علي سيف الرعيني - السقوط في الوحل

إن مقاومة النفس الأمّارة بالسوء كما وصفها القرآن الكريم تُعد من أعلى مراتب الجهاد الأكبر بحسب تعاليم وأدبيات ديننا الإسلامي الحنيف، وقبل الولوج في الحديث حول مخاطر الانقياد إلى النفس؛ نود الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يُفهم من سياق الطرح أننا نعني بالنفس هي الروح على اعتبار أن هناك فرقاً جوهرياً بين الروح والنفس، فالروح تمثّل الأنا الأعلى للإنسان؛ فيما النفس تمثّل الأنا الأسفل للإنسان المتصلة اتصالاً عضوياً بالحواس الخمس وبكل شهوات وملذّات الحياة التي تشترك معنا فيها مخلوقات عالم الحيوان بطريقة أو بأخرى؛ وبالتالي فإن كلّاً منّا مبتلى في هذه الحياة أسيراً بين قوتين تتجاذبه للفوز بقيادته والسيطرة عليه، وتتمثّل هاتان القوتان بالأنا الأسفل بقيادة الروح، والله أعلم. وعطفاً على ما سبق فإن الأنا الأسفل للإنسان كلّه لكل خاضع لسيطرته ونفوذه؛ فيما النجاة والفوز بسعادة الحياتين الدنيا والآخرة قد جعله الله في الأنا الأعلى للإنسان بقيادة الروح المرتبطة بحبل الله المتين الذي ينجّي من الهلاك كل متمسك به. وعليه فإن العاقل الناضج الذي يتمتّع بمقوّمات الحكمة وصلابة الإرادة وحده بعد حسن توكّله على الله القادر على الانتصار على نفسه وجهادها والإفلات من بين مخالبها وعدم الاستسلام لها كنفس أمّارة بالسوء تقود صاحبها إلى مصائب الدنيا وعذاب نار الآخرة والعياذ بالله الأمر الذي يكشف وبجلاء أن حُب الذات وتقديس الأنا هو شر بيع بثمن بخس دينك ودنياك على حد سواء. ولا ريب أن من سلّم قيادته إلى النفس الأمّارة بالسوء؛ يكون قد تجرّد من كل القيم الدينية والأخلاقية الإنسانية، وسقط في وحل ملذّات الحواس الخمس التي يشترك فيها مع الحيوانات، وهذا السقوط في حين، وتقديس الذّات ليس حكراً على المسلمين وإنما هو وباء معرّض للإصابة به أي بشر على سطح المعمورة باستثناء أن ديننا الإسلامي كان الأكثر تحذيراً لنا من عاقبة الانقياد إلى النفس الأمّارة بالسوء في الوقت الذي أهملت فيه بقية أدبيات الأديان الأخرى هذا الجانب. ونخلص هنا إلى أن حُب الذات وتقديس المصالح الشخصية يمثلان بحد ذاتهما مشكلة كبيرة على مستوى الفرد والأسرة والجماعة والمجتمع كلّه على المديين البعيد والقريب، فمن يحب ذاته يصبح عنصراً فاسداً ومفسداً في مجتمعه، مستعداً للتضحية بمصلحة أمّته ووطنه في سبيل مصلحته، وليس هذا فحسب؛ بل إن المرء ذا النفس الأمّارة بالسوء؛ يمكن أن يبيع عرضه وشرفه وكرامته في سبيل تحقيق مصلحته الشخصية؛ ناهيك عن أنه يكون مجرد مسخ بشري لا يتمتّع بأبسط القيم الأخلاقية الإنسانية، ويكون في الأغلب إذا كان من مجتمع مسلم منافقاً في القول والعمل لا يحفظ عهداً ولا يرعى إلاولا ذمة لمجتمعه المحيط به

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى