فاس . الجو جميل ، سماء زرقاء صافية ، اخضرارأشجار ذات ثمار ضخمة غريبة
على حافتي الطريق الموصل بين الحي الجامعي والليدو. كنا كطلبة وطالبات نعيش عالمنا الحميمي المجلل بألوان قوس قزح، مضافا اليها الأسود الدخاني، المليء بأعشاش تبيض فيها طيور الأحلام المرفرفة في المخيلة . كنا أمراء وأميرات يمكننا الراتب المجزي... ما يقارب عشرة الف ريال، من شراء ألبسة وأحذية ممتازة. لك أن تتخيلني ، صيفا، وأنا أرتدي قميصا مفتوح الأزرار حتى منتصف الصدر، وسروالا جيد الكي، وحذاء لامع الطلاء، في عنقي سلسلة ذهبية، وفي معصمي ،وأنا ممسك بغليون وكيس طنجارينا متجها نحو مقهى الكتبية، وشتاء ببذلة فوقها معطف مطري رقيق، بيدي مظلة، وعلى رأسي بيريه، منتعلا حذاء طويل الرقبة. أما الصديقات.. علية وهي فتاة شامية ذات قد معتدل ، بيضاء البشرة مع تورد الخدين ، وشعر حريري هفهاف ، وأناقة عالية ، مما أسقط الشاعر أحمد المجاطي، أستاذنا في مادة الأدب العربي القديم، في دوامة ،فما أن ترفع علية اصبعها للمشاركة بسؤال أو ابداء رأي حتى يتلجلج شاعرنا، ويحتقن خداه، وترتعش يداه. كنا ندرك ذلك وندير، في جماعتنا ،أحاديث حوله في انبساط .بالاضافة الى الكونتيسة علية هناك عائشة، خديجة،ليلى ...جميعهن يرتدين أبهى لباس، ويعتنين بنظافة أجسادهن، وتسريح شعورهن على الدرجة، وبخ العطر الفواح عليهن حتى لكأنهن زهور حقل، لاعين رأت، ولاأذن سمعت ، ولاخطر على قلب نظيره . هو الزهو بالحياة في أقصى درجاته مبهرا بالحرية .
كان قطيع الغزلان هذا متحلقا تحت سقيفة أمام بوابة المقصف في انتظاري وشخصا آخر للقيام بجولتنا المعتادة بفاس الجديد . كنا نغني لبعضنا البعض، نتهامس، نشبك الأيدي... نسير في الشارع بخيلاء، ونجلس في المقهى نتجاذب أطراف الحديث.
كانت لي و لأمثالي الوافدين من مجتمع ذكوري صورة مؤسطرة عن المرأة، رغم
رؤيتنا لها حوالينا في الجحيم ، صورة مؤسطرة /هؤلاء نساء جديدات ومختلفات/
روحية وجسدية معا، وهكذا اقترنت في الوجدان صورتا المرأة والثورة، ولأنني
كنت أعز ابنةجيراننا التي أوصاني بها أخوها خيرا باعتبار أنها أختي فقد كتبت
قصة نشرت بجريدة الكفاح الوطني . أثارت رد فعل مزدوج وسط الطلاب ... الاعجاب والسخرية وحينما هربت من الملاحقة من فاس الى الرباط كان أول اجراء اتخذته مهاتفة بطلة القصة،راجيا منها ألا يتسرب خبر اعتقالي الى أسرتي أوأسرتها، خشية مما يسببه ذلك من قلق أو متاعب لأسرتي، وقد تناهى الي في ما بعد أن الشرطة استفسرت في منزلنا بمراكش والدي في ما اذا كان له ابن يدرس بكلية الآداب بفاس ، فأقر بذلك دون أن يعلم داعي الاستفسار. لقد كنت حريصا على الا أؤدي وسطي العائلي، وخاصة أن الكثير من الأمل معقود علي كأول شخص في العائلة حائز على شهادة عليا، شق بها الطريق نحو التعليم الجامعي/ الأسر وقتئذ كانت تقيم احتفالا بالنجاح في شهادة الدروس الابتدائية/ وتحديدا نحو وظيف مرتقب، وكم سيكون مؤلما لو لم أفلح في أن أكون كما هو مأمول.
كان طموحي في مغرب آخرذا سطوة علي ،مما ولد كرهي المطلق للظلم، ولوضع بائس يعيش فيه مواطنون في ظل رفاه مطلق، وآخرون عيشة الكلاب .وقد عانيت بما فطرت عليه ، مبكرا، من نباهة واقع الحال منذ مطلع الخمسينيات الى ما تلاه، مشاهدات ألقى ادراكي لها في وعي خميرة الاستنكار والاحتجاج والمعارضة. وهذا الدرب المظلم حفزني الى أن أسير نحو الفكر اليسار ي من مدخل الماركسية،وكانت اليد التي فتحت لي الباب ،يد سلامة موسى ،اذ أتيت، قراءة ،على مجمل كتبه .ومن ضمن كتاباتي الأولية، وقبل كتاب غالي شكري ، مقالة بعنوان/ سلامة موسى الانسان/. لم تنشرها جريدة العلم التي بعثت بها اليها، واكتفت بتقييم ايجابي لها مع التأكيد على حمال الأسلوب ،وصلاحيته لكتابة القصة. وهذه طلقة الانطلاق في مضمار كتاباتي للقصة القصيرة.
على حافتي الطريق الموصل بين الحي الجامعي والليدو. كنا كطلبة وطالبات نعيش عالمنا الحميمي المجلل بألوان قوس قزح، مضافا اليها الأسود الدخاني، المليء بأعشاش تبيض فيها طيور الأحلام المرفرفة في المخيلة . كنا أمراء وأميرات يمكننا الراتب المجزي... ما يقارب عشرة الف ريال، من شراء ألبسة وأحذية ممتازة. لك أن تتخيلني ، صيفا، وأنا أرتدي قميصا مفتوح الأزرار حتى منتصف الصدر، وسروالا جيد الكي، وحذاء لامع الطلاء، في عنقي سلسلة ذهبية، وفي معصمي ،وأنا ممسك بغليون وكيس طنجارينا متجها نحو مقهى الكتبية، وشتاء ببذلة فوقها معطف مطري رقيق، بيدي مظلة، وعلى رأسي بيريه، منتعلا حذاء طويل الرقبة. أما الصديقات.. علية وهي فتاة شامية ذات قد معتدل ، بيضاء البشرة مع تورد الخدين ، وشعر حريري هفهاف ، وأناقة عالية ، مما أسقط الشاعر أحمد المجاطي، أستاذنا في مادة الأدب العربي القديم، في دوامة ،فما أن ترفع علية اصبعها للمشاركة بسؤال أو ابداء رأي حتى يتلجلج شاعرنا، ويحتقن خداه، وترتعش يداه. كنا ندرك ذلك وندير، في جماعتنا ،أحاديث حوله في انبساط .بالاضافة الى الكونتيسة علية هناك عائشة، خديجة،ليلى ...جميعهن يرتدين أبهى لباس، ويعتنين بنظافة أجسادهن، وتسريح شعورهن على الدرجة، وبخ العطر الفواح عليهن حتى لكأنهن زهور حقل، لاعين رأت، ولاأذن سمعت ، ولاخطر على قلب نظيره . هو الزهو بالحياة في أقصى درجاته مبهرا بالحرية .
كان قطيع الغزلان هذا متحلقا تحت سقيفة أمام بوابة المقصف في انتظاري وشخصا آخر للقيام بجولتنا المعتادة بفاس الجديد . كنا نغني لبعضنا البعض، نتهامس، نشبك الأيدي... نسير في الشارع بخيلاء، ونجلس في المقهى نتجاذب أطراف الحديث.
كانت لي و لأمثالي الوافدين من مجتمع ذكوري صورة مؤسطرة عن المرأة، رغم
رؤيتنا لها حوالينا في الجحيم ، صورة مؤسطرة /هؤلاء نساء جديدات ومختلفات/
روحية وجسدية معا، وهكذا اقترنت في الوجدان صورتا المرأة والثورة، ولأنني
كنت أعز ابنةجيراننا التي أوصاني بها أخوها خيرا باعتبار أنها أختي فقد كتبت
قصة نشرت بجريدة الكفاح الوطني . أثارت رد فعل مزدوج وسط الطلاب ... الاعجاب والسخرية وحينما هربت من الملاحقة من فاس الى الرباط كان أول اجراء اتخذته مهاتفة بطلة القصة،راجيا منها ألا يتسرب خبر اعتقالي الى أسرتي أوأسرتها، خشية مما يسببه ذلك من قلق أو متاعب لأسرتي، وقد تناهى الي في ما بعد أن الشرطة استفسرت في منزلنا بمراكش والدي في ما اذا كان له ابن يدرس بكلية الآداب بفاس ، فأقر بذلك دون أن يعلم داعي الاستفسار. لقد كنت حريصا على الا أؤدي وسطي العائلي، وخاصة أن الكثير من الأمل معقود علي كأول شخص في العائلة حائز على شهادة عليا، شق بها الطريق نحو التعليم الجامعي/ الأسر وقتئذ كانت تقيم احتفالا بالنجاح في شهادة الدروس الابتدائية/ وتحديدا نحو وظيف مرتقب، وكم سيكون مؤلما لو لم أفلح في أن أكون كما هو مأمول.
كان طموحي في مغرب آخرذا سطوة علي ،مما ولد كرهي المطلق للظلم، ولوضع بائس يعيش فيه مواطنون في ظل رفاه مطلق، وآخرون عيشة الكلاب .وقد عانيت بما فطرت عليه ، مبكرا، من نباهة واقع الحال منذ مطلع الخمسينيات الى ما تلاه، مشاهدات ألقى ادراكي لها في وعي خميرة الاستنكار والاحتجاج والمعارضة. وهذا الدرب المظلم حفزني الى أن أسير نحو الفكر اليسار ي من مدخل الماركسية،وكانت اليد التي فتحت لي الباب ،يد سلامة موسى ،اذ أتيت، قراءة ،على مجمل كتبه .ومن ضمن كتاباتي الأولية، وقبل كتاب غالي شكري ، مقالة بعنوان/ سلامة موسى الانسان/. لم تنشرها جريدة العلم التي بعثت بها اليها، واكتفت بتقييم ايجابي لها مع التأكيد على حمال الأسلوب ،وصلاحيته لكتابة القصة. وهذه طلقة الانطلاق في مضمار كتاباتي للقصة القصيرة.