مع بداية الألفية الثالثة، اشتعلت في العالم العربي معارك ظاهرها ثقافي وجوهرها تجاري؛ أطلقوا عليها "الأكثر مبيعًا Best Seller"، وذلك نتيجة لمفارقة أحد طرفيها فريق يرى أرقام التوزيع هي معيار الجودة، بينما يرى الفريق الآخر أنها محض تضليل لأن القُرّاء يفتقرون للذائقة الواعية المدربة نظرًا لغياب النقد المتخصص (سواء الأكاديمي أو القراءات والعروض في الصفحات الثقافية بالصحف والمجلات) ليحل محله كتابات انطباعية فردية على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي ومنصات عروض الكتب.
وفي هذه المعركة يفتقر كلا الفريقين الوعي المتابع للمتغيرات التي شهدتها ساحات الإبداع والنقد بداية من الربع الأخير من القرن العشرين، والتي تبلورت وتجلت في تعبير (موت الناقد). وتاريخيًا يعتبر الأكاديمي البريطاني "رونان ماكدونالد" أول من أطلق تعبير (موت الناقد)، وذلك في إشارة رمزية دالة على فقدان الناقد الأكاديمي، وكذلك الصحفي، مكانتهما ودورهما في الثقافة الأنجلوسكسونية بعد الثورة الطلابية في أوروبا عام 1968 وصعود التيارات المعادية للسلطة في المجتمع الشاب الداعي للتحرر من كافة أشكال السلطة، بما فيها سلطة الناقد الأكاديمي المعلم الذي يقدم وجهة نظره حول الآداب والفنون من أعلى برجه العاجي وكأن كلمته هي القول الفصل.
واختار (رونان ماكدونالدRonan McDonald ) مقولة (Death of the critic ) عنوانًا لكتابه الذي صدر عام 2009 بانجلترا، وترجمه (فخري صالح) ليصدر بالعربية عام 2015 بنفس العنوان (موت الناقد) عن مكتبة الأسرة، الهيئة العامة المصرية للكتاب.
ووفقًا لـ(ماكدونالد) فليس هناك سبب لموت الناقد، لكن السؤال الذي ينشغل به هذا الكتاب، ويتعلق بتغير المواقف تجاه حكم القيمة والتقويم، يثير أسئلة عديدة أخرى من بينها؛ هل تتعلق القيمة الفنية بتفضيلاتنا الشخصية، بما نحبه ولا نحبه؟ هل يكون كل رأي جيدًا مثل أي رأي آخر؟ وهل يمكننا أن نحكم على حكم قيمة الفن أو نُقيّم حكم القيمة على الفن استنادًا إلى معايير موضوعية أو خارجية؟
ويرى (ماكدونالد) أن الناقد تعرض لعملية تقطيع أوصال بفعل قوتين متعاكستين: الميل لجعل النقد الأكاديمي عملية داخلية تعنى بنفسها وتهمل الحكم والتقويم، والزخم الذي اكتسبه النقد الصحافي والعام ليصبح فعالية أكثير ديمقراطية وانتشارا، بحيث لا تترك بين أيدي الخبراء.
ويسعى (ماكدونالد) في هذا الكتاب إلى تتبع عمليات الانفصال التي حدثت بين الناقد الأكاديمي وبين الجمهور العام الواسع، مانحًا اهتمامًا خاصًا للنقد الأدبي. ويطرح الفصل الأول (قيمة النقد) القضية العامة لـ(موت الناقد) في الثقافة المعاصرة، مركزًا اهتمامه على المواقف الخاصة بالقيم الفنية وعملية التقويم. وينتهي الفصل بمحاولة تقديم إجابة على السؤال الذي يطرحه كتاب (What Good Are Arts? ما نفع الفن؟) لـ(جون كيري John Carey). ويتضمن الفصل الثاني(أسس القيمة النقدية) منتخبات من تاريخ النقد؛ مقيمًا الانشقاقات العديدة بين القيم النقدية والمواقف الثقافية الواسعة المتخذة تجاه الفن. ويقدم الفصل الثالث (العلم والحساسية) رؤية بانورامية لتطور النقد الأدبي في الجامعة وخارجها خلال القرن العشرين. ويتناول الفصل الرابع (الدراسات الثقافية)، وفيه يؤكد (رونان ماكدونالد) أن المساحة التي أتاحتها (الدراسات الثقافية)، عبر المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي ومنصات عروض الكتب، لكتابات غير متخصصة لا يمكن أن تؤدي لتلاشي النقد المتخصص، بل ستدفع لمزيد من الدعم للمؤسسة النقدية (دعم داخلي بتطويرها وخارجي بمنح النقاد المتخصصين مساحات للكتابة) لتحقيق التوازن بين الكتابات السريعة التي تعتمد على الذائقة لا المعرفة بكتابات تضيء النصوص وتوضح لنا لماذا الفن والأدب جديرين باهتمام الناس ولازمين لاستمرار الحياة الإنسانية وتطورها مثلهما في ذلك العلم بفروعه المختلفة.
38
وفي هذه المعركة يفتقر كلا الفريقين الوعي المتابع للمتغيرات التي شهدتها ساحات الإبداع والنقد بداية من الربع الأخير من القرن العشرين، والتي تبلورت وتجلت في تعبير (موت الناقد). وتاريخيًا يعتبر الأكاديمي البريطاني "رونان ماكدونالد" أول من أطلق تعبير (موت الناقد)، وذلك في إشارة رمزية دالة على فقدان الناقد الأكاديمي، وكذلك الصحفي، مكانتهما ودورهما في الثقافة الأنجلوسكسونية بعد الثورة الطلابية في أوروبا عام 1968 وصعود التيارات المعادية للسلطة في المجتمع الشاب الداعي للتحرر من كافة أشكال السلطة، بما فيها سلطة الناقد الأكاديمي المعلم الذي يقدم وجهة نظره حول الآداب والفنون من أعلى برجه العاجي وكأن كلمته هي القول الفصل.
واختار (رونان ماكدونالدRonan McDonald ) مقولة (Death of the critic ) عنوانًا لكتابه الذي صدر عام 2009 بانجلترا، وترجمه (فخري صالح) ليصدر بالعربية عام 2015 بنفس العنوان (موت الناقد) عن مكتبة الأسرة، الهيئة العامة المصرية للكتاب.
ووفقًا لـ(ماكدونالد) فليس هناك سبب لموت الناقد، لكن السؤال الذي ينشغل به هذا الكتاب، ويتعلق بتغير المواقف تجاه حكم القيمة والتقويم، يثير أسئلة عديدة أخرى من بينها؛ هل تتعلق القيمة الفنية بتفضيلاتنا الشخصية، بما نحبه ولا نحبه؟ هل يكون كل رأي جيدًا مثل أي رأي آخر؟ وهل يمكننا أن نحكم على حكم قيمة الفن أو نُقيّم حكم القيمة على الفن استنادًا إلى معايير موضوعية أو خارجية؟
ويرى (ماكدونالد) أن الناقد تعرض لعملية تقطيع أوصال بفعل قوتين متعاكستين: الميل لجعل النقد الأكاديمي عملية داخلية تعنى بنفسها وتهمل الحكم والتقويم، والزخم الذي اكتسبه النقد الصحافي والعام ليصبح فعالية أكثير ديمقراطية وانتشارا، بحيث لا تترك بين أيدي الخبراء.
ويسعى (ماكدونالد) في هذا الكتاب إلى تتبع عمليات الانفصال التي حدثت بين الناقد الأكاديمي وبين الجمهور العام الواسع، مانحًا اهتمامًا خاصًا للنقد الأدبي. ويطرح الفصل الأول (قيمة النقد) القضية العامة لـ(موت الناقد) في الثقافة المعاصرة، مركزًا اهتمامه على المواقف الخاصة بالقيم الفنية وعملية التقويم. وينتهي الفصل بمحاولة تقديم إجابة على السؤال الذي يطرحه كتاب (What Good Are Arts? ما نفع الفن؟) لـ(جون كيري John Carey). ويتضمن الفصل الثاني(أسس القيمة النقدية) منتخبات من تاريخ النقد؛ مقيمًا الانشقاقات العديدة بين القيم النقدية والمواقف الثقافية الواسعة المتخذة تجاه الفن. ويقدم الفصل الثالث (العلم والحساسية) رؤية بانورامية لتطور النقد الأدبي في الجامعة وخارجها خلال القرن العشرين. ويتناول الفصل الرابع (الدراسات الثقافية)، وفيه يؤكد (رونان ماكدونالد) أن المساحة التي أتاحتها (الدراسات الثقافية)، عبر المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي ومنصات عروض الكتب، لكتابات غير متخصصة لا يمكن أن تؤدي لتلاشي النقد المتخصص، بل ستدفع لمزيد من الدعم للمؤسسة النقدية (دعم داخلي بتطويرها وخارجي بمنح النقاد المتخصصين مساحات للكتابة) لتحقيق التوازن بين الكتابات السريعة التي تعتمد على الذائقة لا المعرفة بكتابات تضيء النصوص وتوضح لنا لماذا الفن والأدب جديرين باهتمام الناس ولازمين لاستمرار الحياة الإنسانية وتطورها مثلهما في ذلك العلم بفروعه المختلفة.
38