خالد الدامون - حين تذبل التماعة العيد في العيون !

- مابين العيد عن بعد .. وأحزان العيد في تجارب بعض الشعراء.


في زمن الوباء / كورونا سنة 2020 ، توقفت شعائر الأديان السماوية في المساجد والمعابد والاماكن المخصصة لها في العالم عموما، نظرا للإجراءات المطبقة التي تروم مواجهة هذا الوباء والإنتصار عليه، وفي مقدمة تلك الإجراءات العزل او التباعد الإجتماعي الذي يعتبر الحجر الصحي احد اركانه الأساسية والحاسمة التي تفرض على الناس لزم بيوتهم وعدم الإختلاط في اي فضاء من الفضاءات كيف ما كان نوعها، وعلى هذا الأساس الوقائي توقفت الاحتفالات والشعائر الدينية في هذه المرحلة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم.
هناك من المهتمين من يرى ان توقف تلك الشعائر على صعيد عيد الفطر يحدث لاول مرة في التاريخ الإسلامي ، غير اني أرى بالنظر إلى شراشة الأوبئة التي عرفها العرب والمسلمين في مراحل مختلفة من تاريخهم ان ذلك غير صحيح، فمن باب الغريزة قبل العقل التوقف عن تلك الشعائر لمصلحة الأنسان واستمرار الوجود البشري، وبذلك فإني ارجح ان يكون المدونين والكتاب في تلك المراحل من الوباء لم يقوموا بتوثيق ذلك التوقف على صعيد شعائر الأعياد الدينية بوضوح في كتاباتهم وكتبهم لتكون ذخرا ومرجعا لمن سياتي وراءهم للفهم والتامل والتدبر واخذ المعنى مما جرى واقتباس الحكمة منه.

إن العيد عن بعد ..ذبلت التماعته في العيون، لكن ومع ذلك لم تزح هذه الظروف الصعبة عن قلوبنا تلك المشاعر الإنسانية الفياضة اتجاه العائلات ، الأحباب والأصدقاء بمختلف الاماكن بالعالم، وقد عشنا تفاصيل هذا العيد خلال هذه السنة بنكهة الكترونية صرفة، في سياق استثنائي : فرح ممزوج ببعض الحزن، هذا الحزن في العيد / الفرح ايضا تحدث عنه بعض الشعراء في مناسبات العيد من وجهة نظرهم ، التي كانت تحكمها غالبا تجربتهم الخاصة والخلفيات الحياتية التي شكلت موقفهم من العيد، وهنا نعرض لبعض الامثلة والنماذج الشعرية على ذلك...، فماهي ياترى؟

من القصائد التي خلدها التاريخ في هذا الإطار دالية أبي الطيب المتنبي، في وصف حاله بمصر / اكفور الأخشيدي، والتي يقول في مطلعها:

عيد بأية حال جئت يا عيد/ بما مضى ام بأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم/ فليت دونك بعيدا دونهم بيد.

وفي نفس سياق الحزن والشكوى يمضي المعتمد بن عباد وهو يعيش تجربة السجن القاسية في أغمات في البوح بألامه وهو يستقبل العيد وبناته في أسوا حال بعدما دار الزمان عليهن وعليه، ويقول في هذا الصدد:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا /وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحتسب ان العيد مسعدة/ فساءك العيد في أغمات ماسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة /في لبسهن رأيت الفقر مسطورا
إلى ان يقول:
أفطرت في العيد لا عادت إساءته/ ولست يا عيد مني اليوم معذورا
وكنت تحسب ان الفطر مبتهج/ فعاد فطرك للأكباد تفطيرا

وعلى هذا المنوال من الشكوى والحزن كتب الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين بعض قصائده عن العيد، تارة وهو يتذكر ايام صباه الذي لم يتذوق خلالها اي فرحة تذكر بمناسبة الأعياد، وتارة أخرى وهو يرى حال الاهل حوله وهم في حالة نزوح وقد ضاعت ملامحهم..حيث يقول في هذا الصدد:

هذا هو العيد، أين الأهل والفرح
ضاقت به النفس ام اودت به القرح؟
وأين أحبابنا ضاعت ملامحهم
من في البلاد بقي منهم ومن نزحوا؟

كما ان للشاعر الكبير نزار قباني قصيدة جميلة في هذا الباب، ومن خلالها يرصد كيف ان العيد فقد الكثير من بهائه أمام الواقع العربي الحزين الذي غادر أهله أراضيهم غما وكمدا ونزوحا!! ، ونورد مطلعها الذي يقول فيه:

يا عيد عذرا فأهل الحي قد راحو
واستوطن الارض أغراب وأشباح
ياعيد ماتت أزاهير البريق كمدا
واوصد الباب ما للباب مفتاح!

ومن الشعراء الذين عاشوا العيد بعيدا عن أبنائهم وهم في تجربة السجن الحزينة والأليمة الشاعر عمروا خليفة النامي الذي يقول في ليلة العيد:

يا ليلة العيد كم أقررت مضطربا/لكن حظي كان الحزن والأرق
أكاد أبصرهم والدمع يطفر من/ أجفانهم ودعاء الحب يختنق
يا عيد يافرحة الأطفال ما صنعت/ أطفالنا نحن والأقفال تنغلق

ونختم هذه الامثلة والنماذج الشعرية لشعراء لم يتمثلوا فرحة العيد لأسباب متعددة ذاتية أحيانا وموضوعية أحيانا أخرى للشاعرة والكاتبة الفلسطينية فدوى طوقان التي لم تستصغ العيد بمعنى الفرح امام واقع ماساة اللاجئات الفلسطينيات وتقول في هذا الصدد:

أختاه، هذا العيد رف سناه في روح الوجود
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيد
واراك ما بين الخيام قبعت تمثالا شقيا
متهالكا، يطوي وراءه جموده ألما عتيا.

ليس العيد دائما ياتي بالفرح للجميع، تتعدد التجارب الإنسانية في علاقتها مع العيد، وحتى العيد نفسه فرض عليه الوباء - رفعه الله عنا - العزلة ، ترجمتها نيابة عنه ملامحنا الموزعة بين بعض الفرح وبعض الحزن وكثير من التساؤل؟
------------------------------------------------------------------
* خالد الدامون

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى