدة. وسماته الازدواج القيمي وتعدّد الأصوات والضحك. وهو ثقافة فرعية نقدية تشكّك طقوسها في الأخلاق السائدة والمعايير المتّبعة، تُقدّم في سياق كاريكاتوري هزلي... وبذلك، فإن النظرية الكرنفالية لا تُفصل عن السياق الاجتماعي. حيث إنّ الحاضر والمعاصر وأنا ومعاصريَّ وعصري يشكّلون موضوعاً لضحك مزدوج باعثاً للسرور وهدّاماً في آنٍ واحد. إن أي شيء لا يستطيع أن يكون مضحكاً إذا تمّ تصويره بواسطة شكل بعيد... يملك الضحك القدرة المدهشة على تقريب الشيء، ويدخله في دائرة الاتصال الفظ... كما يمكن الشك فيه وتشريحه وتعريته وفضحه.. إن الضحك يزيل الخوف والاحترام الخاشع أمام الشيء وأمام العالم، ويجعل منه موضوع اتصال مألوف. وإن جعل الكون مألوفاً بواسطة الهجاء واللغة الشعبية هو مرحلة مهمة وضرورية على طريق الإبداع الحر. والضحك يحافظ على الوضع القائم ويهدمه في آن عبر إشاعة الثقافة النقدية التي تتوسّع وتنتشر.. والازدواج القيمي يرفض القيمة المطلقة، ويجعل كل قيمة نسبية... حتى الشعب يسخر من نفسه. من هنا الاحتفال بالمتناقضات، والمحاكاة الساخرة، وتعدّدية الأصوات polyphonie مؤسّساً للرؤية الحديثة للامبالاة والصدفة...
وهنا تنشأ علاقة جديدة أصلاً على اللغة والكلام. وبعكس التصوّر المباشر [الهجاء الرصين للواقع ] فثمة صعود للمحاكاة الساخرةParodie .
وتعدّد الأصوات يتمظهر في الحواريّة (التي أكّد أهميتها باختين كذلك الأمر في النص الروائي)، باعتبار أن الشخصية صوت، ولكل صوت وجهة نظر يعبّر عنها. وتالياً، إن العمل الروائي مكوّن من حوارات مركّبة بين الروائي/الكاتب وشخصياته، ومن ثم بين المؤلف والقارىء، وبذلك يصبح فعل القراءة أيضاً، شبيه بالمحاورة.
عَودٌ على بدء، لجهة أن غاية الأسلوب تكمن في قدرته على الإقناع والتأثير في القارىء بإمتاعه عقلياً وشعورياً؛ حتى أن باختين يركّز على النثر الروائي القائم على توزيع معقّد وعميق شبيه بتوزيع الموسيقى في السمفونيات. ويعتقد بأن لغة الرواية أغنى بأبعادها ومقاصدها من اللغة الشعرية لأن مختلف الشخوص بطبائعهم واهتماماتهم المختلفة يستعملونها ويضيفون عليها قيمة متميّزة. إنما هاتان الحوارية والكرنفالية تفترضان لغة مناسبة وصياغات ملائمة لكل شخصية.


سُميّة عزّام





  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى