محمد حسن خليفة،
كاتب مصري وقاص ومؤلف مسرحي، من مواليد 1997 م 6 ابريل بالقاهره، الجنسية مصري . الديانة الاسلام، الطائفة السنية،برجه الفلكي برج الحمل، تخرج من كلية الزراعة جامعة عين شمس، البرامج الجديدة، قسم إدارة الجودة". لكن تخصصه لم يمنعه من الانضمام الى عالم الأدب من خلال الصحافة.
بدأ أول أعماله الروائيه منذ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻪ في ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻟﻠﻤﺴﺎﺑﻘﺎﺕ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، أولها ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ ﺃﻃﻠﻘﻬﺎ ﺩﺍﺭ ﻧﺸﺮ " ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻋﺮﺑﻴﺔ" ﻟﻨﺸﺮ ﻛﺘﺎﺏ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺗﺤﻤﺲ خليفة ﻟﻼﻧﻀﻤﺎﻡ ﺇﻟﻴﻪ و ﻧﺠﺤﺖ قصته ﻭﺗﻢ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ " ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ".
بعدها ﺗﻘﺪﻡ خليفة ﺑﻤﺴﺮﺣﻴﺘﻪ " ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻮﺗﻰ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺍﻥ " ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﺭﻗﺔ بالإمارات ﻟﻺﺑﺪﺍﻉ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍلماضي، على الرغم من حداثة سنه الا انه نافس ﺍﻟﻤﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺷﺘﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ العربية والإسلامية، وحصلت مسرحيته على ﻣﻔﺎﺟﺄﺓ ﺳﺎﺭة بتنويه خاص من اللجنة وثنت له بالشكر والتقدير.
- توفي يوم الخميس 23 يناير 2020 بنوبة قلبية أمام جناح "هيئة قصور الثقافة"
يقول إسلام أحمد صاحب دار تبارك التي طبعت المجموعة القصصية بعنوان "إعلان عن قلب وحيد"
إن محمد حسن خليفة حضر صباح اليوم لرؤية مجموعته القصصية، وبعد ذلك شعر بالتعب وتوقفت عضلة القلب،
وأسرعت إدارة المعرض لإسعافه، وحاولنا إنقاذه، لكنه توفى في «المستشفى الجوي» فور وصوله، ولم يكشف الأطباء عن أسباب الوفاة حتى الآن.
الكاتب المصري محمد خليفة نشر مساء الخميس اقتباسا من كتابه الجديد تحدث فيه عن نبأ وفاته، وتوفي صباح الخميس أثناء تجوله بمعرض الكتاب.
كشفت وزارة الثقافة المصرية والهيئة العامة للكتاب وإدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، في بيان نعيها للفقيد الكاتب محمد حسن خليفة، عن سبب وفاته المفاجئة.
وأوضح البيان أن الكاتب خليفة، وافته المنية صباح الخميس في مستشفى القوات الجوية بعد أن فقد وعيه أثناء تواجده في دار النشر التي أصدرت مجموعته القصصية الجديدة.
وتبين أن سبب الإغماء أزمة قلبية تم نقله على إثرها للمستشفى على الفور.
سم / محمد حسن خليفة.
تاريخ ميلاده / 6 أبريل 1997.
مكان ميلاده / القاهره.
********************
محمد حسن خليفة - رُوحِي مَقَبرَةٌ.. قصة قصيرة
علقت خبر موتي أمامي على الحائط، كل صباح ومساء كنت ألقي نظرة عليه، لأطمئن أن ورقة الجورنال التي كُتب فيها الخبر بخط كبير، وصفحة أولى، بعيدًا عن الوفيات، ما زالت سليمة، وتستطيع أن تقاوم معي الأيام القادمة.
دُفنت على قيد الحياة، لم يكن أحد يعرفني، لكن بعد هذا الخبر الذي كان مجرد تأبين، من شخص مجهول، يحكي قصة عن طريقة وفاتي، ويقوم بمواساتي وأنا في القبر بكلمات رقيقة، أحيانًا تجد فيها بعض الأخطاء الإملائية، جعلني أحد الشخصيات العامة، ويتم الحديث عنها بعد الوفاة، حتى وإن كانت وفاة غير حقيقية.
أنا أول من يشاهد خبر وفاته في الجورنال، ويتحدث عنه الناس، بصيغة الماضي، رغم أني حي، آكل وأشرب، وأنام، وأقضي حاجتي، وأسير على رجلي في الشوارع أمام الكل، لكن هم مُصرين على أني مت، وتم دفني أيضًا في مقابر الجبل الأحمر، حارة ألف، مقبرة رقم ثمانية.
زهر مالك الحسن، وفاته غامضة، وجدت الجثة بالقرب، من منزله، ثلاث طعنات، طعنة في البطن، واحدة في القلب، وأخرى أسفله.
شاب لم يتعد سنه الثلاثين، مهندس ديكور، استقال من وظيفته، أكثر من سنة، وحيدًا يعيش في شقة، ورثها من الأب، ليس لديه أهل أو أقارب، وجد في شقته بالدور الثاني من عمارة ألف، مجاورة أولى، مكتبة كبيرة من الكُتُب، بالإضافة إلى لوحات رسم، مختلفة، بعض زجاجات بيرة، قطعة من مخدر الحشيش، ملفوفة بعناية في ورقة زاهية، عثر عليها في كتاب يتحدث عن حسن الصباح وجماعته، ملابس كثيرة سوداء، في خزانة عتيقة، بخور، وعدد كبير من الجوارب المثقوبة.
حين أقرأ هذا الكلام المكتوب أسفل الخبر، أجدني مندهش، وتمتلكني الحيرة، فأنا لا أستطيع أن أكذب ما قاله، لديّ الآن في هذه اللحظة المكتبة، وزجاجات البيرة موجودة في كل ركن من الشقة، والملابس السوداء، كانت من تصميمي، ولم أتمكن من بيعها، رفضتها الشركة، البخور كان تغطية على الحشيش، الذي لا أتذكر أين ذهبت آخر قطعة منه، لكن بعد قراءة المقال، عادت الذاكرة.
قمت من مكاني، ووقفت أمام المكتبة، واضعًا ذراعي حول صدري، أبحث عن كتاب حسن الصباح، لمدة ساعة، قلبت الشقة، فلم أجده، المقال ذكر أن الكتاب كان في المكتبة، داخله قطعة الحشيش ملفوفة في ورقة زاهية، الآن لا أجد الكتاب، ولا القطعة!
جلست على الكنبة، وقررت ترك البحث ليوم آخر، ربما أعثر عليه، منذ أن قرأت الخبر المشئوم، وأنا لا أقرأ، آخر كتاب فتحته، ووصلت لنصفه، كان كتاب «عن الحشيش» لفالتر بنيامين، التقطه من على المنضدة، وعاودت القراءة فيه، الصفحات منثنيه، وبعضها مرتفع، كأنها اتخذت شكل القبة، هززته، فوقعت على الأرض، قطعة الحشيش كانت داخله، بحالتها، ملفوفة في نفس الورقة الزاهية، علامات الأسنان عليها بارزة.
أنا اتعاطى الحشيش، أشربه كل فترة، تحديدًا من سنة، كنت قررت قراءة الكتاب، حتى أعرف كيف كان شعور فالتر حين يقرر الكتابة تحت تأثير الحشيش، لم أكن أرغب في معرفة علمية، كل ما أردته، خوض نفس التجربة، الشعور أني فكرة محلقة، وتائهة، شيء صعب الوصول إليه، كل تلك أحلام اليقظة، ربما مع الحشيش تصنع شيئًا جديدًا، فريدًا من نوعه، كأنها وصفة، للخروج من مأزق الحياة، دون ألم، أو تحمل كثير من الأسئلة، لم يعد لها إجابة.
هذا أول خطأ يقع فيه كاتب الخبر الملعون، لم يكن كتاب حسن الصباح، الذي به قطعة الحشيش، كان كتابًا عن الحشيش، أمر بديهي، لشخص يجعل للأمور صلة، يربط الكل في نقطة واحدة.
الجوارب المثقوبة، حقيقتها ظهرت بسرعة، كنت أرتدي جوربًا مثقوبًا، كلتا الفردتين، من عند الرقبة، أما لوحات الرسم، جزء منها كان ديكور جديد للشقة، قمت بتصميمه، ولم يكن لدي الرغبة لتنفيذه، الباقية، كانت عبارة عن نساء عارية، علاقاتي الكثيرة والمتعددة، كانت مادة غنية للرسم، كنت قبل الانتهاء من العلاقة، أكون قد انتهيت من رسم اللوحة.
إلَّا واحدة، لم تكن مكتملة، مجرد رسم تخطيطي، لا أذكر ملامحه، عبارة عن رقبة طويلة، عينان، نهد مكتنز، والذراع الايمن منفصل عن الجسد، مرسوم بعيدًا لوحده، وفي الأسفل مكتوب بخط صغير، «الفراديس المصطنعة».
الحشيش كان بوابة لعالم أكثر رحابة، وراحة، الدخول فيه كان صدفة، والخروج منه، بكل تأكيد، لن يكون بسهولة دخوله.
حين أشرب، أشعر بكل شيء، السكون والحركة، أشعر بدقات قلبي السريعة والعنيفة، والكلمات لا تنتظم على الورقة، هي ترتفع، تنتظم في الهواء، على مسافة بعيدة، وكافية، عن الأرض، مرتبة، وأستطيع أن أمد يدي، محركًا كلمة مكان أخرى، دون شطب أو تعديل، أشعر بالأفكار المخنوقة، تتحرر وتنفذ للهواء، يلتف حولها الدخان، وربما تُخفي حلقة من الدخان كلمة، ودون عناء أعيد كتابة الجملة.
بعد عدد من سجائر الحشيش، نمت في مكاني على الكنبة، في الصباح وجدت بجوار ورقة مكتوب فيها بخط مائل، كلام كثير غير مفهوم، حاولت بكل قوة، فك شفرته، أخذ مني نصف النهار، كأني في مسابقة للكلمات المتقاطعة.
لم يكن مرتبطًا ما وصلت إليه، لكن ما فهمته، أنها كانت كتابة تحت تأثير الحشيش، عبارة عن هلوسة، بدأت أقرأ مرَّة ثانية، ما جمعته.
اسمي زهر مالك الحسن، مهندس، ثلاثين سنة، أخبئ الحشيش، في الكتب، وأجد رابطًا بينهم، لا أرتدي إلَّا الجوارب المثقوبة، حين أشتري جوارب جديدة أقوم بثقبها من عند الرقبة، أمشي وفي جيوبي كمية من البخور، فقط أحب الرائحة!
استقلت من سنة، بسبب ضربي رئيس الشركة، كانت عبارة عن قعدة الحشيش فيها في كل مكان، ومع الهلوسة، صرت اتفوه، بكل عيب وجد فيه، سخرت منه، وتكلمت عن علاقتي بزوجته، حتى مد يده، وطالت يدي كذلك، فكانت النتيجة كسور مضاعفة، لم يقدم فيّ أي بلاغ، فقط لم اذهب للشركة مرَّة أخرى.
الآن أتذكر ماذا تعني الفراديس المصطنعة، غير ما يعنيه بُودلير!"1"
في نهاية الورقة وجدت ملحوظة
لا تنسى قراءة القصة!
أي قصة هذه؟
فتشت جواري، لم أجد شيء، كذلك المنضدة فارغة، المكتبة ممتلئة بآلف قصة، أي مجنون هذا، تذكرت أني صاحب الكتابة.
هنا لا يوجد شيء في مكانه، من التعب مِلت برأسي للأسفل، واضعًا يدي عليها، طرف كتاب كان يبرز من تحت الكنبة، شددته، لم يكن إلَّا غلاف أبيض، فتحته، بخط سيئ كتب بقلم جاف، قصة!
تأليف، حشاش
الصفحة الثانية مكتوب فيها
رُوحِي مَقَبرَةٌ، أسكُنُ فِيهَا وَأطُوف،"2"
كَرَاهِبٍ فَاسِد، مُنذُ الأزَل؛
وَلاَ شَيئَ يُزَيَّنُ جُدرانَ هَذَا الدَّيرِ البَشع.
الصفحة الثالثة وجدت خبر وفاتي مكتوب بخط يدي، وتحته صورة ضوئية للخبر، لم تكن إلَّا عبارة عن نص مكتوب على آلة الطباعة، بعد أن تأكدت من ذلك للمرَّة الألف، ذهبت للصورة التي علقتها على الحائط، انزلتها، وخلعتها من الإطار، بعد المطابقة، تبين أنها نسخة من تلك الموجودة في الصفحة.
الصفحة الرابعة كانت فارغة، وكذلك الخامسة، إلى أن وصلت للثلاثين، كان عبارة عن رسم هندسي لمقابر الجبل الأحمر، عُلم فيه على حارة ألف، مقبرة رقم ثمانية، الصفحات التالية كانت فارغة، حتى وصلت للصفحة قبل الأخيرة، وجدت مكتوب فيها؛ أردت التجربة، فما كان مني إلَّا أن اخترعت قصة، بدأتها بخبر موتي، وأنا على قيد الحياة، واسترسلت في رسم الشخصية، حتى دخنت الحشيش، وجدتني، أطور الأمر، إلى أن أصبح تماما مثل أحلام اليقظة.
أنا ميت حي، أدخن الحشيش بشراهة، وأكتب عن أشياء غير موجودة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بُودلير 1821-1867 شاعر وناقد فني فرنسي
2- الأعمال الشعرية الكاملة لـِ بُودلير ترجمة رفعت سلام
كاتب مصري وقاص ومؤلف مسرحي، من مواليد 1997 م 6 ابريل بالقاهره، الجنسية مصري . الديانة الاسلام، الطائفة السنية،برجه الفلكي برج الحمل، تخرج من كلية الزراعة جامعة عين شمس، البرامج الجديدة، قسم إدارة الجودة". لكن تخصصه لم يمنعه من الانضمام الى عالم الأدب من خلال الصحافة.
بدأ أول أعماله الروائيه منذ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻪ في ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻟﻠﻤﺴﺎﺑﻘﺎﺕ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، أولها ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ ﺃﻃﻠﻘﻬﺎ ﺩﺍﺭ ﻧﺸﺮ " ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻋﺮﺑﻴﺔ" ﻟﻨﺸﺮ ﻛﺘﺎﺏ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺗﺤﻤﺲ خليفة ﻟﻼﻧﻀﻤﺎﻡ ﺇﻟﻴﻪ و ﻧﺠﺤﺖ قصته ﻭﺗﻢ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ " ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ".
بعدها ﺗﻘﺪﻡ خليفة ﺑﻤﺴﺮﺣﻴﺘﻪ " ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻮﺗﻰ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺍﻥ " ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﺭﻗﺔ بالإمارات ﻟﻺﺑﺪﺍﻉ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍلماضي، على الرغم من حداثة سنه الا انه نافس ﺍﻟﻤﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺷﺘﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ العربية والإسلامية، وحصلت مسرحيته على ﻣﻔﺎﺟﺄﺓ ﺳﺎﺭة بتنويه خاص من اللجنة وثنت له بالشكر والتقدير.
- توفي يوم الخميس 23 يناير 2020 بنوبة قلبية أمام جناح "هيئة قصور الثقافة"
يقول إسلام أحمد صاحب دار تبارك التي طبعت المجموعة القصصية بعنوان "إعلان عن قلب وحيد"
إن محمد حسن خليفة حضر صباح اليوم لرؤية مجموعته القصصية، وبعد ذلك شعر بالتعب وتوقفت عضلة القلب،
وأسرعت إدارة المعرض لإسعافه، وحاولنا إنقاذه، لكنه توفى في «المستشفى الجوي» فور وصوله، ولم يكشف الأطباء عن أسباب الوفاة حتى الآن.
الكاتب المصري محمد خليفة نشر مساء الخميس اقتباسا من كتابه الجديد تحدث فيه عن نبأ وفاته، وتوفي صباح الخميس أثناء تجوله بمعرض الكتاب.
كشفت وزارة الثقافة المصرية والهيئة العامة للكتاب وإدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، في بيان نعيها للفقيد الكاتب محمد حسن خليفة، عن سبب وفاته المفاجئة.
وأوضح البيان أن الكاتب خليفة، وافته المنية صباح الخميس في مستشفى القوات الجوية بعد أن فقد وعيه أثناء تواجده في دار النشر التي أصدرت مجموعته القصصية الجديدة.
وتبين أن سبب الإغماء أزمة قلبية تم نقله على إثرها للمستشفى على الفور.
سم / محمد حسن خليفة.
تاريخ ميلاده / 6 أبريل 1997.
مكان ميلاده / القاهره.
********************
محمد حسن خليفة - رُوحِي مَقَبرَةٌ.. قصة قصيرة
علقت خبر موتي أمامي على الحائط، كل صباح ومساء كنت ألقي نظرة عليه، لأطمئن أن ورقة الجورنال التي كُتب فيها الخبر بخط كبير، وصفحة أولى، بعيدًا عن الوفيات، ما زالت سليمة، وتستطيع أن تقاوم معي الأيام القادمة.
دُفنت على قيد الحياة، لم يكن أحد يعرفني، لكن بعد هذا الخبر الذي كان مجرد تأبين، من شخص مجهول، يحكي قصة عن طريقة وفاتي، ويقوم بمواساتي وأنا في القبر بكلمات رقيقة، أحيانًا تجد فيها بعض الأخطاء الإملائية، جعلني أحد الشخصيات العامة، ويتم الحديث عنها بعد الوفاة، حتى وإن كانت وفاة غير حقيقية.
أنا أول من يشاهد خبر وفاته في الجورنال، ويتحدث عنه الناس، بصيغة الماضي، رغم أني حي، آكل وأشرب، وأنام، وأقضي حاجتي، وأسير على رجلي في الشوارع أمام الكل، لكن هم مُصرين على أني مت، وتم دفني أيضًا في مقابر الجبل الأحمر، حارة ألف، مقبرة رقم ثمانية.
زهر مالك الحسن، وفاته غامضة، وجدت الجثة بالقرب، من منزله، ثلاث طعنات، طعنة في البطن، واحدة في القلب، وأخرى أسفله.
شاب لم يتعد سنه الثلاثين، مهندس ديكور، استقال من وظيفته، أكثر من سنة، وحيدًا يعيش في شقة، ورثها من الأب، ليس لديه أهل أو أقارب، وجد في شقته بالدور الثاني من عمارة ألف، مجاورة أولى، مكتبة كبيرة من الكُتُب، بالإضافة إلى لوحات رسم، مختلفة، بعض زجاجات بيرة، قطعة من مخدر الحشيش، ملفوفة بعناية في ورقة زاهية، عثر عليها في كتاب يتحدث عن حسن الصباح وجماعته، ملابس كثيرة سوداء، في خزانة عتيقة، بخور، وعدد كبير من الجوارب المثقوبة.
حين أقرأ هذا الكلام المكتوب أسفل الخبر، أجدني مندهش، وتمتلكني الحيرة، فأنا لا أستطيع أن أكذب ما قاله، لديّ الآن في هذه اللحظة المكتبة، وزجاجات البيرة موجودة في كل ركن من الشقة، والملابس السوداء، كانت من تصميمي، ولم أتمكن من بيعها، رفضتها الشركة، البخور كان تغطية على الحشيش، الذي لا أتذكر أين ذهبت آخر قطعة منه، لكن بعد قراءة المقال، عادت الذاكرة.
قمت من مكاني، ووقفت أمام المكتبة، واضعًا ذراعي حول صدري، أبحث عن كتاب حسن الصباح، لمدة ساعة، قلبت الشقة، فلم أجده، المقال ذكر أن الكتاب كان في المكتبة، داخله قطعة الحشيش ملفوفة في ورقة زاهية، الآن لا أجد الكتاب، ولا القطعة!
جلست على الكنبة، وقررت ترك البحث ليوم آخر، ربما أعثر عليه، منذ أن قرأت الخبر المشئوم، وأنا لا أقرأ، آخر كتاب فتحته، ووصلت لنصفه، كان كتاب «عن الحشيش» لفالتر بنيامين، التقطه من على المنضدة، وعاودت القراءة فيه، الصفحات منثنيه، وبعضها مرتفع، كأنها اتخذت شكل القبة، هززته، فوقعت على الأرض، قطعة الحشيش كانت داخله، بحالتها، ملفوفة في نفس الورقة الزاهية، علامات الأسنان عليها بارزة.
أنا اتعاطى الحشيش، أشربه كل فترة، تحديدًا من سنة، كنت قررت قراءة الكتاب، حتى أعرف كيف كان شعور فالتر حين يقرر الكتابة تحت تأثير الحشيش، لم أكن أرغب في معرفة علمية، كل ما أردته، خوض نفس التجربة، الشعور أني فكرة محلقة، وتائهة، شيء صعب الوصول إليه، كل تلك أحلام اليقظة، ربما مع الحشيش تصنع شيئًا جديدًا، فريدًا من نوعه، كأنها وصفة، للخروج من مأزق الحياة، دون ألم، أو تحمل كثير من الأسئلة، لم يعد لها إجابة.
هذا أول خطأ يقع فيه كاتب الخبر الملعون، لم يكن كتاب حسن الصباح، الذي به قطعة الحشيش، كان كتابًا عن الحشيش، أمر بديهي، لشخص يجعل للأمور صلة، يربط الكل في نقطة واحدة.
الجوارب المثقوبة، حقيقتها ظهرت بسرعة، كنت أرتدي جوربًا مثقوبًا، كلتا الفردتين، من عند الرقبة، أما لوحات الرسم، جزء منها كان ديكور جديد للشقة، قمت بتصميمه، ولم يكن لدي الرغبة لتنفيذه، الباقية، كانت عبارة عن نساء عارية، علاقاتي الكثيرة والمتعددة، كانت مادة غنية للرسم، كنت قبل الانتهاء من العلاقة، أكون قد انتهيت من رسم اللوحة.
إلَّا واحدة، لم تكن مكتملة، مجرد رسم تخطيطي، لا أذكر ملامحه، عبارة عن رقبة طويلة، عينان، نهد مكتنز، والذراع الايمن منفصل عن الجسد، مرسوم بعيدًا لوحده، وفي الأسفل مكتوب بخط صغير، «الفراديس المصطنعة».
الحشيش كان بوابة لعالم أكثر رحابة، وراحة، الدخول فيه كان صدفة، والخروج منه، بكل تأكيد، لن يكون بسهولة دخوله.
حين أشرب، أشعر بكل شيء، السكون والحركة، أشعر بدقات قلبي السريعة والعنيفة، والكلمات لا تنتظم على الورقة، هي ترتفع، تنتظم في الهواء، على مسافة بعيدة، وكافية، عن الأرض، مرتبة، وأستطيع أن أمد يدي، محركًا كلمة مكان أخرى، دون شطب أو تعديل، أشعر بالأفكار المخنوقة، تتحرر وتنفذ للهواء، يلتف حولها الدخان، وربما تُخفي حلقة من الدخان كلمة، ودون عناء أعيد كتابة الجملة.
بعد عدد من سجائر الحشيش، نمت في مكاني على الكنبة، في الصباح وجدت بجوار ورقة مكتوب فيها بخط مائل، كلام كثير غير مفهوم، حاولت بكل قوة، فك شفرته، أخذ مني نصف النهار، كأني في مسابقة للكلمات المتقاطعة.
لم يكن مرتبطًا ما وصلت إليه، لكن ما فهمته، أنها كانت كتابة تحت تأثير الحشيش، عبارة عن هلوسة، بدأت أقرأ مرَّة ثانية، ما جمعته.
اسمي زهر مالك الحسن، مهندس، ثلاثين سنة، أخبئ الحشيش، في الكتب، وأجد رابطًا بينهم، لا أرتدي إلَّا الجوارب المثقوبة، حين أشتري جوارب جديدة أقوم بثقبها من عند الرقبة، أمشي وفي جيوبي كمية من البخور، فقط أحب الرائحة!
استقلت من سنة، بسبب ضربي رئيس الشركة، كانت عبارة عن قعدة الحشيش فيها في كل مكان، ومع الهلوسة، صرت اتفوه، بكل عيب وجد فيه، سخرت منه، وتكلمت عن علاقتي بزوجته، حتى مد يده، وطالت يدي كذلك، فكانت النتيجة كسور مضاعفة، لم يقدم فيّ أي بلاغ، فقط لم اذهب للشركة مرَّة أخرى.
الآن أتذكر ماذا تعني الفراديس المصطنعة، غير ما يعنيه بُودلير!"1"
في نهاية الورقة وجدت ملحوظة
لا تنسى قراءة القصة!
أي قصة هذه؟
فتشت جواري، لم أجد شيء، كذلك المنضدة فارغة، المكتبة ممتلئة بآلف قصة، أي مجنون هذا، تذكرت أني صاحب الكتابة.
هنا لا يوجد شيء في مكانه، من التعب مِلت برأسي للأسفل، واضعًا يدي عليها، طرف كتاب كان يبرز من تحت الكنبة، شددته، لم يكن إلَّا غلاف أبيض، فتحته، بخط سيئ كتب بقلم جاف، قصة!
تأليف، حشاش
الصفحة الثانية مكتوب فيها
رُوحِي مَقَبرَةٌ، أسكُنُ فِيهَا وَأطُوف،"2"
كَرَاهِبٍ فَاسِد، مُنذُ الأزَل؛
وَلاَ شَيئَ يُزَيَّنُ جُدرانَ هَذَا الدَّيرِ البَشع.
الصفحة الثالثة وجدت خبر وفاتي مكتوب بخط يدي، وتحته صورة ضوئية للخبر، لم تكن إلَّا عبارة عن نص مكتوب على آلة الطباعة، بعد أن تأكدت من ذلك للمرَّة الألف، ذهبت للصورة التي علقتها على الحائط، انزلتها، وخلعتها من الإطار، بعد المطابقة، تبين أنها نسخة من تلك الموجودة في الصفحة.
الصفحة الرابعة كانت فارغة، وكذلك الخامسة، إلى أن وصلت للثلاثين، كان عبارة عن رسم هندسي لمقابر الجبل الأحمر، عُلم فيه على حارة ألف، مقبرة رقم ثمانية، الصفحات التالية كانت فارغة، حتى وصلت للصفحة قبل الأخيرة، وجدت مكتوب فيها؛ أردت التجربة، فما كان مني إلَّا أن اخترعت قصة، بدأتها بخبر موتي، وأنا على قيد الحياة، واسترسلت في رسم الشخصية، حتى دخنت الحشيش، وجدتني، أطور الأمر، إلى أن أصبح تماما مثل أحلام اليقظة.
أنا ميت حي، أدخن الحشيش بشراهة، وأكتب عن أشياء غير موجودة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بُودلير 1821-1867 شاعر وناقد فني فرنسي
2- الأعمال الشعرية الكاملة لـِ بُودلير ترجمة رفعت سلام