صلاح عبد العزيز - إضاءة على نص " تميمة لشجرة المانجو" نيالاو حسن أيول

فى الغالب تلقى الأسطورة ظلالها على قصائد الشعراء لكى تبلغ تلك القصائد عمقا إنسانيا يتسع فيه المعنى فى أقل كلمات ممكنة والعلاقة ما بين الإنسان والطبيعة قديمة قدم الحياة كما علاقته بالأسطورة .
وبرومثيوس سارق النار وصانع البشر من أكثر الاساطير التى يعول عليها الشعراء ( هو والطبيعة ) فى بسط ما يدور من صراع بين الخير والشر وحتى الطقوس الوثنية المتمثلة فى التمائم والمشعوذين والأناشيد القديمة للأضحيات والمواسم والأعياد والعتبات السرية فى العالم السحرى لم تسلم من دفع هذا الصراع فالعلاقة ما بين سارق النار وخالق البشر والطبيعة والإنسان علاقة أزلية ، والنص يعكس تلك العلاقات فى صراع الإنسان المعاصر باستعمال مفردات البندقية والحرب والجنود والبارود ويدمج هذا الصراع بالطقوس الشعبية المتمثلة فى الأعمال السحرية لجلب الحبيب ودفع الشر والحرب ، وكإنسان الكهف البدائى عندما كان يصور الحيوانات على جدار الكهف كطقس لتسهيل الصيد فإنسان الغابات أيضا كان يفعل ذلك .
فالتميمة لشجرة المانجو والقصيدة لشجرة المانجو وليست لإنسان ولا لحبيب ولا لدفع مضرة فحرف الجر خصص تلك التميمة للشجرة ولا تخص غيرها فى العنوان ومن أجل تلك التميمة يستعرض النص تلك الذات الشاعرة فى رحلتها وتخطيها كلاب المدينة فى الصباح الباكر تحت الرصاص وهى إشارة للحرب الأهلية التى تأكل المدينة لكى تكتب على شجرة المانجو قصيدتها فتأخذ القصيدة شكل التميمة والتميمة والشجرة رمز السلام والأمان والأمن وهى فى الواقع أم الطبيعة كما فى الأساطير وفى الطقس المطير الذى ينزلق من ثقب السماء ويشبه فى غرائبيته غناء المشعوذ والمشعوذ هو ذلك الساحر البدائى الذى يلقى طقوسه بتمتمات غريبة فأركان السحر متوفرة القصيدة الزنبقة التى تشبه التقويم السحرى للأحداث فى القبائل البدائية والقصيدة نقشت فى العتبات السرية للظلام والعتبات السرية هى الطلسمات والقصيدة هى المرأة المنتظرة لحبيبها والذى ظل حذائه يشبه البندقية ولأن رجلها فى الحرب فهو بروميثيوس صانع البشر والقصيدة هى النسوة اللائى يعرفن الموت ويعرفن نسيج الوجود وتتقنع القصيدة بوجوه عدة منها النسوة منها بروميثيوس نفسه أى أن القصيدة تتحول لطقس سحرى يصنع البشر ويتحكم فى المقادير والنساء يفضلن الحرية النوافذ المفتوحة وابتسامة شجرة المانجو تنهار السماء حين يغادر الرجال للحرب ولأن مظاهر الطبيعة تعتبر من المعبودات فى العقائد القديمة فهى أيضا تنهار وتصبح مجرد رعد أو عاصفة لايؤدى طقسه الايروتيكى حيث تأوى النساء إلى أحضان رجالهن فيتم نسج الوجود .
ما الذى يجعل التميمة تنهار ولا تؤتى مفعولها ما الذى يجعل القصيدة غير مجدية وليس لها أى تأثير فى هذا العالم القصيدة التميمة النساء بروميثيوس لان الجنود يكتبون قصائدهم على جسد النساء ولا صباح ولا نوم ولا قبلة حانية بينها وبين من تحب حيث كل شئ غرق فى مستنقع الحرب والبارود ومن ثم تنهار الطبيعة المتمثلة فى شجرة الحياة شجرة المانجو .
صلاح عبد العزيز - مصر 🇪🇬 🇪🇬 🇪🇬



---------------


تميمة لشجرة المانجو

لا بدَّ لي أن أعبرَ
بينَ كلابِ المدينةِ
ومُوسيقى الصباح
تحت الرَّصاص
لكي أكتبَ على ساقِ شَجَرةِ المانجو
هذه القصيدةَ كذكرياتٍ تُمارسُ الحِيَلَ على يومٍ ماطر ،
الطقسُ مُجَرَّدُ اِبتسامةٍ مُلتَوية
يمارسُ الانزلاقَ من خلال ثُقب السماءِ المضطرب
يَنِزُّ غرائبيةً غامضةٍ ،
كغناءِ مشعوذٍ في أحلك أيام يناير الباردة !
ينبغي أن تكون هذه القصيدة زُنبقة
أو تقويما حيّا في أنشودةٍ قديمةٍ
نُقِشَتْ في العَتَبةِ السِّريةِ للظلامِ الأَبدي
أو امرأة ترتدي شِبْشِبَها الصيفيِ
تَهُزُّ رأسَها وتقول :
أنتَ يا حبيبي على قيدِ الحياة
وَظِلُّ حذائِك يشبهُ البندقية قليلاً
تَحولتْ فقط لتصبح بروميثيوس
النساءُ يعرفن كيف للموتِ أن يكون سعيدًا
لذا يفضلنَ النَّوافذَ المفتوحةَ ،
وابتسامةَ شجرةِ المانجو ؛
والليلَ أو هذا الشعورَ السَّريع
الذي يشبه أسئلةَ نسيجِ الوجودِ بين الرَّعْدِ
والعاصفةِ خارجَ النافذة
أو مِحنَةَ العذاب البطيء لصورة السماء المنهارة ،
حين يُغادرُ الرِّجَالُ للحَربِ .
لأنَّ النساءَ يعرفن كيف يكون الجُنودُ
أكثر الناس مقدرة على العشق
ويعرفن أنَّ الجنودَ يضعون الدانتيل على ظِلِّ الزِّناد
ويكتبون قصائدهم على جسد المرأة برائحة الهواء
لكن قصيدتي المنقوشة على ساق شجرة المانجو
لم تجرؤ على الوَعْدِ بوصولِ الصَّباح
ولا على النومِ تحت الأمطارِ النَّديةِ العَذبة ،
ولا بالقُبْلةِ الحُلوةِ بين دِفءِ يَدَيكَ ،
لأنَّ حُروفَها المُتلألِئَةِ غَرَقت
في الأزرقِ العَميقِ لرَائحةِ البَارُود !

نيالاو حسن أيول
جمهورية جنوب السودان







L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan

تعليقات

أعلى