د. مصطفى مدايني - القصة الشعبية ولذة التقبّل

الموضوع المطروح للدراسة ورد فى جملة اسمية جاء المسند إليه مركبا بالعطف "القصة الشعبية ولذة التقبل" أما سندها فهو ما نحن بصدد تقديمه نعنى هذا النص الذي نعتبره كلاما على كلام وهو ما يسميه اللغويون "ما وراء اللغة" وارتباطا بالموضوع المطروح نلحظ أن المسند إليه "القصة الشعبية ولذة التقبل" جاء كما قلنا آنفا مركبا بالعطف يتكون من مركبين وأداة عطف "الواو". والواو قد تكون للجمع وقد تأتي للدلالة على العلاقة. وبتمعن الدارس الحصيف للعنوان يتأكد أن الواو هي واو العلاقة أي علاقة القصة الشعبية من ناحية بلذة التقبل من ناحية أخري. وقد جاء المعطوف عليه: القصة الشعبية بدوره مركبا بالنعت: القصة منعوت، الشعبية نعت له. كما ورد المعطوف "لذة التقبل" مركبا بالإضافة. وإن دل المركب الأول: المركب النعتي على أنه محور الكلام وأسه وهو ما يبيح به كل مركب بالنعت فإن المركب الإضافي يحصر البحث في سياق محدد هو "لذة لتقبل". حيث أن اللذة هنا تصل حد الملكية لعملية التقبل.
فما هو إذن محور الحديث؟ و ما هي العلاقة بين القصة الشعبية من ناحية ولذة التقبل من ناحية أخرى؟ ثم في الأخير لماذا كان هذا الجمع بين هذين الأمرين؟
للإجابة يحسن بالدارس أن يدقق في المحمولات التي تكتنفها هذه المصطلحات إضافة إلى إبراز ملحوظتين نراهما أساسيتين لمزيد الفهم والتدقيق.
الملحوظة الأولي: وهي ملحوظة عامة تخص المسيرة الإنسانية عبر حقبها التاريخية. فكثيرا ما يشبه العلماء المسيرة الإنسانية جمعاء بسيرة الفرد في حد ذاته فكما أن الفرد له ميلاد وطفولة وشباب فشيخوخة كذا هي الشعوب والأقوام والأمم وكما أن سيرة الفرد تتابع عبر الأجيال كذا أيضا مسيرة الشعوب والأمم.
وعبر هذه المسيرة تعرف الإنسانية مراحل تفنن العلماء في تحديدها وذهب بعضهم إلى اعتبار المرحلة الأولى في حياة البشرية هي مرحلة السحر والانبهار وأن المرحلة الثانية تولدت من تكيف كبير بين الإنسانية والعالم المحيط وهي مرحلة الشباب ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي مرحلة المعرفة العلمية حيث ذهب البعض إلى القول بأن الإنسانية لم تتعرف على العالم حق المعرفة وأنه آن الأوان كي تنساق الإنسانية إلى أقصى حد في هذه المعرفة من خلال كشف العالم في أدق دقائقه"5". ولعل الدارس الحصيف يتعرف إلى أن القصص الشعبية برزت منذ فجر الإنسانية نعني تلك المرحلة السحرية التي كان الإنسان فيها منبهرا غاية الانبهار بالعالم المحيط ثم تنوعت بتنوع الشعوب واختلاف الأمم والأحقاب.
الملحوظة الثانية: وهي ملحوظة مخصوصة ترتبط بالفرع الثاني في الموضوع لذة التقبل. حيث أن الحديث عن التقبل يستدعي قبل ذلك باثا مرسلا لرسالة، يحاول إيصالها إلى مستمع/قارئ/مشاهد بطريقة ما وهي كما سنرى عند التحليل تحيل في الحقيقة إلى عمق البناء الدرامي في القصة حيث تقوم بالأساس على عناصر الجاذبية والتشويق و الرغبة والحشمة و الفظاعة و التحدي.
تحليل العنوان
القصة الشعبية: ذكرنا أن هذا المركب يتكون من منعوت محور الحديث وحوله تدرس اللغة اللغة، واللفظة اللفظة، ضرب من التحليل الذاتي لمكونات اللغة والقصة كما هو متعارف عليه مسيرة حياتية لمجموعة بشرية يقع فيها التركيز تدريجيا على حياة حيوات مخصوصة هو سرد لأحداث متتابعة وفق تطور زمني كان له بداية ونهاية إلا أن الدارس الحصيف يعلم أن هذه المسيرة هي انطلاق متواصل لا ينتهي، ذلك أن القصة باعتبارها سلسلة لغوية ستبقى حية ما دامت قد بعثت للوجود وبقيت تحيا بحياة الأجيال فإذا نحن أمام سيرة متواصلة يقوم بها سارد/باث/مرسل ويتقبلها متقبل مستمع/مشاهد/قارئ وكلما نفذ المتقبل وعيه في القصة وتابع المسيرة، فإنه يعيد خلق القصة وفق اتصال وثيق. لذا فالقصة بهذا المفهوم هي استعادة للحياة متابعة للأحداث وقراءة لها وربما في وعي المتلقى أو لاوعيه، يضيف إليها من عندياته خاصة إذا أمسى المتقبل ذاته باثا من جديد. فإذا أضفنا إلى القصة نعت الشعبية نسبة إلى الشعب أي الجماهير التي لها إيمان محدد ورؤية للحياة والكون. فالقصص الشعبي بهذا المفهوم هو تلك الخميرة من القصص التي يساهم في تأليفها وتقديهما ثم عرضها وروايتها شعب ما لتصبح القصة بالنسبة إليه رؤية للحياة لها رموزها ومداليلها الخاصة ومن ثم فالقصص الشعبية هي تلك العناوين التي تفرزها ثقافة ما لتكون رصيدا لا يستهان به من المرويات والمقروءات والمشاهد المسرحية أحيانا.
فالقصص إذن وسيلة تعبير ارتبطت في الغالب بتلك المرحلة المتقدمة في الزمن/هي من الماضي السحيق حيث كانت الإنسانية في مرحلة طفولتها وحيث يبدو فيها الفرد منبهرا بالعالم منغمسا فيه مسحورا بما يمور فيه من أشياء لأنها بئره الأولي. أما لذة التقبل فهي الواجهة الأخرى من الموضوع حيث نسعى إلى كشف كل من اللذة من ناحية والتقبل في ناحية أخري: اللذة هي الشهوة والانشراح والسحر والفتنة والجاذبية والأسر حد الإغراء، وهي نقيض الألم ضديد البشاعة. ووفق النظرة الفلسفية هي إدراك الملائم من حيث أنه ملائم غاية الملائمة. اللذة إذن شوق توق ورغبة صبابة وحنو نزوع هي الظمأ والصد والتطلع.
وإذا ما أردفت إلى المتقبل يعني المرسل إليه المستمع/القارئ/المشاهد وفق نوعية المراسلة الموجهة إليه، فإن الدارس يصبح أمام حالة نفسية تعتري القارئ للنص أو المستمع إلى الحكاية أو المشاهد المتابع المشاهد الحية الممثلة أمامه. لذا فلذة التقبل هي كيفية إدراك المروي له غاية الانسجام والملائمة مع ذاته وهو يستمع/يقرأ/يشاهد الحياة المسيرة التي تمر أمامه عبر سلسلة لغوية لها قدرة فائقة على التخيل والإبداع. ولعل التوصل إلى هذه النقطة هو من الصعوبة بمكان، فلا يمكن ذلك إلا إذا استطاع الدارس أن يتفهم مكنون القصة الشعبية وكيفية بنائها، وهو ما سعى إليه النقاد سعيا دقيقا. فبناء النص القصصي وأسلوبه ولغته هي التي تبيح لنا الكشف الدقيق عن كيفية انغماس المروي له في النص انغماسا كبيرا يجعله في غالب الأعم ينخرط في لعبة المراسل/المؤلف/الكاتب/البادي المتوارى في آن. ولا مندوحة للدارس في مثل هذا المقام إلا أن يتوسل الأمر على ما هو عليه نعني العود إلى النصوص ذاتها والسعى إلى التوغل في مظانها، لذا نرى لزاما أن نحلل قصصا شعبية نعتبرها منارة تبيح لنا جليل الافهام التحليل.
من القصص الشعبية
عديدة هي العناوين التي يمكن أن تعتبر نماذج للقصص الشعبية لذا سنذكر بعضها ونوردها باعتبارها نماذج للذكر و لعل أهمها على النطاق العالمي "ألف ليلة و ليلة" مئة ليلة وليلة"سيرة سيف بن ذي يزن"، "الجازية الهلالية"، "قصة عنتر"، "سيرة الزير أبو ليلى المهلهل بن ربيعة"، وغيرها كثير، لكن ارتأينا في هذه الورقة أن نقدم أقاصيص جديدة لعلها غير واسعة الانتشار أولا: "حكاية ابن الأمير والحصان الطائر رواية جرجيس بحري" "15". ثانيا: "آغا أوف" ثالثاً: "ست الستوت".
وهي أقاصيص صدرت في طبعات خاصة وجاءت قصيرة مفعمة بالخيال تستجيب بلا شك لأفق انتظار "توقع" المتقبل خاصة ذاك الذي يعيش الطفولة، تلك السمة التي تتماشى مع القص الشعبي. ولعل الدارس يستشف كما أوردنا سابقا أن مرحلة الطفولة هي مرحلة السحر والانفتاح المطلق على العالم وهو ما يمكن المروى له أن ينغمس في القصة انغماسا كليا. أما الشاب أو الكهل أو الشيخ فانه قد ينغمس في هذه القصص إذا بقى الطفل الذي يحمله بين جوانحه حيا قويا ثابتا...
بنية القصة الشعبية
درس النقاد بنية القصة الشعبية، وقد اتسمت أغلب هذه الدراسات بمنهجية عامة تركزت على استنباط خصائص هذه النصوص وقد درس بعض النقاد هذه القصة باحثين بصفة أدق في مدى تصويرها لمجتمعاتها أو أثر البيئة فيها. وهو تناول يعتمد النص وثيقة اجتماعية إلا أن بعض الدارسين تفطنوا إلى أهمية هذا النص القصصي وبصفة أخص لبيئته. ولعل من أهم الدراسات تحليل فلادمير بروب للحكايات الشعبية الروسية وقد أقام تحليليه بصفة أدق على معنى الوظيفة في النص الشعبي. وهو منهج ينير السبيل للدارس لفهم "لذة المتقبل" بصفة مخصوصة ويمكن باختصار شديد أن نحدد بنية أية قصة على المحاور التالية :
1- حصول الافتقار : وفيه منطلق النص/الوضع الأصل وهو في الغالب ينبئ بالسعادة والتوازن، إلا أن ذلك الطور لن يدوم إذ تحصل إساءة ما تؤدي إلى انخرام للتوازن. مما يستوجب قيام البطل/الأبطال بالرحيل وإبان الرحيل يحصل المنع والاستخبار والانخداع فالإساءة وهذه العناصر كلها تصوير للحظة التي عنها ينشأ الافتقار. وعبر هذه المرحلة تكون لذة المتقبل على أشدها ذلك أن الانخرام/اللاتوازن/ الخوف من المستقبل يولد لحظات عدم استقرار نفسي لدى الأبطال من ناحية والمتقبل/محيى القصة وممثلها من ناحية أخري.
2- الاختبار التشريحي: في هذه المرحلة ونتيجة لما ورد في المرحلة السابقة من افتقار يكون طلب النجدة وهو دعوة مفتوحة تكون فيها المسيرة القصصية في مرحلة قلقة، غير مستقرة تكثر فيها التوقعات إلى أن يقبل البطل ويستجيب للدعوة بمحض إرادته رغم ما يعتور ذلك من قلق وخوف ومن ثم يكون الانطلاق وفيه تبدأ الرحلة نحو الإنجاز وفيه يتعرض البطل عادة لاختبار يرشحه لتسلم الأداة السحرية مثلا. ويرد البطل الفعل المناسب فيتسلم الإداة وإذ يستقر الحال ويمسى البطل على أهبة الفعل تأتي المرحلة الموالية.
3- الاختبار الرئيسي: في المرحلة الاختبارية الرئيسية كثيرا ما يعمد البطل إلى الخروج وللرحيل إلى مكان آخر حيث يكون الصراع بين البطل والمعتدي. وينتصر البطل ليصلح الافتقار. ويعود البطل إلا أنه إبان هذه العودة يتعرض للمطاردة من جديد في ضرب من تأكيد القدرة على تأكيد الانتصار.
فالانتصار هنا يمكن أن يعتبر أوليا وعلى البطل الحقيقي أن يؤكده ويؤازره ويدعمه تمهيدا للعنصر الموالي. وفي هذه المرحلة يكون المتلقي المتقبل في غاية الاهتياج والاشتياق إلى مرافقة البطل عبر هذه المراحل الحية التي تبرز من ورائها سيرة الحياة الإنسانية عبر عالم يناصب في الغالب الفرد العداء المطلق.
4- الاختبار التمجيدي: وفي هذه المرحلة تبلغ القصة قمتها. حيث يصل البطل خفية ويبرز بطل مزيف مما يعرض البطل إلى مآزق صعبة يتمكن من التفوق عليها فيقع التعرف عليه باعتباره البطل الحقيقي وتنكشف ألاعيب البطل المزيف، فيعاقب وتكون مكافأة البطل الحقيقي. وفى هذه المرحلة يكون المتقبل قد مر بوضعيات محرجة غاية الإحراج لأنه يكون قد ارتبط في ضرب من الانسجام مع البطل الحقيقى فيعيش على غراره مراحل التطور هذه لاهثا وراء تلك اللحظة الخاصة التي ينجلي فيها البطل ويعلن على نفسه إنها قمة التشويق ولحظة اللذة القصوي ... وباختصار شديد تقوم هذه القصص الشعبية على ثلاثة اختبارات:
- اختبار ترشيحي يقوم به البطل أمام مانع قصد تسلم الإداة.
- اختبار رئيسي هو موطن الصراع.
- اختبار تمهيدي نتعرف بواسطته على البطل.
تحليل القصص الشعبية
1- حصول الافتقار: القصص الشعبية التى وقع اختيارها تنتظم وفق هذا المنهج فحصول الافتقار،
مرحلة من مراحل السرد القصص. هو البداية التي تنطلق منها القصة. "ففي قصة ابن الأمير والحصان الطائر" يلحظ الدارس أن مرحلة التوازن هامة وتتمثل في وضعية الأمير صاحب الأملاك الشاسعة والزوجة الجميلة الطيبة ولم يكن ينقص مرحلة التوازن هذه إلا الذرية الصالحة لذا يسعى الراوى إلى الاستجابة لذلك فيسرد تدخل الطبيب لإدراك المفقود وفعلا تلد الزوجة الوفية ابنا جميلا "أحمد" إلا أن الافتقار يعود من جديد إذ تموت الأم.
ويدعى الأمير ليتزوج من جديد ، فإذا المرأة فظيعة شرسة، شريرة، وكانت فوق ذلك عاقرا وهنا يصف السارد أعمالها في القصر وكيفية تمكين أسرتها للسيطرة على كل ما في المملكة ثم في مرحلة ثانية تسعى بقوة إلى التخلص من الابن: أحمد. أما في قصة "آغا أوف" فمرحلة الافتقار تتمثل في البداية حيث يعرف الدارس/المتقبل أن التاجر الموصلي يمر بمرحلة توازن تكاد، تكون تامة فقد خرج للمتاجرة وقرر العودة بعد نجاح تجارته إلا أنه عبّر عمّا يكدره وهو عدم الاستجابة لطلب ابنته الصغري "فستان لؤلؤ في قمع جوزه" وهو مطلب كما نعلم غريب يصعب إن لم نقل يستحيل تحقيقه، وإذا بالتاجر يتأوه "أوف" فإذا بعملاق يمثل بين يديه و يصيح "لبيك لبيك أنا عبد بين يديك" فأجفل التاجر وسأله عن أمره فقال له العبد العملاق انك ناديتني فلبيت الندا.
وفي قصة "ست الستوت" فإن لحظة الافتقار هذه تتمثل في طلب الزوجة من زوجها أن يضيع ابنيه فاستجاب الزوج وأهملهما في الغابة وتركهما وحيدين. وكأن عملية التوازن هنا مفقودة إلا أن الطلب
موجود حققه الزوج على حساب ابنيه.
يلحظ الدارس أن هذه المرحلة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن البداية في كل قصة هي انفتاح بضرب من التوازن. فالأمير في القصة الأولى يعيش في هناء لا ينقصه إلا الخلف وفي القصة الثانية ينجح التاجر في تجارته نجاحا مبهرا إلا أن ما ينقصه هو تلبية طلب ابنته الصغري. في حين أن القصة الثالثة يبدو فيها الزوج يسعى إلى ضرب من التوازن مع زوجه على حساب ابنيه وكل هذه الأقاصيص تشير إلى المرحلة الموالية نعنى الاختبار التشريحي.
2- الاختبار التشريحي: يتمثل هذا العنصر في البحث الجاد عن استعادة التوازن المفقود ويتدخل الأبطال في ضرب من التوافق من أجل دفع مسيرة الحياة إلى الأمام والمنتظر في هذه المرحلة هو الاستنجاد الذي يأتي عبر المسار القصصي ففي القصة الأولى تسعى الزوجة الشريرة إلى التخلص من أحمد لأنه في نظرها حجر عثرة في مستقبل الأيام وكان اختبار البطل يزداد ضراوة مرة بعد مرة فقد أرادت قتله بالعقرب السامة لكن الحصان أبلغه بما تضمر له زوجة الأمير فسعت الزوجة من جديد إلى التخلص من الثنائي أحمد وحصانه خاصة لما علمت بقدرة الحصان الفائقة لكن الحصان استطاع أن يعين أحمد ويهربا معا بأن طار به أمام أنظار الجميع. أما في القصة الثانية فإن العبد استجاب لطلب التاجر لكنه طلب منه أن يحضر ابنته في لباسها البديع.
ولم يجد التاجر مندوحة من الاستجابة وحزن غاية الحزن. لكن الابنة وجدت نفسها في مقام على غاية من الروعة. لكنها أرادت أن تكشف خفايا زوجها وسر جماله ولما تفطن الزوج لذلك أمر بقتلها وهي حامل. لكن العبد رأف بها وتركها بالغابة "22". وفي القصة الثالثة كان الاختبار التشريحي لست الستوت وأخيها تلك الرحلة المخيفة عند بلوغ العين ولما شرب الصغير منها تحول إلى غزال لكن ست الستوت تمالكت ورافقت أخاها إلى أن بلغا قصرا منيفا وبقربه عاشا عيشة بسيطة اعتنت خلالها ست الستوت بشجرة فأحبتها الشجرة وكانت تمطر لها لؤلؤا. ولما شاهدها صاحب القصر أعجب أيما إعجاب بجمالها وخلقها فقرر الزواج بها. فعاد التوازن من جديد لولا وجود الزوجة الأولى التي ستسعى إلى عرقلة هذا التوازن.
يتضح للدارس في هذا الاختبار التشريحي أن الوضعية العامة تتأزم وتبلغ العقدة ما يقارب الذروة أو هو ما يعد لها. ومن ثمة تكون لذة المتقبل قد ازدادت تشوقا إلى معرفة ما هو لاحق من أعمال قد تؤدي إلى حل سعيد للقصة أو على العكس قد تزداد تأزما مفرطا وذلك هو الانجذاب والتشويق والتعقيد أس كل عمل قصصى طريف.
3- الاختبار الرئيسي:يتمثل هذا الاختبار خاصة فى ديمومته وقوته ومدى خطورته "24" فالاختبار الرئيسي هو الذى يبيح الكشف عن البطل لذا تكون التجربة المصورة على قدرة فائقة من الصعوبة. ففي القصة الأولى يبدو الاختبار الرئيسي في مواجهة أحمد لحياته الجديدة فقد طار به الحصان إلى مكان بعيد وهناك يعيش حياة البداوة يرعى الغنم ويستطيع أن يتأقلم فيها إلى أن يأتي جند الأمير من أجل أخذ القطيع ويعلم من خلال محادثته للحراس أنهم جند أبيه وإذ يسألونه إن كان يعرف أحمد ابن الأمير فيجيبهم أن نعم.
ولكنه لا يدلهم عليه إلا إذا أخذوا الحصان الأبيض إلى الأمير "25". أما في القصة الثانية فقد جابهت الزوجة الحياة وقد طردت من القصر ووجدت نفسها في العراء إلا أنها كافحت من أجل البقاء وتمكنت من دخول قصور ثلاثة هي منازل أخوات الزوج وقد استطاعت أن تهرب مرتين بعد اكتشاف أمرها. أما الأخت الثالثة فقد دعت أخاها لزيارتها وقد تعرفت على زوجة أخيها وابنه الذي ولد حينها فكان شبيها
بأبيه.
أما في القصة الثالثة فقد اضطر صاحب القصر إلى السفر فتمكنت الزوجة الأولى من الانتقام من ست الستوت ورمتها وولدها في البئر وحال عودة الأمير أخبرته الزوجة التي تمارضت بفقدان زوجته وادعت أنها لا تشفى إلا إذا أكلت لحم غزال قصد قتل أخ ست الستوت وقد تمكنت البطلة رغم هذه التجربة الصعبة من البقاء بإعانة أخيها الغزال.
ويتضح من خلال هذا الاختبار أن التجربة الحياتية تزداد صعوبة ويجد الأبطال كلما توغلوا في الزمن أن إيجاد التوازن أمر صعب ألا أنهم يسعون دائما إلى الدفاع عن حقوقهم في الحياة، بل أنهم يصّرون على ذلك رغم مكابدتهم العنيفة أحيانا. ولا شك أن المتقبل/المرسل إليه يجد في هذه المجاهدة والمكابدة خير نصير له على مواصلة تلذذه بهذه الحيوات المتعددة إنها التجربة التي يستقيها الإنسان، وكأنه هو الفاعل للأحداث لا المتابع لها، لذا كثيرا ما ينحاز المتقبل إلى البطل لا شعوريا وقد يندمج فيه حد النخاع وتلك هي المتعة الحقيقية، ومنبع اللذة، والقارئ/المشاهد/المستمع ينتظر بفارغ صبر المستقبل وما يحمل في طياته. وذلك هو الجزء الأخير من القصة الشعبية. 4 - الاختبار التمجيدي: في هذه المرحلة تبلغ في الغالب القصص قمتها حيث تشتد الأزمة وتتكاثف الأحداث ويتقدم الصراع، ذلك أن الاختبار التمجيدي هو استقطاب للتجربة وبلوغ إلى الشأو. ففي القصة الأولى ينكشف للجميع أن الراعي ليس إلا الأمير أحمد الذي استطاع أن يتخلص من قبضة زوجة أبيه وتمكن من القيام بتجربة قل وندر أن يعرفها الإنسان إلا إذا كان ذا طاقة من الصبر والاصطبار.
وقد استطاع أن يبهر الحاضرين بحسن منطقه وقدرته على الإقناع. فاستعاد مكانه ونصب أميرا لأنه الابن الوحيد لأمير كاد أن يكون عبدا لزوجه "28". أما في القصة الثانية فقد عبر الأمير عن أسفه الشديد لطرد زوجته والأمر بقتلها وهو في حالة غضب كبير لكن الأخت الصغرى أعلمته أن زوجته بانتظاره، وأنه يحق لها أن تعرف زوجها حق المعرفة فلا أسرار بين الزوجين لأنهما متكاملان "29".
أما في القصة الثالثة فقد استطاع الأمير بعد عودته أن يكتشف خبث زوجته الأولى وعرف ما فعلته بزوجته الفتية فأنقذها وأخرجها من البئر رفقة ابنها.
إن مرحلة الاختبار التمجيدي هي عود إلى ضرب من التوازن المفقود. فالبطل يتدخل في هذاالمقام لأنه مدعو باعتباره بطل المسيرة أن يوجه الأمور إلى التوجه الصحيح، الأمثل وفيه كما رأينا تتغير الرؤي وتتقلب إلا أنها في الأخير تعود إلى اطمئنان وأمان منتظرين ومن ثمة فإن التقبل في هذه المرحلة يكون على أشده ذلك أن المتلقى يكون منذ البداية قد خطرت له نهاية ما كثيرا ما تتفق والخاتمة القصصية. لقد عالجنا كيف يخدم البناء القصصي في الحكاية الشعبية لذة التقبل عند المتلقي
أعلى