أتيم سايمون - الأدب الجنوبسوداني المكتوب بالعربية.. الخروج من منطقة الظل

تمثل تجربة الكتابة الإبداعية والأدبية في جنوب السودان، أحد الدروب الشائكة والصعبة، ذلك للتباين الكبير في تجربة مختلف الأجيال، بجانب شح الكتابات النقدية والتوثيقية التي تعقب المنتوج الأدبي بأجياله المختلفة، والتي تعود في بداياتها إلى جيل الرواد الأوائل ممن كتبوا بالإنجليزية وتركز إهتمامهم في الكتابة على الحرب وما ترتب عليها من ويلات سياسية.
أبرزهم الشاعر والأديب بروفيسور؛ تعبان لوليونق، المولود في العام 1936، حيث صدرت له أكثر من تسعة أعمال تتراوح بين الشعر والقصة القصيرة؛ أولها ديوان (الكلمة الأخيرة) الصادر في العام 1969.
يليه القاص؛ جونسون ميان 1942 الذي صدرت له مجموعة شعرية من مطبعة النيل بجوبا في العام 1981، وله قصة قصيرة مستلهمة من الحكاية الشعبية للدينكا تم تحويلها لمسرحية مشهورة حملت اسم (محاكمة السمكة الكبرى).
وكذلك الشاعر سر أناي كليولجانق (1954-1999) صاحب ديوان (وهم الحرية وقصائد أخرى) الصادر في العام 1985.
وظهر من بعدهم؛ الدكتور فرانسيس مدينق دينق 1938، والذي صدرت له روايتان مشهورتان بعنوان (طائر الشؤم) و(بذرة الخلاص) تمت ترجمتهما للعربية بواسطة مركز الدراسات السودانية.
كما ظهرت أسماء مثل؛ أتيم ياك أتيم، اقنيس فوني لاكو، جاكوب جيل أكول، في مجال كتابة القصة القصيرة حيث نشرت أعمالهم في العديد من الدوريات والمجلات أبرزها مجلة (سودان ناو) التي كانت تصدر بالخرطوم في ثمانينيات القرن الماضي.
وخلال تلك الفترة صدرت مجموعات شعرية؛ لفكتور لوقالا (قرع طبول السلام)، سلفاتور إبراهيم صدرت له مجموعة شعرية حملت إسم (خمس دقائق).
ازاريا قيلو ايميلي؛ وصدرت له مجموعتان شعريتان بالخرطوم: الأولى باسم (ضحايا الحماقات)، والثانية بعنوان (الحفريات)، كما صدرت له مجموعة قصصية بإسم (مغامرات كينجي) في الأعوام 1998 – 1999؟
وجوزيف أبوك؛ الذي صدرت له مجموعة شعرية في العام 1999 بالعاصمة السودانية الخرطوم.
خلال فترة الحرب الأهلية الثانية (1983-2005)، برزت مجموعة من الأعمال الشعرية لكتاب شاركوا في حرب التحرير من جنوب السودان، من أمثال باقان أموم أوكيج ولورنس كوربندي الذين صدرت أعمالهم باللغة الإسبانية، كما أصدر إدوارد لينو ديوانه الأول بعنوان (عاشت القرود) عن دار رفيقي للنشر بالعاصمة جوبا، والدكتور جون قاي يوه الذي صدرت له ثلاث مجموعات شعرية، إلى جانب القاص والشاعر موسس أكول أجاوين الذي نشرت له مجموعة من الأعمال في الصحف السيارة والمجلات الإلكترونية.
فيما يتعلق بالأدب الجنوبسوداني المكتوب باللغة العربية، فهو يمثل تجربة للجيل الذي عاش وترعرع في المدن السودانية خلال فترة الحرب الأهلية السودانية التي امتدت لأكثر من العقدين من الزمان. وقد برزت أصوات جديدة من جيل الشباب تحكي أوجاع الحرب والهجرة والنزوح كما عاشها جيل الآباء والأمهات، من بينهم؛
آرثر قبريال ياك، وهو قاص وروائي، وصدرت له مجموعتان قصصيتان بعنوان (لا يهم فأنت من هناك) و(غابو يرقص الفلامنكو والتانقو) والأخيرة صدرت عن دار رفيقي للنشر في العام 2018.
كما صدرت له روايتان: الأولى بعنوان (يوم انتحار عزرائيل) عن دار العين، وهي رواية فائزة بجائزة آفاق للكتابة، كما صدرت له مؤخراً روايته الثانية (سبرانو القيامة) عن دار دار مسكيلياني بالجزائر في هذا العام.
وهناك أيضاً استيلا قايتانو؛ وهي كاتبة قصة قصيرة وروائية، صدرت لها ثلاث مجموعات قصصية (زهور ذابلة)، (العودة)، (الطائر الجميل المتواضع) وهي عبارة عن قصص قصيرة للأطفال، ولها رواية صادرة عن دار رفيقي بعنوان (أرواح إدّو)، وعن سبب إختيارها للعربية كلغة للكتابة تقول قايتانو:
“لأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية حسب الدولة، بالتالي وجدنا أنفسنا ننهل منها في مراحل التعليم العديدة العامة، من ثم أصبحت هي لغة الإطلاع وتلقي المعرفة، ولم يكن متاحاً لي معرفة لغة أخرى إلآ في المراحل الجامعية، وهذا يكفي لأتخذها لغة كتابة على الأقل حتى الآن”.
وترى قايتانو أن الكتابة باللغة العربية في جنوب السودان قد تعيق إنتشار المنتوج الإبداعي، رغم أن أغلب الأجيال الشبابية تتحدث وتكتب وتقرأ بالعربية، وقد فطنت لذلك بأن تمت ترجمة جميع أعمالها إلى اللغة الإنجليزية والتي أصبحت منافسة للعربية كلغة تلقٍّ بالنسبة للأجيال الناشئة.
خلال تلك الحقبة ظهرت أيضاً كتابات القاص والشاعر والروائي؛ بوي جون أوانق، الذي صدرت له روايتان: الأولى بعنوان (جنة الخفافيش) عن دار الساقي وهي رواية فائزة بمنحة آفاق للكتابة، كما صدرت روايته الثانية (كوميان) عن دار رفيقي للنشر في العام 2017، وله مجموعة قصصية بعنوان (مرافعة الثعلب) صدرت عن دار “الجزائر تقرأ”.
وبخصوص إختيار العربية كلغة للكتابة يقول بوي جون:
“إن الجغرافيا التي جعلت السودان الكبير على تخوم لغة الضاد هي التي جعلت أمثالنا من أهل تلك التخوم يكتبون بها. والتاريخ الذي جعل من السودان ذات يوم دولة واحدة بحروب لا تنتهي إلا لتبدأ، هو الذي جعل من أمثالنا نحن من ضحايا تلك الحروب نكتب اللغة العربية، إذن هو أمر قرره التاريخ فمَنْ أنا لأبدِّل أحكامه!”.
إشكالات الكتابة بالعربية عند الأديب بوي جون تأتي دائماً من إفتراض الكاتب أنه يحمل رسالة ما، ومن إفتراض أنه يريد أن يقول شيئاً ليسمعه الآخرون، ومن أنه حدد لنفسه قراءً مفترضين.
ويضيف بقوله:
“أنا لم أواجِهْ أبداً إشكالات لأنني لم أفترض أياً مما سبق، مع ذلك أقول إن الكتابة في بلدٍ مثل الجنوب متعدد الألسن مع حالة تكاد تكون فريدة وهي عدم إستخدام أيٍّ منها كوسيط للكتابة، مسألة إشكالية وشائكة في حد ذاتها”.
ومن أوائل الأسماء التي ظهرت في مجال الكتابة الشعرية باللغة العربية في جنوب السودان نجد الشاعر قرنق توماس ضل، والذي صدرت له مجموعتان شعريتان عن دار مدارك للنشر بالعاصمة السودانية الخرطوم هما (سفر المرايا) و(سيرة القبلات)، وله تحت الطبع مجموعة شعرية جديدة بعنوان (إليهم في النقر الحميم).
في مرافعته عن الأسباب التي قادته للكتابة باللغة العربية يقول الشاعر قرنق توماس ضل:
“أكتب باللغة العربية لأنها اللغة التي تشافهت عليها مع العوالم حولي وأنا صغير، والتي تلقيت بها تعليمي الابتدائي والمتوسط والعالي، ثم وهي اللغة السائدة لاحقاً في نزوحنا العظيم إلى بلادنا الشمالية.
ثم أكتب بالعربية لأن أولى العلاقات الإبداعية الكتابية كانت بالعربية، وحتى التي باللغات العالمية الأخرى كانت مترجمة إلى العربية، فالأساس المعرفي الإبداعي والكتابي خاصتي كان بالعربية حيث لا مهرب من الكتابة بالعربية”.
بالنسبة لتوماس، فإن هناك ضبابية تكتنف مستقبل اللغة العربية في جنوب السودان، فهو لا يريد وصفه بالمظلم، لأن العربية خرجت حالياً من المناهج ومن دواوين الدولة التي تستخدم الإنجليزية كلغة رسمية، وأصبحت متداولة فقط في الأسواق وفي صدور الأجيال التي تلقت تعليمها في الخرطوم وفي الجنوب القديم والشرق الأوسط "مصر، ليبيا، سوريا، الخ":
“أما أجيال ما بعد الاستقلال فهي مرتبكة جداً تجاه العربية، رغم الطموح الملاحظ في تعلم العربية والمستقبل في فهمها الرسمي كلغة وليس كمحدد من محددات الصراع الأزلي الذي كان وما يزال”.
برزت أيضاً خلال تلك الفترة أصوات شعرية جديدة من بينهم؛
أتيم سايمون صاحب ديوان (وخز الوطن) الصادر عن دار رفيقي للنشر في العام 2017،
نيالاو حسن أيول صاحبة (قرابين نيكانغ) والصادر أيضاً عن دار رفيقي للنشر 2017. ريجويس استانسلاوس، ألدو ديمو، سايمون إبراهام الذي يكتب القصة القصيرة أيضاً. وأكول ميان كوال صاحب ديوان (انتظار) الصادر بالقاهرة في العام 2017.
يقول أتيم سايمون:
“أكتب بالعربية، لأنها اللغة التي تلقيت بها تعليمي وتشكلت عليها مهاراتي من المدرسة الابتدائية حتى الجامعة، وكذلك لإيماني بأنه يجب التعامل مع اللغة كأداة للتواصل بعيداً عن أي حمولات أُخرى، فأنا أستطيع أن أوظف اللغة للتواصل مع العالم المحيط بي فهناك جيل كامل تلقى تعليمه بالعربية ولا يعرف لغة أخرى غيرها، وأرى أنني ككاتب أيضاً غير منحصر في المحيط الداخلي، فأنا مهموم أيضاً بالتواصل مع جمهور القراء الذين يجيدون العربية في الخارج ويريدون أن يتعرفوا على واقع الحياة الثقافية، الاجتماعية والسياسية في جنوب السودان”.
وعن التحديات التي تواجه الكتابة العربية في جنوب السودان، يرى سايمون؛ أن هنالك بعض الإشكاليات التي تتمثل في أن ما يكتبه يستفيد منه فقط الذين يتحدثون ويقرأؤن بالعربية، وهؤلاء يمثلون أغلبية في أوساط المتعلمين والمثقفين في جنوب السودان والذين درسوا وفق المناهج السودانية فتجدهم يجيدون الإنجليزية والعربية لذلك تجد معظم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تعتمد في برامجها على اللغة العربية على الرغم من أن الدستور حدد اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للدولة.
“فما أقوم بكتابته يجد جمهوره في الوسط المحيط بي والذي يضم في غالبيته مجموعات عاشت ودرست في مختلف مدن السودان إبان فترة الحرب الأهلية السودانية الثانية، وهؤلاء هم أبناء جيلنا جيل السبعينيات، الموجود في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها”.
بسبب غياب المنابر الأدبية والدراسات النقدية المهتمة بمتابعة المنجز الإبداعي في جنوب السودان المكتوب باللغة العربية، لم يتم تسليط الأضواء على العديد من تجارب السرد الجديدة في جنوب السودان، خاصة في الفترة التي أعقبت استقلالها من السودان في العام 2011.
حيث كانت الجهود الفردية في نشر الأعمال الإبداعية هي سيدة الموقف، إذ نجد الكتابات الشعرية، لأندروداو، قبريال جوزيف شدار، وادينق ايويل لونقار، بجانب الكتابات القصصية لكل من بقت دي انقويك، صدرت له مجموعة قصصية بعنوان (الجندي شول شام) سايمون أتير، ملوال دينق، وعبد الله الكاردينال - تجد طريقها للنشر على مستوى الصحف والمجلات الإلكترونية، بجانب الأنطولوجيات السودانية والعربية، إلى جانب الملاحق الثقافية التي تصدرها الصحف العربية الصادرة بالعاصمة جوبا.


- اتيم سايمون
(شاعر وكاتب من جنوب السودان)



  • Like
التفاعلات: معتصم صالح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى