أصحاب الفضيلة :
الشيخ/ …………………………
الشيخ/ …………………………
الشيخ/ …………………………
القضاة بالمحكمة العامة بأبها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لائحة اعتراضية
في دعوى الحق العام رقم 35976701 وتاريخ 4/4/1435هـ
المرفوعة من / المدعي العام
ضد موكلي المدعى عليه/ أشرف عبد الساتر مسلم فياض
نتقدم لفضيلتكم وكالة بلائحة اعتراض على الحكم الصادر في الدعوى المشار إليها، بالقرار رقم 35329896 وتاريخ 26/7/1435هـ ، والقاضي” بقتل المدعى عليه بحد الكفر “وفقاً لما ورد فيه من الأسباب في الحكم.
وحيث أن الحكم القضائي محل هذه اللائحة قد شابه قصور في التسبيب، وخطأ في إنزال النصوص الشرعية والنظامية على وقائع الدعوى، وخطأ جسيم في تأويلها، والإخلال البيّن في حق الدفاع من خلال إغفال الحكم الطعين لجملة من الدفوع التي تقدم بها المدعى عليه دون أن يتصدى الحكم لمناقشتها أو يُسبّب طرحها وعدم الأخذ بها، إضافة إلى مخالفة الحكم محل هذه اللائحة لقواعد الاختصاص القضائي ومخالفته للسوابق القضائية المستقرة في القضاء السعودي .
وهو ما سوف نفصله من خلال النقاط التالية :
أولا : قبول الاعتراض من حيث الشكل :-
وحيث أن الحكم المعترض عليه تم استلامه بتاريخ 10/2/1437هـ، ويكون الاعتراض عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ استلام الحكم وفقاً للمادة الرابعة والتسعين بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية، فإن الاعتراض يكون مقبولاً شكلاً من ناحية تقديمه في الموعد النظامي الصحيح.
ثانياً: الدفوع الموضوعية :-
وقبل الشروع في دفاع المدعى عليه على موضوع الاتهام محل القضية، نود ابتداء أن نُذَّكر بمقاصد الشريعة الغراء وتشوفّها لحقن الدماء لاسيما دماء المسلمين ودرء الحدود عنهم قدر المستطاع وتشوفّها إلى التوبة وقد دلت النصوص على ذلك وهي كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ، حيث قامت حضارة الإسلام على صيانة الدم إلا بحقه، ولا يقع هذا الحق إلا بتحقيق عدة شروط وانتفاء عدة موانع، و أن القاعدة الشرعية الراسخة في الحدود هي قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ” ادرؤوا الحدود بالشبهات ” تحقيقاً لمقاصد الشريعة في التشوّف للعفو و تلمس التوبة وهو ما كان عليه هديه عليه الصلاة و السلام وهدي الخلفاء الراشدين من بعده .
1ــ الاختصاص الولائي لنظر الدعوى:-
سن المنظم قواعد عامة وحاكمة تتمثل في النصوص النظامية التي وضعها لتنظيم أمور القضاء ومسائله المهمة، والتي من بينها وأهمها مسألة” الولاية القضائية”والنظامية لنظر القضايا، إذ أن فقهاء الإسلام قد أجمعوا على أن ” من قضى في غير ما ولّي فحكمه باطل “، كما نصّ نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ في مادته الأولى على أن ” القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية…”، وعلى ذلك فإن الادعاء أقام هذه الدعوى في مواجهة المدعى عليه بناء على بلاغ تضمن ادعاء ” بمخالفة الآداب الشرعية والعامة وسب الذات الإلهية والاستهزاء بها ” ، بناء على ” كتاب شعر ”ألّفَه المدعى عليه خلال عام 1429هـ ، بعنوان “التعليمات بالداخل “.
وحيث أن الادعاء قائمٌ في الأساس على ما تضمنه هذا ” المُؤَلَف ” واحتواه، فوفقاً لما سنه ولاة الأمر من أنظمة بأوامر ومراسيم ملكية فينعقد الاختصاص بنظر هذه القضية ابتداءً إلى اللجنة الإعلامية المنصوص عليها في نظام المطبوعات والنشر المعدل بالمرسوم الملكي رقم أ/93 وتاريخ 25/5/1432هـ، في مادته (السابعة والثلاثون) التي عقدت الاختصاص لهذه اللجنة للنظر في مخالفات أحكام هذا النظام وتطبيق العقوبات الواردة فيه، حيث نص النظام في مادته الأولى ” التعريفات” على المسائل التي تخضع لأحكامه والتي من بينها ” المطبوعة “التي عرفتها الفقرة السابعة منها بأنها”كل وسيلة للتعبير، مما يطبع للتداول، سواءً أكان كلمة أم رسماً أم صورة أم صوتاً”، وقد نص الأمر الملكي رقم أ/93 وتاريخ 25/5/1432هـ، على تحديد جهة تختص بنظر المخالفات التي تتولد عن ممارسات وسائل التعبير بكافة صورها ومنع المحاكم من نظر تلك القضاياً لانعقاد الاختصاص بنظرها فقط إلى اللجنة الابتدائية بوزارة الثقافة والإعلام.
و حيث أن المادة (الثامنة والثمانون ) من نظام الإجراءات الجزائية نصت على أنه : ( إذا كان البطلان راجعاً إلى عدم مراعاة الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى فيتمسك به في أي حال كانت عليها الدعوى، و تقضي به المحكمة و لو بغير طلب ) وتأسيساً على ما سبق؛ فإن عدم مراعاة قواعد وأحكام ” الولاية القضائية “للمحكمة مصدرة الحكم محل هذه الدعوى وعدم امتثالها لقواعد ” الاختصاص الولائي“ المحددة بالمراسيم والأوامر الملكية المذكورة تهوي بهذا الحكم الطعين إلى درجات العدم لمخالفته قواعد شرعية ونظامية آمرة وينسحب هذا الانعدام إلى جهة الادعاء المستأمنة على إدارة قضاياها وفق ما تنص عليه القواعد الشرعية و النظامية السارية في الدولة.
2ـــ بطلان إجراءات القبض والتفتيش والتحقيق في هذه القضية.
نصت المادة (السادسة والثلاثون) من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412هـ، و الذي يعد المصدر التشريعي الأعلى للمنظومة القانونية في المملكة على: (عدم جواز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام)، كما نصت المادة (السابعة والثمانون بعد المائة) من نظام الإجراءات الجزائية على أن: ( كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً ) ، ونصت المادة (الخامسة والثلاثون) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه: (في غير حالات التلبس، لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك) ، وعرّفت المادة (الرابعة والعشرون) من النظام هذه الجهة بأنها “هيئة التحقيق والادعاء العام” التي نصت على خضوع كل رجال الضبط الجنائي لإشرافها ولها في ذلك حق توجيه النظر في مخالفات من يقصر في عمله من رجال الضبط الجنائي ومساءلته تأديبياً حال مخالفته أحكام النظام، إلا أن صفة الضبطية الجنائية الواردة في نظام الإجراءات الجزائية والمعقودة لـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) محصورة فقط لرؤساء المراكز دون أعضائها، كما نصت بذلك المادة (السادسة والعشرون) من النظام و التي نصت على أن “يقوم بأعمال الضبط الجنائي- بحسب المهمات الموكلة إليه- كل من: 6-رؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حدود اختصاصهم“.
وبناء على تلك النصوص النظامية الحاكمة يتبين أن ما قام به “أعضاء” هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من إلقائهم القبض على المدعى عليه فور تلقيهم بلاغاً مجرداً بغير بينة، ودون إذن من السلطة المختصة وهي هيئة التحقيق والإدعاء العام لعدم توفر حالة التلبس، ودون مراعاة لما نصت عليه أحكام النظام بشأن “القبض” فيكون إجراء قبضهم على المدعى عليه باطلاً يبطل معه كل ما أنبنى عليه من إجراءات لاحقة بناء على القاعدة الشرعية الراسخ ” ما بني على باطل فهو باطل ” نظراً لكون (هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) جهة ” ضبط ” وليست جهة ” قبض أو تحقيق “، ولأن القبض تم دون إذن من السلطة المخولة بإصداره فيكون بذلك قد خالف ما ورد بالأنظمة المرعية من عدم جواز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام، فقد راعت تلك النصوص بعداً مهماً عند التعامل مع ” المتهم ” وهو تحقيق القاعدة الحقوقية “المتهم بريء حتى تثبت إدانته“، وأن ” الأصل براءة الذمة “، و القول بغير ذلك هو إهدار للمقصد الشرعي الذي من أجله أصدرت الدولة نظاماً يحدد جهات القبض والضبط والتفتيش و آلياته، مما يحفظ حقوق الناس و يحول دون التعسف أو التغول من قبل الجهات الرسمية في التعامل معهم، و حفظاً لحقوقهم الأساسية في الأمن والكرامة.
إضافة لما سبق؛ فإن ما قام به أعضاء الهيئة بقبضهم على المدعى عليه بغير الطريقة التي رسمها النظام يكونون قد مارسوا إكراهاً عليه باسم وظيفتهم العامة، وتجاوزهم في القبض عليه بغير إذن السلطة المختصة يعد اغتصاباً للسلطة، وكان حرياً باللجنة القضائية أن تفحص هذه الواقعة وتحيلها للجهات المختصة بحكم أنها مشمولة بأحكام المرسوم رقم (43) وتاريخ 29/11/1377هـ، بشأن محاسبة من يستغل وظيفته العامة فيما يخالف أحكام النظام، وجاءت مادته (الثانية) مشددة على عقوبة مقررة لكل من أساء المعاملة أو قام بالإكراه باسم الوظيفة كالتعذيب أو القسوة أو مصادرة الأموال أو سلب الحريات الشخصية بغير الطرق النظامية المشروعة، ولا ريب بأن القضاء الشرعي هو الملاذ لمن أصابته مظلمة، وهو المرجع لمن ناله ضيم أو ظلم، لذا فإن الدائرة القضائية لم تفحص تلك الادعاءات مع أن لها اتصالاً وثيقاً بالحقوق الشرعية والنظامية للمتهم وغيره في حاله اكتساب هذا الحكم الطعين القطعية حيث أننا سنبقى جميعا تحت رحمة (واشٍ) يمكن بسبب وشايته تلك أن تستباح حريتنا وهو الأمر الذي تأباه النصوص الأساسية للحكم وأحكام نظام الإجراءات الجزائية.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه ؛ الخطاب الذي أصدره رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة عسير من توجيه خطاب ” شديد اللهجة ” وللمرة الرابعة لـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يطالبها فيه بالكف عن استدراج المتهمين بالجرائم والتقيد بنظام الإجراءات الجزائية وحث منسوبيها على التمشي بموجبه، وهذا الخطاب تم نشره في جريدة مكة بتاريخ 21 /1/1437هـ، ومن بين ما ورد في خطاب رئيس فرع هيئة التحقيق أن ” ما ذكر من استدراج المتهم والتجاوز في تفتيشه وسماع أقواله مخالف لنظام الإجراءات الجزائية والتعليمات والتي تنص على أن رؤساء المراكز فقط هم المخولون بسماع أقوال المتهم، كما أن المادة (46) تنص على أنه لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها أو التحقيق في شأنها “، وعليه فإن استشهادنا بهذا الخطاب يؤكد لفضيلتكم ما ذكرنا آنفاً من مخالفة الإجراءات التي اتخذت في هذه القضية لأحكام النظام والتعليمات، ومن ثم يبطل كل ما بني عليها حسبما نصت على ذلك المادة (السابعة والثمانون بعد المائة) من نظام الإجراءات الجزائية المشار إليها تأسيساً على القاعدة الشرعية ( ما بني على باطل فهو باطل).
3ـــ تأسيس الدعوى على بلاغ مجرد من أي بينة.
قامت هذه القضية أساساً على ” إخبار ” المُبلّغ “…………………” إلى (هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) وأفاد ثم شهد بأن “المتهم يدعو إلى الإلحاد والكفر ونشر الشبهات بين الشباب الذي يجتمع بهم في المقاهي والتلفظ بألفاظ تمس ذات الإله ورسوله الكريم وذلك من خلال أفكاره التي دونها في كتابٍ ألفه المتهم يقوم بنشره“، وحين نتناول هذا البلاغ وتلك الشهادة يتبين لفضيلتكم عدة ملاحظات أهمها هي:
أولاً: أن هذه الإفادة وتلك الشهادة جاءت ” مجردة ” من أي دليل يصاحبها سوى أقوال المُبِلغ، ولا يعد البلاغ أو الادعاء صحيحاً إلا ببينة شرعية صحيحة وفق ما دلت عليه النصوص الشرعية، فأيُ بلاغ أو ادعاء خالٍ من بينته يعتبر شرعاً ونظاماً قولاً مرسلاً لا ينهض بحجة يُستند عليها في القضاء لاحتمالية كيديته.
ثانياً: لم يصاحب تلقي البلاغ “المرسل” أي تحرٍ من قبل الجهة المختصة للتحقق من صحته وجديته وعدم كيديته، وإنما أخذ على كونه الحقيقة المجردة وتم إلقاء القبض الفوري والمتعجل على المتهم وهو ما يشكك في صحة البلاغ أصلاً فضلاً عن عدم مصاحبته لأي بينة أو دليل مادي عليه.
ثالثاً: سقوط شهادة “المُخبٍر” شرعاً لما أثبته شهود النفي على لسان “عم المخبر(بالنصح للكل بالابتعاد عن شاهين وعدم التعامل معه لأنه يكيد للكل )، وهو ما يجرح شهادة المُخبر و يسقطها كما أثبت شهود النفي وجود خصومة بين المخبر والمتهم تمثلت في مشادات كلامية وصلت لحد قيام المخبر بتهديد المتهم بالاعتداء عليه، وهو دفع رئيسي بالكيدية لم تتناوله المحكمة أو تُحمله على محمل الجد عند تحقيقها في الدعوى، حيث أن هذا الدفع الثابت بشهادة ثلاثة من الشهود كافٍ لجعل دعوى المخبر كيدية خاصة مع عدم وجود أيَّ بينة صاحبتها، خاصة وإن نظرنا إلى سن المخبر وقت البلاغ لوجدناه في العقد الثاني من عمره كونه مواليد 1412هـ، ويعلم الجميع أن هذه المرحلة العمرية مفعمة بالحماس الفوار غير المنضبط في تقدير الأمور أحياناً، وهو الأمر الذي لم يُلتَفت إليه أيضاً عند نظر الدعوى مع ما سبق ذكره.
رابعاً: كما أن الدفاع يؤكد بأنه لم يتم ضبط المتهم وهو يوزع أو يبيع أو ينشر الكتاب المذكور و أنهم لم يقم بطبعه داخل السعودية و كل النسخ المتداولة إنما كانت من الطبعة السابقة ، كما نؤكد بأن موكلي لم يسلم أو يهدي الشاهد أو غيره أية نسخة من الكتاب ؛ موقعة من المدعى عليه أو غير موقعة كما أدعى المُخبر …………… و إذا كان لدى المُخبر نسخة موقعة من موكلي كما يزعم فلما لم يبرزها لجهات التحقيق و المحكمة .
4ـــ عدم تدقيق أو تحقيق شهادة الشاهدين ” …………. ، …………….. “:-
إضافة لشهادة المخبر كبينة المدعي العام على صحة الدعوى، فإن شهادة الشاهدين الآخرين وهما عضوا هيئة الأمر (…………… ، ……………… ) محل تدقيق وتحقيق ونظر،حيث أجاب كلاهما ابتداءً على سؤالهم عن علاقتهم بطرفي الدعوى بأنهما ” ليس لهما علاقة بطرفي الدعوى “، وهذا بخلاف الواقع والحقيقة، نظراً لكونهما تابعين لإشراف المدعي العام (المدعي في هذه القضية) وينتميان لجهة الضبط الجنائي ولا يتصور مخالفة شهادتهما لمضمون الادعاء، أما ما يتعلق بشهادتهما وما تضمنته من إفادة فإنهما قد شهدا بما أُخبرا به من قبل المخبر دونما تحرٍ أو تحقيق أو تحرير ونقلاه كما ورد لهما بغير فحص أو نظر، فتكون شهادتهما قائمة على السمع والنقل عن المخبر الذي لم يأت ببينة أصلاً على بلاغه سوى أقواله المجردة.
و الأمر نفسه فيما شهدا به بأنهما سمعا منه أثناء القبض عليه ؛ إقراراً بالاستهزاء بالدين ، فهو مجرد نقل لفهم خاطئ لكلامه لا نص ما نطق به المدعى عليه و إلا كان بوسعهما – وهما يملكان السلطة – أن يدوّنا ذلك أو يسجلاه الأمر الذي يشكك و يطرح شهادتهما و القاعدة الشرعية المستقرة تقضي بأن ( الدليل متى ما تطرق له الاحتمال ؛ سقط به الاستدلال).
كما أن المحكمة لم تقم بمواجهة موكلي بشهود الإثبات وفق ما نصت عليه المادة (الثانية والستون بعد المائة) من نظام الإجراءات الجزائية ، وهذا إخلال جسيم في حق موكلي في الدفاع ، إذ أن هذه المادة من النظام ترسخ حقاً أصيلاً من حقوق المتهم ، وهو حقه في استجواب و مناقشة الشهود ، لبيان تناقض شهادتهم مع الوقائع ، أو تضارب بعضها مع بعض ، كما أن المحكمة تلت نص الشهادة شفوياً دون إيراد أسماء الشهود ، في إجراء لا يخفى عوره و مخالفته لأحكام نظام الإجراءات الجزائية ، فكيف يتم جرح أو تعديل شاهد لا يعرف اسمه و لا وظيفته و لا علاقته بالمدعي ؟ وهذا كله يؤكد ما كررناه في هذه اللائحة بأن هناك إخلالاً جوهرياً في تطبيق أحكام النظام ، الأمر الذي ينسحب على الحكم الطعين و يجعله حقيقاً بالإلغاء .
و قد ورد بشهادة الشهود و حيثيات الحكم محل هذه الدعوى أن المدعى عليه كان ينشر الكفر والإلحاد بين صغار السن ، و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق ؛ أين هم أولئك الصغار أو الذين كان يجتمع معهم موكلي لإفساد عقائدهم كما يزعم الادعاء ؟ لماذا لم يتم جلبهم لجهة التحقيق و أخذ أقوالهم عن تلك الوقائع ؟ و لِمَ لم تنتبه المحكمة لهذا الأمر و تطلب من المدعي إحضار أولئك الأشخاص الذين يزعم أن المتهم قد شرع في إفساد عقائدهم ؟ مع أن ذلك جزء أساسي في الدعوى و قد بنى الادعاء عليه اتهاماته و انساقت معه المحكمة دون أن تعمل سلطتها في الفحص و التحقيق و التحري ، لا سيما و أننا أمام تهمة كبيرة تقشعر منها الأبدان .
5ــ الأخذ بشهادة (شهود الإثبات) رغم إسقاطها وطرحها لعدم تعديلها:-
إضافة لما سبق؛ فإن فضيلة ناظر القضية طرح شهادة شاهدي الإثبات نظراً لعدم تعديلها وأن شهادة الشاهد “شاهين” قد عورضت بالعداوة من قبل المدعى عليه الذي أثبت صحة تلك العداوة، وعليه كانت تلك الشهادات غير كافية في إقامة حد الردة على المتهم، ولسنا بصدد مناقشة تقدير فضيلته للأخذ بالشهادة أو طرحها وإنما نؤكد فقط إلى أن الدعوى في الأساس قائمة على خبر من شخص متهم بالعداوة والخصومة مع المدعى عليه، وقد أسقط اصحاب الفضيلة ناظرو القضية تلك الشهادات دون اعتراض من الاستئناف على هذا الإجراء في ملاحظاتهم، ومن ثم يكون إقراراً بما اتخذ من إجراء بإسقاط تلك الشهادات وإلا كانوا أوردوها في ملاحظاتهم، فكيف يمكن بعد ذلك أن تصح قضية مبنية على أساس خبرٍ مطعون في صحته، ودون أن يكون معه دليل عليه سوى قول صاحبه، ويتبين خلو القضية من البينة التي على أساسها تمت إدانة المتهم بالردة والحكم عليه بهذه العقوبة المشددة بإزهاق نفس معصومة، فلا يمكن أن تسقط الشهادة وتطرحها ثم ترتب عليها أثراً بإدانة المتهم، لأن الإدانة لابد لها من أساس تقوم عليه، وأساسها تم طرحه وهي “الشهادات” ومن ثم فلا تصح الإدانة شرعاً ونظاماً بغير أساس.
6ـــ عدم إقرار المتهم مطلقاً بارتكاب الفعل محل الادعاء:-
وفيما يتعلق بمسألة ” إقرار ” المتهم؛ فلم يستند الحكم وبناء على ملاحظات الاستئناف إلا على ” الإقرار ” المنسوب للمدعى عليه، وهذا الإقرار المزعوم ” بنسبة الكتاب إليه ” لا يعني مطلقاً إقراراً باحتوائه على مفردات غير شرعية بالشكل الذي فسَّره أصحاب الفضيلة القضاة بأنه إقرار بالإلحاد والكفر لأن ذلك ” إلزامٌ بما لا يلزم وتكفير بلوازم القول “، و مما هو معلوم أن (لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه صاحبه) ونعوذ بالله تعالى أن نحكم على إنسان بلازم قوله ما لم يعتقد ذلك اللازم ، كما أن هذا الإقرار لم يصدر من المتهم مطلقاً في كل مراحل الدعوى وهذا ثابتٌ في ضبوطها، حيث أن ما حدث عكس ذلك تماماً وهو نفي المدعى عليه المطلق أمام القاضي في عدة مواضع بأنه لم يلحد ولم يدعُ لذلك ولا يصح عنه كل ما نسب إليه ادعاء، والقول بأنه كانت تراوده شكوك حول العدالة الاجتماعية وغيرها فهذا تحميلٌ للمعنى على غير مقصده، حيث أن وقتها قبل خمسة عشر عاماً كان المتهم في مرحلة عمرية تحتمل أحاديث للنفس وشبهات وهي ” مرحلة المراهقة ” وقد زالت تلك الشبهات عنده بتفقهه في الدين شأنه في ذلك شأن سائر الشباب في تلك المرحلة، ومعلوم أن حديث النفس وخواطرها غير معاقبٌ عليها في الشرع، وتمسكه صراحة بنفي كل تلك الادعاءات ليس إلا تأكيداً على عدم صحة ما نسب إليه من ادعاء، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله (ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و اتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ومن اتبع هواه و قصر في طلب الحق و تكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاَ) الفتاوى (١٢/١٨٠).
إنَّ مما هو معلوم لدى فضيلتكم أنَّ من موانع تكفير المعين ؛ الخطأ، ولا يخفى عليكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرجل من بني إسرائيل الذي ظنَّ واعتقد أنَّ الله لا يقدر على جمعه بعد احراقه وحديثه في الصحيحين، قال: (هذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته، فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، منها الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك، فعظيم ) الاستقامة ( 1 / 164)
7ــــ اتحاد شهود النفي على عدم إلحاد المتهم وشهادتهم بالخصومة القائمة بين المخبر والمتهم:-
وفيما يتعلق بشهادة شهود النفي و التي طرحها قضاة الاستئناف بتسبيب غير مقبول ، فإن أولئك الشهود العدول قد توافقت شهادتهم على المتهم بأنه لم يكن ملحداً، ولم يحملهم على تلك الشهادة غير ما عرفوه عنه وعاصروه وعايشوه معه فضلاً عن نفي المتهم عنه ذلك وعدم الإقرار به، حيث أن صداقتهم بالمتهم لفترة طويلة لا تؤدي سوى إلى شهادتهم بما علموه منه، خاصة وأنهم على علم كذلك ” بالمخبر” الذي كان يجالسهم ويعلمون منه أيضاً ما شهدوا به من “خصومة وعداوة” وصلت لحد تهديده للمتهم، و عليه فلا يصح شرعاً و قضاءً طرح شهادتهم بحجة وجود الاقرار المزعوم و الذي فندناه في النقطة السابقة ، لا سيما وأنهم عدول وقد وافقت شهادتهم لما هو ثابت بالأصل وهو ” الإيمان “، لأن المسلم ليس بحاجة إلى من يشهد ببقائه على الإسلام –لأنه الأصل، خصوصاً من يقيم في دولة الإسلام ويعيش بين ظهرانيهم، فالأصل ” بقاء ما كان على ما كان“، ومن يدعي خلاف ذلك فتَلزَمُه الحُجة والبينة بيقين لأنه وفقاً للقاعدة الكلية فإن ” اليقين لا يزول بالشك ” و أن ( الأصل في الصفات العارضة ؛ العدم ) و وصف المسلم بالكفر هو من الصفات العارضة التي لا تثبت إلا ببينة ، فكيف إذا كانت البينة ظنية مطعوناً فيها وثبت عليها هذا المطعن؟
8ـــ الالتفات عن دفع جوهري متعلق بإسلام مجموعة من الأشخاص على يد المتهم:-
كذلك؛ فإن من بين النقاط الرئيسية في شهادة شهود النفي إثارتهم لواقعة مهمة ومؤثرة للغاية في هذه الدعوى ولابد من الوقوف عليها وتناولها بالبحث والتمحيص لمـا لهـا من أثـر مباشر ومنتـج في الدعـوى وهـو ” إسلام مجموعة من الأشخاص على يد المتهم وقيامه بإرسال تلك المجموعة إلى الندوة العالمية للشباب الإسلامي بأبها” ، فكيف يمكن بعد ذلك أن يكون ذات الشخص الذي يدعو للإسلام ويسلم على يديه مجموعة من الناس محكوماً عليه بحد الكفر لمجرد اتهام نُسب له بغير بينة يقينية صحيحة ومن شخص بينه وبينه عداوة وخصومة؟ ورغم أهمية هذه المسألة و أثرها على الدعوى ؛ لم تتم مناقشة تلك المسألة والتعاطي معها بالشكل الذي يسبر غورها و يجلي خباياها ، وهذا يعد إخلالاً جوهرياً بحق الدفاع بأن تناقش المحكمة سائر الدفوع التي يطرحها المتهم أو غيره وتكون مؤثرة في الدعوى ، لاسيما إذا استصحبنا القاعدة القضائية الحقوقية بأن أي شك أو خلل في الأدلة فإنه دائماً يفسر لصالح المتهم لكونه يحتفظ بحالة البراءة الأصلية .
9ــــ الالتفات عن دفع جوهري متعلق بمرض المتهم النفسي:-
إضافة لما سبق؛ فقد أثيرت أثناء جلسات المرافعة إصابة المتهم ” بمرض نفسي ” أرفَقَ له تقريراً طبياً يفيد بذلك، هذا التقرير لم يلتفت إليه ولم يتناوله ناظر القضية بالإشارة أو الرد عليه أو الاستعانة في فهمه بأهل الخبرة من الأطباء العدول و طلب الشرح منهم لمضاعفات هذا المرض و أعراضه ، و رغم أن هذا الدفع منتجٌ ومؤثر في الدعوى فقد تجاهلته المحكمة و لم تتصدَّ له أو ترد عليه ، حيث أنه و في حال ثبوت المرض فهذا يعني نسف الاتهام من أساسه لما فيه من رفع الحرج عن المريض حال مرضه وحال ما يصدر منه من أقوال وأفعال ، و على أقل تقدير يكون ذلك شبهة يدرأ بسببها الحد عن المتهم.
10ـــ عدم استعانة القضاة بأهل الخبرة المتخصصين.
اســـتند الحكـــم فيمـــا اســـــتند إليــه بإدانــــة المتــهم بمجمــوعة مــن العبــارات اسـتُلت مـن كــتاب ” التعليمات بالداخل “، وكانت تلك العبارات المذكورة في كتابه ملتبسة وموهمة لمتلقيها، لكن بسؤاله عن مقصده بها ظهر أنه يقصد أموراً أخرى وهو ما يقتضيه أو يحتمله النص الأدبي فيما يتعلق بالاستعارات والمجازات والتشبيهات اللغوية المقصود بها معانيها دون ظاهرها، وكان حرياً بالمحكمة إبراءً للذمة أن تحيل تلك النصوص إلى أهل الخبرة في مجال الأدب والشعر سواءً كانوا أفراداً أو مؤسسات أدبية في المملكة لاستيضاح رأيهم باعتبارهم أهل خبرة وتخصص في هذه النصوص، ومن ثم الاعتماد على قولهم في مدلولاتها كما هو منصوص عليه في نظام الإجراءات الجزائية، الذي نظم أحكام الاستعانة بالخبراء في مادته (السادسة والسبعون) التي نصت على أن: ” للمحقق أن يستعين بخبير مختص لإبداء الرأي في أي مسألة متعلقة بالتحقيق الذي يجريه “، حيث أن المحكمة قد نصّبت نفسها مكان أهل الخبرة، وأوّلت وفسرت نصوص الكتاب وأصدرت حكمها بناءً على ذلك فتكون بذلك قد قضت وحكمت بعلمها وبالتالي تكون مخالفة للقاعدة الشرعية القضائية المستقرة التي نصت على أنه (لا يحكم القاضي بعلمه) وهذا ما هدف إليه واضع النظام في المملكة العربية السعودية عندما خصص لجنة قضائية مختصة في الفصل في المخالفات التي يكون موضوعها عملاً أدبياً أو ثقافياً أو فكرياً , مكونة من أهل الاختصاص وهو ما فصلناه في صدر هذه اللائحة .
11ـــ عدم قبول توبة المتهم:-
ذهب الحكم محل هذه اللائحة إلى الأخذ بقول غاية في التشدد وقول مخالف للمذهب وما عليه الجمهور حيث أن أصحاب الفضيلة ناظري القضية لم يرتبوا على توبة المتهم أثراً شرعياً و ذلك بدرء الحد عنه – على التسليم بأنه جاء بما يوجب الحد – وعليه فهم بذلك لم يقبلوا منه التوبة التي طلبوها منه وهو الأمر الذي يخالف النصوص الشرعية الثابتة التي تجعل الاستتابة شرطاً لإقامة حد الردة حيث أن الحد إنما يقام على المرتد المعاند الذي عُرضت عليه التوبة فكابر و عاند مما يثبت تركه للدين ومفارقته للجماعة وبذلك يكون عند تنفيذ الحد مفارقاً للدين لا تنطبق عليه أحكام الاسلام أما من تاب فإن شهادة التوحيد تعصم دمه و ماله فلا يتصور أن ينفذ حكم الردة على شخص شهد بأن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، لأن تنفيذ الحكم و الحالة هذه يكون على مسلم والنبي ﷺ يقول في الحديث الصحيح (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) فكيف نستسيغ مع هذه النص الشرعي القطعي أن نبيح استحلال دم مسلم ثبت إسلامه بيقين لا يقبل الشك.
ومما يؤكد ذلك ؛هذا النص العظيم الذي يدل على عظمة شهادة التوحيد وأنها تحقن الدماء وتصون الأعراض وتحفظ الأموال حيث قال أسامة بن زيد رضي الله عنه : ((بعثنا رسول الله إلى الحرقة من جهينة، فصّبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً – أي قالها: ليتقي سيوفنا – فقال أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله قال أسامة: فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)) [متفق عليه]. فعلى الرغم من أن الصحابي كان في جهاد، وقتل رجلاً مشركاً في ظاهره ومحارباً لهم، أنكر النبي قتله لشبهة إسلامه، و نطقه بالشهادتين.
و ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولوا صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره ، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين) قال ابن حجر: ( أن ابن عمر وخالد اختلف فهماهما لكلام بني جذيمة ففهمه ابن عمر على أنهم أرادوا الإسلام، وأن هذه اللفظة كانت مشهورة عند قريش تطلقها على كل من أسلم، وأما خالد فقد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام فقتلهم متأولاً، فحلف ابن عمر على أنه هو ومن معه من المهاجرين والأنصار لن يقتلوا أسراهم، فلما قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على خالد العجلة وعدم التثبت في فهم كلامهم، ثم أرسل صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله بمال ليدفع لهم دياتهم فلم يبق منهم أحداً إلا دفع ديته… ونقل ابن حجر عن الخطابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاقب خالداً لأنه كان مجتهداً، وتبرأ من فعله ليعلم الناس أنه لم يأذن في هذا، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله(
و كل ذلك يبين عظمة شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، و أنها عاصمة للدم محصنة للعرض و حامية للمال .
و الاستتابة في مثل هذه الحالات إنما هي سنة الفاروق رضي الله عنه الذي قال كما في الموطأ بسند صحيح عن الذي أقاموا عليه حد الردة دون استتابة: (هلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً؛ لعله أن يتوب، لعله أن يرجع إلى ربه، اللهم إني لم أشهد ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني )، ويظهر من ذلك جلياً أن التوبة عن الردة تدرأ الحد بسنة خليفة رسول الله لا كما أُطلقت في الحكم دون تقييد بقول : (التوبة لا تتقاطع مع إثبات الحد إن وجد)، بل حتى حديث معاذ الذي قال فيه عن المرتد عن دينه: (لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بدل دينه فاقتلوه) فقد أجاب عليه الجمهور بأن ذلك المرتد مكث عشرين يوماً وقيل شهراً يُستتاب.
والذي عليه المذهب أن حد الردة يدرأ بالتوبة ولو قدر على صاحبه وكان أمره عند القضاء، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : (المرتد لا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً ، هذا قول أكثر أهل العلم ، منهم عمر ، وعلي ، وعطاء ، والنخعي ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ….. لأن الردة إنما تكون لشبهة ولا تزول في الحال، فوجب أن ينتظر مدة يرتأى فيها، وأولى ذلك ثلاثة أيام) . المغني(9/18)
وقال أيضاً في الكافي : ( ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثًا يدعى فيها إلى الإسلام، وعنه: أنه يقتل من غير استتابة للخبر، ولأنه يروى: أن معاذًا قدم على أبي موسى، وعنده رجل محبوس على الردة، فقال معاذ: لا أنزل حتى يقتل فقتل. والأول ظاهر المذهب؛ لما روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه: أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى، فقال له عمر: هل من مغربة خبر؟ قال: نعم. رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ما فعلتم به؟ قال: قدمناه، فضربنا عنقه، قال عمر: فهل حبستموه ثلاثًا فأطعمتموه كل يوم رغيفًا واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني، ولو لم تجب الاستتابة، لما تبرأ من فعلهم، ولأن الردة في الغالب إنما تكون لشبهة عرضت له، فإذا تأنى عليه، وكشفت شبهته، رجع إلى الإسلام، فلا يجوز إتلافه مع إمكان استصلاحه، فعلى هذا يضيق عليه في مدة الاستتابة ويحبس، ويدعى إلى الإسلام، وتكشف شبهته، ويبين له فساد ما وقع له ) الكافي في فقه الإمام أحمد ( 4 / 60 )
ولقد كان مخشي بن حمير رضي الله عنه من المنافقين الذين أنزل الله فيهم قوله تعالى : {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}، فتاب إلى الله بإخلاص، فتاب الله عليه، وأنزل الله فيه: {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} الآية، وثبت عن جمع من الصحابة منهم ابن مسعود وأبي هريرة وعلي رضي الله عنهم أنهم كانوا يقولون : ( ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً ) وقولهم : ( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم )، وهذا ما تقضيه مقاصد الشريعة التواقة لحفظ الدماء و التشوّف للتوبة والترغيب بها.
وقد ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى إلى ما هو أبعد من هذا، فرأى أن ( المرتد ردة مغلظة تقبل توبته ويدرأ عنه الحد إن رأى الحاكم المصلحة في ذلك) [ الممتع 14 / 456 ] و قال رحمه الله في كلام نفيس (أما الكفر فإنه يستتاب صاحبه و بهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود و ذكروا من الحدود حد الردة لأن قتل المرتد ليس من الحدود لأنه اذا تاب انتفى عنه القتل ثم أن الحدود كفارة لصاحبها و ليس بكافر والقتل بالردة ليس بكفارة و صاحبه كافر لا يصلى عليه ولا يغسل و لايدفن في مقابر المسلمين ) ] رسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين المجلد الثاني باب السحر[
أما قول ناظري القضية بأن (التوبة عمل قلبي مختص بأمور القضاء الأخروي و ليس مناط القضاء الدنيوي ) فقولٌ لا يوافق الحقيقة ومقاصد الشريعة ؛ حيث أن التوبة وإن كانت عملاَ قلبياً إلا أن الشارع رتّب عليها أحكاماً في الدنيا و هي عصمة دم التائب ، أما صدق توبته من عدمها ؛ فأمره إلى الله ، الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ، ونحن مأمورون بالأخذ بالظاهر، واستباحة دم من ظاهره الإسلام والتوبة والرجوع عن شبهته يحتاج إلى بينة واضحة لا مرية فيها، والأخذ بالظاهر في مثل هذه المسألة هو ما عليه المذهب فقد نص عليها ابن مفلح رحمه الله في المبدع إذ قال : (وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ) وَكُلِّ كَافِرٍ (إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ….. وَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ إِسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ، وَلَا يُحْتَاجُ مَعَ ثُبُوتِ إِسْلَامِهِ إِلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ ) المبدع في شرح المقنع ( 7 / 488).
وقد أغفلت المحكمة نصاً قضائياً حاسماً في هذه المسألة، وهو القرار الصادر من المحكمة العليا ذو الرقم (1/م) في 19/08/1434هـ و المتضمن تقرير الهيئة العامة بالمحكمة لمبدأ حول قبول رجوع المتهم عن اعترافه بحد قبل تنفيذ الحكم، حيث جاء في البند (أولاً) من القرار ما نصه : ( قبول رجوع من جاء تائباً مقراً بجريمة حدية في الحق العام ، و لو بعد صدور الحكم و اكتسابه الصفة القطعية ) فكيف للمحكمة أن تغفل إعمال هذا القرار الملزم لها و الصادر من أعلى سلطة قضائية في المملكة العربية السعودية و المؤثر و المنتج في محل النزاع فلا يمكن لها أن تعمل اجتهادها في مقابل النص النظامي الملزم ، مع التأكيد بأن موكلي لم يثبت عليه إقرارٌ أو اعترافٌ بأي مخالفة تمس عقيدته و إنما تراجع عن بعض النصوص الموهمة إبراءً لذمته أمام الله عز وجل .
كما أن المادة (الثانية والعشرون) من نظام الإجراءات الجزائية نصت على مايلي : ” تنقضي الدعوى الجزائية العامة في إحدى الحالات الآتية: 3- ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة“، وعليه فإن الملاحقة الجنائية للمتهم في الحدود التي تدخلها التوبة تكون منقضية بنص النظام ولا يجوز تحريكها أو مواصلتها بأي شكل من الأشكال.
أما قياس حد الردة على حد الزنا و السرقة و الذي جاء في حيثيات الحكم والتي ساقها تبريراً لمنطوقه حيث نص على ما يلي: (… الملاحظة الثانية فإن قبول التوبة لا تتقاطع مع إثبات الحد أن وجد فما عذر الغامدية تابت و قد أقيم عليها حد الزنا و المخزومية التي كانت تحد المتاع مؤمنة وقد أقيم عليها الحد …الخ)، حيث أن أصحاب الفضيلة قد قاسوا حد الردة على حد الزنا والسرقة وهذا مردود من وجهين :-
الأول : أن حد الزنا والسرقة إنما هو تطهير لمن يقام عليه الحد و متى ما طبق الحد فإنه يموت بذلك مسلماً تطبق عليه أحكام الاسلام بخلاف حد الردة ، فإن المرتد المعاند الذي عرضت عليه التوبة فأبى فإنه والحالة هذه يموت على خلاف أحكام الإسلام لأنه ينطبق عليه المعيار الشرعي (التارك لدينه المفارق للجماعة).
الثاني: أنه قياس في مقابل النص، وقد أوردنا نصوصاً شرعية توجب قبول توبة المرتد، كما أوردنا النص النظامي الوارد في المادة (الثانية والعشرون) من نظام الإجراءات الجزائية السالف ذكره.
12ــ الحكم جاء مخالفاً للسوابق القضائية في المملكة العربية السعودية :
حيث أن هذا الحكم الطعين جاء مخالفاً للأحكام و المبادئ المستقرة في المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس عليه رحمة الله إلى وقتنا هذا حيث لا توجد سابقة قضائية أصّلت لمبدأ قتل المرتد بلا استتابة ، وعليه فإن الحكم يعد خروجاً عن النسق الثابت و المستقر في القضاء السعودي لا يعرف له سلف من الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم والتي تعاقب على منصاتها علماء أجلاء وقضاة كبار أسسوا مبادئ راسخة في التحرز في مسائل الدماء وقد أرفقنا لفضيلتكم جملة من التوجيهات القضائية الصادرة من الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله بشأن قضايا مشابهة حكم فيها بقبول التوبة و الأخذ بها ( عدد ثمان ورقات) .
13ـــ عدم صحة ما نسب للمتهم بشأن التهمة الثانية بشأن القضايا الأخلاقية :-
وفيما يتعلق بالتهمة الثانية المتعلقة “بوجود صور حية لفتيات….إلخ ” فإن المدعى عليه يتمسك بعدم صحة الادعاء فيها جملة وتفصيلاً، حيث أن ما طال الإجراءات التي تمت مع الاتهام الأول بالإلحاد من بطلان يطول أيضاً هذه التهمة لمخالفة الفرقة القابضة قواعد وإجراءات القبض والتفتيش المشار إليها في المادة (الخامسة والثلاثون) من نظام الإجراءات الجزائية التي لم تبح القبض على الأشخاص أو تفتيشهم بدون إذن من السلطة المختصة إلا في حالة التلبس، ولا يوجد في أوراق الدعوى برمتها ما يشير لوجود تلك الحالة، وعليه يتأكد مخالفة الفرقة القابضة لتلك القواعد مما يرتب عليها بطلان كل ما بني عليها من إجراءات في هذا الشأن خاصة مع عدم قيام الفرقة القابضة بتحريز الجوال.
كما أنه لم يصدر من المدعى عليه أي إقرار بتلك التهمة ، و رفض التوقيع على الصفحة التي ورد بها الإقرار في الصك ، حيث أن القاضي لم يضبط نصّ ما قاله المدعى عليه ، و لم تقم البينة الموصلة لإثبات تلك التهمة وفق الإجراءات القضائية و النظامية المعتبرة ، كما أن جواله المضبوط – بطريقة غير نظامية – لم يتضمن أي صور مخلّة ولا توجد أي صور غير أخلاقية وإنما هي صور عادية لمشاركين في معرض فني لا يتصور عقلاً أو منطقاً أنها تكون سنداً لمثل هذا الاتهام، وفضلاً عما تقدم فإن هذه التهمة يشملها الأمر الملكي الكريم رقم أ/ 101 وتاريخ 9/4/1436هـ القاضي بالعفو عن السجناء للحق العام في القضايا التعزيرية ، وعليه فإن هذا الاتهام الذي لا سند ولا أساس له جدير برده فضلاً عن شموله بأمر العفو.
لذلك وبناء على ما تقدم؛ يطلب المدعى عليه وكالةً من فضيلتكم ما يلي:-
أولاً: قبول الاعتراض شكلاً لرفعه في الموعد النظامي.
ثانياً: وفي الموضوع ؛ الحكم بنقض القرار رقم 35329896 وتاريخ 26/7/1435هـ ، والمحرر بتاريخ 5/2/1437هـ ، فيما ذهب إليه من (قتل المدعى عليه بحد الكفر)، و ذلك لما تقدم من الأسباب .
والله يحفظكم ويرعاكم،،
وكيل المدعى عليه
المحامي
عبد الرحمن بن محمد اللاحم
الشيخ/ …………………………
الشيخ/ …………………………
الشيخ/ …………………………
القضاة بالمحكمة العامة بأبها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لائحة اعتراضية
في دعوى الحق العام رقم 35976701 وتاريخ 4/4/1435هـ
المرفوعة من / المدعي العام
ضد موكلي المدعى عليه/ أشرف عبد الساتر مسلم فياض
نتقدم لفضيلتكم وكالة بلائحة اعتراض على الحكم الصادر في الدعوى المشار إليها، بالقرار رقم 35329896 وتاريخ 26/7/1435هـ ، والقاضي” بقتل المدعى عليه بحد الكفر “وفقاً لما ورد فيه من الأسباب في الحكم.
وحيث أن الحكم القضائي محل هذه اللائحة قد شابه قصور في التسبيب، وخطأ في إنزال النصوص الشرعية والنظامية على وقائع الدعوى، وخطأ جسيم في تأويلها، والإخلال البيّن في حق الدفاع من خلال إغفال الحكم الطعين لجملة من الدفوع التي تقدم بها المدعى عليه دون أن يتصدى الحكم لمناقشتها أو يُسبّب طرحها وعدم الأخذ بها، إضافة إلى مخالفة الحكم محل هذه اللائحة لقواعد الاختصاص القضائي ومخالفته للسوابق القضائية المستقرة في القضاء السعودي .
وهو ما سوف نفصله من خلال النقاط التالية :
أولا : قبول الاعتراض من حيث الشكل :-
وحيث أن الحكم المعترض عليه تم استلامه بتاريخ 10/2/1437هـ، ويكون الاعتراض عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ استلام الحكم وفقاً للمادة الرابعة والتسعين بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية، فإن الاعتراض يكون مقبولاً شكلاً من ناحية تقديمه في الموعد النظامي الصحيح.
ثانياً: الدفوع الموضوعية :-
وقبل الشروع في دفاع المدعى عليه على موضوع الاتهام محل القضية، نود ابتداء أن نُذَّكر بمقاصد الشريعة الغراء وتشوفّها لحقن الدماء لاسيما دماء المسلمين ودرء الحدود عنهم قدر المستطاع وتشوفّها إلى التوبة وقد دلت النصوص على ذلك وهي كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ، حيث قامت حضارة الإسلام على صيانة الدم إلا بحقه، ولا يقع هذا الحق إلا بتحقيق عدة شروط وانتفاء عدة موانع، و أن القاعدة الشرعية الراسخة في الحدود هي قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ” ادرؤوا الحدود بالشبهات ” تحقيقاً لمقاصد الشريعة في التشوّف للعفو و تلمس التوبة وهو ما كان عليه هديه عليه الصلاة و السلام وهدي الخلفاء الراشدين من بعده .
1ــ الاختصاص الولائي لنظر الدعوى:-
سن المنظم قواعد عامة وحاكمة تتمثل في النصوص النظامية التي وضعها لتنظيم أمور القضاء ومسائله المهمة، والتي من بينها وأهمها مسألة” الولاية القضائية”والنظامية لنظر القضايا، إذ أن فقهاء الإسلام قد أجمعوا على أن ” من قضى في غير ما ولّي فحكمه باطل “، كما نصّ نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ في مادته الأولى على أن ” القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية…”، وعلى ذلك فإن الادعاء أقام هذه الدعوى في مواجهة المدعى عليه بناء على بلاغ تضمن ادعاء ” بمخالفة الآداب الشرعية والعامة وسب الذات الإلهية والاستهزاء بها ” ، بناء على ” كتاب شعر ”ألّفَه المدعى عليه خلال عام 1429هـ ، بعنوان “التعليمات بالداخل “.
وحيث أن الادعاء قائمٌ في الأساس على ما تضمنه هذا ” المُؤَلَف ” واحتواه، فوفقاً لما سنه ولاة الأمر من أنظمة بأوامر ومراسيم ملكية فينعقد الاختصاص بنظر هذه القضية ابتداءً إلى اللجنة الإعلامية المنصوص عليها في نظام المطبوعات والنشر المعدل بالمرسوم الملكي رقم أ/93 وتاريخ 25/5/1432هـ، في مادته (السابعة والثلاثون) التي عقدت الاختصاص لهذه اللجنة للنظر في مخالفات أحكام هذا النظام وتطبيق العقوبات الواردة فيه، حيث نص النظام في مادته الأولى ” التعريفات” على المسائل التي تخضع لأحكامه والتي من بينها ” المطبوعة “التي عرفتها الفقرة السابعة منها بأنها”كل وسيلة للتعبير، مما يطبع للتداول، سواءً أكان كلمة أم رسماً أم صورة أم صوتاً”، وقد نص الأمر الملكي رقم أ/93 وتاريخ 25/5/1432هـ، على تحديد جهة تختص بنظر المخالفات التي تتولد عن ممارسات وسائل التعبير بكافة صورها ومنع المحاكم من نظر تلك القضاياً لانعقاد الاختصاص بنظرها فقط إلى اللجنة الابتدائية بوزارة الثقافة والإعلام.
و حيث أن المادة (الثامنة والثمانون ) من نظام الإجراءات الجزائية نصت على أنه : ( إذا كان البطلان راجعاً إلى عدم مراعاة الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى فيتمسك به في أي حال كانت عليها الدعوى، و تقضي به المحكمة و لو بغير طلب ) وتأسيساً على ما سبق؛ فإن عدم مراعاة قواعد وأحكام ” الولاية القضائية “للمحكمة مصدرة الحكم محل هذه الدعوى وعدم امتثالها لقواعد ” الاختصاص الولائي“ المحددة بالمراسيم والأوامر الملكية المذكورة تهوي بهذا الحكم الطعين إلى درجات العدم لمخالفته قواعد شرعية ونظامية آمرة وينسحب هذا الانعدام إلى جهة الادعاء المستأمنة على إدارة قضاياها وفق ما تنص عليه القواعد الشرعية و النظامية السارية في الدولة.
2ـــ بطلان إجراءات القبض والتفتيش والتحقيق في هذه القضية.
نصت المادة (السادسة والثلاثون) من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412هـ، و الذي يعد المصدر التشريعي الأعلى للمنظومة القانونية في المملكة على: (عدم جواز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام)، كما نصت المادة (السابعة والثمانون بعد المائة) من نظام الإجراءات الجزائية على أن: ( كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً ) ، ونصت المادة (الخامسة والثلاثون) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه: (في غير حالات التلبس، لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك) ، وعرّفت المادة (الرابعة والعشرون) من النظام هذه الجهة بأنها “هيئة التحقيق والادعاء العام” التي نصت على خضوع كل رجال الضبط الجنائي لإشرافها ولها في ذلك حق توجيه النظر في مخالفات من يقصر في عمله من رجال الضبط الجنائي ومساءلته تأديبياً حال مخالفته أحكام النظام، إلا أن صفة الضبطية الجنائية الواردة في نظام الإجراءات الجزائية والمعقودة لـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) محصورة فقط لرؤساء المراكز دون أعضائها، كما نصت بذلك المادة (السادسة والعشرون) من النظام و التي نصت على أن “يقوم بأعمال الضبط الجنائي- بحسب المهمات الموكلة إليه- كل من: 6-رؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حدود اختصاصهم“.
وبناء على تلك النصوص النظامية الحاكمة يتبين أن ما قام به “أعضاء” هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من إلقائهم القبض على المدعى عليه فور تلقيهم بلاغاً مجرداً بغير بينة، ودون إذن من السلطة المختصة وهي هيئة التحقيق والإدعاء العام لعدم توفر حالة التلبس، ودون مراعاة لما نصت عليه أحكام النظام بشأن “القبض” فيكون إجراء قبضهم على المدعى عليه باطلاً يبطل معه كل ما أنبنى عليه من إجراءات لاحقة بناء على القاعدة الشرعية الراسخ ” ما بني على باطل فهو باطل ” نظراً لكون (هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) جهة ” ضبط ” وليست جهة ” قبض أو تحقيق “، ولأن القبض تم دون إذن من السلطة المخولة بإصداره فيكون بذلك قد خالف ما ورد بالأنظمة المرعية من عدم جواز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام، فقد راعت تلك النصوص بعداً مهماً عند التعامل مع ” المتهم ” وهو تحقيق القاعدة الحقوقية “المتهم بريء حتى تثبت إدانته“، وأن ” الأصل براءة الذمة “، و القول بغير ذلك هو إهدار للمقصد الشرعي الذي من أجله أصدرت الدولة نظاماً يحدد جهات القبض والضبط والتفتيش و آلياته، مما يحفظ حقوق الناس و يحول دون التعسف أو التغول من قبل الجهات الرسمية في التعامل معهم، و حفظاً لحقوقهم الأساسية في الأمن والكرامة.
إضافة لما سبق؛ فإن ما قام به أعضاء الهيئة بقبضهم على المدعى عليه بغير الطريقة التي رسمها النظام يكونون قد مارسوا إكراهاً عليه باسم وظيفتهم العامة، وتجاوزهم في القبض عليه بغير إذن السلطة المختصة يعد اغتصاباً للسلطة، وكان حرياً باللجنة القضائية أن تفحص هذه الواقعة وتحيلها للجهات المختصة بحكم أنها مشمولة بأحكام المرسوم رقم (43) وتاريخ 29/11/1377هـ، بشأن محاسبة من يستغل وظيفته العامة فيما يخالف أحكام النظام، وجاءت مادته (الثانية) مشددة على عقوبة مقررة لكل من أساء المعاملة أو قام بالإكراه باسم الوظيفة كالتعذيب أو القسوة أو مصادرة الأموال أو سلب الحريات الشخصية بغير الطرق النظامية المشروعة، ولا ريب بأن القضاء الشرعي هو الملاذ لمن أصابته مظلمة، وهو المرجع لمن ناله ضيم أو ظلم، لذا فإن الدائرة القضائية لم تفحص تلك الادعاءات مع أن لها اتصالاً وثيقاً بالحقوق الشرعية والنظامية للمتهم وغيره في حاله اكتساب هذا الحكم الطعين القطعية حيث أننا سنبقى جميعا تحت رحمة (واشٍ) يمكن بسبب وشايته تلك أن تستباح حريتنا وهو الأمر الذي تأباه النصوص الأساسية للحكم وأحكام نظام الإجراءات الجزائية.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه ؛ الخطاب الذي أصدره رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة عسير من توجيه خطاب ” شديد اللهجة ” وللمرة الرابعة لـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يطالبها فيه بالكف عن استدراج المتهمين بالجرائم والتقيد بنظام الإجراءات الجزائية وحث منسوبيها على التمشي بموجبه، وهذا الخطاب تم نشره في جريدة مكة بتاريخ 21 /1/1437هـ، ومن بين ما ورد في خطاب رئيس فرع هيئة التحقيق أن ” ما ذكر من استدراج المتهم والتجاوز في تفتيشه وسماع أقواله مخالف لنظام الإجراءات الجزائية والتعليمات والتي تنص على أن رؤساء المراكز فقط هم المخولون بسماع أقوال المتهم، كما أن المادة (46) تنص على أنه لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها أو التحقيق في شأنها “، وعليه فإن استشهادنا بهذا الخطاب يؤكد لفضيلتكم ما ذكرنا آنفاً من مخالفة الإجراءات التي اتخذت في هذه القضية لأحكام النظام والتعليمات، ومن ثم يبطل كل ما بني عليها حسبما نصت على ذلك المادة (السابعة والثمانون بعد المائة) من نظام الإجراءات الجزائية المشار إليها تأسيساً على القاعدة الشرعية ( ما بني على باطل فهو باطل).
3ـــ تأسيس الدعوى على بلاغ مجرد من أي بينة.
قامت هذه القضية أساساً على ” إخبار ” المُبلّغ “…………………” إلى (هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) وأفاد ثم شهد بأن “المتهم يدعو إلى الإلحاد والكفر ونشر الشبهات بين الشباب الذي يجتمع بهم في المقاهي والتلفظ بألفاظ تمس ذات الإله ورسوله الكريم وذلك من خلال أفكاره التي دونها في كتابٍ ألفه المتهم يقوم بنشره“، وحين نتناول هذا البلاغ وتلك الشهادة يتبين لفضيلتكم عدة ملاحظات أهمها هي:
أولاً: أن هذه الإفادة وتلك الشهادة جاءت ” مجردة ” من أي دليل يصاحبها سوى أقوال المُبِلغ، ولا يعد البلاغ أو الادعاء صحيحاً إلا ببينة شرعية صحيحة وفق ما دلت عليه النصوص الشرعية، فأيُ بلاغ أو ادعاء خالٍ من بينته يعتبر شرعاً ونظاماً قولاً مرسلاً لا ينهض بحجة يُستند عليها في القضاء لاحتمالية كيديته.
ثانياً: لم يصاحب تلقي البلاغ “المرسل” أي تحرٍ من قبل الجهة المختصة للتحقق من صحته وجديته وعدم كيديته، وإنما أخذ على كونه الحقيقة المجردة وتم إلقاء القبض الفوري والمتعجل على المتهم وهو ما يشكك في صحة البلاغ أصلاً فضلاً عن عدم مصاحبته لأي بينة أو دليل مادي عليه.
ثالثاً: سقوط شهادة “المُخبٍر” شرعاً لما أثبته شهود النفي على لسان “عم المخبر(بالنصح للكل بالابتعاد عن شاهين وعدم التعامل معه لأنه يكيد للكل )، وهو ما يجرح شهادة المُخبر و يسقطها كما أثبت شهود النفي وجود خصومة بين المخبر والمتهم تمثلت في مشادات كلامية وصلت لحد قيام المخبر بتهديد المتهم بالاعتداء عليه، وهو دفع رئيسي بالكيدية لم تتناوله المحكمة أو تُحمله على محمل الجد عند تحقيقها في الدعوى، حيث أن هذا الدفع الثابت بشهادة ثلاثة من الشهود كافٍ لجعل دعوى المخبر كيدية خاصة مع عدم وجود أيَّ بينة صاحبتها، خاصة وإن نظرنا إلى سن المخبر وقت البلاغ لوجدناه في العقد الثاني من عمره كونه مواليد 1412هـ، ويعلم الجميع أن هذه المرحلة العمرية مفعمة بالحماس الفوار غير المنضبط في تقدير الأمور أحياناً، وهو الأمر الذي لم يُلتَفت إليه أيضاً عند نظر الدعوى مع ما سبق ذكره.
رابعاً: كما أن الدفاع يؤكد بأنه لم يتم ضبط المتهم وهو يوزع أو يبيع أو ينشر الكتاب المذكور و أنهم لم يقم بطبعه داخل السعودية و كل النسخ المتداولة إنما كانت من الطبعة السابقة ، كما نؤكد بأن موكلي لم يسلم أو يهدي الشاهد أو غيره أية نسخة من الكتاب ؛ موقعة من المدعى عليه أو غير موقعة كما أدعى المُخبر …………… و إذا كان لدى المُخبر نسخة موقعة من موكلي كما يزعم فلما لم يبرزها لجهات التحقيق و المحكمة .
4ـــ عدم تدقيق أو تحقيق شهادة الشاهدين ” …………. ، …………….. “:-
إضافة لشهادة المخبر كبينة المدعي العام على صحة الدعوى، فإن شهادة الشاهدين الآخرين وهما عضوا هيئة الأمر (…………… ، ……………… ) محل تدقيق وتحقيق ونظر،حيث أجاب كلاهما ابتداءً على سؤالهم عن علاقتهم بطرفي الدعوى بأنهما ” ليس لهما علاقة بطرفي الدعوى “، وهذا بخلاف الواقع والحقيقة، نظراً لكونهما تابعين لإشراف المدعي العام (المدعي في هذه القضية) وينتميان لجهة الضبط الجنائي ولا يتصور مخالفة شهادتهما لمضمون الادعاء، أما ما يتعلق بشهادتهما وما تضمنته من إفادة فإنهما قد شهدا بما أُخبرا به من قبل المخبر دونما تحرٍ أو تحقيق أو تحرير ونقلاه كما ورد لهما بغير فحص أو نظر، فتكون شهادتهما قائمة على السمع والنقل عن المخبر الذي لم يأت ببينة أصلاً على بلاغه سوى أقواله المجردة.
و الأمر نفسه فيما شهدا به بأنهما سمعا منه أثناء القبض عليه ؛ إقراراً بالاستهزاء بالدين ، فهو مجرد نقل لفهم خاطئ لكلامه لا نص ما نطق به المدعى عليه و إلا كان بوسعهما – وهما يملكان السلطة – أن يدوّنا ذلك أو يسجلاه الأمر الذي يشكك و يطرح شهادتهما و القاعدة الشرعية المستقرة تقضي بأن ( الدليل متى ما تطرق له الاحتمال ؛ سقط به الاستدلال).
كما أن المحكمة لم تقم بمواجهة موكلي بشهود الإثبات وفق ما نصت عليه المادة (الثانية والستون بعد المائة) من نظام الإجراءات الجزائية ، وهذا إخلال جسيم في حق موكلي في الدفاع ، إذ أن هذه المادة من النظام ترسخ حقاً أصيلاً من حقوق المتهم ، وهو حقه في استجواب و مناقشة الشهود ، لبيان تناقض شهادتهم مع الوقائع ، أو تضارب بعضها مع بعض ، كما أن المحكمة تلت نص الشهادة شفوياً دون إيراد أسماء الشهود ، في إجراء لا يخفى عوره و مخالفته لأحكام نظام الإجراءات الجزائية ، فكيف يتم جرح أو تعديل شاهد لا يعرف اسمه و لا وظيفته و لا علاقته بالمدعي ؟ وهذا كله يؤكد ما كررناه في هذه اللائحة بأن هناك إخلالاً جوهرياً في تطبيق أحكام النظام ، الأمر الذي ينسحب على الحكم الطعين و يجعله حقيقاً بالإلغاء .
و قد ورد بشهادة الشهود و حيثيات الحكم محل هذه الدعوى أن المدعى عليه كان ينشر الكفر والإلحاد بين صغار السن ، و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق ؛ أين هم أولئك الصغار أو الذين كان يجتمع معهم موكلي لإفساد عقائدهم كما يزعم الادعاء ؟ لماذا لم يتم جلبهم لجهة التحقيق و أخذ أقوالهم عن تلك الوقائع ؟ و لِمَ لم تنتبه المحكمة لهذا الأمر و تطلب من المدعي إحضار أولئك الأشخاص الذين يزعم أن المتهم قد شرع في إفساد عقائدهم ؟ مع أن ذلك جزء أساسي في الدعوى و قد بنى الادعاء عليه اتهاماته و انساقت معه المحكمة دون أن تعمل سلطتها في الفحص و التحقيق و التحري ، لا سيما و أننا أمام تهمة كبيرة تقشعر منها الأبدان .
5ــ الأخذ بشهادة (شهود الإثبات) رغم إسقاطها وطرحها لعدم تعديلها:-
إضافة لما سبق؛ فإن فضيلة ناظر القضية طرح شهادة شاهدي الإثبات نظراً لعدم تعديلها وأن شهادة الشاهد “شاهين” قد عورضت بالعداوة من قبل المدعى عليه الذي أثبت صحة تلك العداوة، وعليه كانت تلك الشهادات غير كافية في إقامة حد الردة على المتهم، ولسنا بصدد مناقشة تقدير فضيلته للأخذ بالشهادة أو طرحها وإنما نؤكد فقط إلى أن الدعوى في الأساس قائمة على خبر من شخص متهم بالعداوة والخصومة مع المدعى عليه، وقد أسقط اصحاب الفضيلة ناظرو القضية تلك الشهادات دون اعتراض من الاستئناف على هذا الإجراء في ملاحظاتهم، ومن ثم يكون إقراراً بما اتخذ من إجراء بإسقاط تلك الشهادات وإلا كانوا أوردوها في ملاحظاتهم، فكيف يمكن بعد ذلك أن تصح قضية مبنية على أساس خبرٍ مطعون في صحته، ودون أن يكون معه دليل عليه سوى قول صاحبه، ويتبين خلو القضية من البينة التي على أساسها تمت إدانة المتهم بالردة والحكم عليه بهذه العقوبة المشددة بإزهاق نفس معصومة، فلا يمكن أن تسقط الشهادة وتطرحها ثم ترتب عليها أثراً بإدانة المتهم، لأن الإدانة لابد لها من أساس تقوم عليه، وأساسها تم طرحه وهي “الشهادات” ومن ثم فلا تصح الإدانة شرعاً ونظاماً بغير أساس.
6ـــ عدم إقرار المتهم مطلقاً بارتكاب الفعل محل الادعاء:-
وفيما يتعلق بمسألة ” إقرار ” المتهم؛ فلم يستند الحكم وبناء على ملاحظات الاستئناف إلا على ” الإقرار ” المنسوب للمدعى عليه، وهذا الإقرار المزعوم ” بنسبة الكتاب إليه ” لا يعني مطلقاً إقراراً باحتوائه على مفردات غير شرعية بالشكل الذي فسَّره أصحاب الفضيلة القضاة بأنه إقرار بالإلحاد والكفر لأن ذلك ” إلزامٌ بما لا يلزم وتكفير بلوازم القول “، و مما هو معلوم أن (لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه صاحبه) ونعوذ بالله تعالى أن نحكم على إنسان بلازم قوله ما لم يعتقد ذلك اللازم ، كما أن هذا الإقرار لم يصدر من المتهم مطلقاً في كل مراحل الدعوى وهذا ثابتٌ في ضبوطها، حيث أن ما حدث عكس ذلك تماماً وهو نفي المدعى عليه المطلق أمام القاضي في عدة مواضع بأنه لم يلحد ولم يدعُ لذلك ولا يصح عنه كل ما نسب إليه ادعاء، والقول بأنه كانت تراوده شكوك حول العدالة الاجتماعية وغيرها فهذا تحميلٌ للمعنى على غير مقصده، حيث أن وقتها قبل خمسة عشر عاماً كان المتهم في مرحلة عمرية تحتمل أحاديث للنفس وشبهات وهي ” مرحلة المراهقة ” وقد زالت تلك الشبهات عنده بتفقهه في الدين شأنه في ذلك شأن سائر الشباب في تلك المرحلة، ومعلوم أن حديث النفس وخواطرها غير معاقبٌ عليها في الشرع، وتمسكه صراحة بنفي كل تلك الادعاءات ليس إلا تأكيداً على عدم صحة ما نسب إليه من ادعاء، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله (ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و اتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ومن اتبع هواه و قصر في طلب الحق و تكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاَ) الفتاوى (١٢/١٨٠).
إنَّ مما هو معلوم لدى فضيلتكم أنَّ من موانع تكفير المعين ؛ الخطأ، ولا يخفى عليكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرجل من بني إسرائيل الذي ظنَّ واعتقد أنَّ الله لا يقدر على جمعه بعد احراقه وحديثه في الصحيحين، قال: (هذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته، فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، منها الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك، فعظيم ) الاستقامة ( 1 / 164)
7ــــ اتحاد شهود النفي على عدم إلحاد المتهم وشهادتهم بالخصومة القائمة بين المخبر والمتهم:-
وفيما يتعلق بشهادة شهود النفي و التي طرحها قضاة الاستئناف بتسبيب غير مقبول ، فإن أولئك الشهود العدول قد توافقت شهادتهم على المتهم بأنه لم يكن ملحداً، ولم يحملهم على تلك الشهادة غير ما عرفوه عنه وعاصروه وعايشوه معه فضلاً عن نفي المتهم عنه ذلك وعدم الإقرار به، حيث أن صداقتهم بالمتهم لفترة طويلة لا تؤدي سوى إلى شهادتهم بما علموه منه، خاصة وأنهم على علم كذلك ” بالمخبر” الذي كان يجالسهم ويعلمون منه أيضاً ما شهدوا به من “خصومة وعداوة” وصلت لحد تهديده للمتهم، و عليه فلا يصح شرعاً و قضاءً طرح شهادتهم بحجة وجود الاقرار المزعوم و الذي فندناه في النقطة السابقة ، لا سيما وأنهم عدول وقد وافقت شهادتهم لما هو ثابت بالأصل وهو ” الإيمان “، لأن المسلم ليس بحاجة إلى من يشهد ببقائه على الإسلام –لأنه الأصل، خصوصاً من يقيم في دولة الإسلام ويعيش بين ظهرانيهم، فالأصل ” بقاء ما كان على ما كان“، ومن يدعي خلاف ذلك فتَلزَمُه الحُجة والبينة بيقين لأنه وفقاً للقاعدة الكلية فإن ” اليقين لا يزول بالشك ” و أن ( الأصل في الصفات العارضة ؛ العدم ) و وصف المسلم بالكفر هو من الصفات العارضة التي لا تثبت إلا ببينة ، فكيف إذا كانت البينة ظنية مطعوناً فيها وثبت عليها هذا المطعن؟
8ـــ الالتفات عن دفع جوهري متعلق بإسلام مجموعة من الأشخاص على يد المتهم:-
كذلك؛ فإن من بين النقاط الرئيسية في شهادة شهود النفي إثارتهم لواقعة مهمة ومؤثرة للغاية في هذه الدعوى ولابد من الوقوف عليها وتناولها بالبحث والتمحيص لمـا لهـا من أثـر مباشر ومنتـج في الدعـوى وهـو ” إسلام مجموعة من الأشخاص على يد المتهم وقيامه بإرسال تلك المجموعة إلى الندوة العالمية للشباب الإسلامي بأبها” ، فكيف يمكن بعد ذلك أن يكون ذات الشخص الذي يدعو للإسلام ويسلم على يديه مجموعة من الناس محكوماً عليه بحد الكفر لمجرد اتهام نُسب له بغير بينة يقينية صحيحة ومن شخص بينه وبينه عداوة وخصومة؟ ورغم أهمية هذه المسألة و أثرها على الدعوى ؛ لم تتم مناقشة تلك المسألة والتعاطي معها بالشكل الذي يسبر غورها و يجلي خباياها ، وهذا يعد إخلالاً جوهرياً بحق الدفاع بأن تناقش المحكمة سائر الدفوع التي يطرحها المتهم أو غيره وتكون مؤثرة في الدعوى ، لاسيما إذا استصحبنا القاعدة القضائية الحقوقية بأن أي شك أو خلل في الأدلة فإنه دائماً يفسر لصالح المتهم لكونه يحتفظ بحالة البراءة الأصلية .
9ــــ الالتفات عن دفع جوهري متعلق بمرض المتهم النفسي:-
إضافة لما سبق؛ فقد أثيرت أثناء جلسات المرافعة إصابة المتهم ” بمرض نفسي ” أرفَقَ له تقريراً طبياً يفيد بذلك، هذا التقرير لم يلتفت إليه ولم يتناوله ناظر القضية بالإشارة أو الرد عليه أو الاستعانة في فهمه بأهل الخبرة من الأطباء العدول و طلب الشرح منهم لمضاعفات هذا المرض و أعراضه ، و رغم أن هذا الدفع منتجٌ ومؤثر في الدعوى فقد تجاهلته المحكمة و لم تتصدَّ له أو ترد عليه ، حيث أنه و في حال ثبوت المرض فهذا يعني نسف الاتهام من أساسه لما فيه من رفع الحرج عن المريض حال مرضه وحال ما يصدر منه من أقوال وأفعال ، و على أقل تقدير يكون ذلك شبهة يدرأ بسببها الحد عن المتهم.
10ـــ عدم استعانة القضاة بأهل الخبرة المتخصصين.
اســـتند الحكـــم فيمـــا اســـــتند إليــه بإدانــــة المتــهم بمجمــوعة مــن العبــارات اسـتُلت مـن كــتاب ” التعليمات بالداخل “، وكانت تلك العبارات المذكورة في كتابه ملتبسة وموهمة لمتلقيها، لكن بسؤاله عن مقصده بها ظهر أنه يقصد أموراً أخرى وهو ما يقتضيه أو يحتمله النص الأدبي فيما يتعلق بالاستعارات والمجازات والتشبيهات اللغوية المقصود بها معانيها دون ظاهرها، وكان حرياً بالمحكمة إبراءً للذمة أن تحيل تلك النصوص إلى أهل الخبرة في مجال الأدب والشعر سواءً كانوا أفراداً أو مؤسسات أدبية في المملكة لاستيضاح رأيهم باعتبارهم أهل خبرة وتخصص في هذه النصوص، ومن ثم الاعتماد على قولهم في مدلولاتها كما هو منصوص عليه في نظام الإجراءات الجزائية، الذي نظم أحكام الاستعانة بالخبراء في مادته (السادسة والسبعون) التي نصت على أن: ” للمحقق أن يستعين بخبير مختص لإبداء الرأي في أي مسألة متعلقة بالتحقيق الذي يجريه “، حيث أن المحكمة قد نصّبت نفسها مكان أهل الخبرة، وأوّلت وفسرت نصوص الكتاب وأصدرت حكمها بناءً على ذلك فتكون بذلك قد قضت وحكمت بعلمها وبالتالي تكون مخالفة للقاعدة الشرعية القضائية المستقرة التي نصت على أنه (لا يحكم القاضي بعلمه) وهذا ما هدف إليه واضع النظام في المملكة العربية السعودية عندما خصص لجنة قضائية مختصة في الفصل في المخالفات التي يكون موضوعها عملاً أدبياً أو ثقافياً أو فكرياً , مكونة من أهل الاختصاص وهو ما فصلناه في صدر هذه اللائحة .
11ـــ عدم قبول توبة المتهم:-
ذهب الحكم محل هذه اللائحة إلى الأخذ بقول غاية في التشدد وقول مخالف للمذهب وما عليه الجمهور حيث أن أصحاب الفضيلة ناظري القضية لم يرتبوا على توبة المتهم أثراً شرعياً و ذلك بدرء الحد عنه – على التسليم بأنه جاء بما يوجب الحد – وعليه فهم بذلك لم يقبلوا منه التوبة التي طلبوها منه وهو الأمر الذي يخالف النصوص الشرعية الثابتة التي تجعل الاستتابة شرطاً لإقامة حد الردة حيث أن الحد إنما يقام على المرتد المعاند الذي عُرضت عليه التوبة فكابر و عاند مما يثبت تركه للدين ومفارقته للجماعة وبذلك يكون عند تنفيذ الحد مفارقاً للدين لا تنطبق عليه أحكام الاسلام أما من تاب فإن شهادة التوحيد تعصم دمه و ماله فلا يتصور أن ينفذ حكم الردة على شخص شهد بأن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، لأن تنفيذ الحكم و الحالة هذه يكون على مسلم والنبي ﷺ يقول في الحديث الصحيح (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) فكيف نستسيغ مع هذه النص الشرعي القطعي أن نبيح استحلال دم مسلم ثبت إسلامه بيقين لا يقبل الشك.
ومما يؤكد ذلك ؛هذا النص العظيم الذي يدل على عظمة شهادة التوحيد وأنها تحقن الدماء وتصون الأعراض وتحفظ الأموال حيث قال أسامة بن زيد رضي الله عنه : ((بعثنا رسول الله إلى الحرقة من جهينة، فصّبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً – أي قالها: ليتقي سيوفنا – فقال أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله قال أسامة: فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)) [متفق عليه]. فعلى الرغم من أن الصحابي كان في جهاد، وقتل رجلاً مشركاً في ظاهره ومحارباً لهم، أنكر النبي قتله لشبهة إسلامه، و نطقه بالشهادتين.
و ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولوا صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره ، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين) قال ابن حجر: ( أن ابن عمر وخالد اختلف فهماهما لكلام بني جذيمة ففهمه ابن عمر على أنهم أرادوا الإسلام، وأن هذه اللفظة كانت مشهورة عند قريش تطلقها على كل من أسلم، وأما خالد فقد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام فقتلهم متأولاً، فحلف ابن عمر على أنه هو ومن معه من المهاجرين والأنصار لن يقتلوا أسراهم، فلما قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على خالد العجلة وعدم التثبت في فهم كلامهم، ثم أرسل صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله بمال ليدفع لهم دياتهم فلم يبق منهم أحداً إلا دفع ديته… ونقل ابن حجر عن الخطابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاقب خالداً لأنه كان مجتهداً، وتبرأ من فعله ليعلم الناس أنه لم يأذن في هذا، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله(
و كل ذلك يبين عظمة شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، و أنها عاصمة للدم محصنة للعرض و حامية للمال .
و الاستتابة في مثل هذه الحالات إنما هي سنة الفاروق رضي الله عنه الذي قال كما في الموطأ بسند صحيح عن الذي أقاموا عليه حد الردة دون استتابة: (هلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً؛ لعله أن يتوب، لعله أن يرجع إلى ربه، اللهم إني لم أشهد ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني )، ويظهر من ذلك جلياً أن التوبة عن الردة تدرأ الحد بسنة خليفة رسول الله لا كما أُطلقت في الحكم دون تقييد بقول : (التوبة لا تتقاطع مع إثبات الحد إن وجد)، بل حتى حديث معاذ الذي قال فيه عن المرتد عن دينه: (لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بدل دينه فاقتلوه) فقد أجاب عليه الجمهور بأن ذلك المرتد مكث عشرين يوماً وقيل شهراً يُستتاب.
والذي عليه المذهب أن حد الردة يدرأ بالتوبة ولو قدر على صاحبه وكان أمره عند القضاء، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : (المرتد لا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً ، هذا قول أكثر أهل العلم ، منهم عمر ، وعلي ، وعطاء ، والنخعي ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ….. لأن الردة إنما تكون لشبهة ولا تزول في الحال، فوجب أن ينتظر مدة يرتأى فيها، وأولى ذلك ثلاثة أيام) . المغني(9/18)
وقال أيضاً في الكافي : ( ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثًا يدعى فيها إلى الإسلام، وعنه: أنه يقتل من غير استتابة للخبر، ولأنه يروى: أن معاذًا قدم على أبي موسى، وعنده رجل محبوس على الردة، فقال معاذ: لا أنزل حتى يقتل فقتل. والأول ظاهر المذهب؛ لما روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه: أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى، فقال له عمر: هل من مغربة خبر؟ قال: نعم. رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ما فعلتم به؟ قال: قدمناه، فضربنا عنقه، قال عمر: فهل حبستموه ثلاثًا فأطعمتموه كل يوم رغيفًا واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني، ولو لم تجب الاستتابة، لما تبرأ من فعلهم، ولأن الردة في الغالب إنما تكون لشبهة عرضت له، فإذا تأنى عليه، وكشفت شبهته، رجع إلى الإسلام، فلا يجوز إتلافه مع إمكان استصلاحه، فعلى هذا يضيق عليه في مدة الاستتابة ويحبس، ويدعى إلى الإسلام، وتكشف شبهته، ويبين له فساد ما وقع له ) الكافي في فقه الإمام أحمد ( 4 / 60 )
ولقد كان مخشي بن حمير رضي الله عنه من المنافقين الذين أنزل الله فيهم قوله تعالى : {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}، فتاب إلى الله بإخلاص، فتاب الله عليه، وأنزل الله فيه: {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} الآية، وثبت عن جمع من الصحابة منهم ابن مسعود وأبي هريرة وعلي رضي الله عنهم أنهم كانوا يقولون : ( ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً ) وقولهم : ( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم )، وهذا ما تقضيه مقاصد الشريعة التواقة لحفظ الدماء و التشوّف للتوبة والترغيب بها.
وقد ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى إلى ما هو أبعد من هذا، فرأى أن ( المرتد ردة مغلظة تقبل توبته ويدرأ عنه الحد إن رأى الحاكم المصلحة في ذلك) [ الممتع 14 / 456 ] و قال رحمه الله في كلام نفيس (أما الكفر فإنه يستتاب صاحبه و بهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود و ذكروا من الحدود حد الردة لأن قتل المرتد ليس من الحدود لأنه اذا تاب انتفى عنه القتل ثم أن الحدود كفارة لصاحبها و ليس بكافر والقتل بالردة ليس بكفارة و صاحبه كافر لا يصلى عليه ولا يغسل و لايدفن في مقابر المسلمين ) ] رسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين المجلد الثاني باب السحر[
أما قول ناظري القضية بأن (التوبة عمل قلبي مختص بأمور القضاء الأخروي و ليس مناط القضاء الدنيوي ) فقولٌ لا يوافق الحقيقة ومقاصد الشريعة ؛ حيث أن التوبة وإن كانت عملاَ قلبياً إلا أن الشارع رتّب عليها أحكاماً في الدنيا و هي عصمة دم التائب ، أما صدق توبته من عدمها ؛ فأمره إلى الله ، الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ، ونحن مأمورون بالأخذ بالظاهر، واستباحة دم من ظاهره الإسلام والتوبة والرجوع عن شبهته يحتاج إلى بينة واضحة لا مرية فيها، والأخذ بالظاهر في مثل هذه المسألة هو ما عليه المذهب فقد نص عليها ابن مفلح رحمه الله في المبدع إذ قال : (وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ) وَكُلِّ كَافِرٍ (إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ….. وَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ إِسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ، وَلَا يُحْتَاجُ مَعَ ثُبُوتِ إِسْلَامِهِ إِلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ ) المبدع في شرح المقنع ( 7 / 488).
وقد أغفلت المحكمة نصاً قضائياً حاسماً في هذه المسألة، وهو القرار الصادر من المحكمة العليا ذو الرقم (1/م) في 19/08/1434هـ و المتضمن تقرير الهيئة العامة بالمحكمة لمبدأ حول قبول رجوع المتهم عن اعترافه بحد قبل تنفيذ الحكم، حيث جاء في البند (أولاً) من القرار ما نصه : ( قبول رجوع من جاء تائباً مقراً بجريمة حدية في الحق العام ، و لو بعد صدور الحكم و اكتسابه الصفة القطعية ) فكيف للمحكمة أن تغفل إعمال هذا القرار الملزم لها و الصادر من أعلى سلطة قضائية في المملكة العربية السعودية و المؤثر و المنتج في محل النزاع فلا يمكن لها أن تعمل اجتهادها في مقابل النص النظامي الملزم ، مع التأكيد بأن موكلي لم يثبت عليه إقرارٌ أو اعترافٌ بأي مخالفة تمس عقيدته و إنما تراجع عن بعض النصوص الموهمة إبراءً لذمته أمام الله عز وجل .
كما أن المادة (الثانية والعشرون) من نظام الإجراءات الجزائية نصت على مايلي : ” تنقضي الدعوى الجزائية العامة في إحدى الحالات الآتية: 3- ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة“، وعليه فإن الملاحقة الجنائية للمتهم في الحدود التي تدخلها التوبة تكون منقضية بنص النظام ولا يجوز تحريكها أو مواصلتها بأي شكل من الأشكال.
أما قياس حد الردة على حد الزنا و السرقة و الذي جاء في حيثيات الحكم والتي ساقها تبريراً لمنطوقه حيث نص على ما يلي: (… الملاحظة الثانية فإن قبول التوبة لا تتقاطع مع إثبات الحد أن وجد فما عذر الغامدية تابت و قد أقيم عليها حد الزنا و المخزومية التي كانت تحد المتاع مؤمنة وقد أقيم عليها الحد …الخ)، حيث أن أصحاب الفضيلة قد قاسوا حد الردة على حد الزنا والسرقة وهذا مردود من وجهين :-
الأول : أن حد الزنا والسرقة إنما هو تطهير لمن يقام عليه الحد و متى ما طبق الحد فإنه يموت بذلك مسلماً تطبق عليه أحكام الاسلام بخلاف حد الردة ، فإن المرتد المعاند الذي عرضت عليه التوبة فأبى فإنه والحالة هذه يموت على خلاف أحكام الإسلام لأنه ينطبق عليه المعيار الشرعي (التارك لدينه المفارق للجماعة).
الثاني: أنه قياس في مقابل النص، وقد أوردنا نصوصاً شرعية توجب قبول توبة المرتد، كما أوردنا النص النظامي الوارد في المادة (الثانية والعشرون) من نظام الإجراءات الجزائية السالف ذكره.
12ــ الحكم جاء مخالفاً للسوابق القضائية في المملكة العربية السعودية :
حيث أن هذا الحكم الطعين جاء مخالفاً للأحكام و المبادئ المستقرة في المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس عليه رحمة الله إلى وقتنا هذا حيث لا توجد سابقة قضائية أصّلت لمبدأ قتل المرتد بلا استتابة ، وعليه فإن الحكم يعد خروجاً عن النسق الثابت و المستقر في القضاء السعودي لا يعرف له سلف من الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم والتي تعاقب على منصاتها علماء أجلاء وقضاة كبار أسسوا مبادئ راسخة في التحرز في مسائل الدماء وقد أرفقنا لفضيلتكم جملة من التوجيهات القضائية الصادرة من الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله بشأن قضايا مشابهة حكم فيها بقبول التوبة و الأخذ بها ( عدد ثمان ورقات) .
13ـــ عدم صحة ما نسب للمتهم بشأن التهمة الثانية بشأن القضايا الأخلاقية :-
وفيما يتعلق بالتهمة الثانية المتعلقة “بوجود صور حية لفتيات….إلخ ” فإن المدعى عليه يتمسك بعدم صحة الادعاء فيها جملة وتفصيلاً، حيث أن ما طال الإجراءات التي تمت مع الاتهام الأول بالإلحاد من بطلان يطول أيضاً هذه التهمة لمخالفة الفرقة القابضة قواعد وإجراءات القبض والتفتيش المشار إليها في المادة (الخامسة والثلاثون) من نظام الإجراءات الجزائية التي لم تبح القبض على الأشخاص أو تفتيشهم بدون إذن من السلطة المختصة إلا في حالة التلبس، ولا يوجد في أوراق الدعوى برمتها ما يشير لوجود تلك الحالة، وعليه يتأكد مخالفة الفرقة القابضة لتلك القواعد مما يرتب عليها بطلان كل ما بني عليها من إجراءات في هذا الشأن خاصة مع عدم قيام الفرقة القابضة بتحريز الجوال.
كما أنه لم يصدر من المدعى عليه أي إقرار بتلك التهمة ، و رفض التوقيع على الصفحة التي ورد بها الإقرار في الصك ، حيث أن القاضي لم يضبط نصّ ما قاله المدعى عليه ، و لم تقم البينة الموصلة لإثبات تلك التهمة وفق الإجراءات القضائية و النظامية المعتبرة ، كما أن جواله المضبوط – بطريقة غير نظامية – لم يتضمن أي صور مخلّة ولا توجد أي صور غير أخلاقية وإنما هي صور عادية لمشاركين في معرض فني لا يتصور عقلاً أو منطقاً أنها تكون سنداً لمثل هذا الاتهام، وفضلاً عما تقدم فإن هذه التهمة يشملها الأمر الملكي الكريم رقم أ/ 101 وتاريخ 9/4/1436هـ القاضي بالعفو عن السجناء للحق العام في القضايا التعزيرية ، وعليه فإن هذا الاتهام الذي لا سند ولا أساس له جدير برده فضلاً عن شموله بأمر العفو.
لذلك وبناء على ما تقدم؛ يطلب المدعى عليه وكالةً من فضيلتكم ما يلي:-
أولاً: قبول الاعتراض شكلاً لرفعه في الموعد النظامي.
ثانياً: وفي الموضوع ؛ الحكم بنقض القرار رقم 35329896 وتاريخ 26/7/1435هـ ، والمحرر بتاريخ 5/2/1437هـ ، فيما ذهب إليه من (قتل المدعى عليه بحد الكفر)، و ذلك لما تقدم من الأسباب .
والله يحفظكم ويرعاكم،،
وكيل المدعى عليه
المحامي
عبد الرحمن بن محمد اللاحم