2. الجنس كرهان للبحث في السوسيولوجيا المغربية:
إن الفرق الشاسع بين الباحث السوسيولوجي بالمغرب والباحث السوسيولوجي بالغرب ، هو أن الأول يعيش صراعا بين علمية السوسيولوجيا والدين ، ويصطدم بالسلطة السياسية نتيجة لقرار من فوق السلطة كخاضع وليس من الواقع الميداني (كمحلل للظواهر الاجتماعية) ، والثاني إثر التمدن والتطور والعولمة والتصنيع... نظرا لفصل الدين عن الدولة.
إن طرح الجنس في السوسيولوجيا المغربية جاء كإدراج علمي ، موضوعي ، الغاية منه توضيح الصورة الحقيقية حول كيفية تدبير العلاقات الأسرية وحقوق المرآة والظواهر الجنسية المختلفة التي يتصادم معها انسان اليوم.
ـ نموذج عبد الكبير الخطيبي :
حاول الخطيبي في كتاباته حول الهويات الثقافية المتعددة بالمغرب ، من خلال قراءاته التفكيكية أن يسلط الضوء على علاقة النوع بالهوية ، وذلك في كتابه "نمط الجسد المتحول جنسيا والخنثوية" ، وكذلك من خلال كتاباته التي اتجه فيها إلى تفسير الممارسات الجنسية في بعض الطرق الصوفية[1] ، التي تقوم على اتخاذ اللواط كشكل من أشكال نقل المقدس ، خصوصا في مؤلفه "كتاب الدم" ، الذي اتجه من خلاله إلى الحفر في تاريخ الجنسانية في المغرب ، خصوصا في الأماكن التي يختلط فيها الجنس بالمقدس الديني.
ـ نموذج فاطمة المرنيسي :
تَعتبر فاطمة المرنيسي المرأة قوة هدامة للنظام الاجتماعي ، إما لكونها فعالة تبعاً للإمام الغزالي أو سلبية في رأي فرويد. فقد أنتج هذان النظامان أشكالاً مختلفة من التوتر بين الهندسة الاجتماعية والحياة الجنسية[2] ، بحيث هوجم الجنس في التجربة الفرويدية للغرب المسيحي وعُد حقيرا لارتباطه بالحيوانية وحكم عليه بأنه مضاد للحضارة ، ولذلك انقسم الفرد إلى شطرين متناقضين : الروح والجسد. وبهذا المعنى فإن انتصار الحضارة يعني ضمنيا انتصار الروح (المعتقد) على الجسد (الطبيعة) ، ومن ثم الفكر على الجنس.
وبالنظر في تصور الغزالي يتضح أن المجتمع الإسلامي ينقسم إلى قسمين : فئة تنتج المعرفة وتطلبها كطريقة لعبادة الله وطاعته ، وفئة أخرى تُستهلك من طرف هذه الفئة المنتجة ثقافيا وتتكوَن من النساء. كل ذلك يشكل تناقضا مع روح الرسالة الإسلامية التي تحث على المساواة بين المؤمنين إلا بدرجة تقواهم (عبادتهم).
من هنا تختلف النظرية الإسلامية جذرياً عما نجده في المجتمع المسيحي كما صوره فرويد في التحليل النفسي. فالحضارة بالنسبة له حرب ضدّ الجنس. والحضارة في النظرية الإسلامية نتيجة لإشباع هذه الطاقة ، فليس الأمر نتيجة لحرمان جنسي ، أكثر مما هو نتيجة لممارسة جنسية مشبعة ومؤطرة.
وقد نهجت المجتمعات الإسلامية نهجاً مخالفاً للنهج المسيحي ، بحيث لم تهاجم حياة الانسان الجنسية ، بل هاجمت المرأة كتجسيد ورمز للفوضى والفتنة ، والتجسيد الحي لأخطار الجنس وطاقته الهدامة بلا حدود في السيطرة على الفرد.
فالمرأة هي تحقيق لأهداف محدّدة تتلخص في تزويد العالم بالذرية والنسل وإطفاء الرغبات التي توقدها الغريزة الجنسية ، فلا يعقل أن توضع موضَع عاطفة أو محط اهتمام مفرد ، لأن العاطفة والاهتمام يسخران لله وحده ، لأن في ذلك تنقيص وتنكيل من قدرتها وعطائها ككائن بشري عاقل.
ـ نموذج عبد الصمد الديالمي :
يندرج خطاب الجنس بالمغرب حسب السوسيولوجي المغربي عبد الصمد الديالمي ضمن سوسيولوجيا علمية وحداثية قادرة على تطوير ودراسة هذا الحقل المعرفي ، بجعل قضية المرأة شرطا ضروريا لكل تنمية تدعو إلى المساواة بين الجنسين للقضاء على كل نزعة أبيسية ترى في المرأة عائقا أمام التطور والتقدم.
إن كتابات الديالمي حول الجنسانية في بالمغرب هي إدراج علمي يرغب من خلاله تجاوز كل الصور المغلوطة حول تدبير الأمور المتعلقة بالجانب الجنسي ، والقدوم بخطوات جريئة لا تخضع للحدود الأخلاقية المحتشمة ، فهي تخرج موضوع الجنس من الفعل السلوكي كوطء وإنجاب ، إلى تقديمه كميدان لدراسة علمية واقتصادية تقارب كل الظواهر الجنسية التي تبدو للمجتمع شاذة ، تحمل المرأة المسؤولية الكاملة في إفرازها من خلال استعمال مفاهيم أخلاقية وتبريرية.
في كتابه "المرأة والجنس في المغرب" يطرح الديالمي ثلاث تساؤلات اجتماعية تاريخية مجملة كالأتي :
1 ـ ما موقف الإسلام من الجنس؟
2 ـ ما موقف السلطة من الجنس؟
3 ـ ما موقف الشباب المثقف من الجنس؟
إنها تساؤلات مشروعة في مجتمع يدعي الديمقراطية وحرية التعبير والانفتاح... وفي هذا الصدد يرد الديالمي على منتقديه في كتابه "نحو ديمقراطية جنسية إسلامية" قائلا : "يصطدم الانتقال إلى عهد جنسانية جديدة بمقتضيات الإسلام السائد كما حددها فقهاء سائدون. لأولئك الفقهاء تموقعات ومصالح اجتماعية تدفعهم لا شعوريا إلى إنتاج إسلام ذكوري بشكل تقليدي..."[3].
فالإشكالية الجنسانية كرهان للبحث في المغرب ـ والوطن العربي ـ لا تقف عند هذا الحد من التطرف إذا صح التعبير ، بمعنى اصطدام البحث حول الجنس بالإسلام والسلطة ، بل يتجاوزهما إلى الكيفية التي يتم بها تناول المثقف ـ الباحث ـ لهذه الظواهر الاجتماعية في شقها الجنساني الطابوي. وبهذا المعنى يعتبر الديالمي كلا من : فاطمة المرنيسي ، إدريس الشرايبي ، نوال السعداوي ، مالك شبل ، الطاهر لبيب... منفعلين وذو خطاب ساخن[4] ، من خلال طرحهم للظواهر الجنسية كخطاب شعبي أدبي ، لا كخطاب علمي نظري وابستمولوجي.
وفي دراسته للعمل الجنسي يرفض الديالمي كل التسميات والمفاهيم التي تحط من مكانة المرأة (العاملة جنسية) لذلك على الباحث أن يتعامل مع الظاهرة بموضوعية ، حتى يضع قطيعة مع الحس المشترك والألفاظ المتداولة التي يستخدمها الإنسان العادي[5]. فإذا كان القانون المغربي يمنع استغلال الجنس لأهداف مادية وتجارية ؟ فكيف له أن يجرم البغاء ونقول بسياحة جنسية ؟ هل هذه السياحة الجنسية من السياسات العمومية التي لا تطرح نفسها في الرأي العام ؟ هل هي مشَجَعة رغم تجريمها ؟.
من خلال هذه المنطلقات يمكن التساؤل عن مصير امرأة عاطلة لها أطفال وفقيرة و/ أو أرملة... ليس لها مورد عيش ، بعض الفقهاء يؤمنون بإمكانية تواجد المرء أمام محظورين (الموت والجوع) ينبغي اختيار الأخف ضررا ، وهذا الواقع يصطدم وبقوة مع السياسات اللامهيكلة للدولة في ميدان الجنس ارتباطا بواقع معاش يدفعها لتجاوز الفقر والبطالة بفضل العمل الجنسي كعمل مأجور.
المراجع :
[1]. جريدة المشعل، مقال لمحمد سموني، نشر في فبراير يوم 20 - 04 – 2012.
[2] . فاطمة المرنيسي، "ماوراء الحجاب" الجنس كهندسة اجتماعية، المركز الثقافي العربي، ص : 22.
[3]. عبد الصمد الديالمي، "نحو ديمقراطية جنسية إسلامية" مطبعة أنفوبرانت فاس، الطبعة 1 ، 2000، ص : 7.
[4]. عبد الصمد الديالمي، "القضية السوسيولوجية" إفريقيا الشرق، 1989، ص : 93.
[5]. عبدالصمد الديالمي، "سوسيولوجيا الجنسانية العربية"دار الطليعة بيروت، الطبعة الأولى، ص : 51.
إن الفرق الشاسع بين الباحث السوسيولوجي بالمغرب والباحث السوسيولوجي بالغرب ، هو أن الأول يعيش صراعا بين علمية السوسيولوجيا والدين ، ويصطدم بالسلطة السياسية نتيجة لقرار من فوق السلطة كخاضع وليس من الواقع الميداني (كمحلل للظواهر الاجتماعية) ، والثاني إثر التمدن والتطور والعولمة والتصنيع... نظرا لفصل الدين عن الدولة.
إن طرح الجنس في السوسيولوجيا المغربية جاء كإدراج علمي ، موضوعي ، الغاية منه توضيح الصورة الحقيقية حول كيفية تدبير العلاقات الأسرية وحقوق المرآة والظواهر الجنسية المختلفة التي يتصادم معها انسان اليوم.
ـ نموذج عبد الكبير الخطيبي :
حاول الخطيبي في كتاباته حول الهويات الثقافية المتعددة بالمغرب ، من خلال قراءاته التفكيكية أن يسلط الضوء على علاقة النوع بالهوية ، وذلك في كتابه "نمط الجسد المتحول جنسيا والخنثوية" ، وكذلك من خلال كتاباته التي اتجه فيها إلى تفسير الممارسات الجنسية في بعض الطرق الصوفية[1] ، التي تقوم على اتخاذ اللواط كشكل من أشكال نقل المقدس ، خصوصا في مؤلفه "كتاب الدم" ، الذي اتجه من خلاله إلى الحفر في تاريخ الجنسانية في المغرب ، خصوصا في الأماكن التي يختلط فيها الجنس بالمقدس الديني.
ـ نموذج فاطمة المرنيسي :
تَعتبر فاطمة المرنيسي المرأة قوة هدامة للنظام الاجتماعي ، إما لكونها فعالة تبعاً للإمام الغزالي أو سلبية في رأي فرويد. فقد أنتج هذان النظامان أشكالاً مختلفة من التوتر بين الهندسة الاجتماعية والحياة الجنسية[2] ، بحيث هوجم الجنس في التجربة الفرويدية للغرب المسيحي وعُد حقيرا لارتباطه بالحيوانية وحكم عليه بأنه مضاد للحضارة ، ولذلك انقسم الفرد إلى شطرين متناقضين : الروح والجسد. وبهذا المعنى فإن انتصار الحضارة يعني ضمنيا انتصار الروح (المعتقد) على الجسد (الطبيعة) ، ومن ثم الفكر على الجنس.
وبالنظر في تصور الغزالي يتضح أن المجتمع الإسلامي ينقسم إلى قسمين : فئة تنتج المعرفة وتطلبها كطريقة لعبادة الله وطاعته ، وفئة أخرى تُستهلك من طرف هذه الفئة المنتجة ثقافيا وتتكوَن من النساء. كل ذلك يشكل تناقضا مع روح الرسالة الإسلامية التي تحث على المساواة بين المؤمنين إلا بدرجة تقواهم (عبادتهم).
من هنا تختلف النظرية الإسلامية جذرياً عما نجده في المجتمع المسيحي كما صوره فرويد في التحليل النفسي. فالحضارة بالنسبة له حرب ضدّ الجنس. والحضارة في النظرية الإسلامية نتيجة لإشباع هذه الطاقة ، فليس الأمر نتيجة لحرمان جنسي ، أكثر مما هو نتيجة لممارسة جنسية مشبعة ومؤطرة.
وقد نهجت المجتمعات الإسلامية نهجاً مخالفاً للنهج المسيحي ، بحيث لم تهاجم حياة الانسان الجنسية ، بل هاجمت المرأة كتجسيد ورمز للفوضى والفتنة ، والتجسيد الحي لأخطار الجنس وطاقته الهدامة بلا حدود في السيطرة على الفرد.
فالمرأة هي تحقيق لأهداف محدّدة تتلخص في تزويد العالم بالذرية والنسل وإطفاء الرغبات التي توقدها الغريزة الجنسية ، فلا يعقل أن توضع موضَع عاطفة أو محط اهتمام مفرد ، لأن العاطفة والاهتمام يسخران لله وحده ، لأن في ذلك تنقيص وتنكيل من قدرتها وعطائها ككائن بشري عاقل.
ـ نموذج عبد الصمد الديالمي :
يندرج خطاب الجنس بالمغرب حسب السوسيولوجي المغربي عبد الصمد الديالمي ضمن سوسيولوجيا علمية وحداثية قادرة على تطوير ودراسة هذا الحقل المعرفي ، بجعل قضية المرأة شرطا ضروريا لكل تنمية تدعو إلى المساواة بين الجنسين للقضاء على كل نزعة أبيسية ترى في المرأة عائقا أمام التطور والتقدم.
إن كتابات الديالمي حول الجنسانية في بالمغرب هي إدراج علمي يرغب من خلاله تجاوز كل الصور المغلوطة حول تدبير الأمور المتعلقة بالجانب الجنسي ، والقدوم بخطوات جريئة لا تخضع للحدود الأخلاقية المحتشمة ، فهي تخرج موضوع الجنس من الفعل السلوكي كوطء وإنجاب ، إلى تقديمه كميدان لدراسة علمية واقتصادية تقارب كل الظواهر الجنسية التي تبدو للمجتمع شاذة ، تحمل المرأة المسؤولية الكاملة في إفرازها من خلال استعمال مفاهيم أخلاقية وتبريرية.
في كتابه "المرأة والجنس في المغرب" يطرح الديالمي ثلاث تساؤلات اجتماعية تاريخية مجملة كالأتي :
1 ـ ما موقف الإسلام من الجنس؟
2 ـ ما موقف السلطة من الجنس؟
3 ـ ما موقف الشباب المثقف من الجنس؟
إنها تساؤلات مشروعة في مجتمع يدعي الديمقراطية وحرية التعبير والانفتاح... وفي هذا الصدد يرد الديالمي على منتقديه في كتابه "نحو ديمقراطية جنسية إسلامية" قائلا : "يصطدم الانتقال إلى عهد جنسانية جديدة بمقتضيات الإسلام السائد كما حددها فقهاء سائدون. لأولئك الفقهاء تموقعات ومصالح اجتماعية تدفعهم لا شعوريا إلى إنتاج إسلام ذكوري بشكل تقليدي..."[3].
فالإشكالية الجنسانية كرهان للبحث في المغرب ـ والوطن العربي ـ لا تقف عند هذا الحد من التطرف إذا صح التعبير ، بمعنى اصطدام البحث حول الجنس بالإسلام والسلطة ، بل يتجاوزهما إلى الكيفية التي يتم بها تناول المثقف ـ الباحث ـ لهذه الظواهر الاجتماعية في شقها الجنساني الطابوي. وبهذا المعنى يعتبر الديالمي كلا من : فاطمة المرنيسي ، إدريس الشرايبي ، نوال السعداوي ، مالك شبل ، الطاهر لبيب... منفعلين وذو خطاب ساخن[4] ، من خلال طرحهم للظواهر الجنسية كخطاب شعبي أدبي ، لا كخطاب علمي نظري وابستمولوجي.
وفي دراسته للعمل الجنسي يرفض الديالمي كل التسميات والمفاهيم التي تحط من مكانة المرأة (العاملة جنسية) لذلك على الباحث أن يتعامل مع الظاهرة بموضوعية ، حتى يضع قطيعة مع الحس المشترك والألفاظ المتداولة التي يستخدمها الإنسان العادي[5]. فإذا كان القانون المغربي يمنع استغلال الجنس لأهداف مادية وتجارية ؟ فكيف له أن يجرم البغاء ونقول بسياحة جنسية ؟ هل هذه السياحة الجنسية من السياسات العمومية التي لا تطرح نفسها في الرأي العام ؟ هل هي مشَجَعة رغم تجريمها ؟.
من خلال هذه المنطلقات يمكن التساؤل عن مصير امرأة عاطلة لها أطفال وفقيرة و/ أو أرملة... ليس لها مورد عيش ، بعض الفقهاء يؤمنون بإمكانية تواجد المرء أمام محظورين (الموت والجوع) ينبغي اختيار الأخف ضررا ، وهذا الواقع يصطدم وبقوة مع السياسات اللامهيكلة للدولة في ميدان الجنس ارتباطا بواقع معاش يدفعها لتجاوز الفقر والبطالة بفضل العمل الجنسي كعمل مأجور.
المراجع :
[1]. جريدة المشعل، مقال لمحمد سموني، نشر في فبراير يوم 20 - 04 – 2012.
[2] . فاطمة المرنيسي، "ماوراء الحجاب" الجنس كهندسة اجتماعية، المركز الثقافي العربي، ص : 22.
[3]. عبد الصمد الديالمي، "نحو ديمقراطية جنسية إسلامية" مطبعة أنفوبرانت فاس، الطبعة 1 ، 2000، ص : 7.
[4]. عبد الصمد الديالمي، "القضية السوسيولوجية" إفريقيا الشرق، 1989، ص : 93.
[5]. عبدالصمد الديالمي، "سوسيولوجيا الجنسانية العربية"دار الطليعة بيروت، الطبعة الأولى، ص : 51.