لطيفة أحميش - مفاهيم الأدب المقارن

إن تحديد المفاهيـم les concepts يشكــل الأساس البنائي للبحث العلمي، فبواسطتها يتم تحديد طبيعة إشكاله وطبيعة النماذج المعرفية التي تدور في إطاره، بل وتخدم كخيوط أساسية في نسيجه العام، ونظرا لهذه الأهمية التي تحظى بها ارتأينا أن نخصص لها مبحثا، ننتقل فيه من طوبائية التسليم بها إلى حيز البحث عن معناها ومنطقها، فكان أول مفهوم انصب حوله اهتمامنا هو الأدب المقارن باعتباره جوهر هذه الدراسة وبنية تشكلها، وهو مفهوم مركب يتضمن لفظتين:
الأدب: littérature
المقارن: comparée

تعريف الأدب لغةً

والأدب لغــة: هو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي، وجملة ما ينبغي لدى الصناعة أو الفن أن يتمسك به. كأدب القاضي، وأدب الكاتب، والجميل من النظم والنثر. وكل ما أنتجه العقل الإنساني من ضروب المعرفة وعلوم الأدب عند المتقدمين تشمل اللغة والصرف والاشتقاق والنحو والمعاني والبيان والبديع والعروض… وتطلق الآداب حديثا على الأدب بالمعنى الخاص والتاريخ والجغرافية وعلوم الإنسان والفلسفة. أما في لسان العرب: فيقصد بالأدب: ما يتأدب به الأديب من الناس، سمي أدبا لأنه يؤدب الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح. وأصل الأدب الدعاء، ومنه قيل للصنيع يدعى إليه الناس: مدعاة ومأدبة. ابن برزخ: لقد أدبت آدب أدبا حسنا، وأنت أديب. قال أبو زيد: أدب الرجل يأدب أدبا، فهو أديب، وأرب يأرب وأربا، في العقل، فهو أريب. غيره: الأدب أدب النفس والدرس. والأدب: الطرف وحسن التناول. وأدب بالضم فهو أديب، من قوم أدباء. وأدبه متأدب… وفلان قد استأدب بمعنى تأدب، ويقـال للبعير إذا ريض وذلل أديب مؤدب. قال مزاحم العقيلي:
وَهُن يَصْرِفْنَ النوَى بَيْنَ عَالِجٍ = وَنجْران تَصْرِيفِ الْأَدِيبِ الْمُذَللِ

والأدب والمأدبة كل طعام صنع لدعوة أو عرس. قال صخر الغي يصف عقابا:

كَأَن قُلُوبَ الطيْرِ فِي عُشــهَا = نَوَى القَسبِ مُلْقًى عِنْدَ بَعْضِ الْمَآدِبِ
تعريف الأدب اصطلاحاً

أما اصطلاحا: فيعرفه الدكتور شوقي ضيف بأنه “الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف القراء والسامعين سواء كان شعرا أو نثرا.، ويعرفه ابن خلدون كالتالي: “الأدب فكر الأمـة الموروث الذي يعبر به الشاعر أو الكاتب بلغة ذات مستوى رفيـع وينقل بشفافية موروث الأمـة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والحضاري”. أما مصطفى صادق الرافعي فيقول: “الأدب من العلوم كالأعصاب في الجسم، وهي أدق ما فيه، ولكنـها مع ذلـك هي الحياة والخلق والإبداع” . يتضح من خلال هذين التعريفين (تعريف ابن خلدون وتعريف مصطفى صادق الرافعي) أن الأدب يهتم أساسا بنقل التراث بمصداقية، دون جعل هذا التراث حاجزا يحول بيننا وبين التجديد.

تعريف المقارن لغة

المقــــارن: لغـة: اشتق من فعل (قارن)- (ق-ر-ن). جاء في معجم الوسيط: أقرن فلان: جمع بين شيئين أو عمليـن. كأن يجمـع بين حلبتيـن في الحلـب. أو يرمـي سهميـن أو يجـيء بأسيرين ورفع رأس رمحـه لئلا يصيب قدامه. قارن بين الشيئين أو الأشياء: وازن بينها فهو مقارن.
تعريف الأدب المقارن لغة واصطلاحاً

والأدب المقارن (لغة): (آداب) هو الأدب الذي يعنى بدراسـة التأثيرات الأدبية المتبادلـة التي تتعدى الحدود اللغوية والجنسية والسياسية. كأن يدرس آداب بلدين فيقابل بينهمـا، ويربـط الواحدة بالأخرى، مستخلصـا أوجـه الشبـه والتأثيرات المتبادلـة.

اصطلاحـا: هو نوع من البحث الأدبي، كلما زاد الاعتراف بأهميته في العالم المعاصر، ازداد في الوقت نفسه تشعب الآراء حول تحديـد مفهـوم مصطلحـه ومنطقـه، ذلـك أن الأدب المقارن، “عالج منذ نشأته التي لا ترجع إلى أبعـد من قـرن ونصـف من الزمن حقولا مختلفة من الدراسـة، ومجموعة من المشكلات. ليست دائمـا على درجـة كبيرة من التجانس أو التقارب”. استعمل هذا المصطلح لأول مرة في فرنسا، وتحدد مفهومه على أنه دراسة آثار الآداب المختلفة من ناحية علاقاتها بعضها ببعض. وقد “اقتصر هذا المفهوم الفرنسي على المشكلات الخارجية مثل المصادر والتأثيرات والشهرة، وخطورة هذه المشكلات أنها تركز الاهتمام على كتاب الدرجة الثانية أو على الوسط الزمني التاريخي وتهمل الجوهر الأدبي للظاهرة المدروسة، وبذلك تكون نوعا من التجارة الخارجية للآداب متعاملة مع أجزاء متقطعة من النتاج الأدبي، وليس على العمل المحدد بكليته المعقدة”.
تعريف الأمريكيين لمصطلح الأدب المقارن

أما الأمريكيون فاتجهوا بالمصطلح نحو التوسع ليشمل المقارنة بين الآداب المختلفة مع التجاوز عن شرط وجود علاقة تبادلية بينهما. يقول هنري ريمـاك: “الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معين، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة ومناطق أخرى من المعرفة والاعتقاد من جهة أخرى. وذلك من مثل الفنون (كالرسم والنحت والعمارة والموسيقى) والفلسفة والتاريخ والعلوم الاجتماعية (كالسياسة والاقتصاد والاجتماع..) والعلوم والديانـة، وغير ذلك… باختصار هو مقارنـة أدب معين مع أدب آخر أو آداب أخرى وبمقارنة الأدب بمناطق أخرى من التعبير الإنسانـي.
تعريف كلود بيشوا للأدب المقارن

وقد أعطـى كلـود بيشوا تعريفا تقلصت معه الهوة الفاصلة بين المدرستين الفرنسية والأمريكية، إذ يقـول: “الأدب المقارن هو الفن المنهجي عبر علاقات التشابه (القرابة والتأثير) وتقريب الأدب من باقي ميادين التعبيـر أو المعرفـة أو الأحداث أو النصوص الأدبية فيما بينهـا، سواء متباعدة أولا في الزمان أو الفضاء. شريـطة أن تنتمي إلى لغـات متعددة، أو ثقافات مختلفة تعود إلى نفس التقليد، حتى يمكن وصفها وفهمها وتذوقها. والحق أن تعريف كلود بيشوا لاصطلاح الأدب المقارن هو تعريف يوفق بين رغبة قديمـة، عند الجيل الأول في البحث عن التشابهات أو التعبير عن منجزات الجيل الثاني، الذي ركـز على القرابة والتأثيرات وأخيرا التعلق بطموح احتضـان باقي ميادين التعبير والمعرفـة عند الجيل الثالث عامـة والمدرسـة الأمريكيـة خاصـة.
مصطلحات أخرى للأدب المقارن

وأيا تكــن التعريفـات التي قدمـت للأدب المقارن، فإنه يبقـى مصطلحا خلافيا. “وهو بإجماع الآراء ضعيف الدلالة على المقصود منه. وقد فنده الكثير من الباحثين. ولكنـهم في النهاية آثروا الاستمرار باستعماله نظرا لشيوعه. وفي مقدمـة هؤلاء شيخ الأدب المقارن بول فان تييغم الذي اعترف أن هذا المصطلح غير دقيق الدلالة على موضوعـه وأن هناك تعابير أخرى أصـح وأوضـح، ومن التسميـات التي اقترحـت:

الآداب الحديثة المقارنة: وهو الاسم الرسمـي لعدد من منابر الجامعات في التخصص الأدبي.
تاريخ الأدب المقارن: التاريخ المقارن للآداب، تاريخ الأدب المقارن

تاريخ المقارنـة”

اختلافات حول صيغة (المقارن)

ويبدو أن مشكلات المصطلح التي واجهها رواد الأدب المقارن في الغرب، عاناها الاستقبال العربي للمصطلح نفسه. من حيث طريقة صياغته أولا، “أهو مقارن (بكسر الراء) أم مقارن (بفتح الراء)؟ الحق أن المصطلح الفرنسي الأصلي la littérature comparée مبني على صيغة اسم المفعول، فهو مقارن (بفتح الراء). أما التسمية الإنجليزية فربما كانت أقرب إلى المقصود لأنها يمكن أن تترجم بكلمة مقارني comparative إذ إنها صفة من المقارنة comparaison… والأصح والشائع هو استعمال صيغة المفعول (مقارن بفتح الراء)،

أما العامل في حقل الأدب المقارن فهو باحث مقارن (بالكسر) مقابل كلمة comparatiste الفرنسية التي أخذها الإنجليز كما هي”. ثم من حيث تحديد تسميته الدقيقة، “فاقترحت بذلك تسميات عديدة حاولت تحري الدقة والوضوح. كمصطلح: الآداب الحديثـة المقارنـة، تاريخ الأدب المقارن، التاريخ المقارنة للآداب، تاريخ المقارنـة”. وهي مصطلحات اقترحهـا الدكتور حسام الخطيب. “إن جل هذه المصطلحات التي حاولت أن تضرب مصطلح “الأدب المقارن” عرض الحائط لم تفلح في ذلك. لأنه مصطلح أثبت فعاليته. “وثبت أن وضع بديل أمر بالغ الصعوبـة بسبب هذه الخلافات على الأقل”. وإن تضارب المواقف حول تحديد مفهوم دقيق يجب ألا يؤلف مشكلـة في وجه هذا الحقل المعرفي.
مفاهيم متفرعة عن الأدب المقارن

لا يحيـل كل مفهوم إلى مفاهيم أخرى داخل تاريخه فحسب، وإنما داخل صيرورته واقتراناته الحاضرة كذلك. فيتوفر كل مفهوم على مركبات تؤخذ بدورها كمفاهيم. وهذا ما حصل معنا بالضبط أثناء مقاربتنا “الأدب المقارن”. إذ وجدنا أنه يرتبط بمفاهيم واتجاهات أخرى ظهرت تحت عباءته منذ نشأته. من بينها (الأدب الشفوي المقارن- الأدب العالمي-الأدب العام-التأثير والتأثر…الخ). ولابد من إيضاح معاني هذه المفاهيـم حتى لا تتشابك خيوطها وتختلط دلالتها.

الأدب الشفوي المقارن:

هو دراسة الأدب الشفوي وبخاصة موضوعات القصص الشعبي وهجرتـه، وكيف ومتى دخـل حقل الأدب الفني. وليس من شك في تحديد أهمية الأدب الشفوي باعتباره جزءا لا يتجزأ من البحث الأدبي، ومصدرا أوليا لكثير من الموضوعات والأجناس الأدبية، لكن الذي تجدر الإشارة إليه هو أن هذا المفهوم ظل حبيسا في أوربا الشمالية، وهو اليوم رافد جزئي من روافد المفهوم المقارني.

