بعد غروب الشمس، اتجه شباب جوق" الروينة" المشكل من الطلبة و بعض تلاميذ القرية إلى دار " بن احساين"، حاملين آلاتهم الموسيقية و بعض الأكل لقضاء سهرة هناك تضامنا مع " سان شيطان" الذي كان قد أودع السجن المحلي نتيجة تهمة بالسطو على خم أحد الأعيان.
لم يكن في الأمر مشكلة. فسجن دار بن احساين يتحول بعد انصراف المخزني العجوز في السادسة مساء إلى ما يشبه أي مأوى. يمكن دخوله أو مغادرته في أي وقت دون رقابة. و في الغالب كان يعهد إلى أحد السجناء بمراقبة الوضع.و هذا لم يكن ليثير مشاكل ما دام أن جل السجناء موقوفين نتيجة قضايا بسيطة لا تستدعي تهورا من الموقوفين كأن يفكروا في الفرار.
من قبل كان الوضع مختلفا، خصوصا في الفترة الاستعمارية، و ما تلاها من عقود في مرحلة ما بعد الاستقلال. و التي خلالها عرف السجن أزهى فترات نشاطه. و لأهمية المرحلة، فقد أنشئ حي صغير بجواره لا يسكنه غير المخازنية. أولئك الذين كانوا يقومون بأدوار حيوية. حتى أنه كان لديهم جياد كانت تصرف لها مستحقات إضافية بسبب توسيع مجال خدمتهم التي كانت تتضمن اختراق الضواحي بحثا عن مطلوبين، أو لتسلم معتقلين كأولئك الذين رفضوا تسليم أسلحتهم بعد رحيل القوات الفرنسية، أو لاعتقال بعض المنتسبين لحزب الشورى. و لعل الكثير من الناس انطبعت في ذاكرتهم صور أشخاص كانوا يساقون مكبلين و أجسادهم تتلقى ضربات سياط المخازنية خصوصا حين يقف الناس على جنبات المسار مستعرضين المشهد صامتين. يفعلون ذلك بزهو و استعراض مبالغ فيه. لكن أهمية دار بن احساين تراجعت مع الزمن بعد أن صار مخفر درك الورزاغ هو ما يتابع القضايا المهمة. و بالتالي اقتصر السجن المحلي على وجود اشخاص متابعين في قضايا تافهة من جهة. و لحاجة وجود مساجين يقومون بصيانة و رعاية حديقة دار القايد.
عند مدخل دار بن احساين وقف سان شيطان مرحبا بالوافدين. و يبدو أنه كان في أشد الحاجة لحقنة معنوية تنسيه ما تعرض له طوال اليوم من تنكيل و جلد كانت آثاره بادية. و أيضا كي يبرز مكانته بين السجناء الغرباء الذين كانت تضمهم الدار.
من قبل، لم يكن ليحدث أمر كهذا. فنخبة " الجماعة" التي كانت تتخذ مقرا لها مدخل مسجد القرية كانت تطوق كل النزاعات التي تنشب بين ساكنة القرية. فينزل الأعيان بثقلهم المعنوي، و يجدون مخرجا للمشاكل الصغيرة. لكن في حالة سان شيطان لم يحدث ذلك. و يبدو ان انعكاسات تصرفاته الميالة للعنف، أفقدته كل تعاطف من قبل الأعيان. خصوصا و أنهم يجدون أنفسهم مستهدفين من قبله.
عامل اضافي آخر لعدم تدخل الاعيان هو أنه لم يكن سليل إحدى الأسر الكبيرة في القرية.بل كان نسل أسرة ارتبطت بخدمة " الخليفة الحساين" الذي تم تعيينه من قبل الفرنسيين كحاكم للقرية. و ظلت على هذا الوضع حتى بعد تبدل الاحوال و موت الحاكم. و سان شيطان هو من القلة القليلة من أطفال القرية التي لم تلتحق بالمدرسة. و عوضا عن ذلك التحق بكتاب القرية الذي كان عبارة عن غرفة بدار " الخليفة" نفسها. و لأن الفقيه سي " المكي" كان معوقا. فقد كان في حاجة الى من يخدمه و لو في الحاجيات الصغيرة. و لم يكن من أحد مناسب لذلك غير " سان شيطان" الذي تطوع بمنحه لقب" الشيطان" و كان اكثر من التزموا بالكتاب إلى غاية موت سي المكي. و لحظتها كان قد بلغ " البقرة الصغيرة" أي أنه حفظ نصف القرآن. غير أنه و بكيفية يصعب فهمها، ارتد إلى الأمية. و عمل في ورشات البناء و أعمال بسيطة أخرى.
في بداية شبابه أدرك أشياء كثيرة، من ضمنها وضعه الاجتماعي المتواضع. و من ثم عمد إلى تصحيح ذلك الوضع موظفا قوته البدنية المخيفة. و كان أول ما هدف إليه هو محاولة اقتلاع اللقب الملتصق به " الشيطان" غير إن هذا المسعى سرعان ما تبخر حين تطوع إحد الشباب و أضاف للقب كلمة " سان" و تحول اللقب إلى مشروع انضاف له مع الوقت" العظيم" ليصبح اللقب " سان شيطان العظيم" و لكونه يتضمن تلك المفردة الفرنسية، فقد أعجب باللقب لحد أنه صار يتبجح به حين كان يصل الثمالة في سهراتهفلا يتردد في أن يصرخ " أنا سان شيطان العظيم"
لم يكن في الأمر مشكلة. فسجن دار بن احساين يتحول بعد انصراف المخزني العجوز في السادسة مساء إلى ما يشبه أي مأوى. يمكن دخوله أو مغادرته في أي وقت دون رقابة. و في الغالب كان يعهد إلى أحد السجناء بمراقبة الوضع.و هذا لم يكن ليثير مشاكل ما دام أن جل السجناء موقوفين نتيجة قضايا بسيطة لا تستدعي تهورا من الموقوفين كأن يفكروا في الفرار.
من قبل كان الوضع مختلفا، خصوصا في الفترة الاستعمارية، و ما تلاها من عقود في مرحلة ما بعد الاستقلال. و التي خلالها عرف السجن أزهى فترات نشاطه. و لأهمية المرحلة، فقد أنشئ حي صغير بجواره لا يسكنه غير المخازنية. أولئك الذين كانوا يقومون بأدوار حيوية. حتى أنه كان لديهم جياد كانت تصرف لها مستحقات إضافية بسبب توسيع مجال خدمتهم التي كانت تتضمن اختراق الضواحي بحثا عن مطلوبين، أو لتسلم معتقلين كأولئك الذين رفضوا تسليم أسلحتهم بعد رحيل القوات الفرنسية، أو لاعتقال بعض المنتسبين لحزب الشورى. و لعل الكثير من الناس انطبعت في ذاكرتهم صور أشخاص كانوا يساقون مكبلين و أجسادهم تتلقى ضربات سياط المخازنية خصوصا حين يقف الناس على جنبات المسار مستعرضين المشهد صامتين. يفعلون ذلك بزهو و استعراض مبالغ فيه. لكن أهمية دار بن احساين تراجعت مع الزمن بعد أن صار مخفر درك الورزاغ هو ما يتابع القضايا المهمة. و بالتالي اقتصر السجن المحلي على وجود اشخاص متابعين في قضايا تافهة من جهة. و لحاجة وجود مساجين يقومون بصيانة و رعاية حديقة دار القايد.
عند مدخل دار بن احساين وقف سان شيطان مرحبا بالوافدين. و يبدو أنه كان في أشد الحاجة لحقنة معنوية تنسيه ما تعرض له طوال اليوم من تنكيل و جلد كانت آثاره بادية. و أيضا كي يبرز مكانته بين السجناء الغرباء الذين كانت تضمهم الدار.
من قبل، لم يكن ليحدث أمر كهذا. فنخبة " الجماعة" التي كانت تتخذ مقرا لها مدخل مسجد القرية كانت تطوق كل النزاعات التي تنشب بين ساكنة القرية. فينزل الأعيان بثقلهم المعنوي، و يجدون مخرجا للمشاكل الصغيرة. لكن في حالة سان شيطان لم يحدث ذلك. و يبدو ان انعكاسات تصرفاته الميالة للعنف، أفقدته كل تعاطف من قبل الأعيان. خصوصا و أنهم يجدون أنفسهم مستهدفين من قبله.
عامل اضافي آخر لعدم تدخل الاعيان هو أنه لم يكن سليل إحدى الأسر الكبيرة في القرية.بل كان نسل أسرة ارتبطت بخدمة " الخليفة الحساين" الذي تم تعيينه من قبل الفرنسيين كحاكم للقرية. و ظلت على هذا الوضع حتى بعد تبدل الاحوال و موت الحاكم. و سان شيطان هو من القلة القليلة من أطفال القرية التي لم تلتحق بالمدرسة. و عوضا عن ذلك التحق بكتاب القرية الذي كان عبارة عن غرفة بدار " الخليفة" نفسها. و لأن الفقيه سي " المكي" كان معوقا. فقد كان في حاجة الى من يخدمه و لو في الحاجيات الصغيرة. و لم يكن من أحد مناسب لذلك غير " سان شيطان" الذي تطوع بمنحه لقب" الشيطان" و كان اكثر من التزموا بالكتاب إلى غاية موت سي المكي. و لحظتها كان قد بلغ " البقرة الصغيرة" أي أنه حفظ نصف القرآن. غير أنه و بكيفية يصعب فهمها، ارتد إلى الأمية. و عمل في ورشات البناء و أعمال بسيطة أخرى.
في بداية شبابه أدرك أشياء كثيرة، من ضمنها وضعه الاجتماعي المتواضع. و من ثم عمد إلى تصحيح ذلك الوضع موظفا قوته البدنية المخيفة. و كان أول ما هدف إليه هو محاولة اقتلاع اللقب الملتصق به " الشيطان" غير إن هذا المسعى سرعان ما تبخر حين تطوع إحد الشباب و أضاف للقب كلمة " سان" و تحول اللقب إلى مشروع انضاف له مع الوقت" العظيم" ليصبح اللقب " سان شيطان العظيم" و لكونه يتضمن تلك المفردة الفرنسية، فقد أعجب باللقب لحد أنه صار يتبجح به حين كان يصل الثمالة في سهراتهفلا يتردد في أن يصرخ " أنا سان شيطان العظيم"