(1) ارهاب ورعب !
كلما وردني تهديد جديد ينذرني بإقامة الحد علي، أي بقتلي، وقفت " لمى " في مواجهتي، راجية أن أتوقف عن كتابة المقالات والروايات والأفكارالتي تبحث في أصل الوجود والغاية منه، وفي إمكانية وجود ألوهة ما أو عدم ذلك، والأهم الغاية من وجود الإنسان، وأنا أرفض بعناد شديد التخلّي عن الأمر، بل وأشرع في كتابة رواية جديدة بعنوان " قصة الخلق " إضافة إلى حوار معي حول الوجود والغاية منه، قد يمتد إلى حلقات، على محطة تلفزة خاصة، تدعى " أفق المعرفة " غيرآبه بالتهديدات التي تنصب علي من جهات مختلفة، داعشية وغير داعشية ! مؤكدا ل " لمى " حبيبة قلبي" أن هذه رسالتي في الحياة التي نذرت نفسي لها ، مع أنني لست رسولاً لأحد، أو مرسلا من أحد، حتى من إله، رغم أنني لا أستبعد أن يكون هناك خالق أو قائم بالخلق، قد يقبل أن يكون إلها، أو ما هو أكبر من إله، والحق إنه لأمر مؤسف أن لا يقوم بتكليفي برسالة سماوية، ما دفعني إلى تكليف نفسي بالمهمة بل ونذر نفسي لها، إدراكا مني أن للوجود غاية، وأن لوجود الانسان غاية، تتعلق بغاية الخالق من الوجود، وهي تحقيق قيم الخير والعدل والمحبة والجمال وبناء الحضارة الانسانية. فالخالق لا يشق طرقاً ولا يبني جسوراً ولا يشيّد مدناً، وبالتالي لا يقيم حضارة. والحق إنني لم أجد لنفسي ما هو أجمل من هذه الغاية، فنذرت نفسي للعمل على تحقيقها وهداية الناس إليها، رغم خوف " لمى " عليّ من أن تطالني رصاصات الغدر ذات يوم، بعد أن أخفقت في محاولة سابقة فشلت في النيل مني، وإن ذهب ضحيتها إنسان بريء غيري! فقد صادف مرور رجل من أمامي في اللحظة التي ضغط فيها القاتل على الزناد . كنت جالسا على رصيف مقهى في جبل اللويبده حين أطلق هذا المعتوه النارعلي . حاول القاتل الهرب غير أن الناس ألقوا القبض عليه حتى جاءت الشرطة . ولم يعرف أحد أن المقصود أنا وليس القتيل إلا بعد تحقيق الشرطة! وإن شئتم الحق أنا حزين لتوقع مقتلي، ليس على نفسي، بل على " لمى " فما ذنب هذه الصبية حتى تتجرع مرارة كأس الفجيعة بي ، بعد أن نذرت نفسها لحبي حتى آخر أيام كهولتي . فارق السن بيننا كبير، ولمى محبوبتي وليست زوجتي. وهذه مسألة أخرى تقلقها، فقد يشي أحد ما بنا كزانيين ، ينبغي إقامة الحد علينا، وهو هنا الجلد، أو الرجم بالحجارة حتى الموت، حسب ما يقررالمعاقبون، وآمل أن نموت بسرعة في كلا الحالين حتى لا يطول عذابنا، أو يعلم الخالق بما يجري لنا ويتدخل بطريقة ما لإنقاذنا، رغم أنني أبرر للخالق عدم تدخله في مسائل مصيرية كثيرة تهم البشرية ، رغم علمه بها !
بعضكم يعرف لمى وبعضكم لا يعرفها .. إنها بطلة رواية " زمن الخراب " للكاتب محمود شاهين الصادرة عام 2019 عن مكتبة كل شيئ الحيفاوية .. هي في الحقيقة شخصية متخيلة وليست حقيقية وإن بدت في الرواية كذلك . كانت مغرمة بعشق أبيها، ما أدى إلى اضطرابات نفسية لديها ، ساعدتها أنا على تجاوز وضعها، لتقع في حبي دون قصد مني ، بينما انتحر أبوها بأن ألقى نفسه بالاندفاع بسيارته لتسقط من أعلى جرف على الشاطئ إلى أعماق البحرالميت. لا شك أن بعضكم عرف الآن من أنا ؟ أنا محمود أبو الجدايل بطل الرواية نفسها، أي أنني شخصية متخيلة للكاتب نفسه كما هي لمى بالضبط ، ولهذا أنتم ستعيشون مع شخصيتين متخيلتين ، إياكم أن تصدقوا أنكم أمام شخصيتين حقيقيتين أو حتى واقعيتين . وإن شئتم حقيقة قد تحمل شيئا من الواقعية، هي أنني أحد شخصيات محمود شاهين شبه الإنفصامية .. فهو منذ أن كتب ملحمته النثرية الشعرية قبل قرابة ربع قرن " غوايات شيطانية " التي يصبح فيها الأديب ابناً لله تزفه الكائنات في معراج إلى السماء، وهو يعشق هذا النوع من الانفصام الشخصي، الذي يخرجه من واقع الحياة المقرف: فهو "الملك لقمان" في ملحمة " الملك لقمان " الباحث فيها عن الله . وهو الملك نفسه ، في ملحمة " أديب في الجنة " التي يتحد فيها بالألوهة ويصبح جزءا منها. وهو "عارف نذيرالحق" المعتقد بوحدة الوجود في رواية " عديقي اليهودي " وهو "محمود أبو الجدايل" الفيلسوف المتعمق في المذهب نفسه في رواية " زمن الخراب " و"محمود أبو الجدايل" أيضا في الرواية التي شرعتم في قراءتها " قصة الخلق " متمنياً أن لا يتخلى محمود شاهين عن مذهبه في وحدة الوجود أو يضيف إليه ما هو جديد ومفيد . ولا أعرف إن كنت قادراً كشخصية متخيلة أوشبه انفصامية له أن أتدخل في أفكاره ، رغم أنه أتاح لي ذلك حين جعل مني راوياً بدوري، وقد يجعل من لمى راوية أيضاً ..
قد يبدو لكم الأمر غريباً وعجيباً جدأ، فكيف يمكنكم أن تعيشوا مع شخصيات متخيلة ، وتقتنعوا بوجودها ، بغض النظر ، إن كانت شخصيات شبه انفصامية للكاتب أو لم تكن .. فليس هناك إنسان حسب علمنا يمكن أن ينفصم ويرى نفسه في شخصيات متعددة ..
لمى " حبيبة قلبي " قلقة جداً منذ أن بلغني آخر تهديد في منتدى المؤمنين العرب، ينذرني بقرب أجلي وأنني سألعن اليوم الذي ولدت فيه، والنهد الذي أرضعني حليب الأمومة .. ضمت رأسي إلى صدرها وأنا أفكر في إجابات للأسئلة التي ستطرح علي في الحوار التلفزيوني ، والتي تلقيت نسخة منها ، كي لا أباغت ببعضها . وكان السؤال الأول يتعلق بالوجود والعدم، وما إذا كان الوجود قد جاء من عدم ! قبلتني جاهدة لأن تخفي قلقها .. بادلتها القبلة بقبلات خفيفة أولا على خديها، وزدت على ذلك بأن التهمت شفتيها وأوغلت لساني عميقا في فمها ليأخذ دورة حول لسانها ملتذا بطعم الرحيق المنبثق من فمها !!
*****
" ما لا أفهمه لماذا يخاف المسلمون على إلههم من إنسان يفكر بعقل حر، هل يمكن أن يخاف الله من انسان؟ بصرف النظر عن ماهية الله! " تساءلت لمى بينما كنا نستلقي متجاورين على السرير بعد جولة حب رومانسية فجرتها القبلات الملتهبة عشقا، ولذة عناق لسانينا وهما يتعانقان في حالة وله فريدة !
" الله لا يخاف، هم الذين يخافون على فهمهم أن ينقرض، ربما لإدراكهم أن فهمهم لن يصمد إلى الأبد أمام مفاهيم كثيرة عقائدية وفلسفية وعلمية وصوفية في العالم، لذلك يجهدون بكل الوسائل ليخوضوا معركة البقاء لهذا الفهم بشتى الوسائل، بما فيها القتل، والبحث عن العلم في النص الديني، وغير ذلك" أجاب محمود!!
" إذا كان العلم نفسه لم يتوصل إلى معرفة الحقيقة المطلقة للوجود والغاية منه، فهل يتوصل هؤلاء عبر البحث في النص الديني أن الله والوجود حسب ما صورهما النص" ؟
" مستحيل حبيبتي الحقيقة المطلقة للوجود والغاية منه والقائم به، لم يعرفها العقل البشري بعد، ولن يعرفها بسهولة .. فما مرأربعة عشر مليار عام على انشائه لن يتم التوصل إلى معرفته خلال بضعة قرون. الفيزياء والفلسفة يصطدمان بين حين وأخر بحواجز لا يمكن اختراقها .. رغم أن المجال أمام الفلسفة أرحب للوصول إلى حقائق يقبلها العقل والمنطق"
أطرقت لمى للحظة ثم هتفت:
- كأني سمعت طرقا على الباب!
- من سيطرق في هذا الوقت المتأخر من الليل . الساعة تجاوزت الواحدة ..
- اسمع ! طرقة ثانية ... ثالثة !
- غير معقول . من الذي سيأتي إلينا في هذا الوقت دون أن يخبرنا مسبقا بقدومه ؟
حاول محمود أن ينهض من السرير غير أن لمى منعته .
- لا تنهض حبيبي. هذا مجرم أكيد . وربما أكثر من واحد .
طرق الباب للمرة الرابعة بطرقتين متتاليتين .
بدأ الرعب يجتاز جسد لمى، فيما حاول محمود السيطرة على أعصابه ونهض ليخرج من درج الخزانة المسدس الذي اقتناه للإنتحار، إذا ما ضاقت الدنيا في وجهه، وليس للدفاع عن النفس. أخرج المسدس. وضع طلقة في حجرة النار وهمّ للخروج من غرفة النوم. نهضت لمى ووقفت أمامه .
- لن يجدي المسدس شيئا أمام المجرمين . لا تخرج .
- سألقي نظرة من نافذة الممرالمطلة على نافذة المنورالمجاورة للباب.
بدأت لمى ترتجف رعباً ..
- حبيبتي . ابق هنا أو عودي إلى السرير وحاولي أن تهدأي !
لم تقبل . تبعت محمود وهو يخرج من غرفة النوم ويجتاز الصالون إلى الممر. فتح النافذة المطلة على نافذة مدخل بيته. ألقى نظرة . نور المدخل مضاء. لم ير الطارق. كان يقف خلف الباب كما يبدو بحيث يستره الحائط المجاور للنافذة.
- من هنا ؟ هتف محمود وانتظر أن يسمع رداً.
شاهد رجلا كالشبح يقدم ليقف أمام النافذة، كان متسربلا بالسواد بحيث لم يبد منه غيرعينيه .
هتف الشبح بعد لحظة من تأكده أن محمود أبو الجدايل لن يفتح الباب:
- أحضرنا لكما هدية متواضعة يا أبو الجدايل ! بإمكانكما أن تتمتعا بها إلى أن يحين أجلكما أنت والزانية المقيمة معك، وتقام عليكما حدود الله! إلى اللقاء!
وانصرف الرجل صاعدا الدرج النازل إلى مدخل البيت .
أغلق محمود النافذة . أشار إلى لمى أن تعود إلى غرفة النوم . أبت بحركة من رأسها ! تبعته وهو يعبرالممر إلى صالة معرض لوحاته، ويتجه إلى باب البيت ليفتحه ببطء وحذر .
تجمدت لمى على بعد خطوتين منه . أطل برأسه إلى الخارج . شاهد إلى جانب الباب رأسا مقطوعاً مخضباً بالدماء وإلى جانبه مظروف مغلق. نظر يميناً وشمالا ليجزم بعدم وجود أحد . أشار إلى لمى أن تعود إلى داخل البيت . أبت بإصرار وهي تتساءل :
- ماذا رأيت ؟
- حبيبتي ارجعي إلى غرفة النوم . يستحسن أن لا تري ماذا أحضروا لنا.
- لن أرتعب أكثر مما ارتعبت حتى الآن . أريد أن أعرف .
- من الأفضل أن لا تعرفي!
- سأعرف بكل الأحوال . يفضل أن أعرف من الآن .
- مجرد لعبة ملطخة بالدم ! يستحسن أن لا تريها .. هيا عودي إلى غرفة النوم .
- أي نوم سيأتيني بعد هذا ؟ اتصل بالشرطة .
- لن أتصل بالشرطة في هذا الوقت . سأذهب إليهم بالدمية في الصباح .
- ستتعرض حينها إلى تحقيقات وأسئلة لست في حاجة إليها . يستحسن أن يروا بأنفسهم ونخلص من الأمر الآن .
وحاولت أن تقترب من الباب وتطل لترى الدمية . فقد شكّت في أن محمود لم يقل الحقيقة ، غير أن محمود صدها بلطف . قاومته واندفعت نحو الباب لرؤية ما يقبع هناك . صدها محمود ثانية غير أنها قاومت وأطلت برأسها لترى الرأس المقطوع المخضب بالدماء. صرخت وهي تتراجع وتلقي نفسها على صدر محمود ..
- يا إلهي ! هيا اتصل بالشرطة . لا تلمس شيئا ..
اتصل محمود بشرطة النجدة ، مخبرا عن وجود رأس مقطوع أمام باب بيته.. حضرت دورية من ثلاثة أفراد بعد قرابة ثلث ساعة .. تأمل رئيس الدورية الرأس دون أن يلمسه .
- يبدو أنه رأس صناعي! هتف رئيس الدورية.
وضعوا الرأس بكيسه مع المظروف في كيس نايلون آخر، وانصرفوا مصطحبين محمود معهم لكتابة محضر التحقيق في القضية .
*****
" أوه محمود أبو الجدايل في حضرتنا ثانية " هتف الضابط المناوب في قسم الأمن الجنائي ، وكان قد تعرف إلى محمود أبو الجدايل خلال التحقيق في محاولة اغتياله، التي أودت بحياة رجل بريء.
"تفضل استاذ محمود "
جلس محمود على أريكة ، فيما راح الضابط يتأمل الرأس المقطوع:
- يبدو أنه من البلاستيك المقوى وطلي بمزيج من عصير الشمندر ومسحوق أحمر. قال الضابط وهو يمد يده إلى الرسالة ليتفحصها للحظات ليتأكد من خلوها من متفجرة ما ، قبل أن يفتضها ، ليقرأ :
إنذار أخير إلى الزنديق الكافر محمود أبو الجدايل :
تب إلى الله وعد إلى الإيمان القويم . وانتظر أن يقام عليك وعلى الزانية التي تقيم معك حد الزنى!
التوقيع : أحباب الله !
- أف ! مرتد وزان أيضا ؟! هتف الضابط مخاطبا محمود أبو الجدايل !
بدا لمحمود أن الضابط أخذ بما ورد في الرسالة وراح ينظر إليه كزنديق وكافر وزان :
- عفوا! هل تتساءل أم تتهمني أنت أيضا ؟
- لا، لا أتهمك ، مجرد تساؤل استنكاري للتهم.. لكن من هم " أحباب الله هؤلاء "
- إذا أنتم لا تعرفون فهل سأعرف أنا ؟
- للأسف لم نسمع بهم . هل تتهم أحدا بعينه .
- لا، لا أتهم . قد تكون جماعة جديدة متطرفة ، أو الجماعة نفسها التي أقدمت على اغتيالي سابقا .
- لم يثبت حتى اليوم على الرجل أي انتماء لجماعات اسلامية متطرفة ، كما لم يثبت من قبل على قاتل ناهض حتر !
- بعض هؤلاء يعتبرون أنفسهم منظمين تلقائيا منذ نشأة الاسلام في حزب إلهي غايته الدفاع عن الله ، حتى لو لم يكونوا منتمين إلى أي تنظيم مهما كان نوعه ، وإن جازهذا الرأي على القاتل ، فقد لا يجوز على غيره، أو على الجميع، لوجود تنظيمات داعشية وغير داعشية تهدد أمن دول وليس أمن أفراد فقط .
- مشكلة ! كشف هؤلاء الأوغاد مسـألة معقدة ، وخاصة هؤلاء الذين يتصرفون بدوافع إيمانية شخصية .
- لا أظن أن الرجل الذي جاء بالرأس المقطوع جاء بدوافع شخصية ، ولا أظن أنه جاء وحده في هذا الوقت من الليل ، وتوقيع الرسالة من قبل جماعة يشير إلى ذلك . وأعتقد أن القاتل السابق ينتمي للجماعة نفسها .
- حيرنا أمر ذاك القاتل . ما لا يصدق في محاولة اغتيالك ، أن يسبق مرور انسان الطلقة قبل إصابة هدفها.
- أشك في أن القتيل سبق الطلقة المتجهة إلي، ربما كان خائفا ولم يصوب جيدا، أو أنه اتخذ قراره بإطلاق النار ولم يفكر في التراجع .
- ومع ذلك ما زلت محتارا في الأمر، فالقول أن القاتل كان خائفا ومرتبكا ومترددا في اطلاق النار وأخطأ الهدف، أوأنه لم يستطع التراجع بعد أن أخذ الضغطة الأولى من الزناد في الوقت الذي كان القتيل يمر من أمامك.. توقعات غير دقيقة تماما..
- ومسألة أن يقتل رجل رجلا آخر دون معرفة القتيل أوأي سبب يدعو لقتله ، محيرة أكثر .
ران صمت للحظات ..
- سنعمل ما في وسعنا ونأمل أن نتوصل إلى نتائج مفيدة . بإمكانك الانصراف بعد توقيع محضر القضية .
*****
وجدت لمى في حال يرثى لها .. قبلتها وهدأت من روعها .
" يفضل أن تقيمي في بيتك لبضعة أيام حبيبتي إلى أن تخرجي من هذه الحالة ، وأنا لدي تسجيل حوارظهيرة اليوم مع تلفزيون "أفق المعرفة".. الآن يجب أن نحاول النوم !
" أشك في أنني سأتمكن من النوم بعد أن رأيت ما رأيته .. وأنت يجب أن تذهب لتقيم معي في بيتي ، فهو غير معروف لهؤلاء القوم .. لا يمكن أن تبقى في هذا البيت ضمن ظروف الرعب هذه "
لم أحبذ فكرة لمى ، لأن معرفة مكان إقامتي لن يكون عسيرا على هؤلاء ، ولا أريد أن أنقل الرعب إلى بيت لمى أيضا.. لم أناقشها في المسألة قلت لها :
- سنفكر حبيبتي ، الآن يجب أن ننام ، لقد طلع الفجر.
ضممتها إلى حضني .. وأغمضت عيني على أنفاسها تداعب عنقي. سمعتها تهمس " كم أشعر بالأمان وأنت تحتويني في حضنك "
ربت على ظهرها دون أن أهمس إلا بكلمة واحدة "حبيبتي"
******
استيقظنا في العاشرة . تناولنا مشروبي المفضل .. شاي أخضر تبعناه بشاي زعتر .. ورغم أنني لا أحب الفطور إلا أن لمى أرغمتني على تناول بيضة مسلوقة وموزة صغيرة ونصف تفاحة فقط ، فلم أقدر على تلبية رغبتها في أن آكل التفاحة كلها، لكني تقبلت كأس عصير البرتقال الذي اختتمت به إفطاري في انتظار القهوة، التي يندر أن أخرج من البيت دون احتسائها . قد تكون لمى على حق في ارغامي على الفطور، فقد يطول زمن التسجيل .
القهوة مع تدخين البايب متعة فريدة . قدرلا مفرلي منه. حاولت تركه عشرات المرات دون جدوى .. ما أن أقمع رغبتي فيه لبضع ساعات أوبضعة أيام ، حتى أجد نفسي مندفعا إليه بلهفة شديدة . رغم أنني أعتبر إرادتي قوية ، حتى أمام المرأة التي تشكل ضعفا لمعظم الرجال ، إن لم يكن جميعهم .
أوصلتني لمى بسيارتها إلى مبنى الاستوديو الذي سنسجل فيه . قبلتني مودعة وتابعت طريقها إلى بيتها . على أمل أن نلتقي بعد أن أنتهي من التسجيل .
******
كلما وردني تهديد جديد ينذرني بإقامة الحد علي، أي بقتلي، وقفت " لمى " في مواجهتي، راجية أن أتوقف عن كتابة المقالات والروايات والأفكارالتي تبحث في أصل الوجود والغاية منه، وفي إمكانية وجود ألوهة ما أو عدم ذلك، والأهم الغاية من وجود الإنسان، وأنا أرفض بعناد شديد التخلّي عن الأمر، بل وأشرع في كتابة رواية جديدة بعنوان " قصة الخلق " إضافة إلى حوار معي حول الوجود والغاية منه، قد يمتد إلى حلقات، على محطة تلفزة خاصة، تدعى " أفق المعرفة " غيرآبه بالتهديدات التي تنصب علي من جهات مختلفة، داعشية وغير داعشية ! مؤكدا ل " لمى " حبيبة قلبي" أن هذه رسالتي في الحياة التي نذرت نفسي لها ، مع أنني لست رسولاً لأحد، أو مرسلا من أحد، حتى من إله، رغم أنني لا أستبعد أن يكون هناك خالق أو قائم بالخلق، قد يقبل أن يكون إلها، أو ما هو أكبر من إله، والحق إنه لأمر مؤسف أن لا يقوم بتكليفي برسالة سماوية، ما دفعني إلى تكليف نفسي بالمهمة بل ونذر نفسي لها، إدراكا مني أن للوجود غاية، وأن لوجود الانسان غاية، تتعلق بغاية الخالق من الوجود، وهي تحقيق قيم الخير والعدل والمحبة والجمال وبناء الحضارة الانسانية. فالخالق لا يشق طرقاً ولا يبني جسوراً ولا يشيّد مدناً، وبالتالي لا يقيم حضارة. والحق إنني لم أجد لنفسي ما هو أجمل من هذه الغاية، فنذرت نفسي للعمل على تحقيقها وهداية الناس إليها، رغم خوف " لمى " عليّ من أن تطالني رصاصات الغدر ذات يوم، بعد أن أخفقت في محاولة سابقة فشلت في النيل مني، وإن ذهب ضحيتها إنسان بريء غيري! فقد صادف مرور رجل من أمامي في اللحظة التي ضغط فيها القاتل على الزناد . كنت جالسا على رصيف مقهى في جبل اللويبده حين أطلق هذا المعتوه النارعلي . حاول القاتل الهرب غير أن الناس ألقوا القبض عليه حتى جاءت الشرطة . ولم يعرف أحد أن المقصود أنا وليس القتيل إلا بعد تحقيق الشرطة! وإن شئتم الحق أنا حزين لتوقع مقتلي، ليس على نفسي، بل على " لمى " فما ذنب هذه الصبية حتى تتجرع مرارة كأس الفجيعة بي ، بعد أن نذرت نفسها لحبي حتى آخر أيام كهولتي . فارق السن بيننا كبير، ولمى محبوبتي وليست زوجتي. وهذه مسألة أخرى تقلقها، فقد يشي أحد ما بنا كزانيين ، ينبغي إقامة الحد علينا، وهو هنا الجلد، أو الرجم بالحجارة حتى الموت، حسب ما يقررالمعاقبون، وآمل أن نموت بسرعة في كلا الحالين حتى لا يطول عذابنا، أو يعلم الخالق بما يجري لنا ويتدخل بطريقة ما لإنقاذنا، رغم أنني أبرر للخالق عدم تدخله في مسائل مصيرية كثيرة تهم البشرية ، رغم علمه بها !
بعضكم يعرف لمى وبعضكم لا يعرفها .. إنها بطلة رواية " زمن الخراب " للكاتب محمود شاهين الصادرة عام 2019 عن مكتبة كل شيئ الحيفاوية .. هي في الحقيقة شخصية متخيلة وليست حقيقية وإن بدت في الرواية كذلك . كانت مغرمة بعشق أبيها، ما أدى إلى اضطرابات نفسية لديها ، ساعدتها أنا على تجاوز وضعها، لتقع في حبي دون قصد مني ، بينما انتحر أبوها بأن ألقى نفسه بالاندفاع بسيارته لتسقط من أعلى جرف على الشاطئ إلى أعماق البحرالميت. لا شك أن بعضكم عرف الآن من أنا ؟ أنا محمود أبو الجدايل بطل الرواية نفسها، أي أنني شخصية متخيلة للكاتب نفسه كما هي لمى بالضبط ، ولهذا أنتم ستعيشون مع شخصيتين متخيلتين ، إياكم أن تصدقوا أنكم أمام شخصيتين حقيقيتين أو حتى واقعيتين . وإن شئتم حقيقة قد تحمل شيئا من الواقعية، هي أنني أحد شخصيات محمود شاهين شبه الإنفصامية .. فهو منذ أن كتب ملحمته النثرية الشعرية قبل قرابة ربع قرن " غوايات شيطانية " التي يصبح فيها الأديب ابناً لله تزفه الكائنات في معراج إلى السماء، وهو يعشق هذا النوع من الانفصام الشخصي، الذي يخرجه من واقع الحياة المقرف: فهو "الملك لقمان" في ملحمة " الملك لقمان " الباحث فيها عن الله . وهو الملك نفسه ، في ملحمة " أديب في الجنة " التي يتحد فيها بالألوهة ويصبح جزءا منها. وهو "عارف نذيرالحق" المعتقد بوحدة الوجود في رواية " عديقي اليهودي " وهو "محمود أبو الجدايل" الفيلسوف المتعمق في المذهب نفسه في رواية " زمن الخراب " و"محمود أبو الجدايل" أيضا في الرواية التي شرعتم في قراءتها " قصة الخلق " متمنياً أن لا يتخلى محمود شاهين عن مذهبه في وحدة الوجود أو يضيف إليه ما هو جديد ومفيد . ولا أعرف إن كنت قادراً كشخصية متخيلة أوشبه انفصامية له أن أتدخل في أفكاره ، رغم أنه أتاح لي ذلك حين جعل مني راوياً بدوري، وقد يجعل من لمى راوية أيضاً ..
قد يبدو لكم الأمر غريباً وعجيباً جدأ، فكيف يمكنكم أن تعيشوا مع شخصيات متخيلة ، وتقتنعوا بوجودها ، بغض النظر ، إن كانت شخصيات شبه انفصامية للكاتب أو لم تكن .. فليس هناك إنسان حسب علمنا يمكن أن ينفصم ويرى نفسه في شخصيات متعددة ..
لمى " حبيبة قلبي " قلقة جداً منذ أن بلغني آخر تهديد في منتدى المؤمنين العرب، ينذرني بقرب أجلي وأنني سألعن اليوم الذي ولدت فيه، والنهد الذي أرضعني حليب الأمومة .. ضمت رأسي إلى صدرها وأنا أفكر في إجابات للأسئلة التي ستطرح علي في الحوار التلفزيوني ، والتي تلقيت نسخة منها ، كي لا أباغت ببعضها . وكان السؤال الأول يتعلق بالوجود والعدم، وما إذا كان الوجود قد جاء من عدم ! قبلتني جاهدة لأن تخفي قلقها .. بادلتها القبلة بقبلات خفيفة أولا على خديها، وزدت على ذلك بأن التهمت شفتيها وأوغلت لساني عميقا في فمها ليأخذ دورة حول لسانها ملتذا بطعم الرحيق المنبثق من فمها !!
*****
" ما لا أفهمه لماذا يخاف المسلمون على إلههم من إنسان يفكر بعقل حر، هل يمكن أن يخاف الله من انسان؟ بصرف النظر عن ماهية الله! " تساءلت لمى بينما كنا نستلقي متجاورين على السرير بعد جولة حب رومانسية فجرتها القبلات الملتهبة عشقا، ولذة عناق لسانينا وهما يتعانقان في حالة وله فريدة !
" الله لا يخاف، هم الذين يخافون على فهمهم أن ينقرض، ربما لإدراكهم أن فهمهم لن يصمد إلى الأبد أمام مفاهيم كثيرة عقائدية وفلسفية وعلمية وصوفية في العالم، لذلك يجهدون بكل الوسائل ليخوضوا معركة البقاء لهذا الفهم بشتى الوسائل، بما فيها القتل، والبحث عن العلم في النص الديني، وغير ذلك" أجاب محمود!!
" إذا كان العلم نفسه لم يتوصل إلى معرفة الحقيقة المطلقة للوجود والغاية منه، فهل يتوصل هؤلاء عبر البحث في النص الديني أن الله والوجود حسب ما صورهما النص" ؟
" مستحيل حبيبتي الحقيقة المطلقة للوجود والغاية منه والقائم به، لم يعرفها العقل البشري بعد، ولن يعرفها بسهولة .. فما مرأربعة عشر مليار عام على انشائه لن يتم التوصل إلى معرفته خلال بضعة قرون. الفيزياء والفلسفة يصطدمان بين حين وأخر بحواجز لا يمكن اختراقها .. رغم أن المجال أمام الفلسفة أرحب للوصول إلى حقائق يقبلها العقل والمنطق"
أطرقت لمى للحظة ثم هتفت:
- كأني سمعت طرقا على الباب!
- من سيطرق في هذا الوقت المتأخر من الليل . الساعة تجاوزت الواحدة ..
- اسمع ! طرقة ثانية ... ثالثة !
- غير معقول . من الذي سيأتي إلينا في هذا الوقت دون أن يخبرنا مسبقا بقدومه ؟
حاول محمود أن ينهض من السرير غير أن لمى منعته .
- لا تنهض حبيبي. هذا مجرم أكيد . وربما أكثر من واحد .
طرق الباب للمرة الرابعة بطرقتين متتاليتين .
بدأ الرعب يجتاز جسد لمى، فيما حاول محمود السيطرة على أعصابه ونهض ليخرج من درج الخزانة المسدس الذي اقتناه للإنتحار، إذا ما ضاقت الدنيا في وجهه، وليس للدفاع عن النفس. أخرج المسدس. وضع طلقة في حجرة النار وهمّ للخروج من غرفة النوم. نهضت لمى ووقفت أمامه .
- لن يجدي المسدس شيئا أمام المجرمين . لا تخرج .
- سألقي نظرة من نافذة الممرالمطلة على نافذة المنورالمجاورة للباب.
بدأت لمى ترتجف رعباً ..
- حبيبتي . ابق هنا أو عودي إلى السرير وحاولي أن تهدأي !
لم تقبل . تبعت محمود وهو يخرج من غرفة النوم ويجتاز الصالون إلى الممر. فتح النافذة المطلة على نافذة مدخل بيته. ألقى نظرة . نور المدخل مضاء. لم ير الطارق. كان يقف خلف الباب كما يبدو بحيث يستره الحائط المجاور للنافذة.
- من هنا ؟ هتف محمود وانتظر أن يسمع رداً.
شاهد رجلا كالشبح يقدم ليقف أمام النافذة، كان متسربلا بالسواد بحيث لم يبد منه غيرعينيه .
هتف الشبح بعد لحظة من تأكده أن محمود أبو الجدايل لن يفتح الباب:
- أحضرنا لكما هدية متواضعة يا أبو الجدايل ! بإمكانكما أن تتمتعا بها إلى أن يحين أجلكما أنت والزانية المقيمة معك، وتقام عليكما حدود الله! إلى اللقاء!
وانصرف الرجل صاعدا الدرج النازل إلى مدخل البيت .
أغلق محمود النافذة . أشار إلى لمى أن تعود إلى غرفة النوم . أبت بحركة من رأسها ! تبعته وهو يعبرالممر إلى صالة معرض لوحاته، ويتجه إلى باب البيت ليفتحه ببطء وحذر .
تجمدت لمى على بعد خطوتين منه . أطل برأسه إلى الخارج . شاهد إلى جانب الباب رأسا مقطوعاً مخضباً بالدماء وإلى جانبه مظروف مغلق. نظر يميناً وشمالا ليجزم بعدم وجود أحد . أشار إلى لمى أن تعود إلى داخل البيت . أبت بإصرار وهي تتساءل :
- ماذا رأيت ؟
- حبيبتي ارجعي إلى غرفة النوم . يستحسن أن لا تري ماذا أحضروا لنا.
- لن أرتعب أكثر مما ارتعبت حتى الآن . أريد أن أعرف .
- من الأفضل أن لا تعرفي!
- سأعرف بكل الأحوال . يفضل أن أعرف من الآن .
- مجرد لعبة ملطخة بالدم ! يستحسن أن لا تريها .. هيا عودي إلى غرفة النوم .
- أي نوم سيأتيني بعد هذا ؟ اتصل بالشرطة .
- لن أتصل بالشرطة في هذا الوقت . سأذهب إليهم بالدمية في الصباح .
- ستتعرض حينها إلى تحقيقات وأسئلة لست في حاجة إليها . يستحسن أن يروا بأنفسهم ونخلص من الأمر الآن .
وحاولت أن تقترب من الباب وتطل لترى الدمية . فقد شكّت في أن محمود لم يقل الحقيقة ، غير أن محمود صدها بلطف . قاومته واندفعت نحو الباب لرؤية ما يقبع هناك . صدها محمود ثانية غير أنها قاومت وأطلت برأسها لترى الرأس المقطوع المخضب بالدماء. صرخت وهي تتراجع وتلقي نفسها على صدر محمود ..
- يا إلهي ! هيا اتصل بالشرطة . لا تلمس شيئا ..
اتصل محمود بشرطة النجدة ، مخبرا عن وجود رأس مقطوع أمام باب بيته.. حضرت دورية من ثلاثة أفراد بعد قرابة ثلث ساعة .. تأمل رئيس الدورية الرأس دون أن يلمسه .
- يبدو أنه رأس صناعي! هتف رئيس الدورية.
وضعوا الرأس بكيسه مع المظروف في كيس نايلون آخر، وانصرفوا مصطحبين محمود معهم لكتابة محضر التحقيق في القضية .
*****
" أوه محمود أبو الجدايل في حضرتنا ثانية " هتف الضابط المناوب في قسم الأمن الجنائي ، وكان قد تعرف إلى محمود أبو الجدايل خلال التحقيق في محاولة اغتياله، التي أودت بحياة رجل بريء.
"تفضل استاذ محمود "
جلس محمود على أريكة ، فيما راح الضابط يتأمل الرأس المقطوع:
- يبدو أنه من البلاستيك المقوى وطلي بمزيج من عصير الشمندر ومسحوق أحمر. قال الضابط وهو يمد يده إلى الرسالة ليتفحصها للحظات ليتأكد من خلوها من متفجرة ما ، قبل أن يفتضها ، ليقرأ :
إنذار أخير إلى الزنديق الكافر محمود أبو الجدايل :
تب إلى الله وعد إلى الإيمان القويم . وانتظر أن يقام عليك وعلى الزانية التي تقيم معك حد الزنى!
التوقيع : أحباب الله !
- أف ! مرتد وزان أيضا ؟! هتف الضابط مخاطبا محمود أبو الجدايل !
بدا لمحمود أن الضابط أخذ بما ورد في الرسالة وراح ينظر إليه كزنديق وكافر وزان :
- عفوا! هل تتساءل أم تتهمني أنت أيضا ؟
- لا، لا أتهمك ، مجرد تساؤل استنكاري للتهم.. لكن من هم " أحباب الله هؤلاء "
- إذا أنتم لا تعرفون فهل سأعرف أنا ؟
- للأسف لم نسمع بهم . هل تتهم أحدا بعينه .
- لا، لا أتهم . قد تكون جماعة جديدة متطرفة ، أو الجماعة نفسها التي أقدمت على اغتيالي سابقا .
- لم يثبت حتى اليوم على الرجل أي انتماء لجماعات اسلامية متطرفة ، كما لم يثبت من قبل على قاتل ناهض حتر !
- بعض هؤلاء يعتبرون أنفسهم منظمين تلقائيا منذ نشأة الاسلام في حزب إلهي غايته الدفاع عن الله ، حتى لو لم يكونوا منتمين إلى أي تنظيم مهما كان نوعه ، وإن جازهذا الرأي على القاتل ، فقد لا يجوز على غيره، أو على الجميع، لوجود تنظيمات داعشية وغير داعشية تهدد أمن دول وليس أمن أفراد فقط .
- مشكلة ! كشف هؤلاء الأوغاد مسـألة معقدة ، وخاصة هؤلاء الذين يتصرفون بدوافع إيمانية شخصية .
- لا أظن أن الرجل الذي جاء بالرأس المقطوع جاء بدوافع شخصية ، ولا أظن أنه جاء وحده في هذا الوقت من الليل ، وتوقيع الرسالة من قبل جماعة يشير إلى ذلك . وأعتقد أن القاتل السابق ينتمي للجماعة نفسها .
- حيرنا أمر ذاك القاتل . ما لا يصدق في محاولة اغتيالك ، أن يسبق مرور انسان الطلقة قبل إصابة هدفها.
- أشك في أن القتيل سبق الطلقة المتجهة إلي، ربما كان خائفا ولم يصوب جيدا، أو أنه اتخذ قراره بإطلاق النار ولم يفكر في التراجع .
- ومع ذلك ما زلت محتارا في الأمر، فالقول أن القاتل كان خائفا ومرتبكا ومترددا في اطلاق النار وأخطأ الهدف، أوأنه لم يستطع التراجع بعد أن أخذ الضغطة الأولى من الزناد في الوقت الذي كان القتيل يمر من أمامك.. توقعات غير دقيقة تماما..
- ومسألة أن يقتل رجل رجلا آخر دون معرفة القتيل أوأي سبب يدعو لقتله ، محيرة أكثر .
ران صمت للحظات ..
- سنعمل ما في وسعنا ونأمل أن نتوصل إلى نتائج مفيدة . بإمكانك الانصراف بعد توقيع محضر القضية .
*****
وجدت لمى في حال يرثى لها .. قبلتها وهدأت من روعها .
" يفضل أن تقيمي في بيتك لبضعة أيام حبيبتي إلى أن تخرجي من هذه الحالة ، وأنا لدي تسجيل حوارظهيرة اليوم مع تلفزيون "أفق المعرفة".. الآن يجب أن نحاول النوم !
" أشك في أنني سأتمكن من النوم بعد أن رأيت ما رأيته .. وأنت يجب أن تذهب لتقيم معي في بيتي ، فهو غير معروف لهؤلاء القوم .. لا يمكن أن تبقى في هذا البيت ضمن ظروف الرعب هذه "
لم أحبذ فكرة لمى ، لأن معرفة مكان إقامتي لن يكون عسيرا على هؤلاء ، ولا أريد أن أنقل الرعب إلى بيت لمى أيضا.. لم أناقشها في المسألة قلت لها :
- سنفكر حبيبتي ، الآن يجب أن ننام ، لقد طلع الفجر.
ضممتها إلى حضني .. وأغمضت عيني على أنفاسها تداعب عنقي. سمعتها تهمس " كم أشعر بالأمان وأنت تحتويني في حضنك "
ربت على ظهرها دون أن أهمس إلا بكلمة واحدة "حبيبتي"
******
استيقظنا في العاشرة . تناولنا مشروبي المفضل .. شاي أخضر تبعناه بشاي زعتر .. ورغم أنني لا أحب الفطور إلا أن لمى أرغمتني على تناول بيضة مسلوقة وموزة صغيرة ونصف تفاحة فقط ، فلم أقدر على تلبية رغبتها في أن آكل التفاحة كلها، لكني تقبلت كأس عصير البرتقال الذي اختتمت به إفطاري في انتظار القهوة، التي يندر أن أخرج من البيت دون احتسائها . قد تكون لمى على حق في ارغامي على الفطور، فقد يطول زمن التسجيل .
القهوة مع تدخين البايب متعة فريدة . قدرلا مفرلي منه. حاولت تركه عشرات المرات دون جدوى .. ما أن أقمع رغبتي فيه لبضع ساعات أوبضعة أيام ، حتى أجد نفسي مندفعا إليه بلهفة شديدة . رغم أنني أعتبر إرادتي قوية ، حتى أمام المرأة التي تشكل ضعفا لمعظم الرجال ، إن لم يكن جميعهم .
أوصلتني لمى بسيارتها إلى مبنى الاستوديو الذي سنسجل فيه . قبلتني مودعة وتابعت طريقها إلى بيتها . على أمل أن نلتقي بعد أن أنتهي من التسجيل .
******