الأدب القومــي:

هو كل أدب ينتجـه أدباء أمـة من الأمم، كالأدب العربي والأدب اليوناني والأدب اللاتيني والأدب الإنجليزي. يتميز هذا الأدب بانتمائه إلى قوميتـه لغة وفكرا، بحيث يكون معبرا وتعبيرا صادقا عن موطنـه الذي نشأ فيه وترعرع وتطور عبر العصور التي وجد فيها. “وكما يسمو وحي الوطن بالكاتب في الأدب القومي، فإن هذا الأدب يخلع على الوطن في نفوس أهلـه جميعا جلالا وبهاء يزيدان له حبا وبه ايمانا وتقديسا وإياه إعزازا. ولقد كان للأدب القومـي وللفن القومي في كل الأمم أعمق الأثر من هذه الناحية”.

ليـس ثمة فرق جوهري بين مناهج البحث في الأدب القومـي وفي الأدب المقارن. أما من حيث الموضوعات، فنجد موضوعات أساسية ترد في دراسة الأدب القومي وفي الأدب المقارن من خلال أنماط مختلفة نوعا ما، وتميل إلى احتلال منزلة أكثر أهمية فيه (الزي/ النجاح/ الاستقبال/ تأثير الأدب/ السفر/ الوساطات…).

الأدب العالمي:

إن مصطلح العالمية في الأدب العالمي من المصطلحات التي ترتبط ارتباطا واضحا بمصطلح “الأدب المقارن”. و “الأدب العام”. وقد ورد هذا المصطلح لأول مرة على لسان غوته، الذي قال خلال حديثه مع صديقه ايكرمان في العام 1827: “أنا مقتنع بأن أدبا عالميا أخذ يتشكل، وأن جميع الأمم تميل إلى هذا.. إننا ندخل الآن عصر الأدب العالمي. وعلينا جميعا الإسهام في تسريع ظهـور هذا العصر، إن ﻟﮭذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻣﻔﺎھﯾم قبل غوته وھﻲ:

اﻟﻣﻔﮭوم اﻷول: ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻛﺗﺎﺑﺔ ﺗﺎرﯾﺦ وﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻋﺎﻟﻣﻲ أو أوروﺑﻲ ﻓﻲ اﻷﻗل ﺑوﺿﻊ ﻓﺻول أو أﻗﺳﺎم ﻣن اﻷدب اﻟوطﻧﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺟﻧﺑﺎ إﻟﻰ ﺟﻧب، أو وﺻف ﻛل اﻟﺣرﻛﺎت والتيارات والمراحل في أكبر عدد ممكن من البلدان.
اﻟﻣﻔﮭوم اﻟﺛﺎﻧﻲ: وضع اليد على الكتب العظيمة من الأعمال الكلاسيكية، أي ﺧير ﻣﺎ ﻛﺗب ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﻣﺛل” :اﻷودﯾسا “و”اﻹلياذة “ﻟﻔرﺟﯾل اﻟروﻣﺎﻧﻲ، و”أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ” و”اﻟﺷﺎھﻧﺎﻣﺔ” “ﻟﻠﻔرودﺳﻲ اﻟﻔﺎرﺳﻲ” “وﻓﺎوﺳت “ﻟﻐوﺗﮫ “و”اﻟﻔردوس اﻟﻣﻔﻘود” ﻟﺟون ﻣﻠﺗون اﻻﻧﺟﻠﯾزي. وما يميـز هذا الأدب هو تعامله بشكل رئيسي مع الإنتاج الأدبي الذي نال تقديرا عالميا على مدى الزمن. وأثبت مقدرة على الصمود (مثل الكوميديا الإلهية/ دون كيشوت/ والفردوس المفقود/ كانديد…) كما يتعامل وبشكل أقل تميزا مع مؤلفي عصرنا الذين نالوا حظوة كبرى خارج بلادهم (مثل كامي/ توماس مان…) .

بم يختلف الأدب العالمي عن الأدب المقارن؟

إن الأدب العالمي يختلف عن الأدب المقارن من حيث الدرجة أولا ثم من حيث الجوهر، ذلك أن الأدب المقارن يشمل عناصر من المكان والزمان والنوع والكثافة. وهو من الناحية الجغرافية يشمل شأنه شأن الأدب العالمي عنصر المكان. ولكن في الأغلب، وإن لم يكن بالضرورة ضمن رقعـة أضيق. إن الأدب المقارن يتناول غالبا العلاقة بين بلدين أو مؤلفين من جنسيتين مختلفتين، أو بين مؤلف واحد وبلد أجنبي (مثل العلاقات الأجنبية الألمانية/الفرنسية)، (علاقة بو poe مع بودلير). أما المصطلح الأكثر ادعاء (الأدب العالمي) فهو يعنى ضمنا بالتطابق. وهو ما هاجمه ايتيمبل بضراوة. كذلك يستدعي الأدب العالمي عنصر الزمان، فالقاعدة أن اكتساب الشهرة العالمية يستغرق زمنا، والأدب العالمي يتعامل عامة مع الأدب الذي نال إجماعا على عظمته بفضل اختيار الزمن، ولذلك يكون الأدب المعاصر أقل نصيبا في نطاق الأدب العالمي، في حين أن الأدب المقارن، ولو نظريا يستطيع أن يقارن أي شيء تمكن مقارنته بصرف النظر عن مدى قدم أو حداثة الموضوع أو الموضوعات المقارنة.

الأدب العام:

general literature هو مفهوم يعود إلى مطلع القرن التاسع عشر وأول من ألقى دروسا فيه هو نيوميسين ليمرسيه nepomucene lemercier الذي نشر محاضراته عام 1817 تحت عنوان “cours analytique de littérature generale”/ مساق تحليلي للأدب العام. والمفهوم يعني أساسا “فن الشعر” أو “الشعريـة” poetics أو نظريـة الأدب الداخليـة، أو بعبارة أخرى الأعراف والنظم والقوانين والقواعد والمقاييس والمعايير والقيم المستمدة من داخل الأدب، والتي تشكـل في مجموعها نظاما متكاملا يحكم إنتاج الأدب واستهلاكـه في جنس أدبي معيـن، أو مجموعـة من الأجناس الأدبيـة في عدد من التقاليد الأدبية القومية، أو في واحـد منهـا. هو امتداد طبيعي للأدب المقارن، ومكمل ضروري له. ومصطلح الأدب العام لا يخلو من الدقة والاضطراب. فكلمة “عام” مثلا غامضة بعض الشيء ولا تخلو من لبس. ولهذا اقترح “التاريخ الأدبي العام” بديلا لمصطلح “الأدب العام”.

ومهما يكن الأمر فيمكن تعريف الأدب العام أنه مجموعة البحوث التي تعرض الوقائع والموضوعات المشتركة بين عدد من الآداب. سواء في علاقاتها المتبادلة أم في انطباقها بعضها على بعض. وقد استخدم هذا المصطلح لوسم المقررات والمنشورات المعينة بالآداب الأجنبية من خلال الترجمة الإنجليزية، أو بشكل أوسع لرسم تلك الكتابات التي يصعب أن تصنف تحت أي عنوان من عنوانات الدراسات الأدبية. ويبدو أن لها عند الدارسين أهمية تتجاوز الأدب القومي. وهي أحيانا تشير إلى الاتجاهات الأدبية أو المشكلات، أو النظريات ذات الاهتمام العام، أو الجماليات.

تصنيفات متفرعة عن الأدب العام

وإن مجموعات النصوص والدراسات النقدية ذات التعليقات التي تتناول عدة آداب قد صنفت ضمن هذا النوع ومثالها العديد من المجموعات، وأيضا تلك الأعمال النقدية والتاريخية التي منها:
- العالم من خلال الأدب: تصنيف ليرد
- معجم الأدب العالمي وموسوعة الأدب من تصنيف شبلي shipley ، ويجب أن نتذكر أن مصطلح الأدب العام شأنه شأن مصطلح الأدب العالمي، يخفق في تحقيق مواصفات منهج للتقرب مقارن، وفي حين أن مقررات الأدب تمد الدراسات الأدبية بقاعدة ممتازة، فإنها ليست بالضرورة داخلة في الأدب المقارن.
- التأثير والتأثر: هما مفهومان من صلب الأدب المقارن بمناهجه كافة وإن تفاوتت في تحديد آفاقه ومسبباته ووسائلـه والصلات التاريخية المنحبس عنها. فضلا عما بينها من اختلافات ونزاعات فيه ورفض أحيانا. يرى سيمون جون صاحب كتاب “الأدب العام والأدب المقارن” وهو المنهج الفرنسي، أن الدراسات المقارنة هي في الجوهر ذلك التأثير الذي يمارسه مؤلف على آخر أو آداب مختلف الأمم بعضها على بعض، إضافة إلـى انتشار هذه التأثيرات.

التأثــر: من فعــل “تأثــر”: تأثر الشيء، ترك فيه الأثر. وبالشيء تطبـع به. والشيء تتبع أثره. تأثر الشاعر بمن سبقه: سار على نهجه أو تطبع به. جعل منه أثرا فيه تأثر الكاتب بأساليب الأدب الغربي… ويمكن تقسيم التأثر إلى نوعين:

التأثر التأويلي: هو تفسير أو تأويل أو رؤيـة الأديب لما يقرأه من الآداب الأخرى. كتأثر صوفية الفرس بالإسلام والقرآن الكريم تأثرا تأويليا، لأنهم دخلوا في تأثرهم به كثيرا من فلسفة أفلاطون وأفلوطين، ومن مبادئ التصوف الهندي والإيراني القديم. لكنهم فهموا آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة، أي بعد أن أخضعوها لآرائهم وظنوا أنهم لهما خاضعون. ومع ذلك فهم يعدون متأثرين بالقرآن والحديث عن طريق التأويل.
التأثر العكسـي influence à rebours: وهو ما يقبل الرافد الأجنبي، لكنه يناقشه ويرد عليه بموقف مخالف. كموقف عباس العقاد من إحدى الرباعيات المنسوبة إلى عمر الخيام، ورد عليه شعرا كذلك. وموقف أحمد شوقي من “كليوبترا” التي جعلها وطنية في حين ركز الغربيون على ملاذها واستهتارها.

التأثير: هو فعل مستمر بشكل عام، يمارسـه شيء على شيء أو علـى شخص: تأثير المناخ على الغطاء النباتي..(ترجمة شخصية). وللتأثــير عــدة أشكــال، علــى المقارن أن يمـيز بينها بدقـة ومنها (التقليد-الاقتباس-الاحتذاء-التمثيل..) .وهي مصطلحات مختلفة الدلالة والمعنى.

التقليد: هو تأثير شعوري، وهو أن يتخلى المبدع عن شخصيته الإبداعية ليذوب في مبدع آخر أو في أثر بعينه. وهو محاولة إعادة صياغـة نموذج أدبي لمبدع آخر موهوب أكثر بكثير من المقلد. ومقياس التقليد كمي، أي أن دارس التقليد يتبع الكم المأخوذة من النموذج الأصلي ليكشف عنه. وهو أحط مستويات التأثير بحكم كونه نمطا ميكانيكيا جامدا، يفقد معه المقلد لهب الريادة. ولا يمكن اعتباره من صميم مشاغل الأدب المقارن إذ تنصرف عنه المقارنة الأدبية إلى ما هو أعمق. فمجالها هنا من قبيل الإقرار بأنه مهما تكن طبيعة المؤثرات ودرجاتها، فإن المتأثر يظل يحفظ قدرا من شخصيته. وما عدا ذلك فلا يحظـى بجهد المقـارن.

الاحتذاء: هو غير التقليد، وقف سبق للعرب أن أقاموا حد الممايزة بينهما: فقد أكد الجرجـاني في دلائل الإعجـاز ربط مسألة السرقات بالمنهج البلاغي. فهو يحمل على النقاد الذين يأخذون بظواهر الكلم. وفرق بين (الاحتذاء) و (السرقة) وذهب إلى تفسير الاحتذاء تفسيرا علميا ينتقل بدراسة السرقـات من مجال الاتهــام والظــن ليجعـل منهـا دراسة نقدية فنية إذا عمد إلى التركيز على الصناعة وتشكيل الصورة بديل الاقتصار على مجرد اللفظ والمعنى. في الاحتذاء يضع المتأثر نفسه في الحالة ذاتها، أو في الجو نفسه، أو في الاتجاه عينه الذي نشهده عند المؤثر.

التمثيل: هو أرقــى مستويات التأثير، وأصعبهـا دراسة على الإطلاق ويشكل هذا النمط المجال الأخص بالمقارنة الأدبية. هنا تتم عملية تحويل نوعي لكل ما يكتسبه أو يلتقطه المتأثر من المؤثر على غرار ما تحول كل نبتة الماء الذي تمتصه من التربة إلـى عصـارة خاصـة بها. في هذا الصعيد يؤمن الأدب المقارن بأن الأدب محصول بقدر ما هو معطى، أي أن الإبداع الجيد هو التمثل الجيـد.

إن دراسة التأثير مهمة صعبة، حيث أنها تتطلـب من المقارنين خبرة جيدة باللغات المختلفة والحضارات وتاريخ الأدب حتى يمكنهم الوصول إلى نتائج صادقة. وما ينبغي الإشارة إليه هو وجود فاصل بين عمليتي “التأثير والاستقبال”. رغم أن ارتباط إحداهما بالأخرى، فلن يكون هناك مجال للتأثير والتأثر بين الكتاب الأجانب ما لم يكن هناك استقبال لعمل أدبي خارج حدوده القومية. وهذا يعني أنه من الممكن أن يكون الاستقبال خطوة على الطريق لحدوث التأثير. وهكــذا نكــون قد عرفنــا أهــم المفاهيم التي انطوت عليها دراستنا، وإن تعريفنا لها لا يعنــــي الإحاطــة والإلمام والتسليــم بها بقدر ما هو محاولــة لتقريب معناها. ذلك أن المفاهيم لم تكن مفردات للتسليــم بقدر ما هــي مفاتيــح تتعامــل مع أجواء البحـــث.

قائمة المصادر والمراجع

لسان العرب لابن منظور.
معجم الوسيط، ج 1و2 ط 6. 1994.
مدخل إلى الأدب المقارن سعيد عقيل ريول فاليري. مناف منصور –بيروت- 1980.
علم الأدب المقارن، دراسة في المفهوم والموضوع والمنهج. مذكرة لنيل شهادة الماستر. الباحثة طمار سميرة. جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم كلية الآداب والفنون الجميلة. 2015/2016.
تأثر الأدب العربي بالآداب الأخرى. ثامر سليمان الحامد. لعام 1433- 1432 م المملكة العربية السعودية/ جامعة الملك سعود عمادة الدراسات العليا، قسم اللغـة العربية.
آفاق الأدب المقارن عربيا وعالميا حسام الخطيب، ط1، دار الفكر المعاصر-دمشق-بيروت 1992.
ثورة الأدب، الدكتور محمد حسين هيكل، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة (ط.غ.م.).
مدارس الأدب المقارن –دراسة منهجية- سعيد علوش المركز الثقافي العربي ط1/ 1987 .
تحت راية القرآن. مصطفى صادق الرافعي، القاهرة. مطبعة الاستقامة، ط4. 1376هـ/1956م.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
في الأدب المقارن
المشاهدات
1,102
آخر تحديث
أعلى