سطوع الشمس يعشي البصر ، الرقيب المربي يفتح باب السجن ، يطل كجرذ يتردد في الخروج من الجحر ، ثم يغلقه بعد توالي مغادرة السجناء الذين قضوا مدة محكومياتهم ، لا أحد منهم يلتفت بل كلهم يندفعون بسرعة كما لو يخشون أن تعاود قبضة السجن الإمساك بهم ، كانوا ينظرون بإمعان إلى المجال الذي ولجوا إليه كحلازين تبارح قواقعها . لم يجذب اهتمامهم الزوار الذين احتشدوا مستطلعين ، وعيونهم تسعى إلى التقاط أقربائهم . هناك بعيدا عن الحشد يقف خمسة أشخاص مبدين اهتماما مشوبا بالتوتر ، وفي يد أحدهم باقة ورد ، كانوا يتلهفون لمعانقة رفيقهم الذي حصدته آلةالقمع منذ ثماني سنوات ، وأخيرا ظهر الرفيق الذي ختم سلسلة المغادرين يجر رجليه في عناء ، لم يستبينوه للوهلة الأولى ، دهشوا فقد أمسى أقصر قامة ، هزيلا ، شاحبا ، ممتقع البشرة . طفقوا يدمدمون بعد أن ساورهم الشك في أن يكون الكائن الغريب الذي يمثل أمامهم هو رفيقهم فعلا ، نقص طوله ، تغيرت ملامحه ، نتأت حدبة خلف كتفيه ، ودفعا للشك نطق أحدهم ( الرفيق سعد ) ، لم يستجب الرجل بل خطا نحو الرجال ثم انعطف فجأة إلى الإتجاه الآخر