-II-
الفصل الثاني: جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
1 - هل كان لمصحف أبي بكر طابع رسمي؟
كيف كانت منزلة المصحف الذي جمع من طرف زيد بأمر من أبي بكر، هل كان مصحفًا خاصًا بالخليفة، أم كان الغرض جعله مصحفًا رسميًا للأمة الإسلامية التي كانت آنذاك سائرة في النمو؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نحقق فيما وقع لهذا المصحف بعد جمعه. جاء في صحيح البخاري ما يلي - كتاب المصاحف لابن أبي داوود، ص 87 -:
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم[1].
كان هؤلاء الثلاثة، الذين تناقلوا المصحف في بداية الأمر، شخصيات ذات مكانة عالية، إذ أن أبا بكر وعمر كانا أول من خلف محمد على التوالي، في حين كانت حفصة، بدورها، شخصية بارزة، وهذا ما جعل بن أبي داود، في كتاب المصاحف، يصفها بأنها كانت في نفس الوقت "بنت عمر" و"زوج النبي"[2]. لقد أُخِذ هذا المصحف بقدر كاف من الجدية من طرف الخليفتين أبي بكر وعمر لذلك لاقى اعتناءً خاصًا في عهديهما، أما معرفة ما إذا كان هذا المصحف قد اكتسب طابعًا رسميًا في تلك الفترة فهذه مسألة أخرى.
كان لعملية جمع القرآن التي تمت في عهد أبي بكر منزلة خاصة، لأن لجامعه زيد بن ثابت مكانة خاصة بين الصحابة الذين اهتموا بالقرآن. حاول زيد، قدر استطاعته، أن يجمع مصحفًا أقرب ما يكون إلى الكمال - لأنه من غير السهل على العموم إثبات حدوث تحريف. يستنتج من هذا أنه كانت للمصحف قيمة عالية لذلك استفاد من رعاية أبي بكر وعمر خلال فترتي خلافتهما، لكن، بالرغم من كل هذا، ليس هناك أدنى شك في أن هذا المصحف لم يُمنح طابعًا رسميًا في عهديهما. يزعم ديزاي أنه لم تكن في ذلك الوقت أية حاجة ماسة لـ"منح هذا المصحف طابعًا رسميًا" لأن القرآن كان، حسب زعمه، ما يزال محفوظًا في ذاكرات الحفّاظ من أصحاب محمد الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك[3] (ديزاي، ص 31). لقد رأينا سابقًا أن ما زُعِمَ بخصوص الحفظ الكامل والمثالي لنص القرآن في ذاكرات الصحابة مبني على فرضيات مجانية، إذ لا يمكننا قبول فكرة أنه لم تكن هناك حاجة لفرض مصحف أبي بكر على الجمهور، بعد جمعه، فقط لوجود بعض الأشخاص الذين كانوا يحفظون القرآن في ذاكراتهم. على العكس من ذلك فإن أبا بكر وعمر لم يأمرا بجمع القرآن في نص موحد إلا بعد أن شعرا بالحاجة الماسة إلى ذلك نظرًا، بالدرجة الأولى، إلى عدم جدوى التعويل على ذاكرات الناس وحدها. من المؤكد أن أبا بكر وعمر كانا يعلمان جيدًا أن أشخاصًا كابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل هم على دراية واسعة بالقرآن، وبالتالي كان بإمكانهم هم كذلك جمع مصاحف قرآنية ذات مصداقية كافية. رغم طابع الأهمية الذي أعطي له لم يكن مصحف زيد بن ثابت يعتبر أكثر نفوذًا بالمقارنة مع باقي المصاحف التي جُمِعت آنذاك، ولهذا السبب بالذات لم يكن من الممكن فرضه كمصحف رسمي وموحد على مجموع الأمة الإسلامية. لقد تم، في واقع الأمر، إخفاء هذا المصحف مباشرة بعد جمعه، فبعد وفاة عمر انتقل هذا المصحف إلى ابنته حفصة التي كانت تعيش في عزلة شبه تامة منذ وفاة محمد، وهذا ما يبين بوضوح أنه لم تكن هنالك أية رغبة في نشره بين الجمهور. يزعم ديزاي أنه قد اُحتفظ بالمصحف كل هذه السنين كي يتم استعماله في المستقبل حين سيكون كل القراء من صحابة محمد أمواتًا. مع الأسف لا يوجد، فيما تركه لنا الأقدمون من روايات، ما يشير إلى أن الغرض من جمع مصحف زيد هو هذا الهدف المزعوم. على العكس، كانت الحاجة الماسة إلى نص مكتوب هي التي دفعت إلى جمعه. كان زيد، في الوقت الذي كان فيه يجمع القرآن، على دراية بأنه قد لا يُنظر إلى مصحفه كنص مكتمل لأن بعض الفقرات قد فقدت منه وآيتين على الأقل لم يكن يعرفهما إلى أن ذكّره بهما أبو خزيمة. لو كان أبو بكر وعمر يعلمان علم اليقين أن المصحف كان مكتملاً لتم فرضه على مجموع المسلمين في الحين.
من جهة أخرى، إذا افترضنا أن زيدًا كان مقتنعًا بأن مصحفه لم يكن أحسن من المصاحف التي قام عبد الله بن مسعود وصحابة آخرون بجمعها أمكننا أن نفهم لماذا تم إخفاء هذا المصحف. حين انتقلت الخلافة إلى عثمان كانت المصاحف الأخرى تكتسح الميدان في مختلف مناطق الدولة الإسلامية الناشئة في الوقت الذي كان فيه مصحف زيد يرقد في بيت إحدى زوجات محمد. لقد جُمِع هذا المصحف بأمر رسمي من الخليفة أبي بكر بدون أن يُعطى له، في أي وقت من الأوقات، أي طابع رسمي؛ فلم يكن في واقع الأمر إلا واحدًا من مصاحف عديدة تم جمعها في نفس الفترة تقريبًا وكانت لها نفس المصداقية.
2 - إحراق عثمان للمصاحف الأخرى
بعد تسعة عشر سنة من وفاة محمد تقلد عثمان كرسي الخلافة بعد أبي بكر وعمر فكان لهذا الحدث أهمية بالغة بالنسبة لتطور النص القرآني. كان حذيفة بن اليمان يقود غزوة شمال بلاد الشام، وكان جزء من جيشه متكَوِّنًا من أهل الشام وجزء آخر من أهل العراق. لم يمر وقت طويل حتى اختلف الفريقان حول طريقة قراءة القرآن. بعض هؤلاء قدم من دمشق وحمص والبعض الآخر من الكوفة والبصرة، وفي كل واحدة من هذه المناطق ساد مصحف معين. على سبيل المثال نذكر أن أصحاب الكوفة كانوا يتّبِعون مصحف عبد الله بن مسعود في حين كان أهل الشام يعملون بمصحف أبي بن كعب. أقلق هذا الأمر حذيفة فتشاور بشأنه مع سعيد بن العاص، وأبلغ على إثر ذلك الخليفة عثمان. جاء في حديث البخاري ما يلي:
حدثنا موسى حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق[4].
هذه أول مرة نجد فيها تلميحًا لوجود مصاحف غير مصحف زيد بن ثابت في نصوص الحديث المعترف بها رسميًا. يشير الحديث كذلك إلى أن هذه المصاحف كانت معروفة ومقبولة لدى المسلمين ربما أكثر من مصحف زيد الذي كان آنذاك في حوزة حفصة. كانت بعض النصوص مجرد مقاطع من القرآن في حين كانت نصوص أخرى موجودة على شكل مصاحف قرآنية كاملة.
ما الذي دفع عثمان إلى تعميم مصحف زيد في جميع الأمصار وإحراق باقي المصاحف؟ هل السبب هو كون تلك المصاحف كانت تتضمن أخطاء بخلاف مصحف زيد الذي كان نصًا كاملاً لا غبار عليه؟ ليس في الروايات القديمة ما يوحي بهذا. لمعرفة الظروف والملابسات التي جعلت عثمان يقرر فرض مصحف زيد بن ثابت على جميع الأقطار التي كانت تحت إمرته نورد هذه الرواية التي جاءت في كتاب المصاحف لابن أبي داوود:
قال علي بن أبي طالب: يا أيها الناس لا تقولوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل إلاّ عن ملأ منا جميعًا، فقال ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذا كاد أن يكون كفرًا. فقلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت. قال: فقيل أي الناس أفصح وأي الناس أقرأ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص وأقرأهم زيد بن ثابت. فقال: فليكتب أحدهما وليملي الآخر. ففعلا وجمع الناس على مصحف واحد[5].
تنص هذه الرواية بوضوح على أن السبب الذي دفع عثمان إلى اتخاد قراره هو رغبته في فرض إجماع حول نص قرآني واحد. لم يكن قرار إحرق المصاحف الأخرى بسبب كونها غير جديرة بالثقة بل كان الدافع هو الرغبة في تجنب الشقاق بين المسلمين حول القرآن. يقبل ديزاي فكرة أن هذه المصاحف كانت كاملة وأصيلة على السواء، لكن، في المقابل، يزعم أن قرار الإحراق كان مبرره فقط الرغبة في تجنب الاختلاف في قراءة النص. يظن هذا الباحث أن النص الزيدي - نسبة لزيد بن ثابت - عُدَّ نصًا رسميًا وأن غيره من المصاحف جُمِع بمبادرات شخصية فقط، وأما اختلاف القراءات فهو لا يعتبره دليلاً على عدم صلاحية تلك المصاحف بل هو، حسب ظنه، خير مثال على أن القرآن نزل على سبعة أحرف كما ورد في الحديث[6]. يقول ديزاي:
أبسط طريقة لضمان هيمنة مصحف عثمان هو إحراق المصاحف الأخرى[7]
لقد كان هذا هو الدافع الحقيقي لإحراق المصاحف، لأن عثمان أراد توحيد المسلمين على نص قرآني واحد، وهذا هو السبب الذي جعل حذيفة بن اليمان يُشعره بضرورة الأمر - فهو الذي كان وراء ذلك كما ذكر ابن أبي داود[8]. يضيف ديزاي:
كان الغرض من إحراق المصاحف والاحتفاظ بمصحف زيد هو تجنب الاختلاف في قراءة القرآن[9].
فالمشروع الذي قام به أبو بكر اقتصر على جمع القرآن من مصادر متعددة في حين حاول عثمان فرض هيمنة هذا المصحف على المسلمين على حساب المصاحف الأخرى التي كانت تكتسي يومًا بعد يوم مكانة كبيرة في الأمصار.
لكن ما الدافع لاختيار مصحف زيد ليكون هو المصحف الرسمي؟ الرواية التي قدمنا سالفًا تبرز المصداقية التي كان يتمتع بها زيد في مجال القرآن، لذلك لا يمكن نفي أن يكون مصحفه على العموم خاليًا من التحريف. صحيح أن هذا المصحف قد تم جمعه تحت الرعاية الرسمية للخليفة أبي بكر لكن هذا لا يدل على أنه أصبح بذلك نصًا رسميًا، أو على أن المصاحف الأخرى قد تم جمعها بمبادرات شخصية اتخذها بعض الصحابة[10]. إنَّ كون هذا المصحف قد أُخْفِي مباشرة بعد جمعه وبقي قابعًا في الظلّ لمدة معينة ولم يتم إشهاره لدليل كاف على أنه لم يكن يعتبر نصًا رسميًا.
على عكس المصاحف الأخرى التي كانت تكتسب شهرة كبيرة وإقبالاً بالغًا في مختلف الأمصار، كان مصحف زيد غير معروف لدى المسلمين في تلك المناطق، ولهذا السبب لم يكن ليعتبر مصحفًا منافسًا. لقد كانت الغاية الحقيقية من فرض مصحف زيد هي القضاء على السلطة السياسية التي كان يتمتع بها بعض قراء القرآن في الأمصار التي كان عثمان يفتقد فيها شيئًا من مصداقيته بسبب السياسة التي كان ينتهجها حيث أنه كان يعين، كعمال، أقرباؤه من بني أمية، أعداء محمد، على حساب الصحابة الذين ظلوا أوفياء لمحمد طيلة حياتهم. يمكننا أن نستنتج مما سبق أن مصحف زيد لم يتم اختياره لأنه كان يتميز على المصاحف الأخرى من حيث الكمال، ولكن لأنه كان يخدم الأهداف السياسية التي كان يبتغيها عثمان من توحيد نص القرآن. لقد أخرج عثمان هذا المصحف من الظلّ وجعل منه مصحفًا رسميًا لكل المسلمين بعد أن بقي مدة طويلة في الخفاء، وهو إجراء لم يحاول لا أبو بكر ولا عمر، خلال مدتي خلافتهما، أن يقوما به. لا يجوز إعطاء مصحف زيد أي امتياز مقارنة مع المصاحف الأخرى رغم ما كان يعرف عن جامعه من دراية بالقرآن، لأن الإطار الرسمي الذي جمع فيه هذا المصحف تجلى فقط في كون الخليفة هو الذي أعطى الضوء الأخضر لجمعه. فلو كان محمد نفسه هو الذي رخَّص وأشرف على عملية جمع القرآن لصح نعت المصحف بالرسمي. لكن في الحالة التي تهمنا جاء المصحف كنتيجة لمبادرة من الخليفة أبي بكر، حيث حاول بإخلاص أن يجمع نصًا أقرب ما يكون إلى الكمال على قدر استطاعته تاركًا لنفسه حرية اختيار ما وجب إدخاله وما وجب إسقاطه.
مرة أخرى يجب أن لا ننسى أن أبا بكر لم يحاول فرض مصحفه بعد جمعه كما فعل عثمان لاحقًا لذلك لا يمكن النظر إليه على أساس أنه كان نصًا رسميًا قبل زمن عثمان كما يزعم ديزاي وآخرون.
ما قام به عثمان كان قاسيًا بالفعل، وهذا هو أقل ما يمكن قوله في هذا الصدد. حيث أنه لم ينج من قرار الحرق أي مصحف من تلك المصاحف التي كانت متداولة آنذاك. لا مفر إذن من الاعتراف بأن هذا الخليفة لم يكن يملك بديلاً غير هذا نظرًا لأن الفروق كانت شاسعة في خصوص طريقة قراءة القرآن. كون أن ولا نسخة واحدة من المصاحف نجت من الحرق يُظهر بجلاء أنه لم يكن هناك توافق كامل فيما بينها. لقد كانت هناك بالفعل تعارضات كبيرة بين تلك النصوص وجب بسببها اتخاد قرار حازم بتدميرها جميعًا والاحتفاظ بمصحف معين ألا وهو مصحف زيد. لا يمكن للإنسان أن يعتقد أن النص العثماني، الذي ظلّ في الخفاء لمدة معينة، أصبح النص المثالي في عشية وضحاها، وأنه كلما ظهر اختلاف بينه وباقي المصاحف وجب نعت هذه الأخيرة بالخطأ. إن الإختباء تحت هذا القناع من أجل إخراج مصحف عثمان من إشكالية الاختلافات القرائية لا يمكن قبوله إذا نظر إلى المسألة بقدر كاف من الموضوعية، حيث لم يكن مصحف زيد إلا واحدًا من عدد من المصاحف التي جمعت من قبل الصحابة، وكانت تختلف فيما بينها بخصوص طريقة قراءتها. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يميزه بالنسبة إليها هو كونه مُسْتَمَدٌ من مصحف جُمِعَ بين يدي أبي بكر. وبما أن هذا المصحف لم يكن مشهورًا عند عامة المسلمين فقد بقي خارج نطاق النقاشات التي أُثيرت حول المصاحف الأخرى.
إذًا، كما رأينا، لم يكن مصحف زيد مصحفًا رسميًا بل نصًا قام شخص واحد بجمعه، ألا وهو زيد بن ثابت، بنفس الطريقة التي جمع بها عبد الله بن مسعود والصحابة الآخرون مصاحفهم. لم يكن هذا أبدًا النص الذي أَذِن به محمد شخصيًا بل لم يكن إلا نصًا واحدًا من بين عدة نصوص مختلفة كانت منتشرة آنذاك، وقد أُعْطِيت صفة الرسمية لهذا المصحف باختيار أحادي الجانب من الخليفة عثمان حيث أراد له هذا الأخير أن يكون مصحف كل المسلمين بقرار انفرادي.
يَعي العلماء المسلمون المعاصرون، الذين يزعمون بتهور أن نص القرآن الذي بين أيدينا يتميز بكمال مطلق، كل الوعي أن وجود قراءات مختلفة للنصوص الأولى للقرآن ستجعل مزاعمهم مجرد هراء لا محالة، لذلك نجدهم يقولون إن الاختلافات لم تكن في النصوص نفسها وإنما في طريقة التلفظ بها فقط.
عبر كوكب الصديق عن هذا التصور كما يلي:
لم يهدف عثمان إلى فرض مصحف معين على حساب المصاحف الأخرى لأنه لم يكن هناك إلا مصحف واحد منذ البداية. ما أراد عثمان فعله هو فقط توحيد المسلمين على قراءة معينة لنص القرآن مع التأكيد على أن هذه القراءة يجب أن تبقى بالضرورة مطابقة للهجة قريش التي نزل بها القرآن. ما كان يشغل باله هو اختلاف أهل الشام مع أهل العراق في طريقة تلاوة القرآن[11].
ما يُزْعَم هنا هو أنه كانت هناك اختلافات في القراءات مرجعها فقط طريقة "تلفظ" أو "ترتيل" النص القرآني. هذا النوع من الاستدلال يستند كليًا إلى مقدمات فاسدة لأن التلاوة والتلفظ والترتيل ليست لها علاقة سوى بالنص المنطوق ولا يمكن للاختلافات بخصوصها أن تظهر في النصوص المكتوبة، لكن عثمان أمر بإتلاف نصوص مكتوبة. يجب كذلك أن لا ننسى أنه في الفترة التي كان يُجمَع فيها القرآن على شكل مصاحف لم تكن الكتابة العربية مشكلة ولا الحروف منقطة. لذلك فالاختلافات لم تكن لتظهر في النصوص المكتوبة. فلماذا إذن قام عثمان بحرقها؟ هناك جواب منطقي واحد لهذا السؤال ألا وهو أن الاختلافات كانت في النصوص ذاتها وليس فقط في طريقة نطقها. وسنحاول في الأجزاء التالية أن نُظْهِر إلى أي مدى وصلت هذه الاختلافات النصّية. قام عثمان بإرغام المسلمين على قبول مصحف معين على حساب مصاحف أخرى، ولن يكون لقراره هذا أي مبرر إذا كانت هذه النصوص لا تختلف فيما بينها إلا في نقاط بسيطة وتافهة تخص التلاوة فقط، لأن هذا القرار المتشدد لا يمكن أن يأت إلا نتيجة لوجود اختلافات جوهرية عديدة بين النصوص المكتوبة.
يجب على المسلمين أن يفكروا ويتمعنوا بجدية فيما قام به عثمان بن عفّان. لقد كان القرآن يعتبر، ولا زال، كلام الله المنزل على رسوله محمد. أمّا المصاحف فقد كتبت من طرف صحابة محمد المقربون. ما القيمة التي كانت ستعطى للمصاحف التي أحرقت بأمر من عثمان لو بقيت حتى يومنا هذا؟ حاول الصحابة، الذين كانوا يعتبرون، بشهادة الأحاديث الصحيحة، من ذوي الدراية العالية بالقرآن (عبد الله بن مسعود‚ أبي بن كعب.. )، أن يكتبوا المصاحف بأيديهم، وبذلوا في ذلك كل جهدهم لكي تكون أقرب ما يمكن إلى الكمال. هذه هي المصاحف التي أمر عثمان بإحراقها، مصاحف جمعها صحابة أجلاء لا غبار عليهم. فإذا لم تكن فيما بينها اختلافات عميقة فلماذا قرر عثمان إحراق ما كان عزيزًا على كل المسلمين ويعتبرونه كلام الله المنزل على رسوله؟ لا يمكن قبول الطريقة التي يحاول بها علماء الإسلام المعاصرون تبرير ما قام به عثمان، وعلى الخصوص إذا افترضنا، كما يزعم الصديق، أنه لم تكن هناك أبدًا اختلافات بين النصوص. ماذا سيعتقد المسلمون لو قام أحد في عصرنا هذا بإحراق مصاحف عزيزة على قلوبهم؟ ليس هناك إلا تفسير واحد لكل ما جرى ألا وهو وجود اختلافات نصّية عميقة بين المصاحف استوجب معها حلٌّ واحد وهو الاحتفاظ بأحدها وتنحية المصاحف الأخرى.
في الوقت الذي نجد فيه أن كوكب الصديق يعلن مقولته "نص واحد لا اختلاف فيه" زاعمًا أنه "لم يكن هنالك أكثر من نص واحد" نرى أن مولانا ديزاي يتناقض معه حين يعترف بوجود اختلافات في النصوص الأولى تجلى بعضها في "تغيرات نصية"[12] وكذلك حين يعترف بأن بعض المصاحف لم تكن مماثلة للمصحف الذي قام زيد بن ثابت بجمعه[13]. لكن ديزاي يحاول أن يثبت أن نص القرآن ذو كمال مطلق بزعمه أن الاختلافات التي كانت موجودة بين النصوص كانت مشروعة وهي ما يُدعى بـ"الأحرف السبع". يبرر ديزاي ضرورة توحيد المصاحف القرآنية بكون هذه الأحرف لم تكن معروفة عند كل المسلمين لذلك يكون قد وجب الإبقاء على نص واحد. يقول ديزاي:
القرار الذي اتخذه عثمان بحرق مصاحف مشروعة كانت تمثل ترجمة وفية للقرآن المجيد مبرره الصراعات التي كانت قائمة آنذاك في المناطق التي تم فتحها بين مسلمين حديثي العهد بالقرآن لم تكن لهم دراية بكل أشكال القراءات المشروعة... فكان من الصعب جدًا تدقيق كل النسخ القرآنية لدرجة وجب معها، كحلِّ وحيد، تنحية جميع تلك النسخ من أجل الحفاظ على مصحف واحد يجتمع عليه كل المسلمين[14].
إذن أصبح من الملائم تنحية ستة قراءات مشروعة لفائدة قراءة واحدة فقط لأن الخليفة رأى أنه من الصعب قراءة المصاحف الأخرى بالرغم من أنه كان بالإمكان تصحيح وتدوين كل تلك المصاحف كما حصل مع مصحف زيد. لا يمكن للمرء إلا أن يستغرب الطريقة التي يحاول بها بعض المسلمين تبرير ما قام به عثمان من حرق مصاحف كانت لها قيمة عالية في نفوس المسلمين دون أن يخدش هذا التفكير أحاسيسهم. إنه لمن المشوق معرفة ما سيكون رد مولانا لو قام أحد في عصرنا الحاضر بحرق أجزاء من القرآن تحت نفس الذريعة التي قدمها في النص المذكور أو لو قرر أحدهم تصوير شريط حول ما قام به عثمان.
قرار حرق مصاحف قرآنية كالذي اتخده عثمان لا يمكن تفسيره بهذا الاستخفاف، لذلك وجب على الباحثين المسلمين أن يُقَيِّموا بجدية هذه المسألة. سَتُتاح لنا الفرصة لكي نرى أن رد فعل عبد الله بن مسعود، إثر سماعه قرار عثمان، كان قويًا جدًا. كذلك كان هذا القرار من بين الأسباب التي دفعت بعض الصحابة إلى إعلان معارضتهم لعثمان لأنه "محا كتاب الله عز وجل"[15]. الكلام هنا خَصَّ كتاب الله بعينه وليس فقط النصوص التي كانت موجودة قبل قرار الحرق، والغرض منه إبراز المعارضة الشديدة لهؤلاء الصحابة لقرار عثمان.
سنرى في الفصول القادمة إلى أي حدٍّ بلغت الاختلافات في طرق قراءة القرآن، وكذلك مدى اختلاف مصاحف بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي موسى وآخرون. لكن قبل هذا يجب أن نستعرض بإيجاز بعض التطورات المهمة التي واكبت قرار عثمان بجعل مصحف زيد المصحف الرسمي والوحيد للأمة الإسلامية.
3- مراجعة مصحف زيد بن ثابت
بما أن المصحف الأصلي الذي جمعه زيد في عهد أبي بكر كان على قدر كاف من الكمال فقد يميل البعض إلى الاعتقاد أن نسخه كان كافيًا في عهد عثمان دون أية حاجة إلى بحث موسع عما يجب أن يحتوي عليه وإعادة النظر فيه. لكن هناك أدلة تشير إلى أن هذا النص لم يكن ينظر إليه على هذا الأساس. حيث نجد أن عثمان قد أمر بإعادة جمعه وكذلك تصحيحه كلما تطلب الأمر ذلك. نقرأ في صحيح البخاري ما يلي:
حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري وأخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش فإن القرآن أنزل بلسانهم. ففعلوا[16].
لقد رأينا سابقًا أن سعيد ابن العاص كان يعتبر من ذوي المعرفة الواسعة باللغة العربية، وقد تم اختياره لهذا السبب، وكذلك الشخصين الآخرين لأنهم كانوا ينتمون إلى قبيلة قريش التي كان ينتمي إليها محمد، في حين كان زيد من المدينة المنورة. لقد كانت رغبة عثمان أن يُكتب القرآن بلهجة قريش التي نزل بها أصلاً على محمد، لهذا أمر أن يكتب بهذه اللهجة كلما وقع اختلاف بين زيد وهؤلاء الثلاثة. يتبين لنا مرة أخرى أن الأمر لم يكن يتعلق فقط بنقاط اختلاف تهم طريقة النطق والترتيل لأن هذا النوع من الاختلاف لا يمكن أن يكون له أثر على النص المكتوب. من الواضح إذن أن عثمان قام بإدخال تعديلات على النص المكتوب حين أمر الكتاب الأربعة بالعمل سويًا، بل هناك أدلة على أن عثمان لم يكتف بهؤلاء الأربعة بل تشاور مع بعض الصحابة الآخرين بخصوص جمع القرآن، وربما كانت هناك مراجعة شاملة للمصحف[17].
هناك رواية مفادها أنه كان على زيد أن يتذكر آية فقدت من المصحف الذي جمعه في عهد أبي بكر:
قال زيد: فقدت آية من الأحزاب (السورة 33، الآية 23) حين نسخنا المصحف قد كنت سمعت رسول الله يقرأ بها. فالتمسناها فوجدناها لدى خزيمة بن ثابت الأنصاري - من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه - فألحقناها في سورتها في المصحف[18].
نفس الرواية حول فقدان ما يعتبر الآن الآية 23 من سورة الأحزاب نجدها في صحيح البخاري[19]. في النظرة الأولى نلاحظ أن هذه الرواية تشبه إلى حد بعيد تلك التي تتحدث عن فقدان الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة خلال عملية جمع القرآن في عهد أبي بكر، والتي قام بها نفس الشخص يعني زيد. جُمِع القرآن واكتشفوا فيما بعد أن مقطعًا قد فُقِد منه، ووجد هذا المقطع أخيرًا عند خزيمة بن ثابت. زيادة على هذا هناك حديث، سبق ذكره، مفاده أن الحادث وقع زمن عثمان، لهذا يرى الصديق أن الرواية التي تتحدث عن الآية المفقودة من سورة الأحزاب إنما تتعلق بالآيتين الأخيرتين من سورة براءة، وأن الحديث المتعلق بهاتين الآيتين أكثر صحة من الآخر[20].
المعطيات المتوفرة لا تمكننا من اصدار أية استنتاجات حول هذا الموضوع، فقط نستغرب من كون زيد لم يكتشف فقدان آية من القرآن إلا بعد مرور 19 سنة على وفاة محمد، وبمحض الصدفة يجدها عند نفس الصحابي الذي وجد عنده الآيتين الأخيرتين من سورة براءة! لقد رأينا سالفًا أن خزيمة هذا هو الذي أثار انتباه زيد إلى عدم وجود آيتين من سورة براءة؛ فإذا كان هناك نص آخر فقد ولم يوجد إلا معه فلماذا بقي صامتًا ولم يتحدث عنه خلال هذه المدة الطويلة؟
ديزاي لا يشك في صحة الحديث المذكور لكنه يفسر المسألة بزعمه أن (السورة 33، الآية 23) كانت بالفعل موجودة في المصحف الأصلي الذي جمع في عهد أبي بكر لكن وقع نسيانها خلال عملية النسخ في عهد عثمان، ويردد مرة أخرى أن الآية كانت معروفة لدى "عدد كبير من الحفاظ"[21]. هذا المزعم لا يستطيع أن يصمد أمام التحليل النقدي.
المصحف الذي قام زيد ومساعدوه بنقله لم يتم إحراقه مع المصاحف التي أحرقت بل أعيد إلى حفصة بعد إنتهاء العمل به. إذن لو كانت الآية المعنية بالأمر موجودة فيه فلن تكون هناك حاجة إلى البحث عنها (إلى أن وجدت عند أبي خزيمة). في نفس السياق لا يمكن قبول فكرة أن الآية كانت تُفقَدُ كل مرة يُنقَلُ فيها مصحف ليُرسل إلى إحدى الأقطار الإسلامية رغم كونها موجودة في المصحف الأصلي! إن الأدلة التي يقدمها ديزاي لتفسير فقدان الآية في المصاحف هي أدلة واهية لا يمكن قبولها.
ليس للحديث إلا معنى واحد ألا وهو أن الآية لم يتذكرها زيد إلا بعد انتهاء العملية الثانية لجمع القرآن بأمر من عثمان. وقوع مثل هذا الحدث محتمل إذا علمنا أن زيد لم يطلب منه التدقيق في المصحف في السنوات التي فصلت بين جمعه لمصحف أبي بكر وأمر عثمان بإعادة جمع القرآن.
يحاول الصديق من جديد أن يقنعنا بأن زيد لم يجد الآية في شكل مكتوب رغم كونها معروفة جيدًا لدى الصحابة. إنه يرفض المعنى الواضح للحديث الذي قدمنا (فُقِدت آية من سورة الأحزاب...) قائلاً إن هذا فيه شيء من "عدم الدقة" وإن المعنى الحقيقي هو: "لم أجد آية..."[22]. بعبارة أخرى لم يكن زيد يجهل وجود هذه الآية بل حاول فقط التأكد من وجودها على شكل مكتوب. الكلمة الرئيسية في الحديث هي "فُقِدَت" وتعني "ضاع مني، حُرِمت من..."، وهي كلمة شائعة الاستعمال في حالة وفاة شخص ما (المفقود= الشخص المتوفى). المعنى في سياق الحديث الذي يهمنا ليس أن زيد حاول البحث عن آية محفوظة عند الصحابة فيما كتب من القرآن بل حاول أن يجد آية ضاعت كليًا من القرآن ولم توجد أخيرًا إلا عند أبي خزيمة.
إذا كانت هذه الرواية صحيحة[23] فإنها توضح بما يدع مجالاً للشك أن المحاولة الأولى لزيد بن ثابت لجمع مصحف مكتمل لم تكن ناجحة مائة بالمائة حيث لم تضف الآية من سورة الأحزاب إلا بعد الانتهاء من نسخ المصاحف خلال المحاولة الثانية التي تمت في عهد عثمان.
يتبين لنا الآن أن ما يقال عن الكمال المطلق للقرآن، وخلوه من الزيادة والتحريف والاختلاف لا يمكن أن يثبت ويصمد أمام البراهين الثاقبة، ما هو إلا نِتاج للمشاعر والتمنيات، ولا يمت بصلة إلى الإثبات العقلي!
4- مميزات المصحف العثماني
لقد نجح عثمان في تحقيق هدفه بفرض مصحفه على كل الأمة الإسلامية مُنَحِّيًا في الوقت ذاته ما عداه من المصاحف. لا يتوفر في العالم الإسلامي الآن إلاّ مصحف واحد. لكن هذا لا يعني أنه نسخة طبق الأصل لما جاء به محمد، بل هناك مصاحف أخرى كانت تنافسه المصداقية والموثوقية. الترتيب الذي جاء عليه النص القرآني لم يكن أمرًا إلهيًا لأن زيد كان هو المسؤول عنه حيث تُرِكت له حرية القيام بذلك، وكذلك عملية الجمع التي أمر بها عثمان وليس محمد. كان هذا مرتين، وقد تم على إثر المحاولة الثانية حرق كل المصاحف التي كانت تختلف مع مصحف زيد رغم كونها جُمِعت من طرف صحابة لا مجال للشك في مصداقيتهم ودرايتهم في القرآن كما يشهد على ذلك الحديث الصحيح.
حتى بعد عملية الجمع الأخيرة للمصحف، في عهد عثمان، استمرت النزاعات بين المسلمين حول مصداقية هذا النص. مثال جيد على هذا يتجلى في تعدد القراءات للآية 238 من سورة البقرة التي توجد في المصحف العثماني على الشكل التالي: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين".
ورد في موطأ الإمام مالك الحديث التالي:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا، ثم قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين). فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى اللهم عليه وسلم[24].
هذه عائشة زوج محمد رسول الإسلام تؤكد وجوب إضافة عبارة "وصلاة العصر" بعد عبارة "والصلاة الوسطى" مستشهدة في ذلك بمحمد نفسه. في نفس الموضع من الموطأ هناك حديث آخر مفاده أن حفصة بنت عمر بن الخطاب التي هي كذلك من بين زوجات محمد طلبت أيضًا من كاتبها عمرو بن رافع أن يقوم بتعديل مماثل لمصحفها.
لا يجوز أن يكون هذا هو نفس المصحف الذي جمعه زيد بن ثابت وورثته حفصة من والدها بل من المحتمل أن يكون مصحفًا كُتِب لها خِصِّيصًا من قبله، لأن بن رافع أوضح أنه كان يكتب النص بأمر منها (أي حفصة). وقد أشار بن أبي داود إلى هذا المصحف على أنه مصحف مختلف أسماه مصحف حفصة زوجة الرسول (صلعم). في فقرة من كتاب المصاحف تحت عنوان "مصحف حفصة زوج النبي صلعم" يعطينا أسانيد الروايات التي عرضنا مشيرًا في نفس الوقت إلى أنها كانت مشهورة في أوساط المسلمين دون أن يعطي مزيدًا من التفاصيل حول القراءات الأخرى التي من المحتمل أنها كانت موجودة في هذا المصحف. إحدى هذه الروايات تقول:
حدثنا عبد الله حدثنا محمد بن عبد الملك حدثنا يزيد محمد يعني ابن عمرو عن أبي سلمة قال: أخبرني عمرو بن نافع مولى عمر ابن الخطاب قال مكتوب في مصحف حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم "حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وصلوة العصر"[25].
لقد قيل كذلك في نفس الكتاب إن القراءة المتجلية في إضافة عبارة "وصلاة العصر" إلى عبارة "والصلاة الوسطى" كانت أيضًا في مصحف أبي بن كعب وكذلك في مصحف أم سلمة زوج محمد (كتاب المصاحف نفس الصفحة). الصحابي بن عباس هو كذلك شَهِدَ على وجود هذه القراءة التي كانت بالتأكيد موجودة قبل جمع المصحف العثماني لأن مصحف هذا الصحابي كان من بين المصاحف التي أحرِقت بأمر من عثمان والتي من المحتمل أنها كانت أيضًا تحوي هذه القراءة. خبر وجودها لم يكن بالإمكان إخفاءه ومحيه حيث أن البعض قال إنها كانت بمثابة تأكيد على وجوب إقامة صلاة العصر زيادة على صلاة الظهر، وقال آخرون إن هذه القراءة ليست إلا تفسيرًا للنص المشهور (أي أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر بعينها). مثال على هذا التأويل ورد في النص التالي:
قال أبو عبيد في فضائل القرآن: المقصود من القراءة الشادة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها، كقراءة عائشة وحفصة: والصلاة الوسطى صلاة العصر[26].
لقد كان فشل عثمان في القضاء نهائيًا على كل الدلائل على وجود هذه القراءات المختلفة هو ما دفع مروان بن الحكم، حين كان عاملاً لبني أمية على المدينة، إلى إتلاف المصحف الذي بقي بحوزة حفصة، ولما كانت حفصة لا تزال على قيد الحياة رفضت بشدة تسليمه لمروان على الرغم من إصراره[27]. ولذلك لم يتمكن من تحقيق غرضه إلا بعد موتها حيث قام أخوها عبد الله بن عمر بن الخطاب بتسليمه له من أجل تنحيته نهائيًا. علل مروان فعلته هذه بخشيته أن يؤدي إلى انتشار القراءات التي أراد عثمان تنحيتها. هناك روايات عديدة غير تلك التي وردت في كتاب المصاحف تفيد بوجود قراءات أخرى. في مصحف حفصة على سبيل المثال كانت (الآية 56-39) تُقرأ "في ذكر الله" شأنها في ذلك شأن بن مسعود عوض "في جنب الله".
قد يكون المشروع العثماني قد نجح فعلاً في توحيد المسلمين على نص قرآني واحد، لكنه في نفس الوقت كان السبب في ضياع كنز من المصاحف كانت شائعة ومقبولة لدى فئة عريضة من المسلمين وكانت لها نفس مصداقية مصحف زيد بن ثابت.
روى الطبري أن الناس أعابوا على عثمان كونه أسقط المصاحف من أجل الابقاء على مصحف واحد (1-6-2952). هذا يدل على أن مصحف زيد لم يكن يتمتع بصفة خاصة واستثنائية مقارنةً مع باقي المصاحف من حيث الموثوقية والشرعية. وبالرغم من أن هذه المصاحف قد انقرضت فإن عددًا كبيرًا من القراءات بقي شائعًا وتم تدوينه حيث ورد ذكره في مؤلفات عدة. ستُتاح لنا، في الفصل المقبل، فرصة الإطلاع على بعض من هذه القراءات، وكذلك على المصاحف التي وردت فيها، وعلى الخصوص مصحفي عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.
مترجم مجهول
تدقيق: أكرم أنطاكي
فهرست جI
[1]ابنة عمر ابن الخطاب، وكانت من زوجات محمد.
[2]سورة الفرقان 25، الآية 32.
[3]الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، م 1، ص 135.
[4]كتاب صلاة المسافرين، صحيح البخاري، حديث رقم 1341.
[5]المرجع السابق، حديث رقم 1342.
[6]الحديثين 1344 و1346 من كتاب صلاة المسافرين، صحيح مسلم.
[7]سورة 96، الآية 1.
[8]سورة عبس 13-16.
[9]سيرة ابن هشام، مجلد 2، صفحة 190.
[10]السورة 20.
[11]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4612.
[12]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4620.
[13]تكلم البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، عن بضع وسبعين سورة: "حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة قال خطبنا عبدالله بن مسعود فقال: والله لقد أخذت من رسول الله صلى اللهم عليه وسلم بضعا وسبعين سورة والله لقد علم أصحاب النبي صلى اللهم عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم، قال شقيق فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادًا يقول غير ذلك".
[14]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4599.
[15]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م 1، ص 126.
[16]عبد القادر عبد الصمد مثلاً، انظر الفصل 6.
[17]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4603، باب جمع القرآن. نفس الحديث نجده مكررًا في كتاب الأحكام رقم 6654، وفي كتاب تفسير القرآن رقم 4311.
[18]Desai, The Quraan Unimpeachable, p.25: The faculty of memory which was divinely bestowed to the Arabs, was so profound that they were able to memorize thousands of verses of poetry with relative ease. Thorough use was thus made of the faculty of memory in the preservation of the Qur'aan.
[19]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4603.
[20]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
[21]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
[22]Desai, The Quraan Unimpeachable, p.18.
[23]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن.
[24]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن. 4606 على سبيل المثال.
[25]كتاب المصاحف، ص 5.
[26]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
[27]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4615، وكتاب المناقب 3524.
[28]كتاب المصاحف 23.
[29]هذا لا يدل على استحالة زيادة بعض الفقرات في النص الأصلي، الإسراء مثلاً.
[30]كتاب الحروف والقراءات، سنن بن أبي داود، رقم 3456.
[31]سورة البقرة 2، الآية 106.
[32]صحيح بخاري، كتاب فضائل القرآن 4603، باب جمع القرآن. نفس الحديث نجده مكررًا في كتاب الأحكام رقم 6654، وفي كتاب تفسير القرآن رقم 4311.
[33]ص 20.
[34]ص 21.
[35]فتح الباري، المجلد 9، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن.
[36]المرجع السابق.
[37]المرجع السابق.
فهرست ج II
[1] صحيح البخاري، الكتاب 6، الصفحة 478.
[2] كتاب المصاحف، ابن داوود، الصفحات 7 و85.
[3]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 31.
[4] صحيح البخاري، الجزء السادس، الصفحة 479.
[5] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 22.
[6] انظر الفصل الخامس.
[7]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 33.
[8] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 35.
[9]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 33.
[10] المرجع السابق، ص 32.
[11]مجلة البلاغ، مرجع سابق، ص 2.
[12]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 22.
[13] المرجع السابق، الصفحة 23.
[14] المرجع السابق، ص 32 – 33.
[15] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 36.
[16] صحيح البخاري، الجزء الرابع، الصفحة 466.
[17] الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ص 138.
[18] المرجع السابق، ص 138.
[19] صحيح البخاري، الجزء الرابع، الصفحة 479.
[20]مجلة البلاغ، مرجع سابق، ص 2.
[21]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 38.
[22]مجلة البلاغ، مرجع سابق، ص 2.
[23]وهي كذلك بالنظر إلى معيار الصحة الذي يقدمه لنا علم الحديث.
[24] موطأ الإمام مالك، ص 64.
[25] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 87.
[26] الإتقان في علوم القرآن، السيوطي. ص 178.
[27] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 24.
الفصل الثاني: جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
1 - هل كان لمصحف أبي بكر طابع رسمي؟
كيف كانت منزلة المصحف الذي جمع من طرف زيد بأمر من أبي بكر، هل كان مصحفًا خاصًا بالخليفة، أم كان الغرض جعله مصحفًا رسميًا للأمة الإسلامية التي كانت آنذاك سائرة في النمو؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نحقق فيما وقع لهذا المصحف بعد جمعه. جاء في صحيح البخاري ما يلي - كتاب المصاحف لابن أبي داوود، ص 87 -:
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم[1].
كان هؤلاء الثلاثة، الذين تناقلوا المصحف في بداية الأمر، شخصيات ذات مكانة عالية، إذ أن أبا بكر وعمر كانا أول من خلف محمد على التوالي، في حين كانت حفصة، بدورها، شخصية بارزة، وهذا ما جعل بن أبي داود، في كتاب المصاحف، يصفها بأنها كانت في نفس الوقت "بنت عمر" و"زوج النبي"[2]. لقد أُخِذ هذا المصحف بقدر كاف من الجدية من طرف الخليفتين أبي بكر وعمر لذلك لاقى اعتناءً خاصًا في عهديهما، أما معرفة ما إذا كان هذا المصحف قد اكتسب طابعًا رسميًا في تلك الفترة فهذه مسألة أخرى.
كان لعملية جمع القرآن التي تمت في عهد أبي بكر منزلة خاصة، لأن لجامعه زيد بن ثابت مكانة خاصة بين الصحابة الذين اهتموا بالقرآن. حاول زيد، قدر استطاعته، أن يجمع مصحفًا أقرب ما يكون إلى الكمال - لأنه من غير السهل على العموم إثبات حدوث تحريف. يستنتج من هذا أنه كانت للمصحف قيمة عالية لذلك استفاد من رعاية أبي بكر وعمر خلال فترتي خلافتهما، لكن، بالرغم من كل هذا، ليس هناك أدنى شك في أن هذا المصحف لم يُمنح طابعًا رسميًا في عهديهما. يزعم ديزاي أنه لم تكن في ذلك الوقت أية حاجة ماسة لـ"منح هذا المصحف طابعًا رسميًا" لأن القرآن كان، حسب زعمه، ما يزال محفوظًا في ذاكرات الحفّاظ من أصحاب محمد الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك[3] (ديزاي، ص 31). لقد رأينا سابقًا أن ما زُعِمَ بخصوص الحفظ الكامل والمثالي لنص القرآن في ذاكرات الصحابة مبني على فرضيات مجانية، إذ لا يمكننا قبول فكرة أنه لم تكن هناك حاجة لفرض مصحف أبي بكر على الجمهور، بعد جمعه، فقط لوجود بعض الأشخاص الذين كانوا يحفظون القرآن في ذاكراتهم. على العكس من ذلك فإن أبا بكر وعمر لم يأمرا بجمع القرآن في نص موحد إلا بعد أن شعرا بالحاجة الماسة إلى ذلك نظرًا، بالدرجة الأولى، إلى عدم جدوى التعويل على ذاكرات الناس وحدها. من المؤكد أن أبا بكر وعمر كانا يعلمان جيدًا أن أشخاصًا كابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل هم على دراية واسعة بالقرآن، وبالتالي كان بإمكانهم هم كذلك جمع مصاحف قرآنية ذات مصداقية كافية. رغم طابع الأهمية الذي أعطي له لم يكن مصحف زيد بن ثابت يعتبر أكثر نفوذًا بالمقارنة مع باقي المصاحف التي جُمِعت آنذاك، ولهذا السبب بالذات لم يكن من الممكن فرضه كمصحف رسمي وموحد على مجموع الأمة الإسلامية. لقد تم، في واقع الأمر، إخفاء هذا المصحف مباشرة بعد جمعه، فبعد وفاة عمر انتقل هذا المصحف إلى ابنته حفصة التي كانت تعيش في عزلة شبه تامة منذ وفاة محمد، وهذا ما يبين بوضوح أنه لم تكن هنالك أية رغبة في نشره بين الجمهور. يزعم ديزاي أنه قد اُحتفظ بالمصحف كل هذه السنين كي يتم استعماله في المستقبل حين سيكون كل القراء من صحابة محمد أمواتًا. مع الأسف لا يوجد، فيما تركه لنا الأقدمون من روايات، ما يشير إلى أن الغرض من جمع مصحف زيد هو هذا الهدف المزعوم. على العكس، كانت الحاجة الماسة إلى نص مكتوب هي التي دفعت إلى جمعه. كان زيد، في الوقت الذي كان فيه يجمع القرآن، على دراية بأنه قد لا يُنظر إلى مصحفه كنص مكتمل لأن بعض الفقرات قد فقدت منه وآيتين على الأقل لم يكن يعرفهما إلى أن ذكّره بهما أبو خزيمة. لو كان أبو بكر وعمر يعلمان علم اليقين أن المصحف كان مكتملاً لتم فرضه على مجموع المسلمين في الحين.
من جهة أخرى، إذا افترضنا أن زيدًا كان مقتنعًا بأن مصحفه لم يكن أحسن من المصاحف التي قام عبد الله بن مسعود وصحابة آخرون بجمعها أمكننا أن نفهم لماذا تم إخفاء هذا المصحف. حين انتقلت الخلافة إلى عثمان كانت المصاحف الأخرى تكتسح الميدان في مختلف مناطق الدولة الإسلامية الناشئة في الوقت الذي كان فيه مصحف زيد يرقد في بيت إحدى زوجات محمد. لقد جُمِع هذا المصحف بأمر رسمي من الخليفة أبي بكر بدون أن يُعطى له، في أي وقت من الأوقات، أي طابع رسمي؛ فلم يكن في واقع الأمر إلا واحدًا من مصاحف عديدة تم جمعها في نفس الفترة تقريبًا وكانت لها نفس المصداقية.
2 - إحراق عثمان للمصاحف الأخرى
بعد تسعة عشر سنة من وفاة محمد تقلد عثمان كرسي الخلافة بعد أبي بكر وعمر فكان لهذا الحدث أهمية بالغة بالنسبة لتطور النص القرآني. كان حذيفة بن اليمان يقود غزوة شمال بلاد الشام، وكان جزء من جيشه متكَوِّنًا من أهل الشام وجزء آخر من أهل العراق. لم يمر وقت طويل حتى اختلف الفريقان حول طريقة قراءة القرآن. بعض هؤلاء قدم من دمشق وحمص والبعض الآخر من الكوفة والبصرة، وفي كل واحدة من هذه المناطق ساد مصحف معين. على سبيل المثال نذكر أن أصحاب الكوفة كانوا يتّبِعون مصحف عبد الله بن مسعود في حين كان أهل الشام يعملون بمصحف أبي بن كعب. أقلق هذا الأمر حذيفة فتشاور بشأنه مع سعيد بن العاص، وأبلغ على إثر ذلك الخليفة عثمان. جاء في حديث البخاري ما يلي:
حدثنا موسى حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق[4].
هذه أول مرة نجد فيها تلميحًا لوجود مصاحف غير مصحف زيد بن ثابت في نصوص الحديث المعترف بها رسميًا. يشير الحديث كذلك إلى أن هذه المصاحف كانت معروفة ومقبولة لدى المسلمين ربما أكثر من مصحف زيد الذي كان آنذاك في حوزة حفصة. كانت بعض النصوص مجرد مقاطع من القرآن في حين كانت نصوص أخرى موجودة على شكل مصاحف قرآنية كاملة.
ما الذي دفع عثمان إلى تعميم مصحف زيد في جميع الأمصار وإحراق باقي المصاحف؟ هل السبب هو كون تلك المصاحف كانت تتضمن أخطاء بخلاف مصحف زيد الذي كان نصًا كاملاً لا غبار عليه؟ ليس في الروايات القديمة ما يوحي بهذا. لمعرفة الظروف والملابسات التي جعلت عثمان يقرر فرض مصحف زيد بن ثابت على جميع الأقطار التي كانت تحت إمرته نورد هذه الرواية التي جاءت في كتاب المصاحف لابن أبي داوود:
قال علي بن أبي طالب: يا أيها الناس لا تقولوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل إلاّ عن ملأ منا جميعًا، فقال ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذا كاد أن يكون كفرًا. فقلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت. قال: فقيل أي الناس أفصح وأي الناس أقرأ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص وأقرأهم زيد بن ثابت. فقال: فليكتب أحدهما وليملي الآخر. ففعلا وجمع الناس على مصحف واحد[5].
تنص هذه الرواية بوضوح على أن السبب الذي دفع عثمان إلى اتخاد قراره هو رغبته في فرض إجماع حول نص قرآني واحد. لم يكن قرار إحرق المصاحف الأخرى بسبب كونها غير جديرة بالثقة بل كان الدافع هو الرغبة في تجنب الشقاق بين المسلمين حول القرآن. يقبل ديزاي فكرة أن هذه المصاحف كانت كاملة وأصيلة على السواء، لكن، في المقابل، يزعم أن قرار الإحراق كان مبرره فقط الرغبة في تجنب الاختلاف في قراءة النص. يظن هذا الباحث أن النص الزيدي - نسبة لزيد بن ثابت - عُدَّ نصًا رسميًا وأن غيره من المصاحف جُمِع بمبادرات شخصية فقط، وأما اختلاف القراءات فهو لا يعتبره دليلاً على عدم صلاحية تلك المصاحف بل هو، حسب ظنه، خير مثال على أن القرآن نزل على سبعة أحرف كما ورد في الحديث[6]. يقول ديزاي:
أبسط طريقة لضمان هيمنة مصحف عثمان هو إحراق المصاحف الأخرى[7]
لقد كان هذا هو الدافع الحقيقي لإحراق المصاحف، لأن عثمان أراد توحيد المسلمين على نص قرآني واحد، وهذا هو السبب الذي جعل حذيفة بن اليمان يُشعره بضرورة الأمر - فهو الذي كان وراء ذلك كما ذكر ابن أبي داود[8]. يضيف ديزاي:
كان الغرض من إحراق المصاحف والاحتفاظ بمصحف زيد هو تجنب الاختلاف في قراءة القرآن[9].
فالمشروع الذي قام به أبو بكر اقتصر على جمع القرآن من مصادر متعددة في حين حاول عثمان فرض هيمنة هذا المصحف على المسلمين على حساب المصاحف الأخرى التي كانت تكتسي يومًا بعد يوم مكانة كبيرة في الأمصار.
لكن ما الدافع لاختيار مصحف زيد ليكون هو المصحف الرسمي؟ الرواية التي قدمنا سالفًا تبرز المصداقية التي كان يتمتع بها زيد في مجال القرآن، لذلك لا يمكن نفي أن يكون مصحفه على العموم خاليًا من التحريف. صحيح أن هذا المصحف قد تم جمعه تحت الرعاية الرسمية للخليفة أبي بكر لكن هذا لا يدل على أنه أصبح بذلك نصًا رسميًا، أو على أن المصاحف الأخرى قد تم جمعها بمبادرات شخصية اتخذها بعض الصحابة[10]. إنَّ كون هذا المصحف قد أُخْفِي مباشرة بعد جمعه وبقي قابعًا في الظلّ لمدة معينة ولم يتم إشهاره لدليل كاف على أنه لم يكن يعتبر نصًا رسميًا.
على عكس المصاحف الأخرى التي كانت تكتسب شهرة كبيرة وإقبالاً بالغًا في مختلف الأمصار، كان مصحف زيد غير معروف لدى المسلمين في تلك المناطق، ولهذا السبب لم يكن ليعتبر مصحفًا منافسًا. لقد كانت الغاية الحقيقية من فرض مصحف زيد هي القضاء على السلطة السياسية التي كان يتمتع بها بعض قراء القرآن في الأمصار التي كان عثمان يفتقد فيها شيئًا من مصداقيته بسبب السياسة التي كان ينتهجها حيث أنه كان يعين، كعمال، أقرباؤه من بني أمية، أعداء محمد، على حساب الصحابة الذين ظلوا أوفياء لمحمد طيلة حياتهم. يمكننا أن نستنتج مما سبق أن مصحف زيد لم يتم اختياره لأنه كان يتميز على المصاحف الأخرى من حيث الكمال، ولكن لأنه كان يخدم الأهداف السياسية التي كان يبتغيها عثمان من توحيد نص القرآن. لقد أخرج عثمان هذا المصحف من الظلّ وجعل منه مصحفًا رسميًا لكل المسلمين بعد أن بقي مدة طويلة في الخفاء، وهو إجراء لم يحاول لا أبو بكر ولا عمر، خلال مدتي خلافتهما، أن يقوما به. لا يجوز إعطاء مصحف زيد أي امتياز مقارنة مع المصاحف الأخرى رغم ما كان يعرف عن جامعه من دراية بالقرآن، لأن الإطار الرسمي الذي جمع فيه هذا المصحف تجلى فقط في كون الخليفة هو الذي أعطى الضوء الأخضر لجمعه. فلو كان محمد نفسه هو الذي رخَّص وأشرف على عملية جمع القرآن لصح نعت المصحف بالرسمي. لكن في الحالة التي تهمنا جاء المصحف كنتيجة لمبادرة من الخليفة أبي بكر، حيث حاول بإخلاص أن يجمع نصًا أقرب ما يكون إلى الكمال على قدر استطاعته تاركًا لنفسه حرية اختيار ما وجب إدخاله وما وجب إسقاطه.
مرة أخرى يجب أن لا ننسى أن أبا بكر لم يحاول فرض مصحفه بعد جمعه كما فعل عثمان لاحقًا لذلك لا يمكن النظر إليه على أساس أنه كان نصًا رسميًا قبل زمن عثمان كما يزعم ديزاي وآخرون.
ما قام به عثمان كان قاسيًا بالفعل، وهذا هو أقل ما يمكن قوله في هذا الصدد. حيث أنه لم ينج من قرار الحرق أي مصحف من تلك المصاحف التي كانت متداولة آنذاك. لا مفر إذن من الاعتراف بأن هذا الخليفة لم يكن يملك بديلاً غير هذا نظرًا لأن الفروق كانت شاسعة في خصوص طريقة قراءة القرآن. كون أن ولا نسخة واحدة من المصاحف نجت من الحرق يُظهر بجلاء أنه لم يكن هناك توافق كامل فيما بينها. لقد كانت هناك بالفعل تعارضات كبيرة بين تلك النصوص وجب بسببها اتخاد قرار حازم بتدميرها جميعًا والاحتفاظ بمصحف معين ألا وهو مصحف زيد. لا يمكن للإنسان أن يعتقد أن النص العثماني، الذي ظلّ في الخفاء لمدة معينة، أصبح النص المثالي في عشية وضحاها، وأنه كلما ظهر اختلاف بينه وباقي المصاحف وجب نعت هذه الأخيرة بالخطأ. إن الإختباء تحت هذا القناع من أجل إخراج مصحف عثمان من إشكالية الاختلافات القرائية لا يمكن قبوله إذا نظر إلى المسألة بقدر كاف من الموضوعية، حيث لم يكن مصحف زيد إلا واحدًا من عدد من المصاحف التي جمعت من قبل الصحابة، وكانت تختلف فيما بينها بخصوص طريقة قراءتها. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يميزه بالنسبة إليها هو كونه مُسْتَمَدٌ من مصحف جُمِعَ بين يدي أبي بكر. وبما أن هذا المصحف لم يكن مشهورًا عند عامة المسلمين فقد بقي خارج نطاق النقاشات التي أُثيرت حول المصاحف الأخرى.
إذًا، كما رأينا، لم يكن مصحف زيد مصحفًا رسميًا بل نصًا قام شخص واحد بجمعه، ألا وهو زيد بن ثابت، بنفس الطريقة التي جمع بها عبد الله بن مسعود والصحابة الآخرون مصاحفهم. لم يكن هذا أبدًا النص الذي أَذِن به محمد شخصيًا بل لم يكن إلا نصًا واحدًا من بين عدة نصوص مختلفة كانت منتشرة آنذاك، وقد أُعْطِيت صفة الرسمية لهذا المصحف باختيار أحادي الجانب من الخليفة عثمان حيث أراد له هذا الأخير أن يكون مصحف كل المسلمين بقرار انفرادي.
يَعي العلماء المسلمون المعاصرون، الذين يزعمون بتهور أن نص القرآن الذي بين أيدينا يتميز بكمال مطلق، كل الوعي أن وجود قراءات مختلفة للنصوص الأولى للقرآن ستجعل مزاعمهم مجرد هراء لا محالة، لذلك نجدهم يقولون إن الاختلافات لم تكن في النصوص نفسها وإنما في طريقة التلفظ بها فقط.
عبر كوكب الصديق عن هذا التصور كما يلي:
لم يهدف عثمان إلى فرض مصحف معين على حساب المصاحف الأخرى لأنه لم يكن هناك إلا مصحف واحد منذ البداية. ما أراد عثمان فعله هو فقط توحيد المسلمين على قراءة معينة لنص القرآن مع التأكيد على أن هذه القراءة يجب أن تبقى بالضرورة مطابقة للهجة قريش التي نزل بها القرآن. ما كان يشغل باله هو اختلاف أهل الشام مع أهل العراق في طريقة تلاوة القرآن[11].
ما يُزْعَم هنا هو أنه كانت هناك اختلافات في القراءات مرجعها فقط طريقة "تلفظ" أو "ترتيل" النص القرآني. هذا النوع من الاستدلال يستند كليًا إلى مقدمات فاسدة لأن التلاوة والتلفظ والترتيل ليست لها علاقة سوى بالنص المنطوق ولا يمكن للاختلافات بخصوصها أن تظهر في النصوص المكتوبة، لكن عثمان أمر بإتلاف نصوص مكتوبة. يجب كذلك أن لا ننسى أنه في الفترة التي كان يُجمَع فيها القرآن على شكل مصاحف لم تكن الكتابة العربية مشكلة ولا الحروف منقطة. لذلك فالاختلافات لم تكن لتظهر في النصوص المكتوبة. فلماذا إذن قام عثمان بحرقها؟ هناك جواب منطقي واحد لهذا السؤال ألا وهو أن الاختلافات كانت في النصوص ذاتها وليس فقط في طريقة نطقها. وسنحاول في الأجزاء التالية أن نُظْهِر إلى أي مدى وصلت هذه الاختلافات النصّية. قام عثمان بإرغام المسلمين على قبول مصحف معين على حساب مصاحف أخرى، ولن يكون لقراره هذا أي مبرر إذا كانت هذه النصوص لا تختلف فيما بينها إلا في نقاط بسيطة وتافهة تخص التلاوة فقط، لأن هذا القرار المتشدد لا يمكن أن يأت إلا نتيجة لوجود اختلافات جوهرية عديدة بين النصوص المكتوبة.
يجب على المسلمين أن يفكروا ويتمعنوا بجدية فيما قام به عثمان بن عفّان. لقد كان القرآن يعتبر، ولا زال، كلام الله المنزل على رسوله محمد. أمّا المصاحف فقد كتبت من طرف صحابة محمد المقربون. ما القيمة التي كانت ستعطى للمصاحف التي أحرقت بأمر من عثمان لو بقيت حتى يومنا هذا؟ حاول الصحابة، الذين كانوا يعتبرون، بشهادة الأحاديث الصحيحة، من ذوي الدراية العالية بالقرآن (عبد الله بن مسعود‚ أبي بن كعب.. )، أن يكتبوا المصاحف بأيديهم، وبذلوا في ذلك كل جهدهم لكي تكون أقرب ما يمكن إلى الكمال. هذه هي المصاحف التي أمر عثمان بإحراقها، مصاحف جمعها صحابة أجلاء لا غبار عليهم. فإذا لم تكن فيما بينها اختلافات عميقة فلماذا قرر عثمان إحراق ما كان عزيزًا على كل المسلمين ويعتبرونه كلام الله المنزل على رسوله؟ لا يمكن قبول الطريقة التي يحاول بها علماء الإسلام المعاصرون تبرير ما قام به عثمان، وعلى الخصوص إذا افترضنا، كما يزعم الصديق، أنه لم تكن هناك أبدًا اختلافات بين النصوص. ماذا سيعتقد المسلمون لو قام أحد في عصرنا هذا بإحراق مصاحف عزيزة على قلوبهم؟ ليس هناك إلا تفسير واحد لكل ما جرى ألا وهو وجود اختلافات نصّية عميقة بين المصاحف استوجب معها حلٌّ واحد وهو الاحتفاظ بأحدها وتنحية المصاحف الأخرى.
في الوقت الذي نجد فيه أن كوكب الصديق يعلن مقولته "نص واحد لا اختلاف فيه" زاعمًا أنه "لم يكن هنالك أكثر من نص واحد" نرى أن مولانا ديزاي يتناقض معه حين يعترف بوجود اختلافات في النصوص الأولى تجلى بعضها في "تغيرات نصية"[12] وكذلك حين يعترف بأن بعض المصاحف لم تكن مماثلة للمصحف الذي قام زيد بن ثابت بجمعه[13]. لكن ديزاي يحاول أن يثبت أن نص القرآن ذو كمال مطلق بزعمه أن الاختلافات التي كانت موجودة بين النصوص كانت مشروعة وهي ما يُدعى بـ"الأحرف السبع". يبرر ديزاي ضرورة توحيد المصاحف القرآنية بكون هذه الأحرف لم تكن معروفة عند كل المسلمين لذلك يكون قد وجب الإبقاء على نص واحد. يقول ديزاي:
القرار الذي اتخذه عثمان بحرق مصاحف مشروعة كانت تمثل ترجمة وفية للقرآن المجيد مبرره الصراعات التي كانت قائمة آنذاك في المناطق التي تم فتحها بين مسلمين حديثي العهد بالقرآن لم تكن لهم دراية بكل أشكال القراءات المشروعة... فكان من الصعب جدًا تدقيق كل النسخ القرآنية لدرجة وجب معها، كحلِّ وحيد، تنحية جميع تلك النسخ من أجل الحفاظ على مصحف واحد يجتمع عليه كل المسلمين[14].
إذن أصبح من الملائم تنحية ستة قراءات مشروعة لفائدة قراءة واحدة فقط لأن الخليفة رأى أنه من الصعب قراءة المصاحف الأخرى بالرغم من أنه كان بالإمكان تصحيح وتدوين كل تلك المصاحف كما حصل مع مصحف زيد. لا يمكن للمرء إلا أن يستغرب الطريقة التي يحاول بها بعض المسلمين تبرير ما قام به عثمان من حرق مصاحف كانت لها قيمة عالية في نفوس المسلمين دون أن يخدش هذا التفكير أحاسيسهم. إنه لمن المشوق معرفة ما سيكون رد مولانا لو قام أحد في عصرنا الحاضر بحرق أجزاء من القرآن تحت نفس الذريعة التي قدمها في النص المذكور أو لو قرر أحدهم تصوير شريط حول ما قام به عثمان.
قرار حرق مصاحف قرآنية كالذي اتخده عثمان لا يمكن تفسيره بهذا الاستخفاف، لذلك وجب على الباحثين المسلمين أن يُقَيِّموا بجدية هذه المسألة. سَتُتاح لنا الفرصة لكي نرى أن رد فعل عبد الله بن مسعود، إثر سماعه قرار عثمان، كان قويًا جدًا. كذلك كان هذا القرار من بين الأسباب التي دفعت بعض الصحابة إلى إعلان معارضتهم لعثمان لأنه "محا كتاب الله عز وجل"[15]. الكلام هنا خَصَّ كتاب الله بعينه وليس فقط النصوص التي كانت موجودة قبل قرار الحرق، والغرض منه إبراز المعارضة الشديدة لهؤلاء الصحابة لقرار عثمان.
سنرى في الفصول القادمة إلى أي حدٍّ بلغت الاختلافات في طرق قراءة القرآن، وكذلك مدى اختلاف مصاحف بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي موسى وآخرون. لكن قبل هذا يجب أن نستعرض بإيجاز بعض التطورات المهمة التي واكبت قرار عثمان بجعل مصحف زيد المصحف الرسمي والوحيد للأمة الإسلامية.
3- مراجعة مصحف زيد بن ثابت
بما أن المصحف الأصلي الذي جمعه زيد في عهد أبي بكر كان على قدر كاف من الكمال فقد يميل البعض إلى الاعتقاد أن نسخه كان كافيًا في عهد عثمان دون أية حاجة إلى بحث موسع عما يجب أن يحتوي عليه وإعادة النظر فيه. لكن هناك أدلة تشير إلى أن هذا النص لم يكن ينظر إليه على هذا الأساس. حيث نجد أن عثمان قد أمر بإعادة جمعه وكذلك تصحيحه كلما تطلب الأمر ذلك. نقرأ في صحيح البخاري ما يلي:
حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري وأخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش فإن القرآن أنزل بلسانهم. ففعلوا[16].
لقد رأينا سابقًا أن سعيد ابن العاص كان يعتبر من ذوي المعرفة الواسعة باللغة العربية، وقد تم اختياره لهذا السبب، وكذلك الشخصين الآخرين لأنهم كانوا ينتمون إلى قبيلة قريش التي كان ينتمي إليها محمد، في حين كان زيد من المدينة المنورة. لقد كانت رغبة عثمان أن يُكتب القرآن بلهجة قريش التي نزل بها أصلاً على محمد، لهذا أمر أن يكتب بهذه اللهجة كلما وقع اختلاف بين زيد وهؤلاء الثلاثة. يتبين لنا مرة أخرى أن الأمر لم يكن يتعلق فقط بنقاط اختلاف تهم طريقة النطق والترتيل لأن هذا النوع من الاختلاف لا يمكن أن يكون له أثر على النص المكتوب. من الواضح إذن أن عثمان قام بإدخال تعديلات على النص المكتوب حين أمر الكتاب الأربعة بالعمل سويًا، بل هناك أدلة على أن عثمان لم يكتف بهؤلاء الأربعة بل تشاور مع بعض الصحابة الآخرين بخصوص جمع القرآن، وربما كانت هناك مراجعة شاملة للمصحف[17].
هناك رواية مفادها أنه كان على زيد أن يتذكر آية فقدت من المصحف الذي جمعه في عهد أبي بكر:
قال زيد: فقدت آية من الأحزاب (السورة 33، الآية 23) حين نسخنا المصحف قد كنت سمعت رسول الله يقرأ بها. فالتمسناها فوجدناها لدى خزيمة بن ثابت الأنصاري - من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه - فألحقناها في سورتها في المصحف[18].
نفس الرواية حول فقدان ما يعتبر الآن الآية 23 من سورة الأحزاب نجدها في صحيح البخاري[19]. في النظرة الأولى نلاحظ أن هذه الرواية تشبه إلى حد بعيد تلك التي تتحدث عن فقدان الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة خلال عملية جمع القرآن في عهد أبي بكر، والتي قام بها نفس الشخص يعني زيد. جُمِع القرآن واكتشفوا فيما بعد أن مقطعًا قد فُقِد منه، ووجد هذا المقطع أخيرًا عند خزيمة بن ثابت. زيادة على هذا هناك حديث، سبق ذكره، مفاده أن الحادث وقع زمن عثمان، لهذا يرى الصديق أن الرواية التي تتحدث عن الآية المفقودة من سورة الأحزاب إنما تتعلق بالآيتين الأخيرتين من سورة براءة، وأن الحديث المتعلق بهاتين الآيتين أكثر صحة من الآخر[20].
المعطيات المتوفرة لا تمكننا من اصدار أية استنتاجات حول هذا الموضوع، فقط نستغرب من كون زيد لم يكتشف فقدان آية من القرآن إلا بعد مرور 19 سنة على وفاة محمد، وبمحض الصدفة يجدها عند نفس الصحابي الذي وجد عنده الآيتين الأخيرتين من سورة براءة! لقد رأينا سالفًا أن خزيمة هذا هو الذي أثار انتباه زيد إلى عدم وجود آيتين من سورة براءة؛ فإذا كان هناك نص آخر فقد ولم يوجد إلا معه فلماذا بقي صامتًا ولم يتحدث عنه خلال هذه المدة الطويلة؟
ديزاي لا يشك في صحة الحديث المذكور لكنه يفسر المسألة بزعمه أن (السورة 33، الآية 23) كانت بالفعل موجودة في المصحف الأصلي الذي جمع في عهد أبي بكر لكن وقع نسيانها خلال عملية النسخ في عهد عثمان، ويردد مرة أخرى أن الآية كانت معروفة لدى "عدد كبير من الحفاظ"[21]. هذا المزعم لا يستطيع أن يصمد أمام التحليل النقدي.
المصحف الذي قام زيد ومساعدوه بنقله لم يتم إحراقه مع المصاحف التي أحرقت بل أعيد إلى حفصة بعد إنتهاء العمل به. إذن لو كانت الآية المعنية بالأمر موجودة فيه فلن تكون هناك حاجة إلى البحث عنها (إلى أن وجدت عند أبي خزيمة). في نفس السياق لا يمكن قبول فكرة أن الآية كانت تُفقَدُ كل مرة يُنقَلُ فيها مصحف ليُرسل إلى إحدى الأقطار الإسلامية رغم كونها موجودة في المصحف الأصلي! إن الأدلة التي يقدمها ديزاي لتفسير فقدان الآية في المصاحف هي أدلة واهية لا يمكن قبولها.
ليس للحديث إلا معنى واحد ألا وهو أن الآية لم يتذكرها زيد إلا بعد انتهاء العملية الثانية لجمع القرآن بأمر من عثمان. وقوع مثل هذا الحدث محتمل إذا علمنا أن زيد لم يطلب منه التدقيق في المصحف في السنوات التي فصلت بين جمعه لمصحف أبي بكر وأمر عثمان بإعادة جمع القرآن.
يحاول الصديق من جديد أن يقنعنا بأن زيد لم يجد الآية في شكل مكتوب رغم كونها معروفة جيدًا لدى الصحابة. إنه يرفض المعنى الواضح للحديث الذي قدمنا (فُقِدت آية من سورة الأحزاب...) قائلاً إن هذا فيه شيء من "عدم الدقة" وإن المعنى الحقيقي هو: "لم أجد آية..."[22]. بعبارة أخرى لم يكن زيد يجهل وجود هذه الآية بل حاول فقط التأكد من وجودها على شكل مكتوب. الكلمة الرئيسية في الحديث هي "فُقِدَت" وتعني "ضاع مني، حُرِمت من..."، وهي كلمة شائعة الاستعمال في حالة وفاة شخص ما (المفقود= الشخص المتوفى). المعنى في سياق الحديث الذي يهمنا ليس أن زيد حاول البحث عن آية محفوظة عند الصحابة فيما كتب من القرآن بل حاول أن يجد آية ضاعت كليًا من القرآن ولم توجد أخيرًا إلا عند أبي خزيمة.
إذا كانت هذه الرواية صحيحة[23] فإنها توضح بما يدع مجالاً للشك أن المحاولة الأولى لزيد بن ثابت لجمع مصحف مكتمل لم تكن ناجحة مائة بالمائة حيث لم تضف الآية من سورة الأحزاب إلا بعد الانتهاء من نسخ المصاحف خلال المحاولة الثانية التي تمت في عهد عثمان.
يتبين لنا الآن أن ما يقال عن الكمال المطلق للقرآن، وخلوه من الزيادة والتحريف والاختلاف لا يمكن أن يثبت ويصمد أمام البراهين الثاقبة، ما هو إلا نِتاج للمشاعر والتمنيات، ولا يمت بصلة إلى الإثبات العقلي!
4- مميزات المصحف العثماني
لقد نجح عثمان في تحقيق هدفه بفرض مصحفه على كل الأمة الإسلامية مُنَحِّيًا في الوقت ذاته ما عداه من المصاحف. لا يتوفر في العالم الإسلامي الآن إلاّ مصحف واحد. لكن هذا لا يعني أنه نسخة طبق الأصل لما جاء به محمد، بل هناك مصاحف أخرى كانت تنافسه المصداقية والموثوقية. الترتيب الذي جاء عليه النص القرآني لم يكن أمرًا إلهيًا لأن زيد كان هو المسؤول عنه حيث تُرِكت له حرية القيام بذلك، وكذلك عملية الجمع التي أمر بها عثمان وليس محمد. كان هذا مرتين، وقد تم على إثر المحاولة الثانية حرق كل المصاحف التي كانت تختلف مع مصحف زيد رغم كونها جُمِعت من طرف صحابة لا مجال للشك في مصداقيتهم ودرايتهم في القرآن كما يشهد على ذلك الحديث الصحيح.
حتى بعد عملية الجمع الأخيرة للمصحف، في عهد عثمان، استمرت النزاعات بين المسلمين حول مصداقية هذا النص. مثال جيد على هذا يتجلى في تعدد القراءات للآية 238 من سورة البقرة التي توجد في المصحف العثماني على الشكل التالي: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين".
ورد في موطأ الإمام مالك الحديث التالي:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا، ثم قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين). فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى اللهم عليه وسلم[24].
هذه عائشة زوج محمد رسول الإسلام تؤكد وجوب إضافة عبارة "وصلاة العصر" بعد عبارة "والصلاة الوسطى" مستشهدة في ذلك بمحمد نفسه. في نفس الموضع من الموطأ هناك حديث آخر مفاده أن حفصة بنت عمر بن الخطاب التي هي كذلك من بين زوجات محمد طلبت أيضًا من كاتبها عمرو بن رافع أن يقوم بتعديل مماثل لمصحفها.
لا يجوز أن يكون هذا هو نفس المصحف الذي جمعه زيد بن ثابت وورثته حفصة من والدها بل من المحتمل أن يكون مصحفًا كُتِب لها خِصِّيصًا من قبله، لأن بن رافع أوضح أنه كان يكتب النص بأمر منها (أي حفصة). وقد أشار بن أبي داود إلى هذا المصحف على أنه مصحف مختلف أسماه مصحف حفصة زوجة الرسول (صلعم). في فقرة من كتاب المصاحف تحت عنوان "مصحف حفصة زوج النبي صلعم" يعطينا أسانيد الروايات التي عرضنا مشيرًا في نفس الوقت إلى أنها كانت مشهورة في أوساط المسلمين دون أن يعطي مزيدًا من التفاصيل حول القراءات الأخرى التي من المحتمل أنها كانت موجودة في هذا المصحف. إحدى هذه الروايات تقول:
حدثنا عبد الله حدثنا محمد بن عبد الملك حدثنا يزيد محمد يعني ابن عمرو عن أبي سلمة قال: أخبرني عمرو بن نافع مولى عمر ابن الخطاب قال مكتوب في مصحف حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم "حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وصلوة العصر"[25].
لقد قيل كذلك في نفس الكتاب إن القراءة المتجلية في إضافة عبارة "وصلاة العصر" إلى عبارة "والصلاة الوسطى" كانت أيضًا في مصحف أبي بن كعب وكذلك في مصحف أم سلمة زوج محمد (كتاب المصاحف نفس الصفحة). الصحابي بن عباس هو كذلك شَهِدَ على وجود هذه القراءة التي كانت بالتأكيد موجودة قبل جمع المصحف العثماني لأن مصحف هذا الصحابي كان من بين المصاحف التي أحرِقت بأمر من عثمان والتي من المحتمل أنها كانت أيضًا تحوي هذه القراءة. خبر وجودها لم يكن بالإمكان إخفاءه ومحيه حيث أن البعض قال إنها كانت بمثابة تأكيد على وجوب إقامة صلاة العصر زيادة على صلاة الظهر، وقال آخرون إن هذه القراءة ليست إلا تفسيرًا للنص المشهور (أي أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر بعينها). مثال على هذا التأويل ورد في النص التالي:
قال أبو عبيد في فضائل القرآن: المقصود من القراءة الشادة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها، كقراءة عائشة وحفصة: والصلاة الوسطى صلاة العصر[26].
لقد كان فشل عثمان في القضاء نهائيًا على كل الدلائل على وجود هذه القراءات المختلفة هو ما دفع مروان بن الحكم، حين كان عاملاً لبني أمية على المدينة، إلى إتلاف المصحف الذي بقي بحوزة حفصة، ولما كانت حفصة لا تزال على قيد الحياة رفضت بشدة تسليمه لمروان على الرغم من إصراره[27]. ولذلك لم يتمكن من تحقيق غرضه إلا بعد موتها حيث قام أخوها عبد الله بن عمر بن الخطاب بتسليمه له من أجل تنحيته نهائيًا. علل مروان فعلته هذه بخشيته أن يؤدي إلى انتشار القراءات التي أراد عثمان تنحيتها. هناك روايات عديدة غير تلك التي وردت في كتاب المصاحف تفيد بوجود قراءات أخرى. في مصحف حفصة على سبيل المثال كانت (الآية 56-39) تُقرأ "في ذكر الله" شأنها في ذلك شأن بن مسعود عوض "في جنب الله".
قد يكون المشروع العثماني قد نجح فعلاً في توحيد المسلمين على نص قرآني واحد، لكنه في نفس الوقت كان السبب في ضياع كنز من المصاحف كانت شائعة ومقبولة لدى فئة عريضة من المسلمين وكانت لها نفس مصداقية مصحف زيد بن ثابت.
روى الطبري أن الناس أعابوا على عثمان كونه أسقط المصاحف من أجل الابقاء على مصحف واحد (1-6-2952). هذا يدل على أن مصحف زيد لم يكن يتمتع بصفة خاصة واستثنائية مقارنةً مع باقي المصاحف من حيث الموثوقية والشرعية. وبالرغم من أن هذه المصاحف قد انقرضت فإن عددًا كبيرًا من القراءات بقي شائعًا وتم تدوينه حيث ورد ذكره في مؤلفات عدة. ستُتاح لنا، في الفصل المقبل، فرصة الإطلاع على بعض من هذه القراءات، وكذلك على المصاحف التي وردت فيها، وعلى الخصوص مصحفي عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.
مترجم مجهول
تدقيق: أكرم أنطاكي
فهرست جI
[1]ابنة عمر ابن الخطاب، وكانت من زوجات محمد.
[2]سورة الفرقان 25، الآية 32.
[3]الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، م 1، ص 135.
[4]كتاب صلاة المسافرين، صحيح البخاري، حديث رقم 1341.
[5]المرجع السابق، حديث رقم 1342.
[6]الحديثين 1344 و1346 من كتاب صلاة المسافرين، صحيح مسلم.
[7]سورة 96، الآية 1.
[8]سورة عبس 13-16.
[9]سيرة ابن هشام، مجلد 2، صفحة 190.
[10]السورة 20.
[11]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4612.
[12]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4620.
[13]تكلم البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، عن بضع وسبعين سورة: "حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة قال خطبنا عبدالله بن مسعود فقال: والله لقد أخذت من رسول الله صلى اللهم عليه وسلم بضعا وسبعين سورة والله لقد علم أصحاب النبي صلى اللهم عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم، قال شقيق فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادًا يقول غير ذلك".
[14]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4599.
[15]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م 1، ص 126.
[16]عبد القادر عبد الصمد مثلاً، انظر الفصل 6.
[17]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4603، باب جمع القرآن. نفس الحديث نجده مكررًا في كتاب الأحكام رقم 6654، وفي كتاب تفسير القرآن رقم 4311.
[18]Desai, The Quraan Unimpeachable, p.25: The faculty of memory which was divinely bestowed to the Arabs, was so profound that they were able to memorize thousands of verses of poetry with relative ease. Thorough use was thus made of the faculty of memory in the preservation of the Qur'aan.
[19]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4603.
[20]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
[21]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
[22]Desai, The Quraan Unimpeachable, p.18.
[23]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن.
[24]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن. 4606 على سبيل المثال.
[25]كتاب المصاحف، ص 5.
[26]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
[27]صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن 4615، وكتاب المناقب 3524.
[28]كتاب المصاحف 23.
[29]هذا لا يدل على استحالة زيادة بعض الفقرات في النص الأصلي، الإسراء مثلاً.
[30]كتاب الحروف والقراءات، سنن بن أبي داود، رقم 3456.
[31]سورة البقرة 2، الآية 106.
[32]صحيح بخاري، كتاب فضائل القرآن 4603، باب جمع القرآن. نفس الحديث نجده مكررًا في كتاب الأحكام رقم 6654، وفي كتاب تفسير القرآن رقم 4311.
[33]ص 20.
[34]ص 21.
[35]فتح الباري، المجلد 9، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن.
[36]المرجع السابق.
[37]المرجع السابق.
فهرست ج II
[1] صحيح البخاري، الكتاب 6، الصفحة 478.
[2] كتاب المصاحف، ابن داوود، الصفحات 7 و85.
[3]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 31.
[4] صحيح البخاري، الجزء السادس، الصفحة 479.
[5] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 22.
[6] انظر الفصل الخامس.
[7]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 33.
[8] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 35.
[9]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 33.
[10] المرجع السابق، ص 32.
[11]مجلة البلاغ، مرجع سابق، ص 2.
[12]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 22.
[13] المرجع السابق، الصفحة 23.
[14] المرجع السابق، ص 32 – 33.
[15] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 36.
[16] صحيح البخاري، الجزء الرابع، الصفحة 466.
[17] الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ص 138.
[18] المرجع السابق، ص 138.
[19] صحيح البخاري، الجزء الرابع، الصفحة 479.
[20]مجلة البلاغ، مرجع سابق، ص 2.
[21]ديزاي، القرآن الذي لا يرقى إليه الشك The Quraan unimpeachable الصفحة 38.
[22]مجلة البلاغ، مرجع سابق، ص 2.
[23]وهي كذلك بالنظر إلى معيار الصحة الذي يقدمه لنا علم الحديث.
[24] موطأ الإمام مالك، ص 64.
[25] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 87.
[26] الإتقان في علوم القرآن، السيوطي. ص 178.
[27] كتاب المصاحف، ابن أبي داوود، ص 24.