ذات مرة كتب كافكا في رسالة إلى أحد أصدقائه عن الكتاب الذي يجب أن يُقرأ، وعن ردّة الفعل الناتجة عن القراءة، لقد أشار أن الكتاب الذي لايجرح بعمق، الكتاب الذي لا يوقظ بضربة على الرأس ليس جديراً بأن يقرأ! كافكا يعطي للقراءة مفهوماً تدميرياً، القراءة التي تؤلم بعمق مثل كارثة، أو موت حبيب، القراءة التي تنفي الذات عن القارِّ والساكن، القراءة حين تكون فعلاً انتحارياً، القراءة الفأس، هكذا ينظر كافكا للقراءة كفعل جاد مليء بالألم والمكابدة، القراءة التي لا تنفخ الذات بل تدمرها، التي لا تمنح الشخصية الاكتمال والتوازن بل الانتحار والموت.
إن من يقرأ لمحض المتعة ليس بقارئ، ومن يقرأ ليزداد ركوداً وسكونية ليس بقارئ، ومن يقرأ ادماناً للعادة ليس بقارئ، ومن يقرأ ليرسخ في الذات أوهامها وعُقد نقصها ليس بقارئ، إذ القراءة فعل معرفي يكشف للذات باستمرار ضعفها ونقصانها وحاجتها الأبدية إلى المزيد من المعرفة. حين تصبح القراءة فعل وجود لايمكن للكينونة ان تحيا بدونه، وهنا لابد ان تلعب القراءة دوراً سادياً على الأنا القارئة بما هي الفعل الذي يقتحم الحصون الداخلية ويعيد تشكيل الذات القارئة ليس تشكيلا نهائياً، بل التشكيل الذي ينتظر التدمير مرة أخرى، إنها القراءة التي تذهب بالوجود إلى الحافة.
وإذا كان العالم في لحظته الراهنة يبتعد عن القراءة أكثر كون هذه اللحظة تخرج بالإنسان إلى آفاق لم يألفها من قبل سواء على المستوى التكنولوجي وتقدم وسائل الاتصال أو حتى اقتصادياً حيث البطالة والفقر والبحث الدائم عن فرص حياة أفضل أو اجتماعياً حيث تتضافر عوامل عديدة على غياب الكتاب وتفشي الأمية حتى بين من يتقنون القراءة والكتابة ويحملون شهادات جامعية، وإذا كانت صناعة الكتاب الجاد عملية غير مربحة في ظل عالم يسلِّع كل شيء ويخضعه لمنطق الربح والخسارة، وإذا كانت مخالب الرأسمالية متحفزة لاقتلاع الكتاب من جذوره ليس فقط في المعنى، بل وحتى في الشكل إذ ثمة أفكار من قبيل اندثار زمن الكتاب بروائح أوراقه الرطبة وجاذبية متنه فإن الجمرة لمن يظل يقرأ لمن يسافر بحثاً عن كتاب إنه ليس ضرباً من الطوبى بل جنون القراءة حينما يسري في الدم، إدمان المُكْث بين الأسطر والبحث عن الشيء الذي لا يُفسَّر، اقتناص البُطء في ظل عالم تأكله السرعة، القراءة كفعل توحُّد بين ذات وكتاب ليست الملجأ من تعب العيش وليس فيها السلوان إلا بشروطها الكاملة ليس بجحيمية كافكا وحدها ولا برخاء بورخيس المطلق الذي قرأ (الكوميديا الإلهية) باللغة الايطالية اثنا عشر مرة في طبعات مختلفة وتعلم اللغة الألمانية كي يقرأ الأدب والفلسفة الألمانية، وقرأ سيرفانتس بالاسبانية، وظل يقرأ حتى نضُب بصره وانطفأت عيناه، ثم بدأ يحلم بكتاب لا نهائي ولا عدد لصفحاته.
إن من يقرأ لمحض المتعة ليس بقارئ، ومن يقرأ ليزداد ركوداً وسكونية ليس بقارئ، ومن يقرأ ادماناً للعادة ليس بقارئ، ومن يقرأ ليرسخ في الذات أوهامها وعُقد نقصها ليس بقارئ، إذ القراءة فعل معرفي يكشف للذات باستمرار ضعفها ونقصانها وحاجتها الأبدية إلى المزيد من المعرفة. حين تصبح القراءة فعل وجود لايمكن للكينونة ان تحيا بدونه، وهنا لابد ان تلعب القراءة دوراً سادياً على الأنا القارئة بما هي الفعل الذي يقتحم الحصون الداخلية ويعيد تشكيل الذات القارئة ليس تشكيلا نهائياً، بل التشكيل الذي ينتظر التدمير مرة أخرى، إنها القراءة التي تذهب بالوجود إلى الحافة.
وإذا كان العالم في لحظته الراهنة يبتعد عن القراءة أكثر كون هذه اللحظة تخرج بالإنسان إلى آفاق لم يألفها من قبل سواء على المستوى التكنولوجي وتقدم وسائل الاتصال أو حتى اقتصادياً حيث البطالة والفقر والبحث الدائم عن فرص حياة أفضل أو اجتماعياً حيث تتضافر عوامل عديدة على غياب الكتاب وتفشي الأمية حتى بين من يتقنون القراءة والكتابة ويحملون شهادات جامعية، وإذا كانت صناعة الكتاب الجاد عملية غير مربحة في ظل عالم يسلِّع كل شيء ويخضعه لمنطق الربح والخسارة، وإذا كانت مخالب الرأسمالية متحفزة لاقتلاع الكتاب من جذوره ليس فقط في المعنى، بل وحتى في الشكل إذ ثمة أفكار من قبيل اندثار زمن الكتاب بروائح أوراقه الرطبة وجاذبية متنه فإن الجمرة لمن يظل يقرأ لمن يسافر بحثاً عن كتاب إنه ليس ضرباً من الطوبى بل جنون القراءة حينما يسري في الدم، إدمان المُكْث بين الأسطر والبحث عن الشيء الذي لا يُفسَّر، اقتناص البُطء في ظل عالم تأكله السرعة، القراءة كفعل توحُّد بين ذات وكتاب ليست الملجأ من تعب العيش وليس فيها السلوان إلا بشروطها الكاملة ليس بجحيمية كافكا وحدها ولا برخاء بورخيس المطلق الذي قرأ (الكوميديا الإلهية) باللغة الايطالية اثنا عشر مرة في طبعات مختلفة وتعلم اللغة الألمانية كي يقرأ الأدب والفلسفة الألمانية، وقرأ سيرفانتس بالاسبانية، وظل يقرأ حتى نضُب بصره وانطفأت عيناه، ثم بدأ يحلم بكتاب لا نهائي ولا عدد لصفحاته.