تثير مجموعة "فاطمة الشريف" " ساعة الحظ" قضية من القضايا التي شغلت المبدعين والمتلقين العرب في السبعين سنة الأخيرة، ألا وهي قضية الغموض والوضوح في الإبداع، وحين ندخل عالم هذه القضية؛ لا بد أن نفرق بين الغموض والإغلاق، فالإغلاق قد يؤدي بنا إلى لا شيء؛ مما يجعل النص المكتوب مجرد صخرة صماء في عالم الكتابة، أما الغموض فهو شيء أخر، قد يكون فنيا وجماليا وضرورويا في بعض النصوص، وقد يكون غموضا تُحيل إليه ظروف اجتماعية وسياسية قاهرة؛ مما يجعل المبدع يشكل لغة توحي ولا تفصح؛ ليروغ بها من طائلة المساءلة. والقراءة بصبر في مجموعة "ساعة الحظ" تفصح لنا عن قاصة لها مايبرر غموضها فنيا، فالقاصة حين تكتب عن لحظة ما في بعض القصص لا تكتب عن مجرد حدث مشاهد بالعين تنقله نقلا؛ لتترك المتلقي يستخلص منه ما يشاء، لكنها تصطاد اللحظة بكل تفاصيلها الخارجية، وانعكاساتها الداخلية على العقل والأحساس، وهنا تحدث نقلات بين ما تراه العين في الخارج، وما يتولد في النفس من الداخل، هذه النقلات إذا لم يفطن لها المتلقي؛ فإنه سيجد نفسه لا يستطيع تجميع شتات النص، خاصة أن الكاتبة تميل للتفكيك والتجريد والرمز، ربما لدواعي أخرى تراها وتشعر بها بنت الصعيد راسخ التقاليد، والذي قد تحاصر تقاليده هذه الأنثى؛ فتجعلها تخشى، أو على الأقل تستحي أن تبوح بمكنون مقاصدها في وضوح وجلاء.
في أكثر من نص تذكر القاصة الستائر والزجاج: ففي قصة ملامح "تطل من (درفة) نافذة مواربة، الزجاج يعبث بأوراقها، وجدائل الستائر ترفرف بفعل الهواء، مختنقة وسط رفيقاتها، الأشجار من الخارج متناثرة وكثيرة، تحاول الرؤية من بينهم، ما زال غصنها وحيدا، تمتد يد تمسك الزهرية تضعها على منضدة بعيدة؛ فيميل غصنها تجاه النافذة" وكما نلاحظ كلمة مواربة التي وصفت النافذة ودلالتها على البين بين، كما أن الرؤية أيضا ليست طليقة، بل من وراء الزجاج والستائر؛ وهي دلالة على حصار النظر، وقد عززته كلمة مختنقة، ليس هذا فقط، بل إن مجرد محاولة الرؤية؛ استدعت إبعاد الزهرية كلها عن مجال الإبصار ونقلها لمنضدة بعيدة، لو أضفنا إلى كل هذا عدم تصريح الكاتبة مباشرة ولجوءها للمعادل الموضوعي متمثلا في نبات في مزهرية، فإن كل هذه دلالات على الحصار الشديد، لكن الرغبة الملحة في الخروج تتجلى في "في ميل غصنها تجاه النافذة". في قصة "طيف" تغير الكاتبة المحاصَر المحكي عنه فيتحول إلي إنسان " ينفث في يديه بلطف ويخلع معطفه في هدوء، يقف متطلعا إلى المارة من خلف الزحاج، حبات المطر تتساقط زخات، رسم بأصبعه حروف اسمها، محتها آثار المطر" وكما يتضح ذكر الرؤية الغير طليقة من خلف الزجاج، والأحلام التي لا تتعدى كونها كتابة غير قابلة للصمود أمام زخات المطر، وكانت إضافة المطر إلى زخات إضافة موحية بالسيول.
في قصة أخرى هي "وخطونا نحو الطريق" لا يترك الحصار شيئا حتى حياة الأطفال ولعبهم "أمس اشتريت لعبة لها صوت رنان، مرَّ بخاطري عزفها منفردة في نصف الليل في بلكونة غرفتها والستائر ترفرف حتى تغطي شعرها المسدول وتعود ببعض خصلاته" . وفي قصة "انتظرتك" " طويت أوراقي أمامي وانتظرتك، قلمي وحيد بجانب تلك الأوراق، التفت باتجاه تلك النافذة التي لا يفصلني عنها الكثير، الستائر ترفرف بفعل الهواء...." وهكذا، كثيرا ما يتخلل النصوص مفردات تدل على الرغبة في الانطلاق من بين حصار شديد، وربما كان في المقططفات السابقة ما يوضح هذا الحصار وإن بدا حصارا اجتماعيا، لكنه في نصوص أخرى يكون سياسيا وإداريا، وفي نص المقام ما يدل على ذلك حيث رمزية الكرسي الذي يشاكس المدير الجديد بمعوقات الجلوس عليه، وكأنه يرفض وجود غير من كان يجلس عليه بكل الحيل التي لا طريق لمقاومتها! وكأن ديكتاتورية الكرسي التي لا مفر منها جزء من سلطة الواقع.
ربما كانت تلك الرؤيا الشاعرة بالقهر والحصار وعدم وضوح الرؤية ، هي واحدة من أسباب الغموض في نصوص الكاتبة، . وفي هذه الحالة يتحول الغموض هروبا من الواقع، ومما يعزز هذه الفكرة ميل القاصة للكلام على لسان المذكر، أو عنه في كثير من القصص، أو الكلام عن مطلق لا تستطيع تحديد نوعه في قصص أخرى، رغم أن التدقيق في كثير من هذه القصص يكشف لنا عن حس أنثوي دقيق. وهذه ملاحظة جديرة بالتأمل: " كانت تتحسس دبلتها وتتأملني في سكون، أخجلتني نظراتها التي تنم عن عتاب، أخبرتها أنني ما زلت وحيدا وصورتها في جيبي" كما تميل الكاتبة لاستخدام الرمز فتحكي عن كرسي أو نبات، أو نافدة، أو باب، أو لوحة .... حتى أن الموضوع قد يتحول من رمز بسيط لفنتازيا أو عجائبية، وأجلى ما يدل على هذا قصة المقام والتي حولت الكرسي الجماد لقوة كونية تتحكم في من حولها؛ حتى لم يجد المدير حلا غير ترك المكان للكرسي واعتباره سرا مقدسا!
- "وأين ستجلس ياافندم
- أي مكان غير هنا، وستغلق الغرفة عليه ونقيم له مقاما، هذا الكرسي المبارك بيَّن لي ليلة البراحة.
- صاح مدير مكتبي مهللا: الله أكبر، الله أكبر، كنت أعلم أن هذا الكرسي له شأن عظيم!"
إن الحلم بالتجسد والتواجد المبدع يظل فكرة ملحة عند القاصة يتجلى هذا في قصص كثيرة مثل قصة لوحة حيث البطل فنان أمامه إطار فارغ يمسك الألون ويغوص داخله ليرسم أنثى تجسدت في ذهنه وانتقل هذا التجسد للوحة "يرمق السرير المفروش بالأبيض وهي ممددة عليه، بينما هو يمشط شعرها الغجري ويضفي الأحمر الداكن ، يعيد ريشته لتتبدل بالأسود يطلي شفتيها، كلما تلونت صورتها أمامه أحدث ضخبا وأخذ يردد - ملعونة " حتى تكتمل اللوحة بعد صراع طويل لنفجأ في المعرض بفتاة حقيقية تتأمل شبيهتها في اللوحة ويدركها المبدع! إن صراع التحقق لا يأخذ هدنة على مر القصص، فالأبطال دائموا التعرض للمصاعب، ودائموا التضحية "أنزع الشوك من فروع الورد الربيعي، أضمه وأحنو على الغضن الذابل، فستاني الجميل يلطخه الطين، والصندوق مغلق فأنَّى لي بثوب جديد؟" إن ما بين نزع الشوك من فروع الورد الربيعي، وتلطخ الفستان الذي لا بديل له، صراع وتضحية لا يخفيان على مستدل من الكلمات . والحقيقة أن موضوع الغموض والوضوح نسبي بالنسبة لعدد من المتلقين؛ فما أراه واضحا قد يراه آخر غامضا وقد يراه ثالث بين بين، فالنص البديع دائما يتوقف التفاعل معه واستنباط جمالياته ودلالاته على مساحة خبرات المتلقي. ولكي نقف على فك مغالق نصوص كثيرة في هذه المجموعة علينا الوعي ببعض النقاط التي تمثل التكتيك الفني الذي استخدمته المبدعة.
- النقلات المفاجئة فمثلا في قصة وخطونا نحو الطريق تبدأ بصيغة الجمع " نمضي حيث الطريق...، لا أحد هنا ولا هناك، فقط أقدامنا وحفيف الأشجار؟ " ثم تترك مساحة كبيرة من البياض، وتغير الخطاب ليصير الكلام عن غائبة " كانت تتحسس دبلتها..... وفجأة تنتقل لمشهد آخر وتتكلم بضمير الأنا " أمس اشتريت لصغيرتي لعبة" إننا في آخر القصة بعد نقلات كثيرة، سنكتشف أن القصة يسير بطلاها صامتين وما تلك النقلات إلا حوارات داخلية تمزج بين التذكر والتدبر لكل منهما
- تفتيت النص فمثلا معظم النصوص مكونة من فقرات كل فقرة منتهية الخطاب، مفصولة عما بعدها بفواصل مقصودة وظاهرة مثل الترقيم "1- 2 ..الخ أو علامة ال* **" وقد يحدث مع الفواصل نقلات من مكان لمكان أو من زمان لزمان أو من خطاب لخطاب، بل إن التنقل بين لغة شعرية وأخرى سردية قد يكون حاضرا، لكن في النهاية ستجد خيطا خفيا يربط بين هذه الفقرات والفواصل وقصة "يا شوقي" مثال على هذا، تبدأ القاصة بداية شعرية
- "وأحسست لأول مرة بأن الليل لم يسع الحنين، وأن الدمع منهمر شظايا خلفها الذكرى، وأن كل شيء ينهار حولي......." في الفقرة 2 تنتقل لحالة تواجد في الفيس بوك صباحا، في الفقرة3 تتحدث عن اتصال ويوم أجازة وحالة تمشية وحوار مع حبيب، فقرة 4 عودة للمنزل مساء وعن شاعر يحاكم نفسه ويحلم لنفسه، فقرة 5 حالة قهوة وقراءة وشاعر يريد التحقق، فقرة 6 مناقشة رسالة علمية، فقرة 7 اكتشاف لحالة حب بين شاعر ومرسلة الخطاب وهي الخيط الذي يربط بين جميع الفقرات السابقة بدأ باللغة الشاعرة وإعلان بأن " كل شيء حولي كان كاذيا سوى حبي لك والتقيت بعينيه" ثم تأتي كل هذه الفقرات لترسم انكسارات وانتصارات القصة كنمو درامي في واقع يحول بين الواقع والاعتراف به حتى تدور على نفسها في أخر فقرة
- التنقل بين الواقع الملموس والمحيط من الخارج والواقع المعقول والمحسوس من الداخل في نفس اللحظة، كان من التكتيكات التي يمكن أن تلبس على القارئ تواصله، وربما تواجه هذه الحالة المتلقي في أول قصص المجموعة، " فنجان قهوة" حيث تبدأ بمشهد خارجي لنادل بحمل (صينية) عليها طلبا، ثم عملية ربط نفسي بين المنظر الحالي وذكريات السارد في حارته القديمة ثم العودة للمرئي، وهي عودة تجمع بين رصد الذات عن طريق الوعي ورصد ما يحيط عن طريق العين. وقد نجحت الكتابة كثيرا في توظيف هذه التقنيات وجاءت ملائمة لحالة التنقل والصراع المتنوع التي يعاني منها الأبطال؛ ليحدث تكاملا بين الشكل والموضوع والبطل في إنتاج حالات قصصية مشابهة لنفسها بانسجام.
ونحن أمام مجموعة قصصية تنم عن خبرات إنسانية وفنية تنقلنا لمتعة التلقي المقابل لمتعة الإبداع..
في أكثر من نص تذكر القاصة الستائر والزجاج: ففي قصة ملامح "تطل من (درفة) نافذة مواربة، الزجاج يعبث بأوراقها، وجدائل الستائر ترفرف بفعل الهواء، مختنقة وسط رفيقاتها، الأشجار من الخارج متناثرة وكثيرة، تحاول الرؤية من بينهم، ما زال غصنها وحيدا، تمتد يد تمسك الزهرية تضعها على منضدة بعيدة؛ فيميل غصنها تجاه النافذة" وكما نلاحظ كلمة مواربة التي وصفت النافذة ودلالتها على البين بين، كما أن الرؤية أيضا ليست طليقة، بل من وراء الزجاج والستائر؛ وهي دلالة على حصار النظر، وقد عززته كلمة مختنقة، ليس هذا فقط، بل إن مجرد محاولة الرؤية؛ استدعت إبعاد الزهرية كلها عن مجال الإبصار ونقلها لمنضدة بعيدة، لو أضفنا إلى كل هذا عدم تصريح الكاتبة مباشرة ولجوءها للمعادل الموضوعي متمثلا في نبات في مزهرية، فإن كل هذه دلالات على الحصار الشديد، لكن الرغبة الملحة في الخروج تتجلى في "في ميل غصنها تجاه النافذة". في قصة "طيف" تغير الكاتبة المحاصَر المحكي عنه فيتحول إلي إنسان " ينفث في يديه بلطف ويخلع معطفه في هدوء، يقف متطلعا إلى المارة من خلف الزحاج، حبات المطر تتساقط زخات، رسم بأصبعه حروف اسمها، محتها آثار المطر" وكما يتضح ذكر الرؤية الغير طليقة من خلف الزجاج، والأحلام التي لا تتعدى كونها كتابة غير قابلة للصمود أمام زخات المطر، وكانت إضافة المطر إلى زخات إضافة موحية بالسيول.
في قصة أخرى هي "وخطونا نحو الطريق" لا يترك الحصار شيئا حتى حياة الأطفال ولعبهم "أمس اشتريت لعبة لها صوت رنان، مرَّ بخاطري عزفها منفردة في نصف الليل في بلكونة غرفتها والستائر ترفرف حتى تغطي شعرها المسدول وتعود ببعض خصلاته" . وفي قصة "انتظرتك" " طويت أوراقي أمامي وانتظرتك، قلمي وحيد بجانب تلك الأوراق، التفت باتجاه تلك النافذة التي لا يفصلني عنها الكثير، الستائر ترفرف بفعل الهواء...." وهكذا، كثيرا ما يتخلل النصوص مفردات تدل على الرغبة في الانطلاق من بين حصار شديد، وربما كان في المقططفات السابقة ما يوضح هذا الحصار وإن بدا حصارا اجتماعيا، لكنه في نصوص أخرى يكون سياسيا وإداريا، وفي نص المقام ما يدل على ذلك حيث رمزية الكرسي الذي يشاكس المدير الجديد بمعوقات الجلوس عليه، وكأنه يرفض وجود غير من كان يجلس عليه بكل الحيل التي لا طريق لمقاومتها! وكأن ديكتاتورية الكرسي التي لا مفر منها جزء من سلطة الواقع.
ربما كانت تلك الرؤيا الشاعرة بالقهر والحصار وعدم وضوح الرؤية ، هي واحدة من أسباب الغموض في نصوص الكاتبة، . وفي هذه الحالة يتحول الغموض هروبا من الواقع، ومما يعزز هذه الفكرة ميل القاصة للكلام على لسان المذكر، أو عنه في كثير من القصص، أو الكلام عن مطلق لا تستطيع تحديد نوعه في قصص أخرى، رغم أن التدقيق في كثير من هذه القصص يكشف لنا عن حس أنثوي دقيق. وهذه ملاحظة جديرة بالتأمل: " كانت تتحسس دبلتها وتتأملني في سكون، أخجلتني نظراتها التي تنم عن عتاب، أخبرتها أنني ما زلت وحيدا وصورتها في جيبي" كما تميل الكاتبة لاستخدام الرمز فتحكي عن كرسي أو نبات، أو نافدة، أو باب، أو لوحة .... حتى أن الموضوع قد يتحول من رمز بسيط لفنتازيا أو عجائبية، وأجلى ما يدل على هذا قصة المقام والتي حولت الكرسي الجماد لقوة كونية تتحكم في من حولها؛ حتى لم يجد المدير حلا غير ترك المكان للكرسي واعتباره سرا مقدسا!
- "وأين ستجلس ياافندم
- أي مكان غير هنا، وستغلق الغرفة عليه ونقيم له مقاما، هذا الكرسي المبارك بيَّن لي ليلة البراحة.
- صاح مدير مكتبي مهللا: الله أكبر، الله أكبر، كنت أعلم أن هذا الكرسي له شأن عظيم!"
إن الحلم بالتجسد والتواجد المبدع يظل فكرة ملحة عند القاصة يتجلى هذا في قصص كثيرة مثل قصة لوحة حيث البطل فنان أمامه إطار فارغ يمسك الألون ويغوص داخله ليرسم أنثى تجسدت في ذهنه وانتقل هذا التجسد للوحة "يرمق السرير المفروش بالأبيض وهي ممددة عليه، بينما هو يمشط شعرها الغجري ويضفي الأحمر الداكن ، يعيد ريشته لتتبدل بالأسود يطلي شفتيها، كلما تلونت صورتها أمامه أحدث ضخبا وأخذ يردد - ملعونة " حتى تكتمل اللوحة بعد صراع طويل لنفجأ في المعرض بفتاة حقيقية تتأمل شبيهتها في اللوحة ويدركها المبدع! إن صراع التحقق لا يأخذ هدنة على مر القصص، فالأبطال دائموا التعرض للمصاعب، ودائموا التضحية "أنزع الشوك من فروع الورد الربيعي، أضمه وأحنو على الغضن الذابل، فستاني الجميل يلطخه الطين، والصندوق مغلق فأنَّى لي بثوب جديد؟" إن ما بين نزع الشوك من فروع الورد الربيعي، وتلطخ الفستان الذي لا بديل له، صراع وتضحية لا يخفيان على مستدل من الكلمات . والحقيقة أن موضوع الغموض والوضوح نسبي بالنسبة لعدد من المتلقين؛ فما أراه واضحا قد يراه آخر غامضا وقد يراه ثالث بين بين، فالنص البديع دائما يتوقف التفاعل معه واستنباط جمالياته ودلالاته على مساحة خبرات المتلقي. ولكي نقف على فك مغالق نصوص كثيرة في هذه المجموعة علينا الوعي ببعض النقاط التي تمثل التكتيك الفني الذي استخدمته المبدعة.
- النقلات المفاجئة فمثلا في قصة وخطونا نحو الطريق تبدأ بصيغة الجمع " نمضي حيث الطريق...، لا أحد هنا ولا هناك، فقط أقدامنا وحفيف الأشجار؟ " ثم تترك مساحة كبيرة من البياض، وتغير الخطاب ليصير الكلام عن غائبة " كانت تتحسس دبلتها..... وفجأة تنتقل لمشهد آخر وتتكلم بضمير الأنا " أمس اشتريت لصغيرتي لعبة" إننا في آخر القصة بعد نقلات كثيرة، سنكتشف أن القصة يسير بطلاها صامتين وما تلك النقلات إلا حوارات داخلية تمزج بين التذكر والتدبر لكل منهما
- تفتيت النص فمثلا معظم النصوص مكونة من فقرات كل فقرة منتهية الخطاب، مفصولة عما بعدها بفواصل مقصودة وظاهرة مثل الترقيم "1- 2 ..الخ أو علامة ال* **" وقد يحدث مع الفواصل نقلات من مكان لمكان أو من زمان لزمان أو من خطاب لخطاب، بل إن التنقل بين لغة شعرية وأخرى سردية قد يكون حاضرا، لكن في النهاية ستجد خيطا خفيا يربط بين هذه الفقرات والفواصل وقصة "يا شوقي" مثال على هذا، تبدأ القاصة بداية شعرية
- "وأحسست لأول مرة بأن الليل لم يسع الحنين، وأن الدمع منهمر شظايا خلفها الذكرى، وأن كل شيء ينهار حولي......." في الفقرة 2 تنتقل لحالة تواجد في الفيس بوك صباحا، في الفقرة3 تتحدث عن اتصال ويوم أجازة وحالة تمشية وحوار مع حبيب، فقرة 4 عودة للمنزل مساء وعن شاعر يحاكم نفسه ويحلم لنفسه، فقرة 5 حالة قهوة وقراءة وشاعر يريد التحقق، فقرة 6 مناقشة رسالة علمية، فقرة 7 اكتشاف لحالة حب بين شاعر ومرسلة الخطاب وهي الخيط الذي يربط بين جميع الفقرات السابقة بدأ باللغة الشاعرة وإعلان بأن " كل شيء حولي كان كاذيا سوى حبي لك والتقيت بعينيه" ثم تأتي كل هذه الفقرات لترسم انكسارات وانتصارات القصة كنمو درامي في واقع يحول بين الواقع والاعتراف به حتى تدور على نفسها في أخر فقرة
- التنقل بين الواقع الملموس والمحيط من الخارج والواقع المعقول والمحسوس من الداخل في نفس اللحظة، كان من التكتيكات التي يمكن أن تلبس على القارئ تواصله، وربما تواجه هذه الحالة المتلقي في أول قصص المجموعة، " فنجان قهوة" حيث تبدأ بمشهد خارجي لنادل بحمل (صينية) عليها طلبا، ثم عملية ربط نفسي بين المنظر الحالي وذكريات السارد في حارته القديمة ثم العودة للمرئي، وهي عودة تجمع بين رصد الذات عن طريق الوعي ورصد ما يحيط عن طريق العين. وقد نجحت الكتابة كثيرا في توظيف هذه التقنيات وجاءت ملائمة لحالة التنقل والصراع المتنوع التي يعاني منها الأبطال؛ ليحدث تكاملا بين الشكل والموضوع والبطل في إنتاج حالات قصصية مشابهة لنفسها بانسجام.
ونحن أمام مجموعة قصصية تنم عن خبرات إنسانية وفنية تنقلنا لمتعة التلقي المقابل لمتعة الإبداع..