سيكون كفيفا دعت له أمه بشعر رأسها من يريد عبور الجسر على يد " منجي"، فالحقيقة أنه سيبصر؛ فهذا أسهل له بعدما يتردد به منجي ساعة ذهابا وعودة كل خطوتين فور الإحساس بصوت سيارة قادمة على بعد خمسين مترا. صديقنا يعاني فوبيا الحوادث، هو يخاف الغرق؛ لهذا لم يتعلم العوم ولم يبلبط في الترع معنا، ويخاف عبور الشوارع المزدحمة؛ لهذا لم يلعب معنا " الاستغماية" ليخلع ملابسه ويجري متقافزا حتى من فوق ظهور الحيوانات التي قد تقطع عليه الطريق، وياويل المريض الذي ذهب ليشتري له "منجي" الدواء ...، وإن شاء الله سوف نتعشى لو بعثناه يحضر لنا الإفطار. لكن صديقنا " منجي" هو فاكهة الشلة؛ فذهنه يسرح كثيرا ويعود فجأة وهذا كان منبعا لفكاهات كثيرة تحدث بفعل المفارقة أحيانا أو ادعاء أنه معك وهو بعيد أحيانا أخرى. كان لو تركنا ذهبنا إليه، ولو "قُمِص" من مقالبنا وانطوى على نفسه ودخل حجرته وأغلق الباب، اشتعلت الشقة مهرجانات تكسر الحوائط وتضج منها المنافذ حتى يخرج صارخا: " فضحتونا يا حَوَش البلاد، يا حلب" فنحيط بيه ونتعلق برقبته صائحين " هيييييييييييييييييييه" فيبتسم ويقول - : أنا تعملوا فيا المقلب دا وتخلوا الصيدلي يسخر من طلبكم ومني ؟ ونرد ضاحكين
- طب هيّة الصيدلية فيها حلاوة " هولظ" ولمبات غاز نمرة 10؟.
غير أن صديقنا ظل حزينا لأنه لم يدخل كلية الطب، فهو رغم شطارته في الأحياء والكيمياء وحبه الشديد لهما، كانت الرياضيات بالنسبة له حائطا لا سبيل لاختراقه؛ مما جعل مدرس الرياضيات في الأول الثانوي ينصحه قائلا: يا منجي، أنت شاطر في الإنجليزي، ادخل أدبي، لأني لو قابلتك في علمي أنا من سأحول وأدرّس تدبير منزلي.
كان منجي يعرف أن الأستاذ على حق، وهو أيضا على حق فهو حاول كثيرا أن يعرف ما ذا تعني 2س+3ص تساوي صفرا، وما فائدة هذه المشكلات المفتعلة؟ لم يفهم ولم يقتنع فكله كلام نظري، كما أنه كان يسأل ما دام يمكن القياس بالمتر والزاوية على الطبيعة فما فائدة أن أظل ساعتين أثبت أن المثلث متساوي الأضلاع متساوي الزاويا؟ وكان يرى أن معلمي الرياضيات ناس متعنتين هوايتهم أن يحذفوا من المسائل جزءاً لا يحذف أبدا في الواقع ويصنعون منه قضية لتعقيده! والحقيقة أنه سأل كثيرا، ولكن حتى المدرسين لم يجيبوه؟ مما أصابه بفقدان الاهتمام والتخاذل أمام هذا الفرع من العلوم والذي أدرك قيمته بعد فوات الأوان بكثير.... لكن ظل صديقي
يتابع الجديد في الكيمياء والأحياء، ورغم أنه درس التجارة بعد تقسيم الأنصبة عن طريق مكتب التنسيق، ظل متعلقا بالطب والأدوية حتى أنه بشهادة دكتور مرة قال له، عندك معلومات عن تداخلات الأدوية وسريريات الأمراض والأدوية لاعندي ولا عند نصف الأطباء يا أستاذ منجي.
ظل صاحبنا راضيا بالتسكع حول مدينة أحلامه حتى جاء أول فبراير 2020، حين فاجأه ابنه بأن قال له
- بابا عندي امتحان
- ربنا يسهل لك
- عايزك تساعدني
- فيه حاجة أعرفها وانت مش فاهما
- مش دا المهم
- ما المهم إذن
- المهم عايزك تقعد معاي وانا بامتحن وتفتح جوجل
- ازاي يا ابني داغش ومين قال أقدر أدخل اللجنة أصلا
- يا بابا احنا هنمتحن في البيت ع التابلت
- في البيت ازاي يعني ؟
- هو النظام الجديد كده
- أول مرة أشوف طالب يمتحن وأمه تراقب عليه! أمّال مطلعين دين أبويا ليه في الدروس طول السنة؟ وايه فايدة الامتحان دا أصلا؟
- بابا، الدنبا اتغيرت... ليه تشيل في دماغك لما ممكن تشيل في الفضا والا في فلاشة؟
دارت رأس منجي، وجلس يسأل حقا ما جدوى التوجيهية ومكتب التنسيق والجامعات والأساتذة والشهادات الممهورة بالأختام، وكل شيء على جوجل؟ وراح فورا يبحث على جوجل عن كل فديوهات الجراحات، ثم حملها على جهازه، وبعد الفرجة على كل أنواع الجراحات؛ قرر أن يختار التخصص في أخطرها، وبعد المفاضلة بين القلب والمخ والأعصاب؛ إختار الأخيرة، فقد رأى الأستاذ "منجي" من خلال خبرته أن أي مصري يمكن أن يتعلم إجراء جراحة بواسير أو زائدة أو خلع ضرس... والتميز يكون في التخصص الدقيق.
قابلت منجي مشكلة كيف يمارس المهنة؟ ومن المريض الذي سيكون بمثابة الإعلان له..؟ رد على نفسه ولماذا الرخص أصلا؟ والمصريين معظمهم يجبرهم المجبراتي، ويخلع لهم الضروس ويطاهر أبناءهم الحلاق، وتسحب لهم الشمس جداتهم، ويكوي لهم العروق النازفة الأجداد، ويفتي لهم في ثغرات القانون المجرمون...
- لكن هذا المخ يا منجي؟
- هي مرة واحدة، وبعدها حتى لو طاردته نقابة الأطباء فسيجرى وراءه المرضى، لكن من أين تجيء تلك المرة ...
راح منجي يحدث من يظن فيهم الاستماع إلى ما يدور في خاطره، بعضهم ظن به الجنون، وبعضهم كان يجامله في الكلام معتبرا ما يدور نوع من التسالي...
حتى جاء اليوم، وهو يجلس بين أصدقائه.
دخل ابنه وهو يلهث ويصيح
- الحق يا بويا، أ مي وقعت على رأسها وراحوا بيها المستشفى
- إزاي يا ابن الكلب
- والله، ما لي ذنب، أنا دخلت من برة بعد ما لعبت كرة في الشارع حفيان لإنك مستخسر تشتري لي كاوتش، أمي كانت تغسل سيراميك الأرضية، زعقت ورمت علي دماغي الجردل والمسّاحة، وجرت وهي تزعق؛ فوقعت على دماغها فانفتحت..
قام منجي يجري وخلفه من بالجلسة، لكنه في نفسه كان يتمنى شيئا آخر ويعد الخطة.
- طب هيّة الصيدلية فيها حلاوة " هولظ" ولمبات غاز نمرة 10؟.
غير أن صديقنا ظل حزينا لأنه لم يدخل كلية الطب، فهو رغم شطارته في الأحياء والكيمياء وحبه الشديد لهما، كانت الرياضيات بالنسبة له حائطا لا سبيل لاختراقه؛ مما جعل مدرس الرياضيات في الأول الثانوي ينصحه قائلا: يا منجي، أنت شاطر في الإنجليزي، ادخل أدبي، لأني لو قابلتك في علمي أنا من سأحول وأدرّس تدبير منزلي.
كان منجي يعرف أن الأستاذ على حق، وهو أيضا على حق فهو حاول كثيرا أن يعرف ما ذا تعني 2س+3ص تساوي صفرا، وما فائدة هذه المشكلات المفتعلة؟ لم يفهم ولم يقتنع فكله كلام نظري، كما أنه كان يسأل ما دام يمكن القياس بالمتر والزاوية على الطبيعة فما فائدة أن أظل ساعتين أثبت أن المثلث متساوي الأضلاع متساوي الزاويا؟ وكان يرى أن معلمي الرياضيات ناس متعنتين هوايتهم أن يحذفوا من المسائل جزءاً لا يحذف أبدا في الواقع ويصنعون منه قضية لتعقيده! والحقيقة أنه سأل كثيرا، ولكن حتى المدرسين لم يجيبوه؟ مما أصابه بفقدان الاهتمام والتخاذل أمام هذا الفرع من العلوم والذي أدرك قيمته بعد فوات الأوان بكثير.... لكن ظل صديقي
يتابع الجديد في الكيمياء والأحياء، ورغم أنه درس التجارة بعد تقسيم الأنصبة عن طريق مكتب التنسيق، ظل متعلقا بالطب والأدوية حتى أنه بشهادة دكتور مرة قال له، عندك معلومات عن تداخلات الأدوية وسريريات الأمراض والأدوية لاعندي ولا عند نصف الأطباء يا أستاذ منجي.
ظل صاحبنا راضيا بالتسكع حول مدينة أحلامه حتى جاء أول فبراير 2020، حين فاجأه ابنه بأن قال له
- بابا عندي امتحان
- ربنا يسهل لك
- عايزك تساعدني
- فيه حاجة أعرفها وانت مش فاهما
- مش دا المهم
- ما المهم إذن
- المهم عايزك تقعد معاي وانا بامتحن وتفتح جوجل
- ازاي يا ابني داغش ومين قال أقدر أدخل اللجنة أصلا
- يا بابا احنا هنمتحن في البيت ع التابلت
- في البيت ازاي يعني ؟
- هو النظام الجديد كده
- أول مرة أشوف طالب يمتحن وأمه تراقب عليه! أمّال مطلعين دين أبويا ليه في الدروس طول السنة؟ وايه فايدة الامتحان دا أصلا؟
- بابا، الدنبا اتغيرت... ليه تشيل في دماغك لما ممكن تشيل في الفضا والا في فلاشة؟
دارت رأس منجي، وجلس يسأل حقا ما جدوى التوجيهية ومكتب التنسيق والجامعات والأساتذة والشهادات الممهورة بالأختام، وكل شيء على جوجل؟ وراح فورا يبحث على جوجل عن كل فديوهات الجراحات، ثم حملها على جهازه، وبعد الفرجة على كل أنواع الجراحات؛ قرر أن يختار التخصص في أخطرها، وبعد المفاضلة بين القلب والمخ والأعصاب؛ إختار الأخيرة، فقد رأى الأستاذ "منجي" من خلال خبرته أن أي مصري يمكن أن يتعلم إجراء جراحة بواسير أو زائدة أو خلع ضرس... والتميز يكون في التخصص الدقيق.
قابلت منجي مشكلة كيف يمارس المهنة؟ ومن المريض الذي سيكون بمثابة الإعلان له..؟ رد على نفسه ولماذا الرخص أصلا؟ والمصريين معظمهم يجبرهم المجبراتي، ويخلع لهم الضروس ويطاهر أبناءهم الحلاق، وتسحب لهم الشمس جداتهم، ويكوي لهم العروق النازفة الأجداد، ويفتي لهم في ثغرات القانون المجرمون...
- لكن هذا المخ يا منجي؟
- هي مرة واحدة، وبعدها حتى لو طاردته نقابة الأطباء فسيجرى وراءه المرضى، لكن من أين تجيء تلك المرة ...
راح منجي يحدث من يظن فيهم الاستماع إلى ما يدور في خاطره، بعضهم ظن به الجنون، وبعضهم كان يجامله في الكلام معتبرا ما يدور نوع من التسالي...
حتى جاء اليوم، وهو يجلس بين أصدقائه.
دخل ابنه وهو يلهث ويصيح
- الحق يا بويا، أ مي وقعت على رأسها وراحوا بيها المستشفى
- إزاي يا ابن الكلب
- والله، ما لي ذنب، أنا دخلت من برة بعد ما لعبت كرة في الشارع حفيان لإنك مستخسر تشتري لي كاوتش، أمي كانت تغسل سيراميك الأرضية، زعقت ورمت علي دماغي الجردل والمسّاحة، وجرت وهي تزعق؛ فوقعت على دماغها فانفتحت..
قام منجي يجري وخلفه من بالجلسة، لكنه في نفسه كان يتمنى شيئا آخر ويعد الخطة.