د. عبدالجبار العلمي - المُحَاكاةُ عِنْدَ أَرِسْطُو...

تمهيد:

سأقتصر في هذا التمهيد على محورين أساسيين، رأيتُ أن لا مناصَ منَ التصدي للحديث عنهما بشكل مقتضب، قبل الخوض في دراسة المحاكاة عند أرسطو، وهما:
أ ـ المحاكاةُ عند أفلاطون :
المحاكاة اصطلاح ميتافيزيقي الأصل ، استعملهُ سقراط وأفلاطون بمعنى التقليد. يقول سقراط : " إن الرسم والشعر والموسيقى والرقص والنَّحت كلها أنواع من التقليد، ومفهوم التقليد عند سقراط وأفلاطون يعود إلى الأساس الذي تبنى عليه فلسفتُهُما." ( ) وهذا الأساس هو الذي يقوم عليه تقسيم الوجود إلى ثلاثة أقسام : أ ـ عالم الأفكار والمثل / ب ـ عالم الحس أو الصور المحسوسة المتحققة في الطبيعة، وهو صورة العالم الأول / ج ـ عالم الفنون الجميلة، أي "عالم الظلال والصور والأعمال الفنية." ( ) ومادام الفنُّ محاكاةً لما هو محاكاة ، فإنهُ لا يقدمُ معرفةً حقيقية، وأنَّ ما يحاكيه من مظاهر أَقْربُ إلى الحقيقة من صورته الفنية. إنَّ الفن في رأي أفلاطون ذو طبيعة مرآوية أي " كأنَّ الفنانَ يديرُ مرآةً ليعكسَ خيالاتٍ محاكيةً للأشياء المحسوسة. فإذا صور فنانٌ منضدةً، فإنَّ لهذه المنضدة المصورة المرتبةَ الثالثة في مراتب الوجود الأفلاطوني المثلث." ( ) ، وعلى هذا فإن أفلاطون جعل المحاكاة الفنية بعيدة عن الحقيقة بثلاثِ مراحل ، وبالإضافة إلى ذلك ، فإنها "نتاج جهلٍ عقيم ." ( ) ذلك أن الرسام يرسم سريراً ، لكنه لا يستطيعُ أن يصنعهً ... كذلك الشاعر يحاكي الحقيقة وليس من الضروري أن يكون متفهماً لهاً. "( )
ب ـ موقف أفلاطون من الشعر : يمكننا أن نستخلص موقفَ أفلاطون من الشعر من المحاورات التي دارت في كتابه " الجمهورية ". ففي محاورتي فيدروس و إيون سنجدُه يذهبُ إلى أن الشعرَ إلهامٌ خالص، وأنَّ الشاعر منشدٌ ملهم تبثُّ الآلهةُ أحاديثَها على لسانِه. إنسانٌ يعوزه الفن الذاتي والإرادة الحرة . " ( ) . يحظر أفلاطون دخولَ دولته المنظَّمة على الشَّاعر للاعتراضات التالية: 1 ـ أن الشاعرَ محاكٍ ، يحاكي ما هو محاكاة، وهو بذلك يعلِّمُ الناسَ الأوهام. / 2 ـ إنَّ المحاكاة الفنية، تصور الخلق الانفعالي المتقلب في الإنسان، في حين أنها لا تعطي أهمية للجانب المتعقل./ 3 ـ إنَّ الشِّعرَ يُلهبُ العواطفَ ويغذيها، في حين أنه يضعفُ العقل؛ ولهذا فإنه ضارٌّ لجمهوريته المنظمة التي ينبغي أن يَضبَطَ فيه حتَّى العواطف. ( ) غير أنَّ أفلاطون لا ينفي كلَّ أنواعِ الشعر عن جمهوريته، بل إنه يسمح بدخول الشِّعر الذي يُرفَعُ إلى الآلهة أو الذي يُقصد بهِ مدحُ عظماءِ رجال الدولة، أي ذلك الشعر الذي يتوافقُ ومبادئ دولته وإيديولوجيتها. واللافت للنظر أن أفلاطون رغم موقفه الهجومي من الشعر، إلا أننا نجد كتاباته تتسربل بغلائل الشعر، وخاصَّةً في محاوراته. وما أصدقَ قولَ ( لورد لندي ): " إنَّ الكتابَ العاشرَ من الجمهورية يُستهلُّ بهجومٍ على الشعر وينتهي بقصيدة."()
نحاول فيما يلي بعد هذا التمهيد الذي كان لا بد منه، مقاربة المحاكاة عند أرسطو من خلال المحاور التالية:
1 ـ تحديد مصطلح المحاكاة عند أرسطو:
يستعمل أرسطو لفظ المحاكاة بمعناها اللغوي أي التقليد، لكنهُ لا يعني بها التقليد الفوتوغرافي أو الاستنساخ الحرفي أو النقل المرآوي لمظاهر الطبيعة كما هو الأمر عند أفلاطون. وما جعله يستخدم هذا المصطلح، " هو أنه ( المصطلح ) كان شائعاً مألوفاً عند اليونان القدماء، وأنَّ أرسْطو كان بصدد الدفاع عن الشعر ضد هجومِ أفلاطون." () لكنهُ أعطاهُ معنىً جديداً غير المعنى الذي كان لهُ عند هذا الأخير. يأتي ذكر المحاكاة عندما يتحدث أرسطو عن الشعر ونشأته، حيث يرى أن الشعر نشأ عن ميلين غريزيين في الإنسان هما : أ ـ الميل إلى المحاكاة التي تظهر في الإنسان منذ طفولته المبكرة. / ب ـ الميلُ إلى النَّغمِ والإيقاع. ومن الميل الأول يجعلُ أرسطو قاعدةً نظريته في الشعر، غير أن المحاكاة عنده ليستْ مصدراً للشعر فحسب، بل هي مصدر للفنون جميعاً ( الملحمة والمأساة والملهاة والديثَرَامبوس وجل صناعة العزفِ بالناي والقيثارة هي كلها أنواعٌ من المحاكاة في مجموعها" ( ) إلا أن هذه الفنون وإن كانت كلها ألواناً من المحاكاة، إلا أنها تختلفُ في الوسيلة التي تستخدمها وفي الطريقة أو الصورة التي تتشكلُ بها، فمن حيث الوسيلة تتم المحاكاةُ في الرسم بوساطةِ الألوانِ والرسوم ؛ وفي الموسيقى بوساطة الإيقاع والانسجام ؛ وفي الشعر بوساطة اللغة التي قد تستعينُ بالإيقاع واللحن والوزن مثل المأساة والملهاة. أما من حيث الصورةُ التي تتشكل بها ، فإن الرسم والموسيقى إذا كانا يحاكيانِ المناظر والأصوات من حيثُ إنها تدل على العواطف والأخلاق ، فإن الشعر يحاكي أفعال الناس، ثمَّ إنَّ من هذه الفنون ما يحاكي الجوانب الفاضلة كالمديح الدِّيني والملحمة والمأساة، ومنها ما يحاكي جوانب الرذيلة كالهجاء والملهاة. "( ) فالمحاكاة الفنية عند أرسطو ، كما نرى، ليستْ محاكاةً للأشياء المادية المحسوسة كشأنها عند أفلاطون ، بل هي محاكاة للإنسان في حالة فعل. إن الإنسان إذا لم يعمل هو كائن موجود بالقوة ، وإنما يصبح موجوداً بالفعل عند أرسطو عن طريق العمل. وهكذا نرى أن أرسطو يذهبُ إلى أن الشعر يجب أن يتضمن فعلاً أو عملاً، ذلك أن مجالَ الفن عنده هو " الأفعال الإنسانية والعواطف الإنسانية، والأخلاق الإنسانية، أي النشاط الإنساني عامة... وعلى هذا فإن موضوع المحاكاة هو واقع الحياة وأحداثها وما يرتبط بها من شخوص وعواطف إنسانية" () إنَّ الشخصية الإنسانية في الحقيقة، ليستْ هي موضوع المحاكاة الفنية، وإنما موضوعها الرئيس هو الفِعْلُ الإنساني.
2 ـ المأساةُ أرفع أنواع المحاكاة :
لما كان الفن عند أرسطو محاكاة لفعلِ إنساني، وليس محاكاةً لأشياء مادية محسوسة، فإنهُ جعلَ المأساة أرفعَ أنواعِ الشِّعر باعتبارها محاكاة لأفعال الإنسان ، أي محاكاة لأخلاقه وعواطفه وأفكاره. ويشير أرسطو إلى أن المأساة والملهاة تطورتا عن فنون أدنى ، فقد ظهر في أول الأمر شعر المدح والهجاء ، ثم تطور هذان الفنان ، فشِعْر المدح تولد منه شعرُ الملاحم ؛ وشعرُ الهجاءِ، انبثق منه شعرُ النقد والسخرية ( الشعر الإيامبي ) ؛ ثم تطورتِ الملحمةُ فنشأَتْ عنها المأساةُ؛ وتطور الشعر (الإيامبي) فنشأَتْ عنه الملهاة. فهل يمكن اعتبار نظريته هذه في تطور الأجناس الأدبية نواةً للنظرية التطورية التي قال بها الناقد الفرنسي فرديناند برونينتيير( 1849 ـ 1908 ) في أواخر القرن 19 في أوروبا؟
يعرف أرسطو هذا الجنس الأدبي الرفيع تعريفاً دقيقاً في الفصل السادس من كتابه ( فن الشعر ، ترجمة عبدالرحمن بدوي، ص: 18 وما بعدها. ) ويضطلع بتحليلها إلى المقومات الرئيسة التالية : أ ـ القصة ( أو الحكاية أو الخرافة)/ ب ـ الأخلاق أو الطبائع أو العادات. / ج ـ الفكر، ومعناه كل ما يقوله الأشخاص لإثبات شيء أو للتصريح بما يقررون. / د ـ اللغة أو العبارة. / ه ـ الغناء ( اللحن ). / ز ـ المنظر المسرحي . والجدير بالملاحظة أن عنصر القصة وتركيبها يحظى بأهمية قصوى عند أرسطو ، فهو عنده أهم عناصرها : إنها مبدأ المأساة الأول ، وتقوم منها مقام الروح " . لذلك يشترط أرسطو أن يكون تركيبُها متيناً ، وحبكتُها قوية متينة متسلسلة الأحداث ، متصلة الحلقات اتصالاً سببياً يؤدي إلى النتيجة النهائية ( النظر: " النقد الأدبي الحديث "، غنيمي هلال ، ص : 53 )، كما يشترط أن تتوفر فيها وحدة العمل ( وحدة القصة) التي يعتبرها موطن القيمة الفنية الحقيقية. أما الشعر فلا أهمية له في حد ذاته ، ذلك لأن الشاعر هو صانع قصة أكثر مما هو صانع أبيات منظومة ، لأنه إنما هو شاعر بسبب المحاكاة، ولأنه إنما يحاكي الأفعال. () وحين ينص أرسطو على أن الشاعر لا يكون شاعراً بمجرد استخدامه الوزن ـ وحين يشيرُ ـ كما سنرى فيما يلي ـ إلى أنَّ المؤرخَ لا يصيرُ عملُهُ شعراً ، وإن جاء منظوماً ، إنما يؤكد هنا أن للشعر خصوصيات يتميز بها منها: عنصر التخييل ، والكشف عن أعماق القلب البشري مثلاً. وأجد أن رأيهُ هذا، أكثرَ تقدماً من بعض الآراء التي راجت في الساحة الأدبية والنقدية عند العرب إلى عهد ليس بالبعيد والتي كان لا يقبل أصحابها الشعر إلا موزونا مقفى ، وأذكر هنا على سبيل المثال: موقف العقاد في لجنة الشعر حين أحال شعر التفعيلة على لجنة النثر .. كما أشير إلى الصراع الذي خاضته القصيدة الجديدة مع سدنة الشعر التقليدي الجامدين، ومعيار أرسطو يفسح المجال للشعر ما ذام يتوفر على الشعرية.
3 ـ الشعر والتاريخ :
يفرقُ أرسطو بين عالم الشاعر وعالم المؤرخ. فالمؤرِّخُ يقُصُّ علينا الحوادثَ التي حدثت فعلاً . أما الشاعر فيقص الحوادث التي يمكن أن تقعَ, وهو لا يحاكي الواقع كما هو ، بل يضيفُ إليه أشياء من عنده ، فهو قد يرفعُ بعض الناس إلى طبائعَ سامية، ويحط بآخرين إلى حضيض الرذائل . وهكذا نرى أن الشعرَ بهذا المعنى "يقومُ على الكشفِ عما ينقص هذا العالمَ...ويحاكي الطبيعة ليكملَ نقصها وليساعدَ على فهمها" ( انظر : "مقدمة في نظرية الأدب" ، مرجع مذكور، ص : 178 ),
يقول أرسطو في الفصل التاسع من كتابه عن الشعر : " إن مهمة الشاعر الحقيقية ليست في رواية الأمور كما وقعت فعلاً ، بل رواية ما يمكن أن يقع... إن المؤرخ والشاعر لا يختلفان بكون أحدهما يروي الأحداث شعراً والآخر يقوم بسردها نثراً، فقد كان من الممكن تأليف تاريخ هيرودوت نظماً، لكنه كان سيظل مع ذلك تاريخاً سواء كُتِب نظماً أو نثراً . ولهذا كان الشعرُ أوفرَ حظاً من الفلسفة وأسمى مقاماً من التاريخ ، لأن الشعرَ يروي الكلي ، بينما التاريخ يروي الجزئي (انظر : فن الشعر ، مرجع مذكور ، ص: 26 .)
وهنا يكونُ أرسطو قد سدَّدَ (ضربته القاضية) إلى اتهام أفلاطون الشاعرَ بأنه ما هو إلا محاكٍ لمحاكاة وأن الشعر ما هو إلا محاكاة لمحاكاة، وأنه بذلك يكون بعيداً عن الحقيقة. والحالُ أنَّ الشعرَ عند أرسطو وسيلةٌ من وسائل المعرفة والكشف، وهو على هذا الأساس أكثر فلسفة وأبدع من التاريخ وأسمى منه قيمةً. لكن أرسطو يسمح للشاعرِ أنْ يستغلَّ الوقائع التاريخية في عمله الشعري بشرط أن ينتقي منها ما يخضع لمبدإ الاحتمال والإمكان، ويُعبِّرُ عما هو شامل وكُلي ، لأنَّ ما هو مرجَّحٌ أو مُمكن لا يَخضعُ لحدودِ الزمان والمكان "، يقول الدكتور عبد المنعم خضر في دراسته " نظرية أرسطو في الشعر وبناء المأساة " المنوه إليها آنفاً : لعل هذا الرَّأي يفسره أنَّ الشعراء اليونان، كانوا يستغلون الأساطير اليونانية التي كانت جزءً من التاريخ في مسرحياته, وكانت هذه الأساطير تحمل مضامين إنسانية يلتقي فيها الخاص بالعام. ويرى أرسطو " أن المستحيل الذي يقنع هو في مجال الشعر مفضلٌ على الممكن الذي لا يقنعً. ومن الجدير بالملاحظة أن أرسطو لم يعارض أفلاطون في حملته على الشعر فحسب، بل إنه سَما بالشعر إلى منزلة فوقَ منزلة الفلسفة والتاريخ.
4 ـ وظيفة الشعر : للشعر عند أرسطو وظيفتان: أ ـ وظيفة ذات طابع فكري؛ ب ـ وظيفة ذات طابع أخلاقي وبيولوجي.
أ ـ رأينَا خلال الحديث عن العلاقة بين الشعر والتاريخ أن الشعرَ له طابع فلسفي لأنه يتحدثُ عن الكلي والشامل والمحتمَل. وبناء على ذلك، فإنه يعتبرُ وسيلةً لاستكشافِ عالم الحقيقة، وهو بذلك يمكن اعتبارهُ( شكلاً من أشكالِ المعرفة" () والمعرفة التي يستمدها المتلقي من الشعر تتم بوساطة المحاكاة التي كانت وسيلة الإنسان الأولى للحصول على المعرفة. ولما كانت المحاكاة الفنية تقدَّمُ في شكلٍ يتوفرُ على تنسيق وترابط ووحدة، فهي تقدم للمتلقي هذه المعرفة مصحوبة باللذة والمتعة.
ب ـ أما الوظيفة الثانية ، فهي " التطهير " ( الكاثرسيس ) Catharsis : معنى التطهير أن تتطهر الروح البشرية من عواطفها الزائدة ، ففي المأساة تستثار مشاعر الشفقة والخوف بعنفٍ ثم تُزال بالتطهير ، وذلك بإحساس المتلقي بالانفراج المتولد عن الكوارث التي عانت منها الشخصيات على خشبة المسرح وأنه لم يصبْ بشيء منها. يقول أرسطو : إنَّ النفسَ لا تضطربُ بهذه ( المعاني ) إلا لتهدأ في عاقبة الأمر كأنها صادفتْ طبَّاً وتطهيراً. " ( ) يفسر بعض الباحثين " التطهير بهذا المعنى الطبي حيث يرون أن المحاكاة في المأساة هي إثارة الانفعالات القوية ( الخوف والشفقة)، وأنَّ بهذه " الإثارة تخلص النفس من آثار الانفعالات السيئة ، وفقاً لقاعدة " وداوني بالتي كانت هي الداءُ " ( مقدمة بدوي لفن الشعر ، ص: 41) وهذه القاعدة هي التي أدتْ إلى ما يعرف اليوم بالتلقيح أي تطهير الجسم بإدخال مواد سامة مضادة، وهي أيضاً طريقة ناجعة في الميدان النفسي. فالمأساةُ مثلاً حين تثير في نفوسنا انفعالاتٍ معينة إنما تخفف عنا عبءَ هذه الانفعالات دون أن تحدثَ أيَّ ضرر علينا ( من محاضرات أستاذنا أمجد الطرابلسي ). ويرى علم النفس اليوم أن الفنون الجميلة تخففُ من هذه الانفعالات. إن قيمة المحاكاة الشعرية تكمن في أنها تثيرُ فينا هذه الانفعالات القوية لتخلصنا من بعض عواطفنا كالخوف والشفقة لتكسبنا دربة وصلابة، وتزودَنا بذلك للحياة الواقعية. وهذه هي رسالة المحاكاة من الناحية الأخلاقية. وهكذا يكونُ أرسطو قد ردَّ على أفلاطون اتهامه للشعر بأنه ضد الأخلاق، إلى درجة طرده الشعراءَ من جمهوريته أو مدينته الفاضلة، وردَّ إليه الاعتبار من الناحية الفكرية والمعرفية والأخلاقية.
5 ـ خاتمة وتعليق: لا جدالَ في أنَّ نظريةَ أرسطو في الشِّعر لها من الرسوخ والصلابة ما جعلَها تثبت حقباً طويلة، بل إن بعضَ الآراء النفَّاذة التي أوردها في كتابه "فن الشعر" مازالتْ تلاحقُ تطورات العقل البشري ، وتستشرف آفاق الخلود. أيمكن لنا أن نُنْكِر في يوم الناس هذا، تنبهه إلى العناصر التي تجعلُ من الأدب أدباً خالداً حين تحدثَ عن اهتمام الشاعر بالجوهري والكلي والإنساني العام؟ أليست هذه هي مقومات الشعرية في الخطاب الشعري حتى اليوم ؟ ألا يمكن أن نعتبر أرسطو أول من وضعَ يدهُ على أن موضوع الأدب الحقيقي هو الجانب الانفعالي المتقلب في الإنسان ، وليس الجانب المتعقل الرزين الذي كان يرى أفلاطونَ أنَّ الشعراء أهملوه؟ أليس هذا هو موضوع الأعمال الروائية في عصرنا؟ ( انظر بهذا الخصوص مثلاً: "الرواية كملحمة بورجوازية"، جورج لوكاش ، ترجمة :ج,طرابيشي ـ Pour une sociologie du roman , Goldmann, idées Gallimard,1964.)
بقي أن نقول في الأخير: إنَّ أرسطو يبقى هو أولَ صاحبِ جهد جبَّار في تأسيس علم الجمال على أسس موضوعية، وصاحبُ أولِ جهد في ( نظرية الأدب).



الهوامش:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى