إن القانون منتج ثقافي إذ يرتبط القانون بالأدب واللغة باستخدام مناهجه التفسيرية وعلم الدلالة فالمؤسسات تمنح الروح للمعنى القانوني مما ينتج عنه إشكالية اللفظ والمعنى باعتبار القانون لعبة لغوية .
ولقد مارس الحكيم نقداً ثقافياً في أعماله الأدبية من تداول السلطة والعدالة و الأدلة الجنائية مثل عودة الروح وبراكسا أو مشكلة الحكم وعودة الوعي ويوميات نائب في الأرياف ولذلك كانت أعمال الحكيم محل دراسة أدبية جمالية كالبنيوية وثقافية مثل المرأة والشباب والجندر والأسطورة والطبقة والقومية والدين إلا أن موضوع العدالة ومفهوم السلطة والقانون لم يكن محل بحