محمد بنيس - المعنى و ما يبقى ثقافة الحرية

"...فالعطبُ، الذي قادَنا إلى هذا المآل، ثقافيٌّ ومنْ طبيعة ثقافيّة. هذا رَأيي. يبدأ العطبُ منَ التعليم، أيْ من مَضامينه وطَرائقه، ثمّ يمتدُّ إلى السُّلطة والمؤسَّسة، بالمعْنى الأوْسَع لكلٍّ منهُما، في الحياة العَائلية والاجتمَاعية والسّياسية. إنّه المشتركُ، الذي لا ينفصلُ فيه المشرقُ عن المغْرب، ولا يتميّز فيه تقدميٌّ عن مُحافظ. قامَ التعليمُ على مُحاصَرة الحُرية، في اللّغة والأدَب والفنُون والفكْر. إذْ أنّ الحريةَ، حريةَ الفرد والجَماعة، هيَ مبدأ الحَداثة السابق على كلِّ مبْدإ آخَر. فثقافةُ الحرية هي ثقافةُ العدْل والمُساواة بيْنَ جميع أبْناء وبنَات الوطَن الوَاحد في الكرامَة والمعْرفة والاخْتيار والاعْتقاد والحُلم والخيَال والتّعْبير. ثقافةُ الحُرية هيَ شهادة ميلاد المُواطن، في دوْلة الحقّ والقانُون، الذي يُساوي بيْن الجَميع ويتساوَى فيه الجميع. والتعليمُ الذي حاصَر الحريةَ هُو نفسُه الذي عمّمَ الجهْل. فالجهْلُ هو الكلمةُ العُليَا لمنْع الذّاتيات، بأفُقها المفتُوح على اللاّنهائي. وهُو، بالتّالي، رحمُ العُبودية، بجَميع أشْكالها. أغلالٌ تَنْزعُ الوضْعَ الإنسانيَّ عَن الإنْسان. هذا ما سَعَى التّعليمُ إليْه. وهَا هيَ عواصفُ الجهْل تنزلُ منَ الأعَالي التي لا نَراها، وتنتشرُ في حَياتنا، الفرديّة والجَماعيّة، باسْم الحقيقة الأبَديّة.”


محمد بنيس
من كتاب
الحداثة المعطوبة



L’image contient peut-être : 1 personne, texte


99
أعلى