الدافع الى هذه الدراسة ، دافع لغوي بحت يهدف الى اعادة النظر في تقسيم الفاظ اللغة العربية ، الى فصيح وعامي .هنالك حاجة ملحة الى مراجعة مدلول كلمتي " فصيح" و" عامي" ان الاعتقاد بان الالفاظ التي يتحدثها عامة الناس غير فصيحة ، هو خطا فادح يقع فيه الخاصة والعامة . نظرة سريعة الى امهات معاجم اللغة العربية تكشف ان تقسيم الفاظ اللغة ، السائد الان ، الى فصيح وعامي تقسيم مبني على أوهام كثيرة . ولعل في هذه الدراسة ، وقبلها " الفاظ اللهجة السودانية في لغة القرآن " برهان على ذلك . و لكن سنرجيء الخوض في خلفية وملابسات ودلالات هذا التقسيم التاريخية واللغوية ، الى حلقة قادمة . مع ملاحظة اننا نتحدث هنا عن الفاظ اللغة وليس عن التراكيب النحوية والصرفية .
ويمتليء شعر المتنبي بالكثير من الالفاظ التي تجدها في كلام أهل السودان . وقد رصدت اثناء مطالعاتي لديوانه عددا كبيرا من هذه الكلمات التي نستعملها في لغة الكلام ونسقطها في لغة الكتابة او المخاطبات الرسمية ظنا انها (عامية) . هذه الظاهرة استرعت انتباهي منذ وقت مبكر ، لكن ما شجعني على هذه الدراسة الاستقصائية ما ذكره استاذنا الطيب صالح في احدى مقالاته عن ورود مفردات في شعر المتنبي يستعملها السودانيون في كلامهم . وقد تأملت في سبب ذلك ، فوجدت ان المتنبي من الكوفة بالعراق وهنالك اوجه شبه بين لهجة أهل العراق ولهجة اهل السودان العربية . اي شيء هو ، والامالة في لفظ الضمير أنا الذي ينطق عندهم وعند بعضنا " اني " وغيره ، الى جانب كثير من الالفاظ و الظواهر اللغوية المشتركة التي سيلم القاريء بطرف منها في هذه الدراسة .
- يقول اهل السودان للمرض : عياء . وللمريض عيان .
وقد ورد ذلك عند المتنبي في مطلع قصيدة يمدح فيها شجاع بن محمد الطائي :
عزيز أسي من داؤه الحدق النجل
عياء به مات المحبون من قبل
قال المصطاوي في شرح البيت : العياء : المرض .
وقال ابو البقاء العكبري : " العياء : الداء الذي لا علاج له قد أعيا الاطباء. اما البرقوقي فكرر كلام ابي البقاء ولم يزد عليه
وجاء في لسان العرب لابن منظور : " داء عياء : لا يبرأ منه . وحكي عن الليث ،الداء العياء الذي لا دواء له " .
والعياء ايضا في كلامنا التعب اي الاعياء . تقول : عييت ، اذا تعبت . وفي ذلك يقول صاحب اللسان :
" وحكي الازهري عن الاصمعي : عي فلان ، بالامر اذا عجز عنه . ويقال في المشي : أعييت وأنا عيي . والاعياء : الكلال ، قال : مشييت فاعييت ، وأعيا الرجل في المشي ، فهو معي ."
وفي تهذيب اللغة للازهري : " أعييت اعياء . قال : وتكلمت حتي عييت عيا ."
- شاكل يشاكل شكلة ، ترد في كلام اهل السودان بمعني اشتجر يتشاجر مشاجرة واشتجارا.
وقد وردت عند المتنبي في هذا المعني في قوله :
أفي كل يوم تحت ضبني شويعر
ضعيف يقاويني قصير يطاول
لساني بنطقي صامت عنه عادل
وقلبي بصمتي ضاحك منه هازل
وأتعب من ناداك من لا تجيبه
وأغيظ من عاداك من لا تشاكل
ولكن شراح المتنبي فات عليهم ادراك المعني (السوداني ) الذي قصد اليه المتنبي من لفظ " تشاكل " واضطرهم ذلك الي التصرف في مقصد الشاعر مسايرة لدلالة اللفظ عندهم
فابي البقاء العكبري يقول في شرح البيت : " والمعني ، أتعب من عاداك : اتعب حاسديك بندائه لك من كنت مترفعا عن مجاوبته .. وأغيظ اعدائك من لا يشاكلك ، وأكرمهم اليك من كنت لا تماثله .
اما عبد الرحمن البرقوقي فيحذو حذو العكبري النعل بالنعل ، يقول : " أتعب مناد لك من ناداك فلم تجيبه لانك لا تشفيه بالجواب فيجهد في النداء ، كما ان اغيظ الاعداء لك من عاداك وهو دونك لانك تترفع عن معارضته فلا تشفي منه " .
اخذ كلا الشيخيين " تشاكل " بمعني تماثل وتساوي ، من المشاكلة وهي الموافقة والتطابق . ولا يستقيم المعني الا اذا قلت في شرح البيت : أتعب مناد لك من ناداك ولم ترد عليه ، واغيظ اعدائك من عاداك ( شاكلك ) ولم تعاديه ( تشاكله ) اي تخاصمه وتشتجر معه . .
وعندي ان تشاكل بالمعني ( السوداني ) من أشكل الامر ، اذا التبس ، فهو مشكل و مشكلة
ولكنا نحن نسقط الميم فتصير : شكلة . وهذا كثير في كلامنا . مسبحة تتحول عندنا الي سبحة وهكذا لا نابه لميم مفعلة نسقطها.
لاحظت تسرب كلمة "خناقة " المصرية الينا شيئا فشئيا حتي علي مستوي بعض كتاب القصة .
- نقول في كلامنا : لز ، يلز . اي دفع يدفع . في زحام المواصلات كثيرا ما نسمع : يا اخي ما تلز من فضلك !!
قال المتنبي يصف احدي غارات سيف الدولة علي احدي القبائل :
فلزهم الطراد الي قتال * احد سلاحهم فيه الفرار
مضوا متسابقي الاعضاء فيه * لأرؤسهم بارجلهم عثار
جاء في شرح المرصفاوي للبيت : لزه : دفعه . وجاء في شرح البرقوقي : لزه الي الشيئ : ألجاه اليه وأدناه منه
جاء في لسان العرب : " لز الشيء بالشيء يلزه لزا : ألزمه أياه . قال الليث : اللز ، لزوم الشيء بالشيء بمنزلة لزاز البيت ، وهي الخشبة يلز بها الباب ."
ونقول في كلامنا ايضا ، لزق ( بالكسر ) بمعني لصق او ملاصق : البيت لزق البيت
يقول صاحب اللسان : " لزق الشيء بالشيء يلزق لزوقا : كلصق وألتزق التزاقا . وألزقه ، كألصقه . وهذا لزق هذا ، اي لصيقه ، وقيل اي بجانبه .." !!!
- قد بالفتح في كلامنا ، بمعني ثغر او خرم او شق او فتق .
ولكن لا نستعمل هذه الكلمة في لغة الكتابة والمخاطبات الرسمية ظنا من انها (عامية)
ولكن كما هو معروف ان الكلمة وردت في القران الكريم :
" ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين "- يوسف - الآية 26 ، 27
كما وردت الكلمة في شعر المتنبي :
أيا خدد الله ورد الخدود * وقد قدود الحسان القدود
يدعو علي خدود الحسان وقاماتهن اللدنة التي اسهرته واضنته ، بالتشقق واليباس !!
والبيت به جناس او مجانسة بين القد ،بالفتح ، بمعني القامة وقد بالفتح ايضا ، بمعني شق يشق او فتق يفتق او خرم يخرم او ثقب يثقب
اما القد بالكسر ، في اللهجة السودانية جلد البقر يشقق في شكل سيور وتنسج به العناقريب ويستعمل في اغراض اخري كثيرة كالشد والربط . وهو ايضا هكذا في المعجم
يقول المتنبي في هذا المعني :
وغيظ علي الايام كالنار في الحشا * ولكنه غيظ الاسير علي القد
يقول المصطاوي في شرح البيت : القد : سير من الجلد. ويقول البرقوقي : القد، سير يشد به الاسير .
وردت ايضا في شعر طرفة بن العبد :
وخد كقرطاس الشامي ومشفر * كسبت اليماني قده لم يجرد
ومن القد ، بالكسر ، جاءت القديد وهو الشرموط في كلامنا.
- نقول حلة (بالكسر ) ، اي قرية والجمع حلال بالفتح . وهي من حل بالمكان يحل حلولا ومحلا في التنزيل : " وانت حل بهذا البلد " . يقول صاحب اللسان : " الحلة (بالكسر ) جماعة بيوت الناس لانها تحل . قال كراع ، هي مائة بيت ، والجمع حلال بالكسر، واحدتها حلة "
يقول المتنبي : ان أعشبت روضة رعيناها * أو ذكرت حلة غزوناه
ويقول في قصيدة اخرى:
في مقلتي رشا تديرهما * بدوية فتنت بها الحلل
الحلل جمع حلة. والمعني ان هذه البدوية الحسناء سارت بذكرها الحلال.
- فريق : بمعنى حي : ناحية من حلة او مدينة او مجموعة بيوت البدو.
والجمع فرقان على غير قياس . وفي اللسان الفريق : طائفة من الناس اكثر من الفرقة . والجمع أفراق . وردت فريق بمعنى حي في شعر المتنبي . يقول في وصف الاسد حين نازله بدر بن عمار :
ما قوبلت عيناه قط الا ظنتا * تحت الدجي نار الفريق حلولا
يقصد ان الشرر يتطاير من عين الاسد كنار فريق (العرب ) ليلا
- القحف في اللهجة السودانية ، بكسر القاف والحاء ، هو قطع وبقايا أواني الفخار المتكسرة مثل الزير والقلة والكنتوش والبرمة الخ . وهو كذلك في المعجم ! جاء في لسان العرب :
" القحف هو القدح والكسرة من القدح . قال الازهري : القحف عند العرب الفلق من فلق القصعة او القدح اذا انثلمت . قال : ورايت اهل النعم اذا جربت ابلهم يجعلون الخضخاض في قحف ويطلون الاجرب بالهناء الذي جعلوه فيه ،قال الازهري : واظنهم شبهوه بقحف الراس فسموه به . قال الجوهري : القحف اناء من خشب علي مثال القحف كانه نصف قدح . "
والقحف في الاصل : " العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة والجمجمة التي فيها الدماغ ، ولايقولون لجميع الجمجمة قحفا الا ان يتكسر منه شيء ، فيقال : للمتكسر قحف ، وان قطعت منه قطعة فهو قحف ايضا .. " - لسان العرب
ونحن نقول لجمجمة الراس قرعوبة . ولعلها من القرعة اي ان شكلها يشبه القرعة وكذلك بقايا البرمة والزير تشبه القرعة في الاستدارة ، فسميت قحف وقد وردت كلمة قحف في هذا المعني في شعر المتنبي اذ يقول :
كأن خيولنا كانت قديما * تسقي في قحوفهم الحليبا
- ذكر الطيب صالح في حديثه عن اللهجة السودانية ، ورود كلمة : "أمات " في شعر المتنبي . قال : " ونحن نقول : أمات ، ولا نقول أمهات وقد قال الشاعر السوداني :
يا طير أن مشيت سلم على الأمات
وقول ليهن وليدكن في الحياة ما مات
ثم استدل بقول المتنبي وهو يصف الخيل :
العارفين بها كما عرفتهم * والراكبين جدودهم أماتها
وليس كل اهل السودان يقولون امات كما اشار الطيب صالح ففي كردفان مثلا يقولون امهات في جمع الام وابهات في جمع الاب
اضافة الي البيت الذي ذكره الطيب صالح وردت كلمة أمات عند المتنبي ببيت اخر :
تظن فراخ الفتخ انك زرتها * باماتها وهي العتاق الصلادم
يقول صاحب لسان العرب - ابن منظور : الجمع من أم ، أمات وأمهات بزيادة هاء . واضاف : " وقال بعضهم : الامهات فيمن يعقل ، والامات بغير هاء فيمن لا يعقل ، فالامهات للناس والامات للبهائم . "
ولكنه اورد عددا من الشواهد الشعرية تخالف هذه القاعدة ومنها بيت شعر لذي الرمة حيث استعمل امهات لغير العاقل ، مما يدل علي ان هذا التفريق لا اساس له .
وانا اري ان الامر لا يعدو اختلاف لهجات . بعض العرب كانت تجمع أم علي أمهات وبعضهم كان يجمعها علي أمات
وقد وردت أمهات في القرآن :
" حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم واخواتكم .." - النساء 23
" الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ان أمهاتهم الا اللائي ولدنهم ." - المجادلة 2
- ينظر الي كلمة نسوان ليس كونها عامية فقط بل ايضا ذات دلالة سالبة في وصف جنس النساء ولكن نسوان مثلها مثل نسوة ونساء ، لا فرق بينها
ففي كل المعاجم ، جمع أمراة هو : نسوة ، نساء ونسوان
وقد وردت " نسوان " في شعر المتنبي في قصيدة يمدح فيها سيف الدولة :
تخليهم النسوان غير فوارك * وهم خلوا النسوان غير طوالق
- يقول اهل السودان في كلامهم شين وشينة للقبيح والقبيحة . ولم اسمعها في كلام غيرهم . ولكنهم لا يكتبونها توهما منهم انها ليست من لغة الكتابة ، علما بانهم يستعملون مشتقاتها في الكتابة : مشين مشينة ، مثل : فعل مشين وظاهرة مشينة . ويقال في القانون اشانة سمعة .
جاء في لسان العرب في معاني كلمة شين : " الشين معروف خلاف الزين : شانه يشينه شينا . قال ابو منصور : والعرب تقول وجه فلان زين اي حسن ذو زين ، ووجه فلان شين اي قبيح ذو شين ... والشين ( ايضا ) العيب .."
ما اروده ابن منظور في اللسان من معاني لكلمة شين هو بالضبط ما عليه اهل السودان .
السمح والشين . فلان ما بسوي الشين ، يعني العيب .
وقد استعمل المتنبي لفظ شين في هذا المعني السوداني في قوله :
وليس مصيرهن اليك شينا * ولا في صونهن لديك عاب
وحيث ان الشيء بالشيء يذكر فانه عندنا كلمة سمح وسمحة بمعني جميل وجميلة اظنها من الكلمات العربية التي لا وجود في هذا المعني الا عند اهل السودان . فالسماحة في المعجم : الجود والكرم والسخاء . رجل سمح وامراة سمحة . والاسماح والمسامحة والتسامح : التساهل واليسر ومنه جاء تعبير الشريعة السمحة . وهي ايضا اللطف والظرف
وعندي ان السماح في لسان اهل السودان ، اشمل وارحب من لفظ الجمال ، فكأن المرأة السمحة عندنا ليست جميلة وحسب بل ان جمالها فاض وسخي عليها حتي شمل كل خصالها . فهي لطيفة وظريفة واريحية وجميلة فهي سمحة . يعني ما سماح جمل طين ساي !
وسمح عندنا في معني جميل لطيف ظريف ، تقابل زين عند اهل الخليج ومليح عند اهل الشام
- في النشرة الجوية بتلفزيون السودان دائما يرددون عبارة : : الغبار العالق !
هنالك كلمة واحدة تكفي لوصف حالة الجو الكدرة وهي كلمة عجاج التي يستعملها اهلنا الغبش المغبرين دائما بتعب الحياة . طبعا لو سالناهم لماذا ليس عجاج لاجابوا بانها عامية !
وقد وردت مفردة العجاج في شعر المتنبي كثيرا .
والعجاج كما جاء معجم لسان العرب والمعاجم الاخري :
" العجاج : الغبار ، وقيل من الغبار ما ثورته الريح واحدته عجاجة "
يقول المتنبي :
لبست لها كدر العجاج كانما * تري غير صاف ان تري الجو صافيا
وقال :
عجاج تعثر العقبان فيه * كأن الجو وعث او غبار
ويقول :
ولا سالكا الا فؤاد عجاجة * ولا واجدا الا لمكرمة طعما
- عندما ضرب التصحر سهول الغرب لم يجد اعلامنا لوصف الجدب الذي ألم بالاقليم غير كلمة جفاف وهي كلمة عامة وهنالك كلمة مخصوصة تصف الحالة وتشخصها تشخيصا دقيقا وهي كلمة ." محل " - بفتح الميم وتسكين الحاء - التي لا يزال يستعملها اهل الاقليم الي اليوم لوصف حالة الجدب والجفاف .
جاء في معجم لسان العرب ومعجم الصحاح وسائر المعاجم : " المحل : الجدب وهو انقطاع المطر ويبس الارض من الكلا . يقال بلد (ماحل ) وزمان (ماحل ) وارض محل . وامحلت الارض وامحل البلد فهو ماحل .
وقد وردت اللفظة ومشتقاتها في شعر المتنبي اكثر من مرة :
يقول :
فما بفقير شام برقك فاقة * ولا في بلاد أنت صيبها محل
ويقول :
بدا وله وعد السحابة بالروي * وصد وفينا غلة البلد الماحل
وقال :
فلما نشفن لقين السياط * بمثل صفا البلد الماحل
- العليق او العلوق او العليقة : في اللهجة السودانية : الاكل المخصص للدواب التي تستعمل في الركوب . في معجم الصحاح : العلوق ما تعلقه الابل ، اي ترعاه . والعليق : القضيم ،وعلقت الابل العضاة تعلق بالضم علقا : اذا تناولتها بافواهها . ويقال علق به علقا اي تعلق به . والمعلاق ما علق به من لحم ونحوه وكل شيء علق به شيء فهو معلاقه . ونحن نقول المعلاق بالضم ، وهو مشلعيب كبير تعلق عليه الآواني .
يقول المتنبي :
يكلفني التهجير في كل مهمة * عليقي مراعيه وزادي ربده
والربد : النعام .
ويقول :
فامسك لا يطال له فيرعي * ولا هو في العليق ولا اللجام
يطال له : من طول يطول للدابة في اللهجة السودانية : تربط الدواب في العادة في المرعي بحبل طويل نسبيا حتي تتمكن من الاكل في اكبر مساحة
- المخلاة او المخلاية والجمع مخالي : شنطة او وعاء من جلد لحمل الاغراض او لتقديم العليق للدواب
يقول المتنبي :
لساحيه علي الاجداث حفش * كايدي الخيل أبصرت المخالي
وهنا يقصد المخالي التي يقدم فيها العلوق للخيل .
ويبدو لي ان العليقة او العليق او العلوق سمي كذلك لانه يعلق في المخالي علي رقبة الدابة
- يقول أبو الطيب المتنبي:
يقول لى الطبيب أكلت شيئا * وداؤك فى شرابك والطعام
وما فى طبه أنى جواد اضر * بجسمه طول الجمام
والجمام بالفتح : الاستجمام . من استجم يستجم استجماما فهو مستجم .
والمعني ان المتنبي يقول ان الذي امرضه الاستجمام والقعود وليس تلوث الاكل والشراب . نحن نقول في كلامنا : ينجم وانجم وتنجم وهو منجم .
وفي لسان العرب : الجمام بالفتح الراحة . وجم الفرس أاجم جما وجماما : ترك فلم يركب . يقال : أجم نفسك يوما او يومين اي ارحها.
-الذين يعرفون الابار الجوفية والعد والمشيش يعرفون كلمة جم او جمام - بفتح الحاء وتشديد الميم . عندما يغيض ماء البير تترك لمدة حتي يجم ماؤها من جديد اي يزداد يقولون : البير جمت . والبير التي لا تجم تهجر وقد ورد هذا المعني في قول المتنبي مادحا سيف الدولة :
فلا غيضت بحارك يا جموما * علي علل الرغائب والدخال
جاء في شرح المصطاوي للبيت: الجموم ،الذي يزداد ماؤه حين بعد حين
وفي اللسان : الجم الكثير من كل شيء . مال جم : كثير . قال تعالى " ويحبون المال حيا جما " . وجم الشيء يجم جموما : كثر . وماء جم : كثير والجموم البئر الكثيرة الماء . وبئر جمة وجموم . قال الازهري : جم الشيء يجم جموما يقال ذلك في الماء والسير "
- يقول المتنبي في وصف الاسد :
ورد اذا ورد البحيرة شاربا * ورد الفرات زئيره والنيلا
ورد الاولي صفة للاسد شبهه بلون الورد لجامع الاحمرار
ورد الثانية من ورد الماء اذا قصده للشرب من ورد يرد ورودا . وأنا وراد اذا وردت . وهي واردة .في الصحاح : " ورد ورودا : حضر . والورد بالكسر خلاف الصدر . والورد بالكسر ايضا يوم الحمى اذا اخذت صاحبها لوقت تقول وردته الحمى فهو مورود . "
وكل هذه المعاني مستعلمة في اللهجة السودانية : نقول البنات وردن البير ، اى ذهبن لجلب الماء . والبهائم وردت الحفير وصدرن اي قفلن راجعات بعد ان شربن . من الصدور و الورود . ونقول الوردة او الوردي بالامالة اي الحمى . والمورود : المحموم
جاء لفظ ورد بمشتقاته في القرآن على هذا النحو :
قال تعالى : " ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون " – القصص 23
وقال : " وجاءت سيارة فارسلوا واردهم فادلى دلوه " – يوسف 19
والسيارة هم العرب الرحل . في كردفان يقولون عرب سيارة
وقال : " وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا" - مريم 71
وقال : " وبئس الورد المورود " – هود 98
الورد : بالكسر مكان الورود في الصحاح : الورد بالكسر : الجزء، تقول قرأت وردي
يتواصل
المراجع
ديوان المتنبي
ابو البقاء العكبري شرح ديوان المتنبي
عبد الرحمن البرقوقي شرح ديوان المتنبي
المصطاوي شرح ديوان المتنبي
معجم لسان العرب لابن منظور
معجم الصحاح للجوهري
نقلا عن:
الفاظ اللهجة السودانية في شعر المتنبي ... بقلم: عبد المنعم عجب الفيا
ويمتليء شعر المتنبي بالكثير من الالفاظ التي تجدها في كلام أهل السودان . وقد رصدت اثناء مطالعاتي لديوانه عددا كبيرا من هذه الكلمات التي نستعملها في لغة الكلام ونسقطها في لغة الكتابة او المخاطبات الرسمية ظنا انها (عامية) . هذه الظاهرة استرعت انتباهي منذ وقت مبكر ، لكن ما شجعني على هذه الدراسة الاستقصائية ما ذكره استاذنا الطيب صالح في احدى مقالاته عن ورود مفردات في شعر المتنبي يستعملها السودانيون في كلامهم . وقد تأملت في سبب ذلك ، فوجدت ان المتنبي من الكوفة بالعراق وهنالك اوجه شبه بين لهجة أهل العراق ولهجة اهل السودان العربية . اي شيء هو ، والامالة في لفظ الضمير أنا الذي ينطق عندهم وعند بعضنا " اني " وغيره ، الى جانب كثير من الالفاظ و الظواهر اللغوية المشتركة التي سيلم القاريء بطرف منها في هذه الدراسة .
- يقول اهل السودان للمرض : عياء . وللمريض عيان .
وقد ورد ذلك عند المتنبي في مطلع قصيدة يمدح فيها شجاع بن محمد الطائي :
عزيز أسي من داؤه الحدق النجل
عياء به مات المحبون من قبل
قال المصطاوي في شرح البيت : العياء : المرض .
وقال ابو البقاء العكبري : " العياء : الداء الذي لا علاج له قد أعيا الاطباء. اما البرقوقي فكرر كلام ابي البقاء ولم يزد عليه
وجاء في لسان العرب لابن منظور : " داء عياء : لا يبرأ منه . وحكي عن الليث ،الداء العياء الذي لا دواء له " .
والعياء ايضا في كلامنا التعب اي الاعياء . تقول : عييت ، اذا تعبت . وفي ذلك يقول صاحب اللسان :
" وحكي الازهري عن الاصمعي : عي فلان ، بالامر اذا عجز عنه . ويقال في المشي : أعييت وأنا عيي . والاعياء : الكلال ، قال : مشييت فاعييت ، وأعيا الرجل في المشي ، فهو معي ."
وفي تهذيب اللغة للازهري : " أعييت اعياء . قال : وتكلمت حتي عييت عيا ."
- شاكل يشاكل شكلة ، ترد في كلام اهل السودان بمعني اشتجر يتشاجر مشاجرة واشتجارا.
وقد وردت عند المتنبي في هذا المعني في قوله :
أفي كل يوم تحت ضبني شويعر
ضعيف يقاويني قصير يطاول
لساني بنطقي صامت عنه عادل
وقلبي بصمتي ضاحك منه هازل
وأتعب من ناداك من لا تجيبه
وأغيظ من عاداك من لا تشاكل
ولكن شراح المتنبي فات عليهم ادراك المعني (السوداني ) الذي قصد اليه المتنبي من لفظ " تشاكل " واضطرهم ذلك الي التصرف في مقصد الشاعر مسايرة لدلالة اللفظ عندهم
فابي البقاء العكبري يقول في شرح البيت : " والمعني ، أتعب من عاداك : اتعب حاسديك بندائه لك من كنت مترفعا عن مجاوبته .. وأغيظ اعدائك من لا يشاكلك ، وأكرمهم اليك من كنت لا تماثله .
اما عبد الرحمن البرقوقي فيحذو حذو العكبري النعل بالنعل ، يقول : " أتعب مناد لك من ناداك فلم تجيبه لانك لا تشفيه بالجواب فيجهد في النداء ، كما ان اغيظ الاعداء لك من عاداك وهو دونك لانك تترفع عن معارضته فلا تشفي منه " .
اخذ كلا الشيخيين " تشاكل " بمعني تماثل وتساوي ، من المشاكلة وهي الموافقة والتطابق . ولا يستقيم المعني الا اذا قلت في شرح البيت : أتعب مناد لك من ناداك ولم ترد عليه ، واغيظ اعدائك من عاداك ( شاكلك ) ولم تعاديه ( تشاكله ) اي تخاصمه وتشتجر معه . .
وعندي ان تشاكل بالمعني ( السوداني ) من أشكل الامر ، اذا التبس ، فهو مشكل و مشكلة
ولكنا نحن نسقط الميم فتصير : شكلة . وهذا كثير في كلامنا . مسبحة تتحول عندنا الي سبحة وهكذا لا نابه لميم مفعلة نسقطها.
لاحظت تسرب كلمة "خناقة " المصرية الينا شيئا فشئيا حتي علي مستوي بعض كتاب القصة .
- نقول في كلامنا : لز ، يلز . اي دفع يدفع . في زحام المواصلات كثيرا ما نسمع : يا اخي ما تلز من فضلك !!
قال المتنبي يصف احدي غارات سيف الدولة علي احدي القبائل :
فلزهم الطراد الي قتال * احد سلاحهم فيه الفرار
مضوا متسابقي الاعضاء فيه * لأرؤسهم بارجلهم عثار
جاء في شرح المرصفاوي للبيت : لزه : دفعه . وجاء في شرح البرقوقي : لزه الي الشيئ : ألجاه اليه وأدناه منه
جاء في لسان العرب : " لز الشيء بالشيء يلزه لزا : ألزمه أياه . قال الليث : اللز ، لزوم الشيء بالشيء بمنزلة لزاز البيت ، وهي الخشبة يلز بها الباب ."
ونقول في كلامنا ايضا ، لزق ( بالكسر ) بمعني لصق او ملاصق : البيت لزق البيت
يقول صاحب اللسان : " لزق الشيء بالشيء يلزق لزوقا : كلصق وألتزق التزاقا . وألزقه ، كألصقه . وهذا لزق هذا ، اي لصيقه ، وقيل اي بجانبه .." !!!
- قد بالفتح في كلامنا ، بمعني ثغر او خرم او شق او فتق .
ولكن لا نستعمل هذه الكلمة في لغة الكتابة والمخاطبات الرسمية ظنا من انها (عامية)
ولكن كما هو معروف ان الكلمة وردت في القران الكريم :
" ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين "- يوسف - الآية 26 ، 27
كما وردت الكلمة في شعر المتنبي :
أيا خدد الله ورد الخدود * وقد قدود الحسان القدود
يدعو علي خدود الحسان وقاماتهن اللدنة التي اسهرته واضنته ، بالتشقق واليباس !!
والبيت به جناس او مجانسة بين القد ،بالفتح ، بمعني القامة وقد بالفتح ايضا ، بمعني شق يشق او فتق يفتق او خرم يخرم او ثقب يثقب
اما القد بالكسر ، في اللهجة السودانية جلد البقر يشقق في شكل سيور وتنسج به العناقريب ويستعمل في اغراض اخري كثيرة كالشد والربط . وهو ايضا هكذا في المعجم
يقول المتنبي في هذا المعني :
وغيظ علي الايام كالنار في الحشا * ولكنه غيظ الاسير علي القد
يقول المصطاوي في شرح البيت : القد : سير من الجلد. ويقول البرقوقي : القد، سير يشد به الاسير .
وردت ايضا في شعر طرفة بن العبد :
وخد كقرطاس الشامي ومشفر * كسبت اليماني قده لم يجرد
ومن القد ، بالكسر ، جاءت القديد وهو الشرموط في كلامنا.
- نقول حلة (بالكسر ) ، اي قرية والجمع حلال بالفتح . وهي من حل بالمكان يحل حلولا ومحلا في التنزيل : " وانت حل بهذا البلد " . يقول صاحب اللسان : " الحلة (بالكسر ) جماعة بيوت الناس لانها تحل . قال كراع ، هي مائة بيت ، والجمع حلال بالكسر، واحدتها حلة "
يقول المتنبي : ان أعشبت روضة رعيناها * أو ذكرت حلة غزوناه
ويقول في قصيدة اخرى:
في مقلتي رشا تديرهما * بدوية فتنت بها الحلل
الحلل جمع حلة. والمعني ان هذه البدوية الحسناء سارت بذكرها الحلال.
- فريق : بمعنى حي : ناحية من حلة او مدينة او مجموعة بيوت البدو.
والجمع فرقان على غير قياس . وفي اللسان الفريق : طائفة من الناس اكثر من الفرقة . والجمع أفراق . وردت فريق بمعنى حي في شعر المتنبي . يقول في وصف الاسد حين نازله بدر بن عمار :
ما قوبلت عيناه قط الا ظنتا * تحت الدجي نار الفريق حلولا
يقصد ان الشرر يتطاير من عين الاسد كنار فريق (العرب ) ليلا
- القحف في اللهجة السودانية ، بكسر القاف والحاء ، هو قطع وبقايا أواني الفخار المتكسرة مثل الزير والقلة والكنتوش والبرمة الخ . وهو كذلك في المعجم ! جاء في لسان العرب :
" القحف هو القدح والكسرة من القدح . قال الازهري : القحف عند العرب الفلق من فلق القصعة او القدح اذا انثلمت . قال : ورايت اهل النعم اذا جربت ابلهم يجعلون الخضخاض في قحف ويطلون الاجرب بالهناء الذي جعلوه فيه ،قال الازهري : واظنهم شبهوه بقحف الراس فسموه به . قال الجوهري : القحف اناء من خشب علي مثال القحف كانه نصف قدح . "
والقحف في الاصل : " العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة والجمجمة التي فيها الدماغ ، ولايقولون لجميع الجمجمة قحفا الا ان يتكسر منه شيء ، فيقال : للمتكسر قحف ، وان قطعت منه قطعة فهو قحف ايضا .. " - لسان العرب
ونحن نقول لجمجمة الراس قرعوبة . ولعلها من القرعة اي ان شكلها يشبه القرعة وكذلك بقايا البرمة والزير تشبه القرعة في الاستدارة ، فسميت قحف وقد وردت كلمة قحف في هذا المعني في شعر المتنبي اذ يقول :
كأن خيولنا كانت قديما * تسقي في قحوفهم الحليبا
- ذكر الطيب صالح في حديثه عن اللهجة السودانية ، ورود كلمة : "أمات " في شعر المتنبي . قال : " ونحن نقول : أمات ، ولا نقول أمهات وقد قال الشاعر السوداني :
يا طير أن مشيت سلم على الأمات
وقول ليهن وليدكن في الحياة ما مات
ثم استدل بقول المتنبي وهو يصف الخيل :
العارفين بها كما عرفتهم * والراكبين جدودهم أماتها
وليس كل اهل السودان يقولون امات كما اشار الطيب صالح ففي كردفان مثلا يقولون امهات في جمع الام وابهات في جمع الاب
اضافة الي البيت الذي ذكره الطيب صالح وردت كلمة أمات عند المتنبي ببيت اخر :
تظن فراخ الفتخ انك زرتها * باماتها وهي العتاق الصلادم
يقول صاحب لسان العرب - ابن منظور : الجمع من أم ، أمات وأمهات بزيادة هاء . واضاف : " وقال بعضهم : الامهات فيمن يعقل ، والامات بغير هاء فيمن لا يعقل ، فالامهات للناس والامات للبهائم . "
ولكنه اورد عددا من الشواهد الشعرية تخالف هذه القاعدة ومنها بيت شعر لذي الرمة حيث استعمل امهات لغير العاقل ، مما يدل علي ان هذا التفريق لا اساس له .
وانا اري ان الامر لا يعدو اختلاف لهجات . بعض العرب كانت تجمع أم علي أمهات وبعضهم كان يجمعها علي أمات
وقد وردت أمهات في القرآن :
" حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم واخواتكم .." - النساء 23
" الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ان أمهاتهم الا اللائي ولدنهم ." - المجادلة 2
- ينظر الي كلمة نسوان ليس كونها عامية فقط بل ايضا ذات دلالة سالبة في وصف جنس النساء ولكن نسوان مثلها مثل نسوة ونساء ، لا فرق بينها
ففي كل المعاجم ، جمع أمراة هو : نسوة ، نساء ونسوان
وقد وردت " نسوان " في شعر المتنبي في قصيدة يمدح فيها سيف الدولة :
تخليهم النسوان غير فوارك * وهم خلوا النسوان غير طوالق
- يقول اهل السودان في كلامهم شين وشينة للقبيح والقبيحة . ولم اسمعها في كلام غيرهم . ولكنهم لا يكتبونها توهما منهم انها ليست من لغة الكتابة ، علما بانهم يستعملون مشتقاتها في الكتابة : مشين مشينة ، مثل : فعل مشين وظاهرة مشينة . ويقال في القانون اشانة سمعة .
جاء في لسان العرب في معاني كلمة شين : " الشين معروف خلاف الزين : شانه يشينه شينا . قال ابو منصور : والعرب تقول وجه فلان زين اي حسن ذو زين ، ووجه فلان شين اي قبيح ذو شين ... والشين ( ايضا ) العيب .."
ما اروده ابن منظور في اللسان من معاني لكلمة شين هو بالضبط ما عليه اهل السودان .
السمح والشين . فلان ما بسوي الشين ، يعني العيب .
وقد استعمل المتنبي لفظ شين في هذا المعني السوداني في قوله :
وليس مصيرهن اليك شينا * ولا في صونهن لديك عاب
وحيث ان الشيء بالشيء يذكر فانه عندنا كلمة سمح وسمحة بمعني جميل وجميلة اظنها من الكلمات العربية التي لا وجود في هذا المعني الا عند اهل السودان . فالسماحة في المعجم : الجود والكرم والسخاء . رجل سمح وامراة سمحة . والاسماح والمسامحة والتسامح : التساهل واليسر ومنه جاء تعبير الشريعة السمحة . وهي ايضا اللطف والظرف
وعندي ان السماح في لسان اهل السودان ، اشمل وارحب من لفظ الجمال ، فكأن المرأة السمحة عندنا ليست جميلة وحسب بل ان جمالها فاض وسخي عليها حتي شمل كل خصالها . فهي لطيفة وظريفة واريحية وجميلة فهي سمحة . يعني ما سماح جمل طين ساي !
وسمح عندنا في معني جميل لطيف ظريف ، تقابل زين عند اهل الخليج ومليح عند اهل الشام
- في النشرة الجوية بتلفزيون السودان دائما يرددون عبارة : : الغبار العالق !
هنالك كلمة واحدة تكفي لوصف حالة الجو الكدرة وهي كلمة عجاج التي يستعملها اهلنا الغبش المغبرين دائما بتعب الحياة . طبعا لو سالناهم لماذا ليس عجاج لاجابوا بانها عامية !
وقد وردت مفردة العجاج في شعر المتنبي كثيرا .
والعجاج كما جاء معجم لسان العرب والمعاجم الاخري :
" العجاج : الغبار ، وقيل من الغبار ما ثورته الريح واحدته عجاجة "
يقول المتنبي :
لبست لها كدر العجاج كانما * تري غير صاف ان تري الجو صافيا
وقال :
عجاج تعثر العقبان فيه * كأن الجو وعث او غبار
ويقول :
ولا سالكا الا فؤاد عجاجة * ولا واجدا الا لمكرمة طعما
- عندما ضرب التصحر سهول الغرب لم يجد اعلامنا لوصف الجدب الذي ألم بالاقليم غير كلمة جفاف وهي كلمة عامة وهنالك كلمة مخصوصة تصف الحالة وتشخصها تشخيصا دقيقا وهي كلمة ." محل " - بفتح الميم وتسكين الحاء - التي لا يزال يستعملها اهل الاقليم الي اليوم لوصف حالة الجدب والجفاف .
جاء في معجم لسان العرب ومعجم الصحاح وسائر المعاجم : " المحل : الجدب وهو انقطاع المطر ويبس الارض من الكلا . يقال بلد (ماحل ) وزمان (ماحل ) وارض محل . وامحلت الارض وامحل البلد فهو ماحل .
وقد وردت اللفظة ومشتقاتها في شعر المتنبي اكثر من مرة :
يقول :
فما بفقير شام برقك فاقة * ولا في بلاد أنت صيبها محل
ويقول :
بدا وله وعد السحابة بالروي * وصد وفينا غلة البلد الماحل
وقال :
فلما نشفن لقين السياط * بمثل صفا البلد الماحل
- العليق او العلوق او العليقة : في اللهجة السودانية : الاكل المخصص للدواب التي تستعمل في الركوب . في معجم الصحاح : العلوق ما تعلقه الابل ، اي ترعاه . والعليق : القضيم ،وعلقت الابل العضاة تعلق بالضم علقا : اذا تناولتها بافواهها . ويقال علق به علقا اي تعلق به . والمعلاق ما علق به من لحم ونحوه وكل شيء علق به شيء فهو معلاقه . ونحن نقول المعلاق بالضم ، وهو مشلعيب كبير تعلق عليه الآواني .
يقول المتنبي :
يكلفني التهجير في كل مهمة * عليقي مراعيه وزادي ربده
والربد : النعام .
ويقول :
فامسك لا يطال له فيرعي * ولا هو في العليق ولا اللجام
يطال له : من طول يطول للدابة في اللهجة السودانية : تربط الدواب في العادة في المرعي بحبل طويل نسبيا حتي تتمكن من الاكل في اكبر مساحة
- المخلاة او المخلاية والجمع مخالي : شنطة او وعاء من جلد لحمل الاغراض او لتقديم العليق للدواب
يقول المتنبي :
لساحيه علي الاجداث حفش * كايدي الخيل أبصرت المخالي
وهنا يقصد المخالي التي يقدم فيها العلوق للخيل .
ويبدو لي ان العليقة او العليق او العلوق سمي كذلك لانه يعلق في المخالي علي رقبة الدابة
- يقول أبو الطيب المتنبي:
يقول لى الطبيب أكلت شيئا * وداؤك فى شرابك والطعام
وما فى طبه أنى جواد اضر * بجسمه طول الجمام
والجمام بالفتح : الاستجمام . من استجم يستجم استجماما فهو مستجم .
والمعني ان المتنبي يقول ان الذي امرضه الاستجمام والقعود وليس تلوث الاكل والشراب . نحن نقول في كلامنا : ينجم وانجم وتنجم وهو منجم .
وفي لسان العرب : الجمام بالفتح الراحة . وجم الفرس أاجم جما وجماما : ترك فلم يركب . يقال : أجم نفسك يوما او يومين اي ارحها.
-الذين يعرفون الابار الجوفية والعد والمشيش يعرفون كلمة جم او جمام - بفتح الحاء وتشديد الميم . عندما يغيض ماء البير تترك لمدة حتي يجم ماؤها من جديد اي يزداد يقولون : البير جمت . والبير التي لا تجم تهجر وقد ورد هذا المعني في قول المتنبي مادحا سيف الدولة :
فلا غيضت بحارك يا جموما * علي علل الرغائب والدخال
جاء في شرح المصطاوي للبيت: الجموم ،الذي يزداد ماؤه حين بعد حين
وفي اللسان : الجم الكثير من كل شيء . مال جم : كثير . قال تعالى " ويحبون المال حيا جما " . وجم الشيء يجم جموما : كثر . وماء جم : كثير والجموم البئر الكثيرة الماء . وبئر جمة وجموم . قال الازهري : جم الشيء يجم جموما يقال ذلك في الماء والسير "
- يقول المتنبي في وصف الاسد :
ورد اذا ورد البحيرة شاربا * ورد الفرات زئيره والنيلا
ورد الاولي صفة للاسد شبهه بلون الورد لجامع الاحمرار
ورد الثانية من ورد الماء اذا قصده للشرب من ورد يرد ورودا . وأنا وراد اذا وردت . وهي واردة .في الصحاح : " ورد ورودا : حضر . والورد بالكسر خلاف الصدر . والورد بالكسر ايضا يوم الحمى اذا اخذت صاحبها لوقت تقول وردته الحمى فهو مورود . "
وكل هذه المعاني مستعلمة في اللهجة السودانية : نقول البنات وردن البير ، اى ذهبن لجلب الماء . والبهائم وردت الحفير وصدرن اي قفلن راجعات بعد ان شربن . من الصدور و الورود . ونقول الوردة او الوردي بالامالة اي الحمى . والمورود : المحموم
جاء لفظ ورد بمشتقاته في القرآن على هذا النحو :
قال تعالى : " ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون " – القصص 23
وقال : " وجاءت سيارة فارسلوا واردهم فادلى دلوه " – يوسف 19
والسيارة هم العرب الرحل . في كردفان يقولون عرب سيارة
وقال : " وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا" - مريم 71
وقال : " وبئس الورد المورود " – هود 98
الورد : بالكسر مكان الورود في الصحاح : الورد بالكسر : الجزء، تقول قرأت وردي
يتواصل
المراجع
ديوان المتنبي
ابو البقاء العكبري شرح ديوان المتنبي
عبد الرحمن البرقوقي شرح ديوان المتنبي
المصطاوي شرح ديوان المتنبي
معجم لسان العرب لابن منظور
معجم الصحاح للجوهري
نقلا عن:
الفاظ اللهجة السودانية في شعر المتنبي ... بقلم: عبد المنعم عجب الفيا