تعرّضت البشرية والحضارة الإنسانية خلال مسيرتهما الطويلة لمحن شديدة من حروب طاحنة صنعها بنو البشر أنفسهم، فتكت بالملايين منهم وخلّفت الدمار والخراب، كما تعرضت البشرية لأخطار طبيعية كالزلازل والجفاف والجراد والسيول والفيضانات، لكنّ أخطرها كان تلك الأوبئة الفتاكة التي اجتاحت البشر في فترات متفاوتة من التاريخ الإنساني، فقضت على جموع هائلة منهم، ولعل أخطر تلك الأوبئة التي تعرّض لها الإنسان هو مرض الطاعون الذي قضى في أحيان كثيرة على شعوب بأكملها وأباد مدنا وأقفر الأرض من ساكنيها .
يتحدث المؤرخون المسلمون عن طاعون (عَمواس ) وهي بلدة بفلسطين حلّ بها الوباء في عام ثمانية عشرة للهجرة ، وانتشر في بلاد الشام ومات فيه عدد كبير من الصحابة وعساكر المسلمين في بداية الفتح الإسلامي لبلاد الشام ، وأشهر من مات في هذا الوباء قائد جيوش الفتح أبو عبيدة بن الجراح الذي دفن في غور الأردن.
لكنّ أخطر طاعون مرّ على البشرية هو ذاك الطاعون الذي اجتاح العالم القديم في القرن الرابع عشر الميلادي الموافق للقرن الثامن الهجري.
فقد انتشر هذا الطاعون في آسيا وأوروبا وشمال أفريقية وقضى على أكثر من نصف سكان أوروبا وسُمّي هناك بالطاعون الأسود، وقد غيّر هناك مجرى التاريخ وخلخل البنية الاجتماعية، ويرجح معظم المؤرخين في تلك الفترة أن بداية انتشاره كانت في شرق آسيا على حدود الصين.
امتدّ هذا الوباء القاتل إلى مصر وبلاد الشام، وكانت أشدّ موجة له عام سبعمائة وتسعة وأربعين هجرية الموافق لعام ألف وثلاثمائة وثمانية وأربعين ميلادية. وقد سمّت العرب هذا الوباء بالطاعون لأن القروح التي يسببها في الجسم تشبه طعنات الرماح. كما بين الأطباء والمورخون في تلك المرحلة أسباب هذا الوباء فالمؤرخ ابن خلدون المتوفّى عام ثمانمائة وثمانٍ للهجرة يذكر( أن سبب هذا الوباء هو فساد الهواء في الغالب لكثرة العمران ومخالطة الحيوان …وإذا كان فساد الهواء قوياً وقع المرض في الرئة وهذه الطواعين وأمراضها مخصوصة بالرئة ) .
وقد عاصر عدد من المؤرخين والأدباء هذا الوباء وشهدوه بعيونهم. وهالهم كثرة الموت التي تحيط بهم من كل جانب حتى كادت المدن والقرى تخلو من ساكنيها ، ويصف لنا المؤرخ المقريزي المتوفى في القاهرة عام سبعمائة وأربعة وستين حالة الناس مع هذا الوباء ( فقد كادت القاهرة أن تخلو من ساكنيها , فلا أحد يمرّ في شوارعها من باب زويلة إلى باب النصر لكثرة الموتى والاشتغال بهم ، وقد تنكّرت وجوه الناس وامتلأت الأماكن بالصياح فلا تجد بيتا إلى وفيه صيحة ، ولا تمر بشارع إلا وفيه عدّة أموات، وصارت النعوش تصطدم والأموات تختلط).
كما عاصر عدد من الشعراء هذه المحنة القاسية فعبروا عن فداحتها بأشعارهم . فالشاعر ابن أبي حجلة التلمساني المتوفى في دمشق عام سبعمائة وستة وسبعين يصف لنا الطاعون الذي حلّ بدمشق وكيف يطعن ويفتك كمقاتل شرس ، بل إنّ هذا الوباء يصرخ بنا بكل عدوانية ، إنّ كل مخلوق تلدونه هو للموت على يدي ، وكل بناء تشيدونه آيل إلى الخراب فعبثاً ما تفعلون :
أرى الطاعونَ يفتِكُ في البرايا
ويطعنُ طعنَ أربابِ الحِرابِ
ويُنشِدُ عندَ هَدْمِ العمر منَّا
لِدوا للموتِ وابنُوا للخرابِ
وقد شهد هذا الوباء الشاعر صلاح الدين الصّفدي المتوفّى في دمشق عام (سبعمائة وأربعة وستين هجرية ) فهاهو يحدثنا عن بداية انتشار هذا الوباء من أرض غزة وامتداده نحو بلاد الشام :
قد قلتُ للطاعونِ وهو بغزّةٍ
قد جالَ من قَطيا إلى بيروتِ
أَخليتَ أرضَ الشامِ من سكانها
وحكمتَ يا طاعونُ بالطاغوتِ
فالطاعون شرابٌ علقم قاتل وسوف يشربه الناس رغماً عنهم صبحاً أو مساء ولا خيار لهم في ذلك وهم يذبحون كالنعاج دون سلاح :
وا رحمتا لدمشقَ من طاعونِها
فالكلُّ مُغتبِقٌ بها أو مُصطَبِحْ
كم هالكٍ نفثَ الدِّما من حلْقِه
أومَا تراهُ بغيرِ سكين ذُبحْ
وهذا الطاعون قد أشقى الناس ونغّص عيشهم وأذهل الآباء عن أبنائهم …وهو يطفئ الأرواح المشتعلة في الأجساد كما تطفئ الريح العاصفة لهب الشموع :
قد نغَّصَ الطاعونُ عيشَ الورى
وأذهـــلَ الوالـــدَ والوالدةْ
كم منزلٍ كالشمعِ سكَّانُهُ
أطفأهمْ في نفخةٍ واحدةْ
ومن الغريب والطريف أن نجد أديباً وشاعراً ومؤرخا كابن الوردي المتوفّى بهذا الوباء نفسه في حلب عام سبعمائة وتسعة وأربعين هجرية يقابل هذا الطاعون دون مبالاة تارة كما يقول : ولستُ أخافُ طاعوناً كغيري
فما هو غيرُ إحدى الحَسَنينِ
فإنْ مُتُّ استرحتُ من الأعادي
وإنْ عشتُ اشتفَتْ أُذني وعيني
وبالسخرية حينا آخر فقد انتشر الطاعون في كل بلد إلا في بلدته ومسقط رأسه المعرة. ويفسر ذلك بأن المعرة لا حاجة لها بهذا الطاعون ففيها ما يكفي من طاعون آخر هو الظلم الذي يفتك بالعباد أيضا :
رأى المعرةَ عيناً زانَها حَورٌ
لكنّ حاجبَها بالجورِ مقرون
وما الذي يصنعُ الطاعونُ في بلدٍ
في كلّ يومٍ له بالظلمِ طاعونُ
كما كتب ابن الوردي مقامة هامة عن هذا الوباء سمّاها(النبا عن الوبا).وقد بدأ مقامته باستعراض انتشار الطاعون في العالم ثم تتبع انتشاره في ديار المسلمين شارحا مظاهر الحياة والموت بتلك الديار ثم راقب وصوله إلى حلب والبلاد المجاورة . وتحدث ابن الوردي عن هذا الوباء الذي استمر في طعناته خمس عشرة سنة ، وتحدث عن الصين التي لم تتمكن من حماية نفسها وعن الهند وبلاد الأوزبك وأرض القرم وقبرص والجزائر والإسكندرية ..وكأنّ رسالة ابن الوردي هي رسالة مرثاة للإنسانية جمعاء .
ويرسم لنا هذا الأديب ما فعله هذا الوباء بالناس …ويقدم لنا صوراً بالتفصيل عما يفعله الناس الذي شغلتهم الدنيا، لكنهم أفاقوا فجأة وإذا بليل المنية يحيط بهم من كل جانب، فالكلّ مذهول وكأن يوم الميعاد قد اقترب، فمنهم من يوصي بالعناية بأولاده ومنهم من يودّع جيرانه ومنهم يسرع بتجهيز ما فاته من أعمال ومنهم من استسلم للموت فمضى مسرعاً يجهز كفنه
فهذا يوصِّي بأولادِه
وهذا يودّعُ جيرانَه
وهذا يهيّئُ أشغالَه
وهذا يُجهزُ أكفانَه
وترقّق المحنة القلوب الآن فيسرعون إلى تناسي أحقادهم وعداواتهم
فهذا يصالحُ أعداءَهُ
وهذا يُلاطفُ إخوانَه
وذاك البخيل الحريص على ماله غدا اليوم كريماً سخيا وقد أدرك أن لا شيء يحمي من الموت ولا نفع لذهب أو مال، وذاك شخض آخر يصالح ويصادق حتى من عاداه وخانه :
وهذا يوسّعُ إنفاقَهُ وهذا يُخاللُ منْ خانهُ
وذاك إنسان يهب كلّ أمواله لتكون ملكا ونفعا عاما للمسلمين وآخر يعتق عبيده ..فلا ينفع مال ولا عبيد
وهذا يحبّس أملاكَه وهذا يحرّرُ غلمانَه
والإنسان الشرسُ سيئ الأخلاق يغدو لطيفا رقيقا وذاك البائع المخادع يعود ليصلح ميزانه الذي طالما غشّ به الناس …فقد اقترب الحساب الحقيقي ويوم الميزان
وهذا يغيّر أخلاقَه
وهذا يعيّر ميزانَهُ
الوباء قد استعبد الناس وتحكم برقابهم وأرسل طوفانه عليهم فلا عاصم إذن سوى رحمة الله سبحانه :
ألا إنّ هذا الوبا قد سبا
وقد كان يرسلُ طوفان
فلا عاصمَ اليومَ من أمرِه
سوى رحمةِ اللهِ سبحانَهُ
وأخيراً يمكن القول إن المصائب كالنار تظهرمعادن البشر، وتنزع الأقتعة الزائفة ,فيبدو للعيان ما وراء تلك الأقنعة من جمال وقبح وخير وشر ، كما تظهر هذه الأوبئة هشاشة الإنسان الذي توهم أنه قاب قوسين أو أدنى من مراتب الآلهة ، فإذا بالطبيعة الأم ترده بوساطة كائنات ضعيفة لا تكاد ترى إلا بأدق المجاهر إلى طينه الأول ،وتقول له :
انزع وهم الغرور والتكبّر عنك هذه الأرض ليست ملكك وحدك . وما بعد الكارثة لن يكون أبداً مثل ما قبلها .
يتحدث المؤرخون المسلمون عن طاعون (عَمواس ) وهي بلدة بفلسطين حلّ بها الوباء في عام ثمانية عشرة للهجرة ، وانتشر في بلاد الشام ومات فيه عدد كبير من الصحابة وعساكر المسلمين في بداية الفتح الإسلامي لبلاد الشام ، وأشهر من مات في هذا الوباء قائد جيوش الفتح أبو عبيدة بن الجراح الذي دفن في غور الأردن.
لكنّ أخطر طاعون مرّ على البشرية هو ذاك الطاعون الذي اجتاح العالم القديم في القرن الرابع عشر الميلادي الموافق للقرن الثامن الهجري.
فقد انتشر هذا الطاعون في آسيا وأوروبا وشمال أفريقية وقضى على أكثر من نصف سكان أوروبا وسُمّي هناك بالطاعون الأسود، وقد غيّر هناك مجرى التاريخ وخلخل البنية الاجتماعية، ويرجح معظم المؤرخين في تلك الفترة أن بداية انتشاره كانت في شرق آسيا على حدود الصين.
امتدّ هذا الوباء القاتل إلى مصر وبلاد الشام، وكانت أشدّ موجة له عام سبعمائة وتسعة وأربعين هجرية الموافق لعام ألف وثلاثمائة وثمانية وأربعين ميلادية. وقد سمّت العرب هذا الوباء بالطاعون لأن القروح التي يسببها في الجسم تشبه طعنات الرماح. كما بين الأطباء والمورخون في تلك المرحلة أسباب هذا الوباء فالمؤرخ ابن خلدون المتوفّى عام ثمانمائة وثمانٍ للهجرة يذكر( أن سبب هذا الوباء هو فساد الهواء في الغالب لكثرة العمران ومخالطة الحيوان …وإذا كان فساد الهواء قوياً وقع المرض في الرئة وهذه الطواعين وأمراضها مخصوصة بالرئة ) .
وقد عاصر عدد من المؤرخين والأدباء هذا الوباء وشهدوه بعيونهم. وهالهم كثرة الموت التي تحيط بهم من كل جانب حتى كادت المدن والقرى تخلو من ساكنيها ، ويصف لنا المؤرخ المقريزي المتوفى في القاهرة عام سبعمائة وأربعة وستين حالة الناس مع هذا الوباء ( فقد كادت القاهرة أن تخلو من ساكنيها , فلا أحد يمرّ في شوارعها من باب زويلة إلى باب النصر لكثرة الموتى والاشتغال بهم ، وقد تنكّرت وجوه الناس وامتلأت الأماكن بالصياح فلا تجد بيتا إلى وفيه صيحة ، ولا تمر بشارع إلا وفيه عدّة أموات، وصارت النعوش تصطدم والأموات تختلط).
كما عاصر عدد من الشعراء هذه المحنة القاسية فعبروا عن فداحتها بأشعارهم . فالشاعر ابن أبي حجلة التلمساني المتوفى في دمشق عام سبعمائة وستة وسبعين يصف لنا الطاعون الذي حلّ بدمشق وكيف يطعن ويفتك كمقاتل شرس ، بل إنّ هذا الوباء يصرخ بنا بكل عدوانية ، إنّ كل مخلوق تلدونه هو للموت على يدي ، وكل بناء تشيدونه آيل إلى الخراب فعبثاً ما تفعلون :
أرى الطاعونَ يفتِكُ في البرايا
ويطعنُ طعنَ أربابِ الحِرابِ
ويُنشِدُ عندَ هَدْمِ العمر منَّا
لِدوا للموتِ وابنُوا للخرابِ
وقد شهد هذا الوباء الشاعر صلاح الدين الصّفدي المتوفّى في دمشق عام (سبعمائة وأربعة وستين هجرية ) فهاهو يحدثنا عن بداية انتشار هذا الوباء من أرض غزة وامتداده نحو بلاد الشام :
قد قلتُ للطاعونِ وهو بغزّةٍ
قد جالَ من قَطيا إلى بيروتِ
أَخليتَ أرضَ الشامِ من سكانها
وحكمتَ يا طاعونُ بالطاغوتِ
فالطاعون شرابٌ علقم قاتل وسوف يشربه الناس رغماً عنهم صبحاً أو مساء ولا خيار لهم في ذلك وهم يذبحون كالنعاج دون سلاح :
وا رحمتا لدمشقَ من طاعونِها
فالكلُّ مُغتبِقٌ بها أو مُصطَبِحْ
كم هالكٍ نفثَ الدِّما من حلْقِه
أومَا تراهُ بغيرِ سكين ذُبحْ
وهذا الطاعون قد أشقى الناس ونغّص عيشهم وأذهل الآباء عن أبنائهم …وهو يطفئ الأرواح المشتعلة في الأجساد كما تطفئ الريح العاصفة لهب الشموع :
قد نغَّصَ الطاعونُ عيشَ الورى
وأذهـــلَ الوالـــدَ والوالدةْ
كم منزلٍ كالشمعِ سكَّانُهُ
أطفأهمْ في نفخةٍ واحدةْ
ومن الغريب والطريف أن نجد أديباً وشاعراً ومؤرخا كابن الوردي المتوفّى بهذا الوباء نفسه في حلب عام سبعمائة وتسعة وأربعين هجرية يقابل هذا الطاعون دون مبالاة تارة كما يقول : ولستُ أخافُ طاعوناً كغيري
فما هو غيرُ إحدى الحَسَنينِ
فإنْ مُتُّ استرحتُ من الأعادي
وإنْ عشتُ اشتفَتْ أُذني وعيني
وبالسخرية حينا آخر فقد انتشر الطاعون في كل بلد إلا في بلدته ومسقط رأسه المعرة. ويفسر ذلك بأن المعرة لا حاجة لها بهذا الطاعون ففيها ما يكفي من طاعون آخر هو الظلم الذي يفتك بالعباد أيضا :
رأى المعرةَ عيناً زانَها حَورٌ
لكنّ حاجبَها بالجورِ مقرون
وما الذي يصنعُ الطاعونُ في بلدٍ
في كلّ يومٍ له بالظلمِ طاعونُ
كما كتب ابن الوردي مقامة هامة عن هذا الوباء سمّاها(النبا عن الوبا).وقد بدأ مقامته باستعراض انتشار الطاعون في العالم ثم تتبع انتشاره في ديار المسلمين شارحا مظاهر الحياة والموت بتلك الديار ثم راقب وصوله إلى حلب والبلاد المجاورة . وتحدث ابن الوردي عن هذا الوباء الذي استمر في طعناته خمس عشرة سنة ، وتحدث عن الصين التي لم تتمكن من حماية نفسها وعن الهند وبلاد الأوزبك وأرض القرم وقبرص والجزائر والإسكندرية ..وكأنّ رسالة ابن الوردي هي رسالة مرثاة للإنسانية جمعاء .
ويرسم لنا هذا الأديب ما فعله هذا الوباء بالناس …ويقدم لنا صوراً بالتفصيل عما يفعله الناس الذي شغلتهم الدنيا، لكنهم أفاقوا فجأة وإذا بليل المنية يحيط بهم من كل جانب، فالكلّ مذهول وكأن يوم الميعاد قد اقترب، فمنهم من يوصي بالعناية بأولاده ومنهم من يودّع جيرانه ومنهم يسرع بتجهيز ما فاته من أعمال ومنهم من استسلم للموت فمضى مسرعاً يجهز كفنه
فهذا يوصِّي بأولادِه
وهذا يودّعُ جيرانَه
وهذا يهيّئُ أشغالَه
وهذا يُجهزُ أكفانَه
وترقّق المحنة القلوب الآن فيسرعون إلى تناسي أحقادهم وعداواتهم
فهذا يصالحُ أعداءَهُ
وهذا يُلاطفُ إخوانَه
وذاك البخيل الحريص على ماله غدا اليوم كريماً سخيا وقد أدرك أن لا شيء يحمي من الموت ولا نفع لذهب أو مال، وذاك شخض آخر يصالح ويصادق حتى من عاداه وخانه :
وهذا يوسّعُ إنفاقَهُ وهذا يُخاللُ منْ خانهُ
وذاك إنسان يهب كلّ أمواله لتكون ملكا ونفعا عاما للمسلمين وآخر يعتق عبيده ..فلا ينفع مال ولا عبيد
وهذا يحبّس أملاكَه وهذا يحرّرُ غلمانَه
والإنسان الشرسُ سيئ الأخلاق يغدو لطيفا رقيقا وذاك البائع المخادع يعود ليصلح ميزانه الذي طالما غشّ به الناس …فقد اقترب الحساب الحقيقي ويوم الميزان
وهذا يغيّر أخلاقَه
وهذا يعيّر ميزانَهُ
الوباء قد استعبد الناس وتحكم برقابهم وأرسل طوفانه عليهم فلا عاصم إذن سوى رحمة الله سبحانه :
ألا إنّ هذا الوبا قد سبا
وقد كان يرسلُ طوفان
فلا عاصمَ اليومَ من أمرِه
سوى رحمةِ اللهِ سبحانَهُ
وأخيراً يمكن القول إن المصائب كالنار تظهرمعادن البشر، وتنزع الأقتعة الزائفة ,فيبدو للعيان ما وراء تلك الأقنعة من جمال وقبح وخير وشر ، كما تظهر هذه الأوبئة هشاشة الإنسان الذي توهم أنه قاب قوسين أو أدنى من مراتب الآلهة ، فإذا بالطبيعة الأم ترده بوساطة كائنات ضعيفة لا تكاد ترى إلا بأدق المجاهر إلى طينه الأول ،وتقول له :
انزع وهم الغرور والتكبّر عنك هذه الأرض ليست ملكك وحدك . وما بعد الكارثة لن يكون أبداً مثل ما قبلها .