( الفصل العشرون من قصة الخلق )
" فكرت في خلق فرصة تتيح لي أن أغوي محمود أبو الجدايل ليقدم على ما هو أكثر من مجرد غزل معي ، أرغب في رؤيته يعريني من ملابسي قطعة قطعة ، ويلثم كل بقعة في جسدي ، ومن ثم يحتويني لأغرق معه في لجّة الغرام . المؤسف أن كل ما فكرت فيه بدا لي مبتذلا وسخيفا ، كأن أدعوه لتناول الغداء أو العشاء في بيتي دون مرافقة لمى له ، فماذا سأقول له إذا ما سألني عن عدم دعوة لمى معه ، هل أقول له بغنج ودلع " أريدك أنت وحدك .. أريد أن أشم رائحة أنفاسك وهي تتكسرعلى شفتي، وبين مفترق نهديّ، وعلى حلمتيهما. يا إلهي هل أجرؤ على ذلك فعلا ؟ ألن أبدو له سخيفة إلى حد غير معقول؟! لكن لماذا لا أدع الأمر يجري بشكل عفوي .. لأفك زرين من القميص عن صدري ليبدو أكبر قدر من نهدَي! ولأحسر التنورة عن فخذي لأحرك رغبته .. أوه حماقة .. حماقة يا أسيل .. هل تريدين أن تسقطي من نظر الرجل الذي يحترمك ويتغزل بجمالك ، إلى الهاوية .. قولي لمحمود أبو الجدايل شعورك تجاهه بشكل مباشر ودون لف أو دوران ، وستعرفين ردة فعله "
وسارعت إلى شبك الزرين اللذين فككتهما عن صدري كما أعدت سدل التنورة إلى ما تحت ركبتي ، للتخلص من أثر (البروفا) الفاشلة التي فكرت فيها. ونهضت لاستقبال محمود أبو الجدايل .
راعيت أن تكون المصافحة غير تقليدية بأن اقتربت من تقبيل طرفي شفتيه وأنا أردد بقدرما من الوله " اشتئت لك" بحيث شعر هو بذلك ، وطبع قبلتين على خدّي وهو يهتف متجاهلا بقدر ما كما يبدو، ما شعر به:
" تشتاق لك العافية"
وحين أحسست أنه يحاول تجاهل شعوره ، أردفت :
" بحبك " همستها بشهوانية وكأننا في سرير الحب!
بدا لي أنني باغته بالأمر فبدا محرجا بعض الشيء.. أبقى على حدود الأمر العادي!
" أشكرك وأنا أحبك "
وحين وجدت أن إمكانية تجاوز الوضع أكثر مما فعلت ، ستبدو مفتعلة للغاية ، سألته أن ندخل الأستوديو ونشرع في التسجيل دون تريث ، فوافق على الفور وكأنه كان ينتظر مخرجا من تدفق مشاعري المفاجئ له.
******
" استاذ محمود . التفكير في مسألة الخلق بين أن تكون مسألة ذاتية لخالق يخلق نفسه ، وبين أن تكون مفروضه من خالق يقوم بعملية خلق مستقلة عنه ، مسألة معقدة جدا ، بحيث تبدو الحالة الثانية أقرب إلى الفهم من الأولى ، وخاصة بتأثير المفاهيم الدينية التقليدية ، التي زرعت في العقل البشري وجود خالق ومخلوق ،
ويزداد الأمر صعوبة وتعقيدا، حين نتجاوز التجسد المادي إلى ما هو فكري وعقلاني ، فكيف يمكن اعتبار المعتقدات كلها والأفكار الفلسفية كلها ، فكرا لهذا الإله الذي يخلق نفسه، وإن بشكل غير مباشر منه ؟!"
- سأجيب من الآخر لأقول: الفكر ينتج بفعل الطاقة العقلانية السارية في الكون، والمجسدة فيه، ومن ضمنها الانسان، التي يعبر عنها مفهوم الألوهة بشكل مجازي .. فالحديث عن طاقة سارية وليس عن إله بالمفهوم الديني .. وليس بالضرورة أن تأخذ هذه الطاقة بكل ما أتت به المنظومة البشرية منذ أن وجدت ، لتخزنه في الأرشيف الكوني كفكر. قد تأخذ ببعضه لحقبة ما إلى أن يتم تجاوزه .. من هنا تأتي الصعوبة في الفهم . لنأخذ مثلا انسان يبدأ بمعرفة نفسه منذ الصغر، فهو كلما كبر كلما نمت معرفته لنفسه وللوجود من حوله ، وكلما محا ما تكون من قبل ليحل محله ما هو جديد . هذا على صعيد الانسان كفرد وقدرات محدودة ، فما بالك بطاقة كونية سارية في الكون تفكر بملايين العقول ، لتجد نفسها أمام ملايين الأفكار، المتحولة والمتطورة بين فترة وأخرى؟!
كما أن الإشكالية في العقل البشري تكمن في استكانته إلى فكرة الخالق مطلق القدرة ، الذي في استطاعته أن يقول للأشياء كوني فتكون ، ليكن كذا فيكون خلال لحظة .. هذه الفكرة يسهل استيعابها على العقل الانساني رغم عدم معقوليتها ، فهي تريحه من التفكير في نشأة الخلق وتطوره ومن يقف خلفه . ورغم أن العلوم كلها والفكر الفلسفي بأهم جوانبه ، قد أثبتت خطأ هذا التفكير ، إلا أن العقل البشري في غالبيته مازال يتشبث بهذه الأفكار لأنها الأقرب إلى فهمه .
- طيب في هذه الحال يمكن أن نعتبر الطاقة الخالقة طاقة متخلفة كون هذا الفكر السائد يعبر عنها .
- لا تنسي أننا حين نتحدث عن بشرية فنحن نتحدث عن بشرية كوكب الأرض ، وليس بشرية كواكب الفضاء التي سبق وأن تطرقنا إلى حضاراتها المفترضة ، التي تشكل ذروة متقدمة جدا في تمثل الألوهة ، وقلنا أن الفرق بين حضاراتها وحضارتنا كالفرق بين حضارتنا وحضارة النمل ! هذا إذا كان لدى النمل حضارة ..
- بناء على هذا الكلام ، نستنتج أن الطاقة الخالقة أو الله لا يأخذ بفكر أبناء كوكب الأرض لتخلفه إلى حد كبير. .
- صحيح . لم يعد يأخذ بمعظم ما جاء من فكر على الكوكب. ولا تنسي أن الخالق عندي طاقة متطورة لم تبلغ الكمال بعد ، فكيف ستكون عليه الحال مع هذا الانسان الذي ما زال يعتقد بوجود جن وشياطين يرجمهم بالحجارة دون أن يراهم ! ويعتقد بوجود آلهة تحتاج إلى أن يعبدها ، ويؤدي لها طقوس صلاة وعبادة عدة مرات في اليوم الواحد.
- متى تتصور أن انسان كوكب الأرض سيرتقي بحياته وسلوكه وفكره إلى مستوى قريب من انسان الفضاء المتطور.
- بالضبط لا أعلم ، ربما يحتاج إلى مليون سنة .
- ماذا لو انتقلنا إلى مفهوم الحضارة . كيف يمكن أن نقنع انسان كوكبنا ، أن الغاية من الوجود هي رؤية الخالق لنفسه مجسدا في أجمل وأرقى وجود ، وإقامة حضارة انسانية تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال ؟!
- لنبدأ من الآخر أيضا ! تصوري لو أن ما حققه الانسان المتخلف على كوكبنا من حضارة في بعض المجالات، كبناء المدن مثلا ، ليس موجودا، فماذا ستكون عليه الحال؟
- تقصد عدم وجود مدن ، واكتشاف النار والكهرباء .. وصناعة الطائرات والحافلات والجسور والسدود وغيرها؟
- أكيد !
- لا يكون للحياة معنى.. نكون كقطعان الحيوانات نعيش في الغابات نفتك ببعضنا ..
- إذن من هنا يكون بناء الحضارة بحد ذاته غاية للوجود.
- هل هذا يعني أن الانسان الذي يعتقد أنه يبني الحضارة لنفسه ، لا يدرك أنه يقوم بغاية للوجود أيضا ؟
- ندرة من البشر يدركون ذلك . ولو أن الانسان أدرك معنى وجوده والغاية منه ، كجزء صغير من منظومة كونية، لاختلف الأمر، ولسارت الحياة في اتجاه غير الذي سارت عليه ؟
- هذه الفكرة تحتاج إلى توضيح للمشاهدين .
- لو أدرك الانسان منذ البداية أن وجوده جزء من وجود كوني (إلهي) له غاية، يرى ذاته فيها على الوجه الأكمل ، بإقامة حضارة إلهية ، تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال . لأقصر عمله على هذا الأمر وعلى تحقيق هذه الغايات ، ولما كان هناك حروب ، ولكانت الأرض كلها للبشر كلهم ، ولكانت البشرية أمة واحدة وليست أمما ، ولسعى الجميع لرؤية الألوهة في ذواتهم على وجهها الأكمل .. ولبنيت المدارس والجامعات بدلا من المعابد ، ولأقدم الجميع على أعمال الخير وتحقيق العدل ، وتعميق الشعور بالمحبة في ما بينهم ، ولسموا بالجمال في كل شيء.. لتغدو الحياة أجمل وأرقى وأروع .. المؤسف أن الانسان سار على النقيض من ذلك .. وراحت كل أمة تفكر في نفسها دون غيرها . بل وتغزو أمة أمما أخرى وتفتك بها .. أو يأتي دكتاتور ويحكم أمة ويذلها .. وكثرت المعتقدات ،وأنواع الآلهة ومتطلباتهم .. ليضيع الانسان في النهاية ..
- هل تعتقد أن انسان الكواكب الأخرى في الفضاء ( المتطور ) إن وجد ، قد عرف هذه الأفكار وآمن بها وعمل على تحقيقها ، لذلك حقق هذه الطفرات النوعية المذهلة التي رقت به وقربته من مفهوم الألوهة ذاته.
- أكاد أجزم بذلك .
- طيب لو شئنا أن لا نغرق مشاهدينا في اليأس من انسان كوكبنا الأرضي ، وأن نغرس في أنفسهم بعض الأمل ، ولو بصيص شمعة في هذا الظلام ، فماذا نقول لهم ألم يعد هناك خير على كوكبنا ، ولم يعد هناك محبة وجمال وحد أدنى من العدل ؟
- نعم . ما يزال هناك أمل .. فلو لم ينتصر الخيربقدر مقبول على الشر حتى الآن على كوكبنا لفنيت الحياة . ولما بقي الانسان حتى اليوم. وهذا يعني أن الحياة ما تزال تتفوق على الموت بكل اشكاله ، الطبيعية وغير الطبيعية .
وما يزال هناك حد أدنى من العدالة الاجتماعية ، لكنه حد متدن جدأ .. فنسبة الفقراء على الكوكب أضعاف أضعاف نسبة الأغنياء ، عدا العدالة غير المحققة في مناح كثيرة في الحياة أيضا .. كاستغلال الشعوب واحتلال أوطانها .. وسيادة القوي على الضعيف ، والغني على الفقير.
الأمر نفسه ينطبق بقدر أكبر على المحبة . فثمة أمم لا تحب إلا نفسها ،ولا تطلب الخير إلا لها ، ومع ذلك لم تعدم المحبة بين جميع البشر. فثمة بشر يحبون الآخرين كونهم بشرا أيضا .
بالنسبة للجمال . الفضل يعود للطبيعة بالدرجة الاولى . فهي لا تتخلى عن جمالها ، بل وتغطي به قبائح أفعال الانسان .. وعدا جمال الطبيعة بكائناتها وكواكبها ونجومها وأشجارها ونباتاتها وزهورها وحيواناتها وجبالها وأنهارها وبحارها، وحتى جمال انسانها والأنثى بشكل خاص ، هناك جمال الفنون والآداب والعمارة ، وجمال العمل وجمال الخير والمحبة... مما يبقي على الجمال في الحياة وضرورته لها. ولذلك يمكن القول أن الأمل ما يزال قائما في حياتنا رغم كل نذر الشؤم .
- استاذ محمود متى يمكن لإنسان كوكب الأرض أن يرقى إلى هذه القيم التي تؤمن وتنادي بها ؟
- لن يرقى الإنسان إلى هذه القيم ، ما لم يدرك إلى حد ممكن ومقبول ، أن وجوده جزء من وجود إلهي كوني ، وأن الألوهة تكمن بقدر ما فيه، بقدر ما هي في غيره ، وأنه ينبغي عليه أن يعمل على قدر هذه الألوهة فيه ، ليكون على مستواها. ويكون فاعلا ايجابيا في عملية الخلق بحد ذاتها.
- شكرا أستاذ محمود. بهذا مشاهدينا الأعزاء نكون قد وصلنا إلى ختام حلقتنا لهذا اليوم. طاب ليلكم وتصبحون على خير.
*****
" فكرت في خلق فرصة تتيح لي أن أغوي محمود أبو الجدايل ليقدم على ما هو أكثر من مجرد غزل معي ، أرغب في رؤيته يعريني من ملابسي قطعة قطعة ، ويلثم كل بقعة في جسدي ، ومن ثم يحتويني لأغرق معه في لجّة الغرام . المؤسف أن كل ما فكرت فيه بدا لي مبتذلا وسخيفا ، كأن أدعوه لتناول الغداء أو العشاء في بيتي دون مرافقة لمى له ، فماذا سأقول له إذا ما سألني عن عدم دعوة لمى معه ، هل أقول له بغنج ودلع " أريدك أنت وحدك .. أريد أن أشم رائحة أنفاسك وهي تتكسرعلى شفتي، وبين مفترق نهديّ، وعلى حلمتيهما. يا إلهي هل أجرؤ على ذلك فعلا ؟ ألن أبدو له سخيفة إلى حد غير معقول؟! لكن لماذا لا أدع الأمر يجري بشكل عفوي .. لأفك زرين من القميص عن صدري ليبدو أكبر قدر من نهدَي! ولأحسر التنورة عن فخذي لأحرك رغبته .. أوه حماقة .. حماقة يا أسيل .. هل تريدين أن تسقطي من نظر الرجل الذي يحترمك ويتغزل بجمالك ، إلى الهاوية .. قولي لمحمود أبو الجدايل شعورك تجاهه بشكل مباشر ودون لف أو دوران ، وستعرفين ردة فعله "
وسارعت إلى شبك الزرين اللذين فككتهما عن صدري كما أعدت سدل التنورة إلى ما تحت ركبتي ، للتخلص من أثر (البروفا) الفاشلة التي فكرت فيها. ونهضت لاستقبال محمود أبو الجدايل .
راعيت أن تكون المصافحة غير تقليدية بأن اقتربت من تقبيل طرفي شفتيه وأنا أردد بقدرما من الوله " اشتئت لك" بحيث شعر هو بذلك ، وطبع قبلتين على خدّي وهو يهتف متجاهلا بقدر ما كما يبدو، ما شعر به:
" تشتاق لك العافية"
وحين أحسست أنه يحاول تجاهل شعوره ، أردفت :
" بحبك " همستها بشهوانية وكأننا في سرير الحب!
بدا لي أنني باغته بالأمر فبدا محرجا بعض الشيء.. أبقى على حدود الأمر العادي!
" أشكرك وأنا أحبك "
وحين وجدت أن إمكانية تجاوز الوضع أكثر مما فعلت ، ستبدو مفتعلة للغاية ، سألته أن ندخل الأستوديو ونشرع في التسجيل دون تريث ، فوافق على الفور وكأنه كان ينتظر مخرجا من تدفق مشاعري المفاجئ له.
******
" استاذ محمود . التفكير في مسألة الخلق بين أن تكون مسألة ذاتية لخالق يخلق نفسه ، وبين أن تكون مفروضه من خالق يقوم بعملية خلق مستقلة عنه ، مسألة معقدة جدا ، بحيث تبدو الحالة الثانية أقرب إلى الفهم من الأولى ، وخاصة بتأثير المفاهيم الدينية التقليدية ، التي زرعت في العقل البشري وجود خالق ومخلوق ،
ويزداد الأمر صعوبة وتعقيدا، حين نتجاوز التجسد المادي إلى ما هو فكري وعقلاني ، فكيف يمكن اعتبار المعتقدات كلها والأفكار الفلسفية كلها ، فكرا لهذا الإله الذي يخلق نفسه، وإن بشكل غير مباشر منه ؟!"
- سأجيب من الآخر لأقول: الفكر ينتج بفعل الطاقة العقلانية السارية في الكون، والمجسدة فيه، ومن ضمنها الانسان، التي يعبر عنها مفهوم الألوهة بشكل مجازي .. فالحديث عن طاقة سارية وليس عن إله بالمفهوم الديني .. وليس بالضرورة أن تأخذ هذه الطاقة بكل ما أتت به المنظومة البشرية منذ أن وجدت ، لتخزنه في الأرشيف الكوني كفكر. قد تأخذ ببعضه لحقبة ما إلى أن يتم تجاوزه .. من هنا تأتي الصعوبة في الفهم . لنأخذ مثلا انسان يبدأ بمعرفة نفسه منذ الصغر، فهو كلما كبر كلما نمت معرفته لنفسه وللوجود من حوله ، وكلما محا ما تكون من قبل ليحل محله ما هو جديد . هذا على صعيد الانسان كفرد وقدرات محدودة ، فما بالك بطاقة كونية سارية في الكون تفكر بملايين العقول ، لتجد نفسها أمام ملايين الأفكار، المتحولة والمتطورة بين فترة وأخرى؟!
كما أن الإشكالية في العقل البشري تكمن في استكانته إلى فكرة الخالق مطلق القدرة ، الذي في استطاعته أن يقول للأشياء كوني فتكون ، ليكن كذا فيكون خلال لحظة .. هذه الفكرة يسهل استيعابها على العقل الانساني رغم عدم معقوليتها ، فهي تريحه من التفكير في نشأة الخلق وتطوره ومن يقف خلفه . ورغم أن العلوم كلها والفكر الفلسفي بأهم جوانبه ، قد أثبتت خطأ هذا التفكير ، إلا أن العقل البشري في غالبيته مازال يتشبث بهذه الأفكار لأنها الأقرب إلى فهمه .
- طيب في هذه الحال يمكن أن نعتبر الطاقة الخالقة طاقة متخلفة كون هذا الفكر السائد يعبر عنها .
- لا تنسي أننا حين نتحدث عن بشرية فنحن نتحدث عن بشرية كوكب الأرض ، وليس بشرية كواكب الفضاء التي سبق وأن تطرقنا إلى حضاراتها المفترضة ، التي تشكل ذروة متقدمة جدا في تمثل الألوهة ، وقلنا أن الفرق بين حضاراتها وحضارتنا كالفرق بين حضارتنا وحضارة النمل ! هذا إذا كان لدى النمل حضارة ..
- بناء على هذا الكلام ، نستنتج أن الطاقة الخالقة أو الله لا يأخذ بفكر أبناء كوكب الأرض لتخلفه إلى حد كبير. .
- صحيح . لم يعد يأخذ بمعظم ما جاء من فكر على الكوكب. ولا تنسي أن الخالق عندي طاقة متطورة لم تبلغ الكمال بعد ، فكيف ستكون عليه الحال مع هذا الانسان الذي ما زال يعتقد بوجود جن وشياطين يرجمهم بالحجارة دون أن يراهم ! ويعتقد بوجود آلهة تحتاج إلى أن يعبدها ، ويؤدي لها طقوس صلاة وعبادة عدة مرات في اليوم الواحد.
- متى تتصور أن انسان كوكب الأرض سيرتقي بحياته وسلوكه وفكره إلى مستوى قريب من انسان الفضاء المتطور.
- بالضبط لا أعلم ، ربما يحتاج إلى مليون سنة .
- ماذا لو انتقلنا إلى مفهوم الحضارة . كيف يمكن أن نقنع انسان كوكبنا ، أن الغاية من الوجود هي رؤية الخالق لنفسه مجسدا في أجمل وأرقى وجود ، وإقامة حضارة انسانية تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال ؟!
- لنبدأ من الآخر أيضا ! تصوري لو أن ما حققه الانسان المتخلف على كوكبنا من حضارة في بعض المجالات، كبناء المدن مثلا ، ليس موجودا، فماذا ستكون عليه الحال؟
- تقصد عدم وجود مدن ، واكتشاف النار والكهرباء .. وصناعة الطائرات والحافلات والجسور والسدود وغيرها؟
- أكيد !
- لا يكون للحياة معنى.. نكون كقطعان الحيوانات نعيش في الغابات نفتك ببعضنا ..
- إذن من هنا يكون بناء الحضارة بحد ذاته غاية للوجود.
- هل هذا يعني أن الانسان الذي يعتقد أنه يبني الحضارة لنفسه ، لا يدرك أنه يقوم بغاية للوجود أيضا ؟
- ندرة من البشر يدركون ذلك . ولو أن الانسان أدرك معنى وجوده والغاية منه ، كجزء صغير من منظومة كونية، لاختلف الأمر، ولسارت الحياة في اتجاه غير الذي سارت عليه ؟
- هذه الفكرة تحتاج إلى توضيح للمشاهدين .
- لو أدرك الانسان منذ البداية أن وجوده جزء من وجود كوني (إلهي) له غاية، يرى ذاته فيها على الوجه الأكمل ، بإقامة حضارة إلهية ، تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال . لأقصر عمله على هذا الأمر وعلى تحقيق هذه الغايات ، ولما كان هناك حروب ، ولكانت الأرض كلها للبشر كلهم ، ولكانت البشرية أمة واحدة وليست أمما ، ولسعى الجميع لرؤية الألوهة في ذواتهم على وجهها الأكمل .. ولبنيت المدارس والجامعات بدلا من المعابد ، ولأقدم الجميع على أعمال الخير وتحقيق العدل ، وتعميق الشعور بالمحبة في ما بينهم ، ولسموا بالجمال في كل شيء.. لتغدو الحياة أجمل وأرقى وأروع .. المؤسف أن الانسان سار على النقيض من ذلك .. وراحت كل أمة تفكر في نفسها دون غيرها . بل وتغزو أمة أمما أخرى وتفتك بها .. أو يأتي دكتاتور ويحكم أمة ويذلها .. وكثرت المعتقدات ،وأنواع الآلهة ومتطلباتهم .. ليضيع الانسان في النهاية ..
- هل تعتقد أن انسان الكواكب الأخرى في الفضاء ( المتطور ) إن وجد ، قد عرف هذه الأفكار وآمن بها وعمل على تحقيقها ، لذلك حقق هذه الطفرات النوعية المذهلة التي رقت به وقربته من مفهوم الألوهة ذاته.
- أكاد أجزم بذلك .
- طيب لو شئنا أن لا نغرق مشاهدينا في اليأس من انسان كوكبنا الأرضي ، وأن نغرس في أنفسهم بعض الأمل ، ولو بصيص شمعة في هذا الظلام ، فماذا نقول لهم ألم يعد هناك خير على كوكبنا ، ولم يعد هناك محبة وجمال وحد أدنى من العدل ؟
- نعم . ما يزال هناك أمل .. فلو لم ينتصر الخيربقدر مقبول على الشر حتى الآن على كوكبنا لفنيت الحياة . ولما بقي الانسان حتى اليوم. وهذا يعني أن الحياة ما تزال تتفوق على الموت بكل اشكاله ، الطبيعية وغير الطبيعية .
وما يزال هناك حد أدنى من العدالة الاجتماعية ، لكنه حد متدن جدأ .. فنسبة الفقراء على الكوكب أضعاف أضعاف نسبة الأغنياء ، عدا العدالة غير المحققة في مناح كثيرة في الحياة أيضا .. كاستغلال الشعوب واحتلال أوطانها .. وسيادة القوي على الضعيف ، والغني على الفقير.
الأمر نفسه ينطبق بقدر أكبر على المحبة . فثمة أمم لا تحب إلا نفسها ،ولا تطلب الخير إلا لها ، ومع ذلك لم تعدم المحبة بين جميع البشر. فثمة بشر يحبون الآخرين كونهم بشرا أيضا .
بالنسبة للجمال . الفضل يعود للطبيعة بالدرجة الاولى . فهي لا تتخلى عن جمالها ، بل وتغطي به قبائح أفعال الانسان .. وعدا جمال الطبيعة بكائناتها وكواكبها ونجومها وأشجارها ونباتاتها وزهورها وحيواناتها وجبالها وأنهارها وبحارها، وحتى جمال انسانها والأنثى بشكل خاص ، هناك جمال الفنون والآداب والعمارة ، وجمال العمل وجمال الخير والمحبة... مما يبقي على الجمال في الحياة وضرورته لها. ولذلك يمكن القول أن الأمل ما يزال قائما في حياتنا رغم كل نذر الشؤم .
- استاذ محمود متى يمكن لإنسان كوكب الأرض أن يرقى إلى هذه القيم التي تؤمن وتنادي بها ؟
- لن يرقى الإنسان إلى هذه القيم ، ما لم يدرك إلى حد ممكن ومقبول ، أن وجوده جزء من وجود إلهي كوني ، وأن الألوهة تكمن بقدر ما فيه، بقدر ما هي في غيره ، وأنه ينبغي عليه أن يعمل على قدر هذه الألوهة فيه ، ليكون على مستواها. ويكون فاعلا ايجابيا في عملية الخلق بحد ذاتها.
- شكرا أستاذ محمود. بهذا مشاهدينا الأعزاء نكون قد وصلنا إلى ختام حلقتنا لهذا اليوم. طاب ليلكم وتصبحون على خير.
*****