أ. د. عادل الأسطة - يوميات المقتلة -ملف- الشهر الثاني عشر (337-366)

الشهر الثاني عشر


337- يوميات غزة ( ٣٣٧ ) : جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين

انتهى أمس أحد عشر شهرا من أشهر الحرب . كما لو أن صمتا ساد في مواطن القتال . ثمة هدوء لم يعكره سوى غارات إسرائيلية نفذها الطيران الإسرائيلي على مناطق من جنوب لبنان لقصف منصات صواريخ حزب الله . هكذا زعمت الرواية الإسرائيلية ، فرد الحزب بإطلاق صواريخ على مواقع إسرائيلية .
لا أخبار عن معارك في غزة ولا في الضفة . هل وضعت الحرب أوزارها أم أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ؟ هل شعر المتحاربون بالضجر ، فالضجر ، كما كتب محمود درويش ، صفة من صفات البشر ؟ لكن من قال إن ما خلفه الجيش الإسرائيلي دليل على أنه فعل بشر ؟!
في فجر هذا اليوم أرسل إلي صديق شريط فيديو يقول ظاهره وتعليق المرسل إن أفراد حركة المقاومة الإسلامية طلبوا من امرأة وزوجها أن تخلي الخيمة ، لأن المقاومين سيجتمعون فيها . لقد قلبت شخصيا الشريط على غير وجه . أعرف أن مرسله ضد حرب ٧ أكتوبر وحركة حماس ، وأنا أيضا لست من حماس ، إنما :
- ما الدليل على أن المتكلمين في الشريط من حماس ؟
- ألا يمكن أن يكون الرجال يريدون الإساءة للمقاومة وتأييد ما يزعمه الإسرائيليون من أن المقاومة تختبيء بين الناس ؟ يعني أن الرجال قد يكونون مدسوسين من جهات معادية !
لا بد من دليل !
وأنا أشتري الدريق نقدت البائع عشرة شواكل إسرائيلية فأعادها إلي بحجة أنها مزورة . عرضت عليه عددا من عشرات الشواكل لينتقي غير المزورة منها . في هذه الأيام صارت موضة الرفض موضة وكل الحق على تجار الخليل والصين . الصين يقال تزور العشرة شيكل لتجار من الخليل وقيل إن الإسرائيليين قبل سنوات ضبطوا حاوية ( كونتينر ) كله شواكل من فئة العشرة ، ومؤخرا سمعت ان هناك طبعة تركية مزورة لفئة ال ٢٠٠ شيكل . تزوير محسن .
ذكرني البائع بأهل غزة وما تداولوه مؤخرا من فئة العشرة شيكل ، فالبائعون يتشددون أيضا في قبولها ، وهناك قطع اتسخت لكثرة تداولها في الحرب في أجواء تنقصها النظافة ، والطريف هو أن عبقرية بعض أبناء قطاع غزة تفتحت في الحرب أكثر وأكثر ، فافتتح أحدهم محلا لتنظيف العملة .
إلى أين نحن ذاهبون ؟!
أنا لا أعرف ومنذ بداية الحرب لم أستمع إلى محمد عبد الوهاب يغني أغنيتي المفضلة " جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين ... حبيبي كل ما فيك يا حبيبي حبيبي ".
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٩ / ٢٠٢٤

***

338- يوميات غزة ( ٣٣٨ ) : ماهر ذياب الجازي

هدأت الجبهات أمس وأول أمس ، فأخبار المعارك قلت وتيرتها ولا أخبار تأتي على حدث أمني صعب في غزة.
فجأة تتردد الأنباء عن حدث أمني في معبر الكرامة الذي أبرزت له أمس وأول أمس واليوم صور تري حركة النشاط فيه ، وهي متباينة . تارة تبدو صالة المعبر خالية من المسافرين وطورا تبدو بين بين.
سائق شاحنة من الأردن يطلق النار من مسدس فيردي ثلاثة جنود إسرائيليين ، وسيعرف لاحقا أنه المعاني ماهر ذياب الجازي ابن التاسعة والثلاثين ، وستعاقب القوات الإسرائيلية على المعبر بقية السائقين وتبطحهم على الأرض لتذلهم . لقد اعتاد الإسرائيليون على إذلالنا كلما أصيبوا في مقتل وألفوا هذا السلوك وصار يعني لهم انتصارا وتعويضا أيضا . إنها سياسة العقاب الجماعي وقهر المواطنين كلهم ؛ في أنفسهم ومالهم وشوارع مدنهم أيضا .
هل تأثر الإسرائيليون قليلا للمظاهرات التي عمت شوارع المدن العالمية والعربية ومنها الأردن قدر تأثرهم بما أقدم عليه ماهر ذياب الجازي ؟
أحد النشيطين عقب : كل المظاهرات كوم وما فعله الجازي كوم .
وبعد الحادث روي عن حدث أمني في غزة . قيل عن طائرات هيلوكابتر تقل الجرحى ، ويبدو أن الحرب في الشمال الفلسطيني / الجنوب اللبناني ستتقد ، فأبو يائير / رئيس الوزراء الإسرائيلي ألمح بذلك وطلب من جيشه الاستعداد ، ويبدو القادم غير مطمئن .
أحد الأصدقاء لفت نظري إلى قصة الطفلة الفلسطينية ضحى طلعت ابنة الثامنة من العمر .
ضحى من رفح كتب أن جدها دل الإسرائيليين على أنفاق المقاومين في المدينة . طبعا والله أعلم ، ولكن حكايتها ليست هنا .
يقال إن ضحى كانت مع جدها في آخر ظهور لها مع أحد أفراد عائلتها . اقتادها الجندي الإسرائيلي ( ايدو زاهار ) ثم اختفت آثارها . قيل إنه اغتصبها ثم قتلها ، والجندي الذي أدرج صورتها على صفحته في الفيس بوك مع منشور شطب المنشور وحول صفحته من عام الى خاص . فضيحة بجلاجل للجيش الأكثر طهارة سلاح بين جيوش العالم .
القادم غير مطمئن وفي صفحات كثيرين تتكرر عبارة " الوضع صعب " ، ويأتيك بالأخبار ما لم تزود.
اللافت منذ يومين في حوار الفيسبوكيين هو ما قالته الطبيبة الغزية المختصة بالصحة الجسدية والنفسية إسراء صالح عن خيمة للمتزوجين في غزة لإنجاز مهمة الإنجاب وممارسة فعل الحب وافتقاد الخصوصية ، وهذا ما سأكتب عنه مقال الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية في ١٥ / ٩ / ٢٠٢٤ ما لم يجد جديد .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٩ / ٢٠٢٤

***

339- يوميات غزة ( ٣٣٩ ) : افتقاد الخصوصية : خيمة للعزلة

في ٣ حزيران ٢٠٢٤ كتب شجاع الصفدي منشورا تحت عنوان " خيمة للعزلة " أعدت نشره في صفحتي معقبا :
" أجمل نص قرأته منذ بداية الحرب : المضحك المبكي " وعدت وكتبت عنه في ٤ حزيران في اليوم ٢٤٢ .
في الأيام الأخيرة طغى بين أبناء غزة ومتابعي أخبارها جدل حول شريط فيديو للباحثة الغزية المتخصصة في الصحة النفسية والجسدية إسراء صالح حول اختلاء الأزواج معا في ظل الحرب . في خيمة ما . في غرفة صف في مدرسة إيواء .
أتت إسراء على الخصوصية في حياة الفلسطينيين اللاجئين والنازحين وافتقادها ، فتذكرت شخصيا حياتنا في المخيمات في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين ، وتذكرت أيضا رواية سامية عيسى " حليب التين " ( ٢٠١١ ) وما كتبته عن أوضاع مخيمات اللجوء في لبنان .
يرد في رواية سامية في هذا الجانب الكثير ومنه :
" بعدما تزوجا صارت تفسح لهما الوقت والمكان في النهار لكي يفعلا ما لم يستطيعاه بقربها في الليل . كان أيضا يفرغ في أحشائها على عجل أو هي تدعه يفعل خشية أن تباغتهما فاطمة أو ضوضاء التفاصيل التي تجري وراء باب الغرفة أو على الطرف الآخر من جدارها " .
لعل مقالي الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية ١٥ / ٩ / ٢٠٢٤ يقارب هذه الموضوعة .
النكبة مستمرة والمخيمات ما زالت مخيمات والأحفاد يستعيدون تجربة الأجداد .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٩ / ٢٠٢٤

***

340- يوميات غزة ( ٣٤٠ ) : هوية عصرنا

عندما صحوت فجر هذا اليوم في الثالثة ، وقرأت عن الجريمة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مواصي خان يونس ، وجدتني أكرر قول محمود درويش في مجزرة شاتيلا وصبرا في أيلول العام ١٩٨٢ :
" صبرا هوية عصرنا حتى الأبد "
ولو امتد العمر بالشاعر وشاهد ما نشاهد لربما أصيب بالجنون ، فما يجري في غزة منذ أحد عشر شهرا وأكثر هو الجنون نفسه ، وهو هوية عصرنا .
قيل في الأخبار إن مجزرة فجر اليوم هي الأقسى منذ ٧ أكتوبر . لقد دفن قسم من سكان الخيام في الرمال وأبيدت عائلات بأكملها ومحيت من السجلات المدنية ولم يعد لها ذكر .
حجة دولة إسرائيل جاهزة وهي إن المقاومين الفلسطينيين مختبئون بين المواطنين ، وقبل أيام عمم شريط فيديو كتبت عنه يري جماعة ملثمة تطلب من امرأة وزوجها إخلاء الخيمة ، فالقيادة تحتاج الخيمة لاجتماع . هل تمت فبركة الشريط للإقدام على مجازر مثل هذه ؟
هذا هو ما يفهم مما جرى .
هل كانت إسرائيل في العام ١٩٤٨ تبحث في دير ياسين عن قيادات مقاومة ؟
وهل كانت أيضا في العام ١٩٥٦ ترى في مزارعي كفر قاسم العائدين في المساء إلى قريتهم والدي ضيف والسنوار ؟
ربما !
وربما تبحث إسرائيل في أنفاق شوارع جنين ومخيمها وطولكرم ومخيميها عن أسراها وعن ضيف والسنوار ، فقد يكونان حفرا أنفاقا تمتد من غزة إلى قلقيلية فطولكرم فجنين . ألم يسمع سكان كفار سابا في أشهر الحرب الأولى أصوات حفر في الليل ، فخافوا من أن يهاجمهم أهل قلقيلية مكررين ما جرى في السابع من أكتوبر ؟!
ما جرى صباح اليوم في مواصي خان يونس ستظل الكتابة فيه وعنه قاصرة ودون مستوى الحدث حتى لو حضر معين بسيسو ومحمود درويش وجان جينيه إلى المكان ليشاهدوا وليكتبوا .
أرض أكثر وعرب أقل . هذا هو الدافع لما يجري منذ ١٩٤٨ .
يخرج الجلاد من جلد الضحية . كتب محمود درويش في " مديح الظل العالي " واليوم أصغيت إلى شربط فيديو يتحدث فيه مواطن ألماني يهودي الديانه ويقر بأن ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين غير مبرر منذ العا ١٩٤٨ ، فليسوا هم من ارتكب المجازر بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية ، ويقر بأن إسرائيل لا تمثله وأنه لا ينتمي إليها إطلاقا .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٩ / ٢٠٢٤

***

341- يوميات غزة ( ٣٤١ ) : كل شيء يسم البدن

أخبار غزة وبعض مدن الضفة الغربية ومخيماتها تسم البدن . فلا رغبة في القراءة ولا شهية .
أمس صحونا فجرا على مجزرة في المواصي في خان يونس وأنفقنا نهارنا نتابع الأفعال البطولية المشرفة لجيش شعب الله المختار تجرف الشوارع وتهدم المباني في طولكرم ومخيميها ، واليوم نصحو على ارتقاء خمسة شباب في مدينة طوباس ، بعد أن تابعنا أخبار اقتحام نابلس في الساعات المبكرة من فجر هذا اليوم .
تتراوح أعمار الشباب الخمسة الذين ارتقوا بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين . إنه شلال الدم الفلسطيني .
أردت أن أتم إنجاز مقالي الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية " تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : غرفة للخلوة ... غرفة للعزلة " فلم أشعر برغبة في الكتابة ، وأسهم في ذلك ما كتبه الدكتور خضر محجز حول ما حكته ناشطة غزاوية في الموضوع هي طبيبة . كتابة الدكتور كتابة نارية حادة جدا ، وبعض كتاب غزة يبدون الآن ناريين في كتاباتهم ومواقفهم من محللين سياسيين وكتاب أعمدة ممن يقيمون خارج قطاع غزة ويكتبون وهم مسترخون في أجواء برجوازية بعيدة عن ساحات المعارك واللجوء والنزوح ورائحة البارود ودوي الانفجارات وقصف الطائرات وجرف الأراضي والبنى التحتية .
عندما أبديت رأيا في يومياتي واقترحت على من يريد أن ينشرها أن يصدرها بأسطر لمحمود درويش هي :
" كان يمكن أن لا أكون
وأن تقع القافلة
في كمين ، وأن تنقص العائلة
ولدا
هو هذا الذي يكتب الآن هذي القصيدة
حرفا فحرفا ونزفا فنزفا
على هذه الكنبة
بدم أسود اللون ، لا هو حبر الغراب
ولا صوته ،
بل هو الليل معتصرا كله
قطرة قطرة ، بيد الحظ والموهبة "
عايرني كاتب أردني صديق بعبارة " يكتب .. على الكنبة " نازعا إياها من سياقها - أي أنني أكتب وأنا مسترخ على كنبة .
كنت تعليقا على منشور فلم يرق التعليق للصديق ، فتساءلت ماذا لو تابع يوميات أبناء غزة وآراءهم في فلسطينيي ١٩٤٨ والضفة الغربية والقدس أيضا ؟! هل كان سيلتفت إلى تعليقي ؟
ما علينا !
كل شيء في فلسطين يسم البدن ويجعلك غاضبا ناقما ، وحين تشعر بالعجز وتتوجس شرا من مستقبل غامض تكرر سطر الشاعر المرحوم راشد حسين :
" تشتهي الثورة لحظات غضب " .
من غاب من الكتاب الفلسطينيين عن الكتابة في أحداث غزة أغلب الظن أنه سيغيب إلى الأبد. !
" لا جمالي خارج حريتي "
هذا ما علمه الشهيد لمحمود درويش .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٩ / ٢٠٢٤

***

342- يوميات غزة ( ٣٤٢ ) : آلاف المشوهين والمشوهات ومستقبل حزين مؤلم

في متابعة أشرطة الفيديو التي يعرضها ناشطو ال (فيسبوك) أو ال (توكتك) ما يبعث على الأسى ويشعر بالحزن. عشرات إن، لم يكن مئات، الصور لأطفال ورجال ونساء وصبايا وشباب غزيين تشوهوا جسديا، هذا عدا تشوه الآلاف نفسيا، تشوها وصل إلى درجة الجنون الذي تبدو مظاهره في صراخهم وبكائهم، لفقدان أفراد من عائلتهم وبيوتهم وشقاء عمرهم وتشردهم وإقامتهم في خيام لا تؤوي.
أمس شاهدت صورة لطفلة بترت أجزاء من قدميها. كانت الطفلة تنظر إلى ما ألم بها بحسرة.
منظر الطفلة غير الغريب على أبناء قطاع غزة منذ مسيرات العودة التي أفقدت عشرات الشباب إحدى رجليهم أو كلتيهما معا، حيث كان الجنود الإسرائيليون يصوبون رصاصهم إليها مستلذين بذلك، منظر الطفلة يأبى أن يفارق مخيلة المرء. ما ذنبها أن تنفق عمرها عالة على غيرها قد لا تمارس حياتها الطبيعية نتيجة لما ألم بها؟
وأنا أمعن النظر في صورة الطفلة نقمت على هذا العالم المنافق عديم الأخلاق وتذكرت غسان كنفاني.
في روايته "رجال في الشمس" نقرأ عن والد مروان الطفل الذي تخلى أبوه وأخوه عنه وعن أسرته، فاضطر أن يسافر إلى الكويت ليغوص في المقلاة ويموت اختناقا. تخلى أبوه عن أسرته ليتزوج من امرأة عرجاء لا لجمالها أو لرغبته في الزواج، وإنما ليقيم في بيت من طوب ملكته المرأة مساعدة لها بسبب عاهتها. وتخلى عنه وعن أمه أخوه، لأنه أراد أن يلتفت إلى حياته هو.
وفي قصته "ورقة من غزة" (١٩٥٥) نقرأ عن نادية التي بترت ساقها بسبب قذائف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
النكبة ولدت نكبات ونادية خلفت ناديات / أكثر من نادية، ودير ياسين ١٩٤٨ تنبعث أيضا في مخيم النصيرات.
الفلسطيني حقا عنقاء هذا الزمن.
كان محمود درويش في قصيدته "مديح الظل العالي" رأى في الفدائي والثورة الفلسطينية عنقاء الرماد "فاظهر مثل عنقاء الرماد من الدمار"، وصار المواطن الفلسطيني نفسه أيضا كذلك "وأنت من أسطورة تمشي إلى أسطورة علما".
وأنا أصغي في هذا الصباح لمحمد الأسطل مراسل راديو أجيال يتحدث عما يفعله جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة حيث يواصلون الهدم والتدمير والجرف أيقنت أن (نيرون) روما أيضا ينبعث من رماده.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٩ / ٢٠٢٤

***












343- يوميات غزة ( ٣٤٣ ) : صباحات ليست كالصباحات

كل صباح أجلس في حديقة المنزل أتفيأ ظلال الأشجار .
أحيانا أنظف الحديقة . ألملم مخلفات أبناء العائلة الصغار ممن يجلسون صباحا أو مساء يأكلون ويشربون مما اشتروا بمصروفهم اليومي من " حسنات " ، أو مخلفات ألقوها من شققهم بدافع الكسل كجالونات بلاستيكية أو عبوات التنظيف مثل البريق أو الكلور أو سائل الجلي . وأحيانا أفعل أكثر من ذلك ، فأحضر مشاطة حديدية ومكنسة خشنة وأجمع أوراق الشجر الذابلة الساقطة ، ثم أقوم بتعبئتها بأكياس نايلون كبيرة لألقيها في حاويات القمامة .
ما علاقة كل ما سبق بغزة ؟
لم تخل يوميات بعض كتاب غزة من الإتيان على حدائق منازلهم التي تهدمت وأتت حجارتها على الأشجار فكسرتها . هذا خلف حسرة كبيرة لدى هؤلاء الذين نزحوا وأقاموا في الخيام فافتقدوا حدائق منازلهم وكتبوا عنها بألم وحزن كبيرين ، وقسم من هؤلاء كانت حسرته أكثر وأكثر . كانت حسرته مضاعفة ، فالبيت الذي خسره وخسر معه حديقته ما زالت أقساطه المترتبة على بنائه تسدد . تعب عمر . شقاء عمر . مشروع عمر . حلم عمر . كل هذا ضاع ومنذ ٧ أكتوبر " صرنا لاجئين " .
أحد أبناء قطاع غزة النشطين فيسبوكيا سألني عما كتبه محمود درويش في الصبر . حككت ذاكرتي . ماذا كتب محمود درويش في الصبر ؟
كل من قرأ أشعار الشاعر المبكرة بخاصة ديوانه الثالث " عاشق من فلسطين " يتذكر قوله :
" - ألو ..
- أريد يسوع
- نعم ! من أنت !
- أنا أحكي من " إسرائيل "
وفي قدمي مسامير .. وإكليل
من الأشواك أحمله
فأي سبيل
أختار يا ابن الله .. أي سبيل ؟
أأكفر بالخلاص الحلو
أم أمشي ؟
ولو أمشي وأحتضر ؟
- أقول لكم : أماما أيها البشر !
مع محمد
- ألو ..
- أريد محمد العرب
- نعم ! من أنت ؟
- سجين في بلادي
بلا أرض
بلا علم
بلا بيت
رموا أهلي إلى المنفى
وجاؤوا يشترون النار من صوتي
لأخرج من ظلام السجن ..
ما أفعل ؟
- تحد السجن والسجان
فإن حلاوة الإيمان
تذيب مرارة الحنظل ! "
حقا ماذا قال محمود درويش في الصبر ؟
وأما أنا فلا نصائح لي لأهل غزة ، فهم أدرى بشعابها ، ثم إنني " لست النبي لأدعي وحيا / وأعلن أن هاويتي صعود " والقول للشاعر نفسه في " جدارية " ( ٢٠٠٠ ) .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٩ / ٢٠٢٤

***

344- يوميات غزة ( ٣٤٤ ) : مقاومة دائمة

فجر أمس حول إلي صديق شريط فيديو يظهر سادية الاحتلال في التعامل مع شباب شمال قطاع غزة ممن ظلوا في بيوتهم رافضين ، في بداية الحرب ، الانصياع لأوامر الجيش ، من خلال منشوراته ومنسقه ، في أن يتجهوا إلى الجنوب .
الشباب بالعشرات ، وربما يقارب عددهم المائتين ، جردوا من جميع ملابسهم ، باستثناء الكلاسين ، وحفاياتهم إلى جانبهم وأيديهم إلى رؤوسهم ، جالسين على الأرض يصغون إلى جندي يتكلم بالعربية - ويبدو أنه من مواطني الداخل الملتحقين بالجيش الإسرائيلي - يسألهم :
- لماذا لم تهاجروا في بداية الحرب إلى الجنوب ؟ ألم يطلب منكم مغادرة الشمال إلى الجنوب ؟
وهات ردود أفعال من قسم منهم . ذكرني شخص منهم بزكريا في رواية غسان كنفاني " ما تبقى لكم " ١٩٦٦ عن احتلال ١٩٥٦ ، وذكرني أيضا بكتاب معين بسيسو " يوميات غزة : مقاومة دائمة " ١٩٧١ عن احتلال ١٩٦٧ وما تلاه .
الذي أرسل الشريط إلي كتب " إذلال ما بعده إذلال " فرددت عليه بعبارة كان أبي يكررها دائما " القوي عايب " واضفت " مش عايب وبس و ... " .
يبدو أنني سأخصص مثال الأحد ٢٢ / ٩ / ٢٠٢٤ للكتابة عن الشريط وغسان كنفاني ومعين بسيسو ومحمود درويش و ... واقرأوا هذه العبارات الدالة من كتاب " يوميات غزة : مقاومة دائمة / معين بسيسو " :
" لقد أصبح كل شيء في غزة معاديا للسامية بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي : كتاب التاريخ والمصور الجغرافي وكلمة فلسطين أيضا "
" وأصبحت غزة كطائر البجع .. حينما يجوع ولا يجد ما يطعم به فراخه .. يغرس منقاره في صدره ... ويطعم تلك الفراخ أحشاءه ... "
وكم من شريط فيديو شاهدت لأب يجلس على الأرض وحوله أبناؤه يغمس لهم الزعتر والزيت ويطعمهم .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٩ / ٢٠٢٤

***

345- يوميات غزة ( ٣٤٥ ) : إن كان لك حاجة عند الكلب

أربعة أشرطة فيديو تلفت النظر ، فعدا مناظر المدن المهدمة والقرى المقتحمة والحقول المندلعة فيها النار ؛ المدن في غزة والقرى في الضفة الغربية ، يبقى للجانب الإنساني الحضور اللافت الذي يفتت الكبد .
طفلان فقدا أمهما فقام الأكبر يطبطب على كتف الأصغر الذي يبكي بحرقة :
"- بدي أمي " .
ولطالما كان للأخ الأكبر في حياة الفلسطينيين دور شبيه بدور الأب وهذا ما كتب عنه مريد البرغوثي في كتابه " رأيت رام الله " وهو ما لفت انتباهي فكتبت في الموضوع .
مراهقون وأطفال في قطاع غزة يرقصون وسط شارع مدمرة مباني طرفيه ممتليء بالركام ، يرتدون الحطة الفلسطينية ويغنون على أنغام أغنية : " وين الملايين " والذي أدرج الشريط كتب :
- سلطان من يملك الأرض
سلطان صاحب الأرض .
وماذا عن الشريط الثالث ؟
فلسطيني غزاوي بترت قدمه اليسرى فوق الركبة يقف فوق صاروخ إسرائيلي لم ينفجر . يدوس عليه ويرفع شارة النصر V ويبتسم .
في الشريط الرابع يقول الأب الذي تقف ابنتاه خلفه:
- إن كان لك حاجة عند الكلب..
فتكمل ابنته ، لا بقية المثل المعروفة ( بوس الكلب من فمه ) ، وإنما :
- قل له يا كلب.
ويبدو أن الكتابة عن الجانب الإنساني في الحرب في انتظار مبدعي غزة الباقين الصامدين القابضين على الجمر ؛ ذكورا وإناثا .
كم مرة كتبت مقتبسا من قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم / زمن الاشتباك " أن الحرب قد تشهد هدنة يلتقط المحارب فيها أنفاسه ، أما زمن الاشتباك فمتواصل :
- ستون دقيقة في الساعة .
- أربع وعشرون ساعة في النهار .
- سبعة أيام في الأسبوع .
- ثلاثون يوما في الشهر ؛ تزيد يوما أو تنقص
- اثنا عشر شهرا في العام .
- أربعون خمسون ستون سبعون عاما قادمة وقد تمتد إلى ثمانين عاما .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٩ / ٢٠٢٤

***

346- يوميات غزة ( ٣٤٦ ) : أمس كان لنا صباحا يمنيا أما لسكان الخيام في غزة ف ...

كان أمس صباحا يمنيا سعيدا أدخل الفرح إلى قلب أنصار المقاومة وكان للإسرائيليين كابوسا ، فقد هرع أكثر من مليوني إسرائيلي إلى الملاجيء ، ما أدى إلى إصابة تسعة منهم بجروح ، وأما القيادة الإسرائيلية فقد ذهلت .
" صباحكم يمني " هكذا كتب عديدون من أنصار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ، وأما أهل غزة الذين استشهد عدد منهم أمس وفجر اليوم فقد عانوا مما يعانون منه يوميا :
- عانى الأطفال من فقدان الأمهات والآباء فبكوا بحرقة وصارت الطفولة الفلسطينية أسوأ طفولة في العالم . " بدي أمي . بدي أمي " بكى الطفل مكررا العبارة .
- شكا سكان الخيام من الحشرات وأدرج قسم منهم صورا لها مثل صورة " أبو مقص " . هكذا فعلت دعاء صفا Doaa Safaa التي كتبت " أرسلت لي أختي رسالة تقول فيها إن " أبو مقص " قتلنا " " والأخت لا تعرف من هو أبو هذا الذي يقتل في عائلتها ؟ أهو نوع من الأسلحة الجديدة أم شخص منفلت في هذه الحرب ؟ وتعرف أنه حشرة صارت الآن تتغذى على النازحين ليلا ونهارا تحوم في خيامهم بأحجام كبيرة وصغيرة وتغرس مخالبها في أجسادهم الهشة . " منذ عام لا يعرف النازحون معنى الأمان أو النوم أو البيت أو الراحة أو أي شيء عادي " .
- اقتتل الناس فيما بينهم ، فأدرج أسامة أبو الجود في صفحة مخيم النصيرات الخبر الآتي :
7 قتلى في شجار عائلي بين ثلاث عائلات الآن بخانيونس " .
- وفي شريط فيديو تشاهد طفلا يحمل بعض أغراضه ويبكي بشدة ويقول " وحياة ربي خايف وحياة ربي خايف فش إلي نفس " ويعقب من أدرج الشريط " نبكي مرتين ؛ مرة عليكم ومرة من قيلة حيلتنا".
وأمس فارقنا الروائي العربي اللبناني الفلسطيني الهوى إلياس خوري عن عمر يناهز ستة وسبعين عاما ، فشغل خبر رحيله نشطاء الفيس بوك وطغى على اهتمامهم بالحرب ، وأما أنا فقد خاطبته ليلا قائلا:
- انهض يا عزيزي إلياس لساعة فقط واقرأ ما كتب عنك لتعرف كم يحبك الفلسطينيون ؟!
الضفة الغربية أمس لم تسلم ، فالاقتحامات والمداهمات والاعتقالات وتفتيش البيوت كثيرة .
واليوم هي الذكرى 42 لمذبحة صبرا وشاتيلا واللهم استر من بقية شهر أيلول .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٩ / ٢٠٢٤

***
347- يوميات غزة ( ٣٤٧ ) : أطفال ذهب البؤس بكل ملامحهم وخيام تقلعها الرياح ومقاومة مستمرة

أكثر الصور لفتا للأنظار كانت أمس وفجر اليوم صور لأطفال غزة الإناث. ذكرتني ملامحهن المجهدة؛ الضاحكة حينا قليلا والعابسة المكفهرة أحيانا كثيرة بسطر شعري للشاعر مظفر النواب في قصيدته "تل الزعتر" وهو:
"وقد وقف الأطفال وذهب البؤس بكل ملامحهم".
ولم يقلل من تأثير هذه الصور التي تبعث الأسى شريط فيديو لأطفال ذكور يدبكون، كما لو أنهم في عرس، فرحين يقودهم فتى يافع ويغنون، فيم نازحو مركز الإيواء حولهم يصفقون لهم.
وأكثر نص نثري أثار انتباهي هو النص القصير الذي كتبه حسن القطراوي يأتي فيه على رؤيته في السوبرماركت رجلا يشتري وبيده هاتف ويكرر عبارة: ستنتهي الحرب قريبا.
رأى حسن الرجل في السوبر ماركت ثانية يشتري نوعا غريبا من الشوكولاتة ثانية، فسأله إن كانت الحرب ستنتهي قريبا. ضحك الرجل وغادر، فلما سأل حسن صاحب السوبرماركت عنه أخبره بقصته. لم يصدق الرجل أنه فقد ابنته، فما زال يشتري لها الشوكلاته. هل نستغرب ما ألم من جنون بكثيرين من رجال قطاع غزة ونسائه؟
وأمس هبت رياح عاصفة كادت تقتلع خيام النازحين أو ما يسمى "خيام " ، والناس صارت تسأل عن خيام للشتاء أكثر مما تسأل عن عودتها إلى منازلها التي أجبرت على تركها، ما أثار بعض الناشطين الفيسبوكيين وأغضبهم فكتبوا: صرنا نتعود على الإقامة في الخيام.
هل يئسوا؟
أمس من جديد عادت طائرات هيلوكابتر إسرائيلية تنقل قتلى ومصابين من رفح التي أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أنهى عملياته العسكرية فيها، بعد أن قضى على كتيبتها العسكرية.
لسنا بخير ما دام الاحتلال رابضا على أرضنا وما دام اللاجئون لاجئين. لسنا بخير ما دامت الحرب مستمرة وأهل قطاع غزة مشردين نازحين يقيمون في مراكز الإيواء أو في خيمة.
الحكاية طويلة ورحمك الله يا "أبو يسار" الذي كتب في أشعاره متسائلا عما يخسره الفقراء الفلسطينيون في المخيمات:
خيمتهم. معيشتهم. قيد إسارهم والذل.
"وحين كبرت لم أصفح".
رحم الله أحمد دحبور راوية المخيم.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٩ / ٢٠٢٤

***

348- يوميات غزة ( ٣٤٨ ) : قلاية البندورة

بعيدا عن أخبار المعارك التي لا تتوقف إلا لتعود من جديد، كما حدث أمس في رفح التي أعلن الجيش الإسرائيلي، أكثر من مرة، أنه صفى كتيبة مقاومتها، حيث اعترفت إسرائيل بمقتل أربعة من جنودها، وبعيدا عن الأخبار القادمة من لبنان عن تفجيرات أجهزة (البيجر ) التي أسفرت عن ارتقاء أحد عشر مواطنا لبنانيا وجرح ٤٠٠٠ بيهم ٤٠٠ جراحهم خطيرة (العبارة الساخرة التي روجها ناشطون: "اللي معاه جوال يعطيه لزوجته")، وبعيدا عن المقوله التي تكررت في رواية (عاموس كينان) "الخطر يأتي من الشمال " ، وإسرائيل قررت أمس نقل ثقل المعركة من الجنوب/ قطاع غزة إلى الشمال / الجنوب اللبناني ، بعيدا عن هذا كله يقرأ المرء، في صفحات أبناء قطاع غزة ، عن الغلاء الفاحش، كتابة لا تخلو من غرابة.
محمد العطار Muhammad Al-Attar يكتب في صفحته عن تكاليف طبخة قلاية البندورة، ويورد أسعار البندورة والفلفل والبصل اللازمة لذلك . أنت بحاجة إلى خمسمائة وخمسين شيكلا - أي حولي ١٤٠ دولارا، ويا بلاش (٣٠٠ شيكل كيلو بندورة / ١٠٠ شيكل ثمن سبعة قرون فلفل / ١٥٠ شيكلا ثمن رأسي بصل) (الطبخة في الضفة الغربية تكلف حوالي ٢٥ شيكلا فقط).
"هم يريدون الحرب"
والكتابة هذه المرة ليست بالطباشير وليست على الحائط ، فالمرء يتنفسها في الهواء ، ويبدو أننا كلنا سنسقط صرعى.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٩ / ٢٠٢٤

***

349- يوميات غزة ( ٣٤٩ ) ما لم أقرأه في "نصوص من غزة"

أوجعتني أسناني فذهبت أعالجها، ومنذ ساعات وأنا أعاني من الوجع وقررت أن لا أكتب اليوم اليوميات، إذ لم أتابع الأحداث متابعة حثيثة تمكنني من كتابة تستحق. لم أشاهد أشرطة فيديو ولم أستمع إلى الأخبار ولم أقرأ ما كتبه أبناء غزة.
ما سمعته من أخبار كان عابرا على الرغم من قسوته. حصار قرية قباطية قرب مدينة جنين وارتقاء أربعة شباب وإصابة آخرين كثر. حرائق في قرى عديدة واعتقالات وسجن و... ولم أستمع إلى كلمة السيد حسن نصرالله، وظني أن الحرب واقعة لا محالة وأتمنى أن تخيب ظنوني التي غالبا ما لا تخيب، فالإسرائيليون قرروا خوضها، وغالبا ما يستدرجون حزب لله إليها، وليس أدل مما فعلوه أمس واليوم بتفجير أجهزة (البيجر).
ما لفت نظري هو ما كتبه ابن غزة تيسير عبد Taysir Abd حول ما تريده إسرائيل من القطاع وملاحظته دقيقة.
كتب تيسير أن إسرائيل تمتلك قدرات كبيرة لجأت إليها أمس وأول أمس في لبنان، وتساءل:
- ما دامت تمتلك هذه القدرات، فلماذا لم تلجأ إليها في حربها في غزة؟ لماذا لجأت في غزة إلى تدمير الحجر وقتل البشر؟
وتيسير يعرف الإجابة. إنهم يريدون تدمير الوطن والإنسان أيضا، ويبدو أنه عرف ذلك متأخرا أو أنه كان يعرفه ولكنه تجاهله.
منذ بدء الحرب في غزة وأنا أكرر تضمين بيتي الشاعر إبراهيم طوقان اللذين قالهما قبل تسعين عاما:
"أجلاء عن البلاد تريدون
فنجلو أم محونا والإزالة".
وجع الأسنان قاتل، ومن المؤكد أن هناك المئات من أبناء قطاع غزة عانوا، في الأشهر الإحدى عشر للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة، منه - أي وجع الأسنان. ربما بحثوا عن طبيب وعيادة فلم يجدوا، وربما لم يجدوا مسكنا للآلام مثل (التروفين). هل منكم من قرأ كتابة عن وجع الأسنان في الحرب؟
في حرب الأيام الستة كنا في بيت خالتي أم عارف يعيش. كانت المدينة مغلقة، فالحرب في يومها الرابع، وأخذت أمي تعاني من وجع الأسنان، فأرسلتني أشتري لها مسكنا ما، ويومها ضربني حافظ صبرة كفا واتهمني بأنني طابور خامس، لا لشيء إلا لأنني أجبته عن سؤاله:
- ماذا رأيت في شوارع المدينة؟
وكنت رأيت امرأة وأطفالها في الشارع تبحث عن مأوى، لأن مدينتها قلقيلية احتلت، وقد دونت هذا في قصة " لاثة أيام حزيرانية في حياة يوسف . م" وأيضا في كتابي "حزيران الذي لا ينتهي". هل انتهت الحرب في حزيران ١٩٦٧ أم بدأت؟
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٩ / ٢٠٢٤

***

350- يوميات غزة ( ٣٥٠ ) : موسم الهجرة إلى الشمال

يبدو أن الهجرة إلى الشمال بدأت.
قبل يومين قررت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي نقل الفرقة رقم ٩٨ من الجنوب - أي قطاع غزة - إلى الشمال - أي إلى الجنوب اللبناني، ولم تنتظر لبدء الحرب طويلا، فقد سرعت بها وأقدمت على فعل جنوني بتفجير أجهزة (البيجر ) في رؤوس المواطنين اللبنانيين، فارتقى أكثر من ثلاثين مواطنا وجرح حوالي أربعة آلاف بينهم أربعمائة إصاباتهم خطيرة.
لم أفاجأ حين سمعت أن بعض المواطنين الإسرائيليين وجهوا اتهامات شنيعة لرئيس وزرائهم وشبهوه بالمستشار الألماني في الحرب العالمية الثانية (أدولف هتلر).
غالبا ما كان أبي الذي طرد من يافا في العام ١٩٤٨ وعاش في الخيام وبيوت الصفيح سنوات، غالبا ما كان يشتم المستشار الألماني، لا لأنه يكره اليهود، فقد كان له قبل العام ١٩٤٨ صديق يهودي، وإنما لأنه أرسل جيشه على أكثر من جبهة فانهزم، ولانهزامه انهزم أبي أمام صديقه اليهودي صموييل.
كان صموييل يقول لأبي:
- اسمع يا مصطفى! إن انتصرت بريطانيا فستصبحون حميرنا ونركبكم، وإن انتصرت ألمانيا فسنصبح حميركم وتركبوننا.
وانتصرت بريطانيا. هل سيكون مصير أبو يائير مصير عشيق إيفا براون؟
الجبهة الشمالية مشتعلة وفي بداية الحرب طالبنا أبو يائير أن يكون (غورباتشوف) القرن الحادي والعشرين. لم يستمع إلينا وآثر أن يتتبع خطى أددولف وإيفا.
الله يهديك يا سارة ويا هاجر.
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٩ / ٢٠٢٤

***

351- يوميات غزة ( ٣٥١ ) : المحلل السياسي رجل دعاية وإعلان أيضا

تحفل وسائل التواصل الاجتماعي / الفيس بوك في اليومين الخمسين والحادي والخمسين بعد الثلاثمائة بالتعليق على المحلل السياسي والسخرية منه باحثين عن الخاصرة الرخوة في بدلته الجديدة التي حصل عليها مع ثلاث بدلات أخريات وقمصانها وربطات عنقها من متجر ملابس جديدة افتتحه أبو زيد "مش" الهلالي.
هل كانت الدعاية الإعلامية التي بثها المحلل السياسي الخاصرة الرخوة في تاريخه؟
منذ بدأ المحلل السياسي يحلل انقسم المشاهدون حول تحليله وشخصيته وبدأوا البحث عن تاريخه في تحليلاته السابقة وتخصصه. منهم من اعتبره علامة متميزة في "التحليل السياسي" يضاف إلى العلامة الأبرز محمد حسنين هيكل، بل وجبهة مساندة لجبهة غزة توازيها وتصب في مقتل الدولة الإسرائيلية، ومنهم من رأى فيه غرابا ينعق لخراب غزة والضفة الغربية ولبنان أيضا.
يقولون "شر البلية ما يضحك" وشر البلية الذي أضحكني في هذا الصباح الحزين التالي ليوم دام آخر في غزة ولبنان، حيث ارتقى العشرات هنا وهناك، هو الإصغاء للمحلل السياسي موظفا للدعاية والإعلان.
هل قبض المحلل أيضا ثمن إعلانه أم أن البدلات الأربعة وقمصانها وربطات عنقها كفته.
في أمثالنا الشعبية مثل يقول "اطعم الفم تستح العين" والتعليقات ركزت أيضا على مواصفات البدلة التي أمعن المشاهدون فيها باحثين عن الخاصرة الرخوة فيها.
أتمنى من القراء ألا يذكروا اسم المحلل السياسي في تعليقاتهم، فهو مواطن في دولة تقدم من يسيء إلى شخص إلى المحكمة وفق قانون الجرائم الإلكترونية.
"حلل يا ...".
خريفنا دنا من الأبواب ونحن في يومه الأول، فمتى يحين خريف الدولة العبرية؟
"يجب الذي يجب"
وولدت قرب البحر من أم فلسطينية وأب آرامي، ومن أم فلسطينية وأب مؤابي، ومن أم فلسطينية وأب آشوري، ومن أم فلسطينية وأب عروبي.... وأنا أول القتلى وآخر من يموت "(مديح الظل العالي. م. د)
(ملاحظة: هناك من يقول إن شريط الفيديو مفبرك بالذكاء الاصطناعي)
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٩ / ٢٠٢٤

***

352- يوميات غزة وبلاد الشام ( ٣٥٢ ) : الصواريخ التي تأخر وصولها سبعة وخمسين عاما

وأخيرا وصل الظافر والقاهر الذي وعدنا به جمال عبد الناصر عشية حرب ١٩٦٧.
الأخبار تقول إن الشمال الفلسطيني اشتعل بدايات هذا الصباح، فهرع الإسرائيليون إلى الملاجيء ودبت النار بمناطق واسعة وتصور أبناء مدينة الناصرة مع بقايا صواريخ حزب الله.
والأوضاع تتدحرج، ف (بن غفير) يدعى إلى جلسة هيئة الحرب المصغرة والإسرائيليون يغلقون مكتب "الجزيرة" في رام الله مدة خمسة وأربعين يوما، وحتى صباح هذا اليوم تمكنا من شرب قهوتنا الصباحية.
هل نحن ذاهبون إلى المجهول؟
ثمة مستقبل غامض، وثمة غد في علم الغيب، ويبدو أن الخرائط ستتغير، وكل شيء قابل للتصديق والتحقيق، ولا شيء مضمون، ونحن ننتظر.
الليلة أمطرت مطرا خفيفا بدت آثاره، في الصباح، واضحة.
هل سيتحقق ما قاله محمود درويش عن الماضي، عن ١٩٤٨، في "لماذا تركت الحصان وحيدا؟" (١٩٩٥) أم سيرحلون ونبقى؟
"نحن أيضا صعدنا إلى الشاحنات، يسامرنا
لمعان الزمرد في ليل زيتوننا، ونباح
كلاب على قمر عابر فوق برج الكنيسة،
لكننا لم نكن خائفين، لأن طفولتنا لم
تكن معنا، واكتفينا بأغنية: سوف نرجع
عما قليل إلى بيتنا... عندما تفرغ الشاحنات
حمولتها الزائدة".
الشهداء في غزة بازدياد والحرائق في رفح وخانيونس وأهل شمال قطاع غزة الذين لم ينزحوا للجنوب ما زالوا صامدين يموتون جوعا ولا يرحلون.
في غزة الأمطار غزيرة والخيام تتمزق وحياة النازحين في خطر.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ٩ / ٢٠٢٤

***

353- يوميات غزة ( ٣٥٣ ) : أوقف المطر يا رب

غرقت خيام النازحين في غزة فخاطبوا الله:
- أوقف المطر يا رب رحمة بعبادك.
والأم بدت قلقة جدا على ابنها الرضيع. لقد غطته بالكراتين التي سرعان ما تبللت. الفراش تبلل وما يشبه الخيمة لا تمنع الماء من التسرب. إنها خيمة قد تصلح للصيف ولا تصلح للشتاء، وقبل بدء المطر صاح النازحون:
- نريد خياما للشتاء الذي على الأبواب .
فعقب ناشط ساخرا:
- بدأنا نتعود على النزوح . لم يعد قسم منا يصرخ:
- بدنا نعود لخرائب بيوتنا.
وليس لأبو يائير وغالانت وهاليفي قلب . يريدون رطل اللحم كاملا كما شايلوك في تاجر البندقية. يريدون المحو والإبادة أو التهجير . يريدون فلسطين كاملة.
والذاكرة تعود إلى أم سعد في رواية غسان كنفاني تتحدث عن حياة المخيمات الفلسطينية في لبنان . المطر وبيوت الصفيح والأوحال في شوارع المخيم، والذاكرة تعود إلى رواية يحيى يخلف وما كتبه في روايته "ماء السماء" وما كتبه عن تلك الليلة المجنونة بعد اللجوء في مخيم اربد، وتعود أيضا إلى ما تذكره رشاد ابوشاور في روايته "الحب وليالي البوم" عن طفولته مع أبيه في الخيام بعد النكبة وخروجهم من زكرين، وماذا تتذكر الذاكرة أيضا؟ لجوء محمد الأسعد في عام النكبة وما كتبه في روايته "أطفال الندى"؟!
مات إلياس خوري صاحب كتاب "النكبة المستمرة" ونحن نواصل المشوار إلى أن نقضي.
إسرائيل ترجح أن يحيى السنوار ربما يكون اغتيل في إحدى غارات طيرانها على مناطق في قطاع غزة، والخبر غير مؤكد. هل "اللي عبال أم حسين بتحلم فيه بالليل"؟
بدأ الحديث عن خطة ضابط إسرائيلي هو غيورا آيلاند لتهجير ال ٣٠٠ ألف فلسطيني الباقين في شمال قطاع غزة. حلم إسرائيل منذ ١٩٥٤، فهل ستبعث روح معين بسيسو من جديد ليهتف:
- لا توطين ولا استيطان
يا عملاء الأمريكان".
والجبهة اللبنانية أمس اشتعلت وارتقى في الضاحية خمسون لبنانيا و... و... .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٩ / ٢٠٢٤

***

354- يوميات غزة ( ٣٥٤ ) : طلاق أردنية بسبب المنسف والشاورما

اشتعلت الحرب في الجنوب اللبناني وارتقى أمس ما يقارب ال ٤٠٠ مواطن لبناني وجرح الآلاف وأهل الجنوب ينزحون نحو الشمال ، وفي غزة يتواصل موت أهل غزة جوعا وتغرق خيامهم بمياه الأمطار فتبتل فرشاتهم وينامون واقفين ، وفي محطة تلفاز عربية تحنفل مذبعة بعيد ميلادها وتواصل فرحها وضحكها ، وفي ألمانيا تلاحق الشرطة الألمانية طفلا يحمل العلم الفلسطيني وتعتقله ، وأما جماهير نادي مخيم الوحدات في الأردن فيعبرون عن غضبهم لتعادل ناديهم مع النادي الفيصلي ويطالبون بإقالة المدرب واضعين عليه اللوم .
في العام ١٩٨٢ صبت إسرائيل جام غضبها على بيروت . تظاهر مؤيدو فريق المنتخب الجزائري محملين الحكم سبب نتيجة مباراة منتخبهم وخروجه من مواصلة المنافسة ، ولم يتظاهروا لما يجري في بيروت .
الحكاية تتكرر .
هل اقتربت معركة مجدو التي يشجعها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها تعجل يوم القيامة ؟
الخطر يأتي من الشمال ، وهذه المرة جاء من الجنوب أولا .
أمس كرر متشائمون كثيرون في كتاباتهم عبارة " أكلت يوم أكل الثور الأبيض " حاسمين المعركة التي بدأت ، وأما المتفائلون فكتبوا : اقتربت نهاية إسرائيل ، وأما أنا فمتشائل ومع ذلك أتمنى أن أرى بلاد الشام وقد عادت بلادا واحدة نتنقل فيها بلا جواز سفر . هل هي أضغاث أحلام ؟
و
"عسى الكرب الذي أمسينا فيه
يكون وراءه فرج قريب " .
أما سبب طلاق الأردنية فيعود إلى أنها طبخت لأهلها المنسف واحضرت لحماتها الشاورما ، وهات تعليقات وخذ آراء واجتهادات من الفهمانين .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٩ / ٢٠٢٤

***

355- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٥ ) : الدجاج والبط والحبش شهيدا

بعيدا عن أخبار المعارك ومشاهدها التي تتناقلها وكالات الأنباء والفضائيات ؛ المعارك التي يرتقي فيها مواطنون ويجرح آخرون، وبعيدا عن همجية القصف والتوحش والإيغال في التدمير، ثمة مشاهد تلفت النظر تعبر عن إيمان عميق لمن يظهر فيها تقول إن الحياة أقوى من الموت والصمود ينتصر على القمع.
المرأة اللبنانية الجنوبية ترحب بالفريق الصحافي يسألها عن البقاء والهجرة:
- باقية هون "مش فالة من الضيعة" "لا بهرب ولا بفل". خمسون دجاجة وأربع حبشات وخمس بطات جميعهن شهدا.
وتبتسم المرأة وتقدم الضيافة بما لديها.
- تفضلوا . والله غير تتفضلوا.
وتظل المرأة تبتسم.
حتى على الجانب الآخر تجد من هو ضد الحرب. يتظاهر يهود جماعة ناطوري كارتا في القدس ضد حكومتهم وسياستها العدوانية، فيعتدي عليهم أفراد من الشرطة بالعصي ويوقعونهم على الأرض ويجرونهم. والرافضون للحرب من بقايا اليسار الإسرائيلي لا يروقهم هذا الإمعان في العدوان وتوسعه، فيرون في رئيس وزراء دولتهم المستشار الألماني (ادولف هتلر) ويقارنون بين اللحظة وعشية الحرب العالمية الثانية في العام ١٩٣٩. هل نحن على شفا حرب عالمية ثالثة؟
أطفال غزة يغنون "بحبك يا لبنان" وفتيانها يرسمون على رمال شاطيء غزة بالأحمر القاني "سلاما لبيروت" ونشطاء كثيرون يدرجون مقاطع فيديو لمحمود درويش يقرأ من قصيدته "مديح الظل العالي" بخاصة المقاطع التي يرد فيها ذكر بيروت ولبنان. كما لو أن محمود درويش حاضر معنا ينشد أشعاره.
بيروت نجمتنا الأخيرة
يا أهل لبنان الوداعا وليس فيكم من تهاوى أو تداعى.
خذوا دمي انشروه قمرا على ليل العرب.
من المؤكد أن الشاعر لو نهض من قبره، ومثله الشاعر مريد البرغوثي، وشاهدا مشاركة اليمن والعراق ولبنان في الحرب، لعدلا قليلا فيما كتبا، والله أعلم. (لمريد قصيدة طويلة عنوانها "طال الشتات).
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ٩ / ٢٠٢٤

***

356- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٦ ) : دموع الصياد

ارتقى أمس في لبنان ما يربو على مانتي مواطن وجرح المئات، ولم تتوقف المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة، ولا المداهمات والاعتقالات في الضفة الغربية، وأما القدس فقد أقدم مستوطنون على إحراق مبان في حي الصوانة فيها، والاخطبوط يضرب في كل مكان غير مكترث لأحد.
الطاعون الاستعماري ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا يدفعان باتجاه هدنة لواحد وعشرين يوما من أجل إيقاف الحرب على الجبهة اللبنانية، تفضي في النهاية إلى إيقاف جبهة الإسناد وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب: عودة مستوطني الشمال الفلسطيني إلى مستوطناتهم وانسحاب قوات حزب الله إلى ما بعد الليطاني.
الطاعون الاستعماري يريد تطبيق قرار مجلس الأمن ١٧٠٢، وأما القرارات السابقة فقد صارت من الماضي ومنها ٢٤٢ الناص على الانسحاب من المناطق المحتلة ١٩٦٧.
في صغرنا علمونا قصة الصياد والعصفور ورفيقه وحفظنا المقولة عن ظهر قلب:
- لا تغرنك دموعه وانظر إلى ما فعلت يداه.
وأمريكا مجسدة في الرجل الأبيض هي من اصطادت الهنود الحمر عصافير ذلك الزمن.
النازحون الفلسطينيون في غزة ما زالوا في الخيام والشتاء على الأبواب وهجرة أهل الجنوب اللبناني متواصلة إلى الشمال. في فلسطين من الشمال إلى الجنوب وفي لبنان العكس وهذه الضفة لنا وتلك أيضا، والخطابات الجميلة المنمقة لغويا تحتاج إلى أنفاق تمرغ الثور الهائج في الوحل.
بدأنا نخبص!
وثانية نكرر مع الشاعر:
"أمريكا هي الطاعون
والطاعون أمريكا
لأمريكا سنحفر ظلنا
ونشخ مزيكا ".
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ٩ / ٢٠٢٤

***

357- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٧ ) : وماذا لو كتبنا ؟!أهي نرجسية الكتاب أم خوفهم ؟!

تداول ناشطون فيسبوكيون في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة مقولات عديدة نسبوها لمحمود درويش دون أن يوثقوها. لقد بدا لي أنني أقرأها لأول مرة. وقرأت أيضا جملة عابرة يرى كاتبها أن درويش وكاتبين آخرين استبيحا فنسبت إلى الثلاثة مقولات عديدة، ما ذكرني بما كتبته عن الأسطر التي خضت فيها قبل بداية الحرب وهي:
"ستنتهي الحرب ويتصافح القادة الأعداء لتنتظر العجوز ابنها...".
وأخذت أنظر في صفحات بعض كتابنا من فلسطين ١٩٤٨ والضفة الغربية والقدس والأردن لأرى ماذا كتبوا في الحرب الدائرة حاليا، ففوجئت بأنه لا يكاد يذكر ولا يرتقي إلى ضخامة الحدث وجلله وأهميته.
من العبارات التي أدرجت على أنها لمحمود درويش عبارة فحواها أن من يتغيبون الآن عن الحدث سيغيبون حتى الأبد. ولا أعرف في أي من كتبه وردت، فتساءلت عن مستقبل كتاب كان لهم، قبل الحرب، الحضور الأبرز في ساحتنا الثقافية ولكن صفحاتهم الآن لا تحفل إلا بذكر أخبار إصداراتهم وطبعاتها وترجماتها وأسفارهم. هل سيغيب هؤلاء حقا حتى الأبد؟
أحيانا أتساءل عن سر هذا الغياب في نصوصهم عما يجري. أهو الخوف من السجن؟ أهو الخوف من قطع راتب التقاعد أو التأمين الصحي أو سحب الهوية؟ أهو شعورهم بأن من يخوض الحرب لا يمثلهم؟ أهو الخوف من...؟ والتساؤلات كثيرة.
تابعوا صفحات أبرز كتابنا وتأكدوا مما أكتب! أرجوكم تابعوا!
وبعد ذلك أرجو ألا يبالغ أحد في الكتابة - أو الحديث - عن دور الأدباء الفلسطينيين في المعركة، فلا دور لنا، وأكثرنا يعاني من نرجسية قاتلة. أدباؤنا الغائبون هم الحاضرون، وأكثرهم حضورا هم محمود درويش وغسان كنفاني ومعين بسيسو وتوفيق زياد.
هل أنا مصيب أم مخطيء؟
لا ضرورة لذكر أسماء أصحاب الصفحات التي راجعتها أمس ونظرت فيها، فلا معنى لمعارك هامشية خاسرة لا تقدم ولا تؤخر، بل ولا حاجة لكسب مزيد من الإخوة الأعداء. القلب ينفطر لقسوة المشهد ولسوف أتوقف في السابع من أكتوبر ٢٠٢٤ عن كتابة يوميات الحرب. صرت أكرر نفسي، ولعل الله يجد لنا، هنا في فلسطين، مخرجا. صار القلب من الحامض لاوي( ا ) وبدأ الواحد منا يكره ذاته. عجز وقلة حيلة وطعام زائد فيما أهل قطاع غزة ولبنان يعانون الأمرين.
الصواريخ اليمنية، فجر اليوم، تصل إلى تل أبيب والإسرائيليون يهرعون إلى الملاجيء.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ٩ / ٢٠٢٤

***

358- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٨ ) : تعليقات الإسرائيليين وتعليقات العرب

أدرج مواطن إسرائيل، هو (بنيوت هتسيبور) صورة للمرحومين صالح العاروري وإسماعيل هنية وحسن نصرالله - إن تأكد ارتقاء الأخير من حزب الله، فقد أكدته إسرائيل - وعقب عليها أكثر من مائتي إسرائيلي، فما هو محور تعليقاتهم التي كان أكثرها ساخرا وشامتا ومادحا لفعل الاغتيال ومتغنيا برئيس وزرائهم وبقادتهم العسكريين وبجيشهم؟ (قرأت الترجمة الآلية للتعليقات)
امتدح الإسرائيليون ما يقومون به من جمع شمل العائلات، فقد جمعوا شمل الأبناء بالأمهات من أجل مصلحة العائلة، وحققوا للثلاثة الزواج بالحوريات العذارى، ولكنهم خشوا من أن يتحاربوا بشأنهم ، وتساءلوا إن كان هناك عدد كاف منهن تحول دون اختلافهم عليهن، وقسم تساءل عما سيلم بعذارى الدنيا، فقد لا يجدن ذكورا لهن.
آخرون كتبوا إنه لا بد من جوكر لتكتمل اللعبة، وذكروا اسم السنوار، فلا بد من جمع شملهم به، واقترح آخرون عليه أن يسلم نفسه فينجو.
ولم ينس بعض المعلقين عطلة نهاية الأسبوع، فرأى أنها ستكون نهاية أسبوع جيدة للاحتفال.
العرب انقسموا إلى قسمين؛ قسم حزن فصمت وما زال ينتظر تأكيدا من حزب الله ولاحظ الصمت المريب لفضائية المنار، وقسم بدت الشماتة لديه واضحة، بخاصة بعض السوريين وبعض أهل السنة ، فكتبوا كتابة حاقدة بلغت أن أشاد قسم منهم بالجيش الإسرائيلي وقيادته، بل وتغنى بالحدث فوزع الحلوى.
و... و... و...
يا إلهي! إلى أين نحن ذاهبون؟؟
ثمة صمت وترقب وانتظار أيام قاسية صعبة. هل نحن ذاهبون إلى المجهول؟
في انتظار حيفا وما بعد بعد حيفا.
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ٩ / ٢٠٢٤

***

359- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٩ ) : رشاد ابوشاور يودعنا

في اليوم الثامن والخمسين بعد الثلاثمائة من موقعة ٧ أكتوبر، وفي اليوم الذي أعلن فيه خبر ارتقاء الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وفي الذكرى الرابعة والخمسين لرحيل الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي أحبه رشاد ابوشاور وظل وفيا لنهجه (٢٨ / ٩ / ١٩٧٠)، فلم ينقلب عليه ولم يكن ممن وصفهم الشاعر العراقي مظفر النواب
"ولكنهم ألقوا القبض ميتا عليه
فعري من كفن غزلته قرى مصر من دمعتيها
إذن سقط الآن عن بعض من دفنوه الطلاء"
في ٢٨ / ٩ / ٢٠٢٤ رحل القاص والروائي وكاتب المقالة السياسية الواضح في مواقفه رشاد أبو شاور؛ رحل بعد معاناته في أثناء الحرب من المرض.
كان رشاد، منذ بدايات حياته، واحدا من الأصوات التي وقفت إلى جانب شعبه الفلسطيني، ولم يختلف موقفه في العام الأخير؛ عام المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة، فقد واصل الكتابة، بخلاف كثيرين ممن لجأوا إلى الصمت.
في اليوم ال ٣٥٩ ما زالت المقتلة متواصلة. الهدم والتدمير والنزوح والاغتيالات والوحش توحش كما لم يكن ذات يوم كذلك. لقد أعلنها منذ أكتوبر ٢٠٢٣، منذ بداية الحرب، أعلنها حرب وجود.
ثمة خرائط جديدة لشرقنا الأوسط. هل ثمة ما يبقى على حاله؟
اسألوا المتوكل طه نزال صاحب ديوان "الرمح يبقى على حاله" علما بأنه مسلم مؤمن يردد "لا يبقى على حاله إلا الحي القيوم".
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ٩ / ٢٠٢٤

***

360- يوميات غزة ولبنان (٣٦٠) : (بن غفير) يوزع الحلوى ابتهاجا

لفت نظري أمس شريط فيديو أدرجه إسرائيلي، وفي الشريط، وهو ل (ابن غفير)، يظهر فيه يوزع البقلاوة على وزراء حزبه ابتهاجا باغتيال السيد حسن نصرالله، عادا ذلك إنجازا وانتصارا. هل تعلم الإسرائيليون هذه العادة من الفلسطينيين؟
في رواية إلياس خوري "باب الشمس" (١٩٩٨) يورد عبارة "صاروا مثلنا". لقد صاروا يقلدوننا، وغير مرة كتبت عن أغنية الدحية الفلسطينية بالعبرية. لقد أخذوا في أفراحهم يرددونها، كما صار بعض أهل الخليل في أعراسهم يستدعون مطربين يغنون "لاما لو" العبرية.
الصورة التي ظهرت لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، كما رسمها الذكاء الاصطناعي، تبدو لافتة. كما لو أنه تمثال مصنوع من البرونز. بنيامين رجل تظهر عليه الجدية يكشر ليخاف الآخرون منه ويبدو ضخم الجثة ذا عضلات بارزة يمكن أن يقضي على عشرة دفعة واحدة يرتدي لباس الجيش الإسرائيلي أخضر اللون مزنر بالقنابل. يبدو حقا رجلا حديديا. هل هو شمشون الإسرائيلي المعاصر ولكن قوته لا تكمن في شعره ، بل بتزنره بالسلاح؟ هل هو اليهودي الصهيوني في رواية الكاتب الصهيوني غير اليهودي (ليون أوريس) "اكسودس" الذي يتغلب بسوطه على قرية عربية؟
ليست الصورة وحسب هي ما لفت نظري. أيضا التعليقات التي قرأتها مترجمة ترجمة آلية. لقد رأى فيه الإسرائيليون السوبرمان المنقذ . إنه البطل. وأحد المعلقين قال إنه لم ينتخبه من قبل، ولكنه سينتخبه في الانتخابات القادمة. معلقون آخرون كتبوا أن إسرائيل من خلال حكمه ستبقى قوية لثلاثة أربعة عقود.
شعور بالزهو سيطر على الإسرائيليين بعد اغتيال السيد شبهه قسم من المتابعين بالزهو الذي طغى على الإسرائيليين عقب انتصارهم في حرب حزيران ١٩٦٧، والإسرائيلي الوحيد الذي قرأت له رأيا آخر نشره في صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية هو الكاتب (جدعون ليفي) وقد أدرجت الشاعرة Siham-Haifa Daoud على صفحتها ما كتبه (ليفي).
أمس كتب عن خليفة السيد المحتمل وبثت أشرطة فيديو يتحدث فيها أحد معارفه عن صفاته واختلافه عن سلفه. إن كان ما قاله المتحدث صحيحا فمعنى ذلك أن صواريخ حزب الله - إن بقيت سليمة، خلافا للرواية الإسرائيلية - ستصل إلى حيفا وما بعد بعد حيفا.
الصورة قاتمة كئيبة غير واضحة ويبدو أنها ستقرر مصير المنطقة وتغير ملامحها و"أكثر من هالقرد ما سخط الله"، علما وبناء على ما ألم بأهل غزة الذين كرروا، قبل الحرب، المثل مثلنا، يمكن أن يسخط الله أكثر وأكثر وهو على كل شيء قدير.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ٩ / ٢٠٢٤ .

***

361- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦١ ) : عيب نسأل "أين إيران؟"

كنت قررت في هذا الصباح، صباح اليوم ٣٦١ للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة، كنت قررت أن أؤجل الكتابة إلى المساء، فالعيون تتطلع إلى أحداث جسام قد تحدث نهارا.
فجأة قرأت ما كتبه مواطن عربي من قطر شقيق حدوده مجاورة لفلسطين / إسرائيل يخاطب فيه شعبه:
- نحن ال ... عيب نسأل: إيران وين؟
وحدد جنسيته Mikaan Labaan .
في بداية المقتلة وحتى اليوم ونحن نثير أسئلة مشابهة عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في العام ١٩٦٧ وفي العام ١٩٦٧، بل ويسخر أيضا قسم منا من دول المحور.
أنا شخصيا كنت أتابع صفحات كتابنا لألاحظ ماذا يكتبون، فهالني صمت أكثرهم، بل وكتابتهم عن أمجادهم الشخصية، وهو ما كتبت عنه قبل ثلاثة أيام.
العيون الآن تتجه صوب الجنوب اللبناني، وأمس كانت أخبار رفح وخان يونس تقول إن الإسرائيليين ما زالوا هناك يتكبدون خسائر.
أطرف ما شاهدته أمس من أشرطة فيديو هو شريط الفيديو الذي أتى من شمال قطاع غزة الذي يموت جوعا. الشريط يرينا طالبات مدرسة في مركز إيواء شبه مدمر يتبرعن بمصروفهن ليدعمن أهلنا في لبنان. أمس بلغ عدد المهجرين اللبنانيين مليون نازح.
هل العام الثاني للحرب ستكون أكثر أحداثه سخونة على الأراضي اللبنانية؟
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١ / ١٠ / ٢٠٢٤

***

362- يوميات غزة ولبنان وإيران ( ٣٦٢ ) : سماء فلسطين وصواريخ إيران

أمس صباحا كتبت عما كتبه مواطن عربي عن سؤال مواطن من بلاده غامزا لامزا بموقف إيران:
- وين إيران؟
المواطن الأول كتب يرد على السائل:
- عيب علينا نحن أن نسأل.
وفي المساء امتلأت سماء فلسطين بالصواريخ الإيرانية، فيما نسب لمصدر إسرائيلي أن بلد المواطن اعترضت الصواريخ. هددت إيران بعد اغتيال اسماعيل هنية وحسن نصرالله ونفذت تهديدها ولم تخلف.
أمس في السابعة مساء كنت أجلس على الشرفة أشرب الشاي وفجأة أصغيت إلى بعض جيران وبعض من في الشارع يتحدثون عن الصواريخ في سماء المدينة، وأخذ من في الشارع يصورها، وأخذت أتابع منظرها، ولاحقا بدأت أشاهد أشرطة فيديو أدرجها نشطاء فيسبوكييون لمنظرها في أماكن عديدة من فلسطين.
قبل رؤية الصواريخ كنا نتابع آخر أخبار عملية يافا - تل أبيب التي نفذها شابان فلسطينيان من الخليل وأسفرت عن ستة قتلى إسرائيليين وعشرات الجرحى.
وأمس مساء نمنا على تهديدات القيادات الإسرائيلية تهدد إيران بأنها ستدفع الثمن، وأن الطيران الإسرائيلي سيهاجم عدة أهداف في الشرق الأوسط، وفي الصباح قرأت عن ثمان غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت.
أمس ظهرا كانت المحلات التجارية في نابلس مغلقة. ارتقى شابان؛ واحد من نابلس والثاني من بلاطة، فأعلنت المدينة الحداد.
في غزة تواصلت المجازر على الرغم من انبطاح الجنود الإسرائيليين على بطونهم في رمال غزة تحسبا من أن تطالهم الصواريخ الإيرانية التي كانت تعبر سماء غزة.
منذ ستة وسبعين عاما والحكاية هي الحكاية والإسرائيليون لا يشعرون بالضجر. لا ينامون ولا يتركوننا ننام، وماذا بعد؟
"فجأة صاحت جندية:
- هو أنت ثانية؟
ألم أقتلك؟
قلت: قتلتني، ونسيت مثلك
أن أموت".
بعد ٧٦ عاما "لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد"
ورحم الله الشاعر محمود درويش.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١٠ / ٢٠٢٤

***

363- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦٣ ) : جنون القتل

"أبو سمير" المتهكم الساخر الذي يبث، منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، أشرطة من داخل قطاع غزة، "أبو سمير" يخاطب، بعد الهجوم الإيراني الأخير بالصواريخ، رئيس الوزراء الإسرائيلي "أبو يائير " بأن لا يفش غله بأهل غزة ، فهم لم يطلقوا الصواريخ من مدينتهم ، ولكن خطابه ذهب أدراج الرياح ، فقد صب الإسرائيليون أمس جام غضبهم على مدينتي غزة وبيروت .
لم يرد الإسرائيليون أمس على الإيرانيين وقوات حزب الله التي أوجعتهم وأوقعت فيهم خسائر فادحة ، وإنما انتقموا من المدنيين ، وآخر ما قرأته قبل قليل ما كتبته مواطنة بيروتية تخاطب أهل مدينتها تطلب منهم أن يغلقوا نوافذ بيوتهم ، فثمة شظايا تشبه الثلج الأبيض المتساقط هي بقايا القنابل الفسفورية التي استخدمها الطيران الإسرائيلي .
" ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها "
وقبل قليل تحدث عصمت منصور لإذاعة أجيال عن ارتقاء عبد العزيز صالحة في غزة ، وهو من قرية عصمت دير جرير .
في الحرب أخرج عبد العزيز عائلته من غزة وبقي هو ، فارتقى . لقد مشى الخطى التي كتبت عليه .
الإسرائيليون يتوحشون ويفرطون في القتل ، وحين قصفوا بيروت لم يقتصر قصفهم على الضاحية الجنوبية ، فالليلة قصفوا بيروت القديمة .
هل أوضاع بيروت أفضل حالا من أوضاع غزة منذ ٢٠٠٧ ؟
غالبا ما أتذكر مثلا أورده القاص الفلسطيني توفيق فياض في قصته " الحارس " من مجموعته " الشارع الأصفر " وهو " مجنون رمى حجرا في بير ، وهذه المرة كل عقال الأرض ما راح تقدر تطوله " .
إن تأملتم في وجوه قيادات الكيان الإسرائيلي فسوف تشاهدون آثارا تدل أنهم عصبيون جدا عابسة جدا قلقة جدا و ... ومنذ فترة لم أعد أشاهد حلقات من برنامج " هيك قالوا بالعبري " لمقدمته الناصرية ليلى عبده Layla Abdo .
كان الله في عوننا وليس لنا إلا أن نكرر المثل الشعبي " أكثر من هالقرد ما سخط الله " .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٣ / ١٠ / ٢٠٢٤

***

364- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦٤ ) : حيفا مقابل الضاحية

وأخيرا تحقق ما قاله السيد : حيفا مقابل الضاحية .
الليلة كانت في الضاحية ليلة مجنونة . لقد سوت الطائرات الإسرائيلية مساحات منها بالأرض ، وفي الصباح كانت صواريخ حزب الله تدك حيفا .
انتقمت إسرائيل لقتلاها أمس في الجنوب ، فقد كان يوما داميا وخسائرها عشرات القتلى والجرحى من الجنود ، ولأنها لم تقو على مقاتلي الرضوان تشاطرت على أطفال الضاحية ونسائها ورجالها .
عندنا مثل شعبي هو " اللي ما بقدر عالحمار بنط عالبردعة " واعتذر لاستحضاره وليسامحني ال ... ولكن ... .
ليلة أمس جن جنون الإسرائيليين أيضا ، فقد هاجموا مقهى في مدينة طولكرم بالطائرات ، مثلما هاجموا سجن نابلس المركزي في العام ٢٠٠٣ .
حالة تعبانة يا ليلى ، وفي " عابرون في كلام عابر " ١٩٨٨ قال محمود درويش :
" منكم السيف - ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار - ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى - ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء "
صارت صواريخ القبة الحديدية تتساقط أيضا على رؤوس أصحابها . " وعلينا ما عليكم من سماء وهواء " .
متى سيتعايش الذئب والغزال ؟
قبل أيام كتب الكاتب الروائي سهيل كيوان في صفحته عبارة واحدة : من يعتقد أن الحروب في منطقتنا ستنتهي قبل يوم القيامة فهو واهم .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٤ / ١٠ / ٢٠٢٤

***

365- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦٥ ) : لا حيدة في جهنم وإميل حبيبي

في هذا الصباح بحثت عما كتبته عن قصة إميل حبيبي القصيرة الأولى "لا حيدة في جهنم" وقرأت خربشات دونتهما في ٦ / ١٢ / ٢٠٢١ و ٨ / ١٢ / ٢٠٢١، فحتى الفلسطيني الذي أراد العيش بهدوء بعيدا عن السياسة وهمومها لم ينج ، وحاله في أيامنا هو حال حوالي مليون و٨٠٠ ألف فلسطيني في غزة ، بل وأكثر . هؤلاء أكثرهم لا علاقة لهم بالسياسة ولم يسألوا عما جرى ويجري في فلسطين منذ ١٩٤٨ ، وقسم منهم عمل في المصانع والمزارع الإسرائيلية وله معارف من اليهود .
فجرا صحوت لأتابع آخر الأخبار ، فقرأت أن المسيرات / الطائرات الإسرائيلية هاجمت مخيم البداوي في شمال لبنان ، فقتل من قتل وجرح من جرح ، وقس على ذلك أكثر سكان بنايات الضاحية الجنوبية لبيروت ، وحتى رجال الإسعاف لم ينجوا ، فارتقى منهم أمس في لبنان أحد عشر رجلا.
ماذا يجري في شمال فلسطين؟
هل اقتحمت مجموعات من فرقة الرضوان مستوطنة "كريات شمونة" على غرار ما فعلته حركة حمااس في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؟
ثمة أخبار غير مؤكدة ، ولكن صحفيين تداولوها على صفحاتهم .
قبل أسبوعين تقريبا أدرجت هنا صورة أفعى جريح ينهش النمل جسدها ، ورأى من نظر فيها صورة معبرة.
أمس فعلت طائرة مسيرة قادمة من العراق في معسكر جيش في الغولان ما لم يخطر ببال الدولة العبرية..
أكرر : إلى أين نحن ذاهبون ؟
وفجر أمس لفت صديق نظري إلى ما كتبه الكاتب حسن خضر على صفحته فانتبهت إلى تعبيره " ليل النكبة الثانية الطويل " ...
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٥ / ١٠ / ٢٠٢٤ .

***

366-يوميات غزة ولبنان ( ٣٦٦ ) - مجازر في غزة والضاحية الجنوبية لبيروت

كانت ليلة اليوم الأخير من عام الحرب الأول ليلة مجنونة حقا انتهت بمجزرة في مسجد يؤوي نازحين في دير البلح بقطاع غزة ، وبمحو بنايات في الضاحية الجنوبية لبيروت يقطنها مدنيون ، وكانت ليلة انتظار لبدء الحرب مع إيران ، فقد نمنا ونحن نتساءل عن نوع الرد الإسرائيلي على هجوم الصواريخ الإيرانية قبل أيام . هل ستستخدم إسرائيل السلاح الذري لمحو طهران محوا كاملا ؟
منذ شهر وأكثر وأنا أتساءل عن سبب هذا الجنون الإسرائيلي في الرد على أحداث ٧ أكتوبر ، وأمس قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الجراح الناجمة عنها لم تلتئم بعد ، وأمس وأنا أقرأ ما قاله تذكرت ما كتبه معين بسيسو في مسرحيته " شمشون ودليلة " على لسان راحيل " قاتلنا الجرح الأول ، وعلينا الا نجرح أبدا / إن لنا قدرا آخر يا شمشون غير أقدار الناس جميعا " وهو قول ورد أساسا في يوميات ( ياعيل دايان ) في حرب حزيران ١٩٦٧ " مذكراتي الحربية " ، ومنذ شهر وأنا أتذكر ما كتبه توفيق زياد في أعقاب حرب حزيران ذاتها ، في كتابه " كلمات مقاتلة " :
" عن جدنا الأول
قد جاء في الأمثال :
واوي بلع منجل !!
كل ما تجلبه الريح
ستذروه العواصف
والذي يغصب الغير
يعيش
العمر
خائف "
و
" عندما مروا صباحا
همست شجرة توت :
العبوا بالنار ما شئتم
فلا ..
حق
يموت " .
مر عام ولم تنته الحرب . مر عام آخر منذ النكبة الأولى في ١٩٤٨ والنكبة ما زالت مستمرة .

صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٦ / ١٠ / ٢٠٢٤
هل تتذكرون
٦ / ١٠ / ١٩٧٣ ؟


============
337- يوميات غزة ( ٣٣٧ ) : جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين
338- يوميات غزة ( ٣٣٨ ) : ماهر ذياب الجازي
339- يوميات غزة ( ٣٣٩ ) : افتقاد الخصوصية : خيمة للعزلة
340- يوميات غزة ( ٣٤٠ ) : هوية عصرنا
341- يوميات غزة ( ٣٤١ ) : كل شيء يسم البدن
342- يوميات غزة ( ٣٤٢ ) : آلاف المشوهين والمشوهات ومستقبل حزين مؤلم
343- يوميات غزة ( ٣٤٣ ) : صباحات ليست كالصباحات
344- يوميات غزة ( ٣٤٤ ) : مقاومة دائمة
345- يوميات غزة ( ٣٤٥ ) : إن كان لك حاجة عند الكلب
346- يوميات غزة ( ٣٤٦ ) : أمس كان لنا صباحا يمنيا أما لسكان الخيام في غزة ف...
347- يوميات غزة ( ٣٤٧ ) : أطفال ذهب البؤس بكل ملامحهم وخيام تقلعها الرياح ومقاومة مستمرة
348- يوميات غزة ( ٣٤٨ ) : قلاية البندورة
349- يوميات غزة ( ٣٤٩ ) : ما لم أقرأه في "نصوص من غزة"
350- يوميات غزة ( ٣٥٠ ) : موسم الهجرة إلى الشمال
351- يوميات غزة ( ٣٥١ ) : المحلل السياسي رجل دعاية وإعلان أيضا
352- يوميات غزة وبلاد الشام ( ٣٥٢ ) : الصواريخ التي تأخر وصولها سبعة وخمسين عاما
353- يوميات غزة ( ٣٥٣ ) : أوقف المطر يا رب
354- يوميات غزة ( ٣٥٤ ) : طلاق أردنية بسبب المنسف والشاورما
355- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٥ ) : الدجاج والبط والحبش شهيدا
356- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٦ ) : دموع الصياد
357- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٧ ) : وماذا لو كتبنا؟!أ هي نرجسية الكتاب أم خوفهم؟!
358- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٨ ) : تعليقات الإسرائيليين وتعليقات العرب
359- يوميات غزة ولبنان ( ٣٥٩ ) : رشاد ابوشاور يودعنا
360- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦٠ ) : (بن غفير) يوزع الحلوى ابتهاجا
361- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦١ ) : عيب نسأل "أين إيران؟"
362- يوميات غزة ولبنان وإيران ( ٣٦٢ ) : سماء فلسطين وصواريخ إيران
363- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦٣ ) : جنون القتل
365- يوميات غزة ولبنان ( ٣٦٥ ) : لا حيدة في جهنم وإميل حبيبي
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى