علي راشد - مبدعون في قفص الاتهام

شاعر وروائي أحدهما في السجن والآخر في الطريق إليه، إنهما الشاعر عمر حاذق الذي حكم عليه بعامين لاختراقه قانون التظاهر، بينما تم الحكم على الآخر وهو الكاتب كرم صابر بخمس سنوات بسبب مجموعته القصصية "أين الله" لازدراء الأديان.

اختلفت القضيتان واختلفت الآراء حولهما، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه حاليا بين المثقفين والكتاب هو: إلى أين حرية الرأي والتعبير؟ وطالما نادوا بالحريات إلا أنهم لم يحصلوا على شيء وفي كل مرة يحدث ضجيجا إعلاميا حول بعض قضايا الحسبة والرأي بدأت مع طه حسين ونجيب محفوظ وفرج فودة، مرورا بألف ليلة ولية ورواية "مترو" لمجدي الشافعي وغيرها من الأعمال.

ينص الدستور الجديد في المادة 67 منه على: حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية، أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباته، وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائى للمضرور من الجريمة، إضافة إلي التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون، وهذه المادة اختلفت عليها الآراء فالبعض يراها مؤيدة لقضايا الحسبة بينما قال البعض عنها إنها في صالح المبدعين لأنها ستضع إطارا قانونيا لتلك القضايا.

تكميم الأفواه بين القمع والاصطدام بالمجتمع:

الروائي مجدي الشافعي، صاحب رواية "مترو" والتي تم مصادرتها في عام 2011 بزعم تضمنها لألفاظ خادشة للحياء، يرى أن وجود مواد خاصة بحرية الرأي والتعبير في الدستور الجديد لا صلة لها بما يحدث على أرض الواقع طالما أن القائمين على إدارة الدولة ليس لديهم وعي بحرية الرأي والتعبير، وجميع الأنظمة تسير على هذا الإطار، ومن المؤسف أن يسير المجتمع والدستور في اتجاه حرية الرأي بينما تأخذ الدولة مسارا آخر ضد الحريات.

وأشار الشافعي إلى أن تكميم الأفواه لن يؤدي في النهاية إلا إلى مزيد من القمع أو الاصطدام مع المجتمع، وقضيتا كرم صابر وعمر حاذق يؤكدان أن الدستور مجرد كلام على ورق دون تطبيق، ويذكرنا ما يحدث حاليا بعصور الظلام وما كان يحدث في العصور الوسطى في أوروبا، كما أن الدعم المادي الضئيل الذي يوجه للتنوير لا يكفي لتنمية الوعي بالحريات.

القانون فوق الجميع:

وعلى الرغم من أنها مع إطلاق الحرية للمبدع إلا أن الكاتبة هالة فهمي، عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب، تشدد على أهمية وضع قواعد من المبدعين أنفسهم يسيرون عليها، بحيث لا تكون الحرية مطلقة وفي نفس الوقت لا يكون القمع هو الأساس، ودللت على ذلك بشاعر عراقي كتب قصيدة بعنوان "عيشة بنت السلطان" يتحدث فيها عن العلاقة الزوجية بين الرسول وعائشة، وهذا ما تصفه فهمي بأنه تطاول وإباحية!!

كما أكدت أن وجهة نظرها لا تعني أن تعود محاكم التفتيش، ولكن الحالة الوحيدة لضمان الشفافية هو وجود قانون يحكم الجميع، ويطبق على الكتاب وغيره أما الآن فنحن فلا توجد أية معايير، وما زلنا نحكم بقانون التعسف، أما الدستور فلم تعلق عليه كثيرا مؤكدة أن مصر لم تطبق أي بند من بنود الدساتير السابقة لذلك يجب تفعيلها أولا ثم يُعلق عليه.

وعن موقف اتحاد الكتاب إزاء هذه القضايا لفتت إلى أن الاتحاد دائما ما يقف بجوار هذه القضايا ويدعمها ولكن تكون القرارات بمجلس الإدارة دون تحرك الجمعية العمومية.

قصيدة ضد القمع:

ومن جهته أكد الشاعر الشاب سعيد شحاتة أنه لا توجد حرية رأي طالما أن القمع قادم من رحم المثقفين أنفسهم، قاصدا بذلك أن بعض المتسلقين إلى حديقة الثقافة هم من وضعوا أنفسهم في هذا الخندق، من خلال التواطؤ والتخاذل والانبطاح والتهليل للسلطة والتطبيل للمسئولين، من أجل طباعة كتاب أو من أجل المشاركة في أمسية أو من أجل اعتلاء منصب، كلها أمور تضع المثقف الحقيقي والمبدع الجاد أمام صخرة القمع الإجباري.

واكتفى شحاتة بالتعليق على القضيتين بقصيدة قام بتأليفها في هذا السياق، يقول شحاتة في القصيدة:

"سابوا اللي باعوا الدمّ بالقِربه ... واتشطرّوا ع اللي احتكم للشعر... ما اعرفش ليه يا بلادي يا "طُربه"... بتعلّي سِعرِك وإحنا مالناش سِعر؟!... ومازالت القضبان ما بتفرقش...... بين شاعر وبين مشعور... ومازالت الساقيه دايرة...... أعمى ماشي الطور... ومازال في قلب الغلابه......... كتير عليه الدور.... ومازال طابور الدرك...... ساحب في إيده طابور... ومازال على الكرسي مارد........ حرفجي ومسعور... ومازال في ريحتك وطن....... ومازال وطن مكسور... طب يعمل إيه اللي رافض.......... سطوة الظالم... وهيعمل إيه اللي راسه....... اتعلّقت ع السّور... الشعر مش مسلم ولا مسيحى.... الشعر من طين مصر... الشعر شاهد ع التاريخ والعصر....على ثورة الشعرا ف قاعات القصر.... والنصر ع العمده وعلى المتاريس.... الشعر مش عتريس ولا قدّيس... الشعر وشّ عريس فى ليلة ضىّ.... الشعر آيه ورايه وهدايه ... وشعار وضحكه من المسيح الحىّ .... الشعر راكية شاىّ ع السكّه .... وبنات بترسم قلب ع الدكّه.... وجنيه ورق على كام جنيه فكّه... وإيدين نضاف...وإيدين بتتّكى ف وريد الأرض... وايدين بتخطف حلمها من الناس.. وايدين بتخطف حلمها من البرد... الشعر – قال الطيبين – سنّه... الشعر – قال الطيّبين – لأ فرض... وكتير قوى اتفقوا إنه ميّة ورد... الشعر عرض وطول وتنهيده..... وجريده دايره تهزّ فى جريده.... وهدوم جديده بتسرق الأنظار... وسلاح مولّع همّة الثوّار... الشعر أحلى عيار يصيب القلب.... الشعر طلقه ف عين ولاد الكلب... إياك يموت الشعر في القضبان.... إياك يموت الجندي ع المدفع..... الشعر روح بتحرك الأوطان.... والجندي دافع دمّه وبيدفع... إلا الغلابه يا بنت سلطانك.... إلا اللي زانوا الشعر بودانك... إلا اللي حط ضلوعه فوق سيفه.... ووقف عشانك وانحنى وصانك... يا كل واحد قلم يا قلب برايه... لو أرغمونا وباعونا ابقوا اشتروا مرايه... والصبح شوفوا وشوشكو في البرواز... واتوضوا بالليل وصلّوا لحامل الرايه... ومازال في مصر السجن زي السلحفا والديب....... أعمى وكئيب.... ومازال في مصر الدكر....... مرهون بجوزة الطيب... ومازال في مصر اللي يكتب شعر يتاخد.... ومازال في مصر اللي يكدب... يبقى شيخ وخطيب".

أتيليه القاهرة يناقش رواية عمر حاذق في غيابه:

وفي السياق ذاته أقام أتيليه القاهرة في السابعة من مساء الثلاثاء، ندوة لمناقشة رواية "لا أحب هذه المدينة" للكاتب والشاعر عمر حاذق، ناقشها الدكتور صلاح السروي والمهندس أحمد بهاء الدين شعبان والكاتب أحمد سراج، وأدار الندوة الشاعر عادل جلال.

وأشار المهندس أحمد بهاء الدين شعبان إلى أن الاحتفاء بهذا العمل الأدبي في ظل وجود صاحبه بالسجن احتفاء بدور الثقافة في معركة الحرية في مصر ووجوده في السجن أكبر تعبير عن أزمة الحرية والديمقراطية في مصر فبعد ثورتين ما زالت القيود موجودة على قضية الحرية، بينما يرتع المخربون دون حدود.

وأكد أنه لم يتردد حينما طلب منه المشاركة في الندوة على اعتبار أن المشاركة جهد متواضع للدفاع عن الحرية التي تعتبر السبيل الوحيد للتقدم ولا مخرج للأزمة إلا بها، وهذا الاحتفال صيحة تحذير مما يعانيه الإبداع من معوقات في عهدي مبارك ومرسي، إلا أنها ما زالت موجودة بعد الحاكمين المستبدين وهذا أمر خطير، ولا يجب أن يؤخذ أي موقف ضد مبدع مهما كانت أراؤه طالما لا يُخرب، وتلك القيود على الإبداع لا تخدم الحرية وإنما تأتي لصالح قوى الإرهاب والتطرف للإيحاء بأن هذا النظام قمعي وغير قابل للأفكار والحريات.

وأضاف شعبان أنه من المهم أن يستمر النضال من أجل الحرية وألا يتقاعس المثقفون أو يتراجعوا في مواجهة هذه الحملات.

كرم صابر يناقش مجموعته الممنوعة:

كما نظمت حركة "علمانيون" مساء الأربعاء، مناقشة حول المجموعة القصصية "أين الله" وما أثير حولها بخصوص قضية حرية الرأي والتعبير بحضور الكاتب كرم صابر والمحامي محمد حجازي مستشار نقابة المحامين.

ومن جهته أكد الكاتب كرم صابر أن محاكمة كاتب في القرن الحادي والعشرين أمر خطير، خاصة وأنه لم تطبق المادة 67 من الدستور الجديد والتي تؤكد على أنه لا يجب الحكم على مبدع، ومع ذلك أيدت المحكمة الحكم الصادر ضده، على الرغم من تضامن العديد من الجهات الثقافية ونقابة المحامين مع القضية.

أما المحامي محمد حجازي فقال إنه سيطالب في جلسة الاستئناف المقرر أن تكون يوم 5 يونيو المقبل بإصدار قانون جديد طبقا للمادة 67 من الدستور التي تشير إلى أنه لا يحاكم مبدع إلا في ثلاثة أمور وهي التحريض على العنف أو التمييز أو الخوض في الأعراض، وقد خرجت مجموعة "أين الله" عن هذه الأمور كليا.

وأشار إلى أن أقصى حكم سيصدر هو الحكم الصادر فعليا بخمس سنوات، وتاريخ المحاكم في بعض هذ القضايا أصدر أحكاما مشابهة.


2014

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
الأدب القضائي - المحاكمات والمحاكمات الأدبية
المشاهدات
357
آخر تحديث
أعلى