كيف يمكن لنا أن نفهم ماهية الموسيقى في ظل هذا التنوع والتعدد في طبيعة الظاهرة الموسيقية نفسها من حيث تراكيبها ونسيجها وعناصرها وطبيعة تكوينها وبناءها الميلودي والهارموني وبقية تكويناتها الفيزيائية والرياضية والفنية.
أن البحث الجمالي في الظاهرة الموسيقية هو في حقيقته بحث في ماهية الموسيقى من حيث حدودها ودورها وقدرتها في التعبير الجمالي، ولا شك أن البحث في الموسيقى كفن من الفنون الجميلة بوصفها ظاهرة تاريخية أو اجتماعية أو تربوية أو فيزيائية أو رياضية، او تعبيرية ولكنه في نفس الوقت لا يستند الى أي من هذه البحوث في صياغته لمفاهيمه الفنية والفلسفية والجمالية، لأنه بحث ماهوي، أي بحث في ماهية الظاهرة نفسها .
وهكذا فإن موضوع ماهية الموسيقى يتحدد في دراسة المفاهيم والخصائص المميزة لها كفن جميل يتعلق بفهم تفاصيل إدراكنا الجمالي.
ومن ثم فإننا عند دراستنا للجميل في الموسيقى ينبغي أيضا الا ندخل في حسابنا أية معايير أو تصنيفات للقيمة الجمالية، وأن نبين الخصائص الجمالية للموسيقى، وكيف تعبر من خلال هذه الخصائص عما تريد أن تعبر عنه أو عما تؤلف لأجله من أغراض مختلفة.
لذلك دائما ما نجد الفنان الموسيقي يحاول من خلال عمله الموسيقي إضفاء المعاني الجمالية على الحياة فهو يقوم بتلوينها وبزخرفتيها من خلال البناء اللحني والإيقاعي وانسجام النص الغنائي مع طبيعة اللحن الهادفة والبسيطة التي يستسيغها الأطفال المتلقي محاولا بذلك ان ينسينا همومها وأحزانها وترسباتها المؤلمة, لذلك دائما ما نجد أعمال الفنانين تشرق بالحياة والفرح والسرور والكثير من علماء النفس اعتبروا الموسيقى والغناء وسيلة من وسائل الراحة النفسية, فالإنسان يجد في الموسيقى والغناء "آماله وطموحاته ورغباته ولذلك فان سيمفونيات الموسيقيين وأغاني المطربين هي انعكاس لواقع حياتنا الخاصة على حد سواء"([1])وهذا يتطلب توازن في عناصر الموسيقى والغناء من نص شعري ولحن وإيقاع وبالتالي يخلق هذا التوازن نوعا من الانسجام الجمالي لتلك العناصر غالبا يؤثر ما فينا نفسيا, لذا فان الموسيقى والغناء هما فنا يثير الرغبة لتحقيق الانفتاح النفسي على رحاب إنسانية جديدة كانت مجهولة بالنسبة للماضي, وبذلك حاول (أرسطو) التأكيد على الشروط الأساسية للإبداع الجمالي بصيغ أخرى فهو يؤكد على التنسيق والعظمة وهما شكل من أشكال الوحدة وترتيب النسب إذ يقول " الكائن أو الشيء المكون من أجزاء متباينة لا تتم جماله ما لم تترتب أجزاؤه في نظام وتتخذ أبعادا ليست تعسفية ذلك لأن الجمال ما هو إلا التنسيق والعظمة". ([2])
وكذلك نظر (أرسطو) إلى الموسيقى على أنها أكثر الفنون تقليدا للشخصية وتمثيلا لها ففي الإيقاع واللحن نجد محاكاة شديدة الواقعية للغضب والهدوء فضلا عن الشجاعة والاعتدال وأضداد هذه الصفات أي أن المحاكاة الموسيقية والغنائية لا تقتصر على الأحوال الشعورية فحسب بل تشمل الصفات والاستعدادات الذهنية أيضا, وهذه المحاكاة تأتي بعد ان يتفاعل معها المتلقي من خلال تأثير الإيقاع واللحن في شخصيته وهذا التفاعل يقترن بلعبه وحركاته التي اعتاد عليها في حياته اليومية التي تخلق بعدا جماليا في حياته اليومية .
ومن هذا المنطلق أكد (هيجل) على ان الموسيقى فن ذو طبيعة خاصة تجعله ابعد الفنون عن التعريفات والأوصاف ذات الطابع العام فهو يرى أن المضمون الروحي لهذا الفن ترديد للذائقة وأن الموسيقى فن يثير فينا المشاعر والحالات النفسية, لان الموسيقى عند (هيجل) ليست من الفنون التشكيلية التي تختار نمط التعبير الخارجي - الموضوعي- فنجدها ألغت المكان وبالتالي ليس لها طول وعرض ولا ثقل وعمق كما هو فن النحت لذلك يرى (هيجل) أنه بواسطة الصوت الموسيقي تنفصل الموسيقى عن المكان المقابل للإدراك الحسي .
كما وصف(هيجل) الصوت الموسيقي مجرد من الطبيعة على عكس الحجر او اللون اللذان هما مواد الفنون التشكيلية, اما الموسيقى فأصواتها مستمدة من الحياة الداخلية الذاتية المجردة, فهي لا تصور الأشياء وإنما تصور حركات النفس العميقة.
فهي لا تختار موضوعات من الطبيعة لتعبر بها عن ذاتها, وإنما تُجرِد الخارج, فهي تنفصل عن المكان القابل للإدراك الحسي لأنها تعتمد على حاسة السمع في تحديد ماهية جمالها وذوقها لان السمع بحسب قول (هيجل) "ان السمع ليس من الحواس العلمية وانما هو من الحواس النظرية التي تتسم بطابع فكري اكثر من البصر, هنا يتفق (هيجل) مع الرأي الأرسطي الذي يرى بان الأنغام اقدر من الألوان, وان السمع أكثر مثالية من الأبصار ففي الأنغام الموسيقية يتردد ويتجاوب النطاق الكامل لمشاعرنا وانفعالاتنا التي لا يكون موضوعها قد تحدد بعد"([3]) لذلك يصف (هيجل) الموسيقى على انها فن الشعور والحالة النفسية الذين يؤديان الى إثارة أنواع لا حصر لها من المشاعر والحالات النفسية وهذا ما يتشابه مع المفهوم الأرسطي بان الأنغام الموسيقية اقدر من الألوان بكثير وان السمع أكثر مثالية من الأبصار وعلى ذلك فان الأعمال الموسيقية التي تبنى بطريقة جمالية قد تتغلغل الى الأعماق الباطنة للنفس البشرية التي تتلقاها وتفسرها بمشاعرها وأحاسيسها, وبهذا فان (هيجل) يصف الموسيقى المطلقة بانها" تعبر عن الذاتية المجردة, اعني عن الأفعال الجوهرية الأساسية التي بها تضع الذات نفسها"([4])
كما يعتبر (هيجل) الموسيقى انها أكثر الفنون تحرراً من ثقل المادة لأن الموسيقى تتعامل مع الصوت والصوت مادة تتلاشى, هو حركة اهتزازية ليس لها شكل جسماني ولا استمرارية فيزيقية, ومن هنا فإن الموسيقى هي من أقدر الفنون تعبيراً عن الداخلي حيث ان البعد الذاتي هو شكلهـــا ومضمونها ومادتها معاً, وفي رأي (هيجل) فإن المهمة الرئيسة للموسيقى لا تكمن، في تصوير الأشياء الواقعية، بل في موسقة الأنا الداخلي الحميم، وبواطنه العميقة، وذاتيته الفكرية, وفي هذا الإطار يحرص على ان يقول لنا ان الموسيقى لا تكتفي بأن تعبّــر عن النفس بل هي تخاطب النفس ايضاً لأنها من حيث تعريفها الفن الذي تستخدمه النفس للتأثير على النفوس.
اما (سوزان لانجر) فإنها ترى ان المضمون الموسيقي كثيرا ما يتيح للموسيقار فرصة التعبير عن المشاعر والعواطف في وقت واحد وبذلك تكون الموسيقى لغة فنية جمالية تستطيع من خلالها التعبير ولا يستطيع أي من الفنون ان يعبر مثلها، وعن تفسيرها لموضوع الشكل والصورة.
لكن (سوزان لانجر) تضيف في تفسيرها للشكل والصورة في فن الموسيقى بأنها أشكال معبرة عن جانب هام من الإنسان هو عالم الوجدان تعبر عنه، فالأنغام الموسيقية في نموها وصراعها وتوقفها وسرعتها تماثل ما يجري في باطن الإنسان من مشاعر ووجدانات.
ويمكن أن تكون الموسيقى في هذا المعنى تجسيدا لحياة الوجدان، وتشكيلا يرمز لما يجري في باطن الإنسان من انفعالات، ولكنها ليست تعبيرا مباشرا عن انفعالات الإنسان ووجدانه، وإنما هي تشكيل لتصوراته عن هذه الانفعالات، يمكن تأمله ويمكن أن يكون مشتركا بين الفرد وغيره من أفراد المجتمع، وبذلك ينطوي الفن على قيمة معرفية مصدرها أن الانفعال يتحول إلى موضوع يمكن فهمه وله تصوراته ومعناه.
ففي فن الموسيقى نجدها تتحدث عن جانب مهم من جوانب الإنسان ألا وهو عالم الوجدان فان الأنغام الموسيقية في بناءها اللحني وتراكيبها الإيقاعية وصراعاتها الجمالية تمثل ما في باطن الإنسان من مشاعر وأحاسيس تنقل لنا خبرة ذات قيم جمالية وفنية.
بينما يرى (روسو) ان موسيقى الآلات كانت تحتل في مذهبه الجمالي مكانه ثانوية ولذالك يقول اذا لم تكن الموسيقى قادرة على التصوير إلا باللحن ومنه تستمد كل قوتها فانه يترتب على ذلك ان كل موسيقى غير غنائيه مهما كان من توافقيها ليست الا موسيقى من النوع المحاكي ولا تستطيع بهارمونيتها الجميلة ان تؤثر بالنفس([5])
ويرى الفيلسوف (عدس) أن تدريس الفنون بأنواعها هو عامل له أثره وفاعليته في الإصلاح التربوي، وهو يرى أن الفنان قادر أن يصوغ من مختلف أنواع الألوان والأشكال المجردة نماذج بهيجة حية تأسر القلوب وتذهل العقول، وقادر على أن يخلق من الأنغام الموسيقية جواً مختلفاً وحالة نفسية متغيرة، قد تبعث على الفرح والسرور، وقد تثير الحنق أو تثير الحماسة, إن تأثير الموسيقى أقوى وأعمق من تأثير الفنون الأخرى، إذ أن هذه الفنون الأخرى لا تتحدث إلا عن مظاهر في حين أن الموسيقى تتحدث عن الشيء " في ذاته "، بل ذهب ماريني إلى أن الموسيقى تعبر عن سرورنا، وأننا من خلال الغناء والموسيقى والرقص ننقل إلى المستمع أو المشاهد المستمع صورة حياتنا الباطنية، وإذا كان الكلام لغة العقل فالموسيقى لغة الشعور والوجدان، وما كان لعلم النفس أن يشهد لهذه الظاهرة الموسيقية والكشف عن أسرار المتعة الموسيقية وفهم الجوانب الهامة من التأثيرات السلوكية في ضبط السلوك الإنساني وتوجيهه وتطويره، ووحدة الجوانب الروحية والعقلية والجسمية والانفعالية في تكوين سلوك الأفراد وتطويره، مثلما يتوقف توجيه السلوك عن طريق الكلام كذلك يتوقف نوعية السلوك الجيد أو الغير جيد عن طريق الموسيقى، بل ذهب القديس مارتن لوثر إلى أبعد من ذلك إذ اعتبر الموسيقى من أرقى الفنون وبأن أصواتها تحكي كلمات الحياة، وأن من يكون كفؤا لهذا الفن هو إنسان طيب يصلح لكل المهام الأخرى في الحياة.
[2])) راوية عبد المنعم عباس، الحس الجمالي و تاريخ الفن ، ص 57
[3])) سيد شحاتة,علم جمال الموسيقى , ص129
[4])) جيزيل بروليه, جماليات الابداع الموسيقي, ترجمة: فؤاد كامل, ص141
[5])) سيد شحاتة، المصدر السابق،ص227ص229
أن البحث الجمالي في الظاهرة الموسيقية هو في حقيقته بحث في ماهية الموسيقى من حيث حدودها ودورها وقدرتها في التعبير الجمالي، ولا شك أن البحث في الموسيقى كفن من الفنون الجميلة بوصفها ظاهرة تاريخية أو اجتماعية أو تربوية أو فيزيائية أو رياضية، او تعبيرية ولكنه في نفس الوقت لا يستند الى أي من هذه البحوث في صياغته لمفاهيمه الفنية والفلسفية والجمالية، لأنه بحث ماهوي، أي بحث في ماهية الظاهرة نفسها .
وهكذا فإن موضوع ماهية الموسيقى يتحدد في دراسة المفاهيم والخصائص المميزة لها كفن جميل يتعلق بفهم تفاصيل إدراكنا الجمالي.
ومن ثم فإننا عند دراستنا للجميل في الموسيقى ينبغي أيضا الا ندخل في حسابنا أية معايير أو تصنيفات للقيمة الجمالية، وأن نبين الخصائص الجمالية للموسيقى، وكيف تعبر من خلال هذه الخصائص عما تريد أن تعبر عنه أو عما تؤلف لأجله من أغراض مختلفة.
لذلك دائما ما نجد الفنان الموسيقي يحاول من خلال عمله الموسيقي إضفاء المعاني الجمالية على الحياة فهو يقوم بتلوينها وبزخرفتيها من خلال البناء اللحني والإيقاعي وانسجام النص الغنائي مع طبيعة اللحن الهادفة والبسيطة التي يستسيغها الأطفال المتلقي محاولا بذلك ان ينسينا همومها وأحزانها وترسباتها المؤلمة, لذلك دائما ما نجد أعمال الفنانين تشرق بالحياة والفرح والسرور والكثير من علماء النفس اعتبروا الموسيقى والغناء وسيلة من وسائل الراحة النفسية, فالإنسان يجد في الموسيقى والغناء "آماله وطموحاته ورغباته ولذلك فان سيمفونيات الموسيقيين وأغاني المطربين هي انعكاس لواقع حياتنا الخاصة على حد سواء"([1])وهذا يتطلب توازن في عناصر الموسيقى والغناء من نص شعري ولحن وإيقاع وبالتالي يخلق هذا التوازن نوعا من الانسجام الجمالي لتلك العناصر غالبا يؤثر ما فينا نفسيا, لذا فان الموسيقى والغناء هما فنا يثير الرغبة لتحقيق الانفتاح النفسي على رحاب إنسانية جديدة كانت مجهولة بالنسبة للماضي, وبذلك حاول (أرسطو) التأكيد على الشروط الأساسية للإبداع الجمالي بصيغ أخرى فهو يؤكد على التنسيق والعظمة وهما شكل من أشكال الوحدة وترتيب النسب إذ يقول " الكائن أو الشيء المكون من أجزاء متباينة لا تتم جماله ما لم تترتب أجزاؤه في نظام وتتخذ أبعادا ليست تعسفية ذلك لأن الجمال ما هو إلا التنسيق والعظمة". ([2])
وكذلك نظر (أرسطو) إلى الموسيقى على أنها أكثر الفنون تقليدا للشخصية وتمثيلا لها ففي الإيقاع واللحن نجد محاكاة شديدة الواقعية للغضب والهدوء فضلا عن الشجاعة والاعتدال وأضداد هذه الصفات أي أن المحاكاة الموسيقية والغنائية لا تقتصر على الأحوال الشعورية فحسب بل تشمل الصفات والاستعدادات الذهنية أيضا, وهذه المحاكاة تأتي بعد ان يتفاعل معها المتلقي من خلال تأثير الإيقاع واللحن في شخصيته وهذا التفاعل يقترن بلعبه وحركاته التي اعتاد عليها في حياته اليومية التي تخلق بعدا جماليا في حياته اليومية .
ومن هذا المنطلق أكد (هيجل) على ان الموسيقى فن ذو طبيعة خاصة تجعله ابعد الفنون عن التعريفات والأوصاف ذات الطابع العام فهو يرى أن المضمون الروحي لهذا الفن ترديد للذائقة وأن الموسيقى فن يثير فينا المشاعر والحالات النفسية, لان الموسيقى عند (هيجل) ليست من الفنون التشكيلية التي تختار نمط التعبير الخارجي - الموضوعي- فنجدها ألغت المكان وبالتالي ليس لها طول وعرض ولا ثقل وعمق كما هو فن النحت لذلك يرى (هيجل) أنه بواسطة الصوت الموسيقي تنفصل الموسيقى عن المكان المقابل للإدراك الحسي .
كما وصف(هيجل) الصوت الموسيقي مجرد من الطبيعة على عكس الحجر او اللون اللذان هما مواد الفنون التشكيلية, اما الموسيقى فأصواتها مستمدة من الحياة الداخلية الذاتية المجردة, فهي لا تصور الأشياء وإنما تصور حركات النفس العميقة.
فهي لا تختار موضوعات من الطبيعة لتعبر بها عن ذاتها, وإنما تُجرِد الخارج, فهي تنفصل عن المكان القابل للإدراك الحسي لأنها تعتمد على حاسة السمع في تحديد ماهية جمالها وذوقها لان السمع بحسب قول (هيجل) "ان السمع ليس من الحواس العلمية وانما هو من الحواس النظرية التي تتسم بطابع فكري اكثر من البصر, هنا يتفق (هيجل) مع الرأي الأرسطي الذي يرى بان الأنغام اقدر من الألوان, وان السمع أكثر مثالية من الأبصار ففي الأنغام الموسيقية يتردد ويتجاوب النطاق الكامل لمشاعرنا وانفعالاتنا التي لا يكون موضوعها قد تحدد بعد"([3]) لذلك يصف (هيجل) الموسيقى على انها فن الشعور والحالة النفسية الذين يؤديان الى إثارة أنواع لا حصر لها من المشاعر والحالات النفسية وهذا ما يتشابه مع المفهوم الأرسطي بان الأنغام الموسيقية اقدر من الألوان بكثير وان السمع أكثر مثالية من الأبصار وعلى ذلك فان الأعمال الموسيقية التي تبنى بطريقة جمالية قد تتغلغل الى الأعماق الباطنة للنفس البشرية التي تتلقاها وتفسرها بمشاعرها وأحاسيسها, وبهذا فان (هيجل) يصف الموسيقى المطلقة بانها" تعبر عن الذاتية المجردة, اعني عن الأفعال الجوهرية الأساسية التي بها تضع الذات نفسها"([4])
كما يعتبر (هيجل) الموسيقى انها أكثر الفنون تحرراً من ثقل المادة لأن الموسيقى تتعامل مع الصوت والصوت مادة تتلاشى, هو حركة اهتزازية ليس لها شكل جسماني ولا استمرارية فيزيقية, ومن هنا فإن الموسيقى هي من أقدر الفنون تعبيراً عن الداخلي حيث ان البعد الذاتي هو شكلهـــا ومضمونها ومادتها معاً, وفي رأي (هيجل) فإن المهمة الرئيسة للموسيقى لا تكمن، في تصوير الأشياء الواقعية، بل في موسقة الأنا الداخلي الحميم، وبواطنه العميقة، وذاتيته الفكرية, وفي هذا الإطار يحرص على ان يقول لنا ان الموسيقى لا تكتفي بأن تعبّــر عن النفس بل هي تخاطب النفس ايضاً لأنها من حيث تعريفها الفن الذي تستخدمه النفس للتأثير على النفوس.
اما (سوزان لانجر) فإنها ترى ان المضمون الموسيقي كثيرا ما يتيح للموسيقار فرصة التعبير عن المشاعر والعواطف في وقت واحد وبذلك تكون الموسيقى لغة فنية جمالية تستطيع من خلالها التعبير ولا يستطيع أي من الفنون ان يعبر مثلها، وعن تفسيرها لموضوع الشكل والصورة.
لكن (سوزان لانجر) تضيف في تفسيرها للشكل والصورة في فن الموسيقى بأنها أشكال معبرة عن جانب هام من الإنسان هو عالم الوجدان تعبر عنه، فالأنغام الموسيقية في نموها وصراعها وتوقفها وسرعتها تماثل ما يجري في باطن الإنسان من مشاعر ووجدانات.
ويمكن أن تكون الموسيقى في هذا المعنى تجسيدا لحياة الوجدان، وتشكيلا يرمز لما يجري في باطن الإنسان من انفعالات، ولكنها ليست تعبيرا مباشرا عن انفعالات الإنسان ووجدانه، وإنما هي تشكيل لتصوراته عن هذه الانفعالات، يمكن تأمله ويمكن أن يكون مشتركا بين الفرد وغيره من أفراد المجتمع، وبذلك ينطوي الفن على قيمة معرفية مصدرها أن الانفعال يتحول إلى موضوع يمكن فهمه وله تصوراته ومعناه.
ففي فن الموسيقى نجدها تتحدث عن جانب مهم من جوانب الإنسان ألا وهو عالم الوجدان فان الأنغام الموسيقية في بناءها اللحني وتراكيبها الإيقاعية وصراعاتها الجمالية تمثل ما في باطن الإنسان من مشاعر وأحاسيس تنقل لنا خبرة ذات قيم جمالية وفنية.
بينما يرى (روسو) ان موسيقى الآلات كانت تحتل في مذهبه الجمالي مكانه ثانوية ولذالك يقول اذا لم تكن الموسيقى قادرة على التصوير إلا باللحن ومنه تستمد كل قوتها فانه يترتب على ذلك ان كل موسيقى غير غنائيه مهما كان من توافقيها ليست الا موسيقى من النوع المحاكي ولا تستطيع بهارمونيتها الجميلة ان تؤثر بالنفس([5])
ويرى الفيلسوف (عدس) أن تدريس الفنون بأنواعها هو عامل له أثره وفاعليته في الإصلاح التربوي، وهو يرى أن الفنان قادر أن يصوغ من مختلف أنواع الألوان والأشكال المجردة نماذج بهيجة حية تأسر القلوب وتذهل العقول، وقادر على أن يخلق من الأنغام الموسيقية جواً مختلفاً وحالة نفسية متغيرة، قد تبعث على الفرح والسرور، وقد تثير الحنق أو تثير الحماسة, إن تأثير الموسيقى أقوى وأعمق من تأثير الفنون الأخرى، إذ أن هذه الفنون الأخرى لا تتحدث إلا عن مظاهر في حين أن الموسيقى تتحدث عن الشيء " في ذاته "، بل ذهب ماريني إلى أن الموسيقى تعبر عن سرورنا، وأننا من خلال الغناء والموسيقى والرقص ننقل إلى المستمع أو المشاهد المستمع صورة حياتنا الباطنية، وإذا كان الكلام لغة العقل فالموسيقى لغة الشعور والوجدان، وما كان لعلم النفس أن يشهد لهذه الظاهرة الموسيقية والكشف عن أسرار المتعة الموسيقية وفهم الجوانب الهامة من التأثيرات السلوكية في ضبط السلوك الإنساني وتوجيهه وتطويره، ووحدة الجوانب الروحية والعقلية والجسمية والانفعالية في تكوين سلوك الأفراد وتطويره، مثلما يتوقف توجيه السلوك عن طريق الكلام كذلك يتوقف نوعية السلوك الجيد أو الغير جيد عن طريق الموسيقى، بل ذهب القديس مارتن لوثر إلى أبعد من ذلك إذ اعتبر الموسيقى من أرقى الفنون وبأن أصواتها تحكي كلمات الحياة، وأن من يكون كفؤا لهذا الفن هو إنسان طيب يصلح لكل المهام الأخرى في الحياة.
[1])) عدنان رشيد, دراسات في علم الجمال , ص269.[2])) راوية عبد المنعم عباس، الحس الجمالي و تاريخ الفن ، ص 57
[3])) سيد شحاتة,علم جمال الموسيقى , ص129
[4])) جيزيل بروليه, جماليات الابداع الموسيقي, ترجمة: فؤاد كامل, ص141
[5])) سيد شحاتة، المصدر السابق،ص227ص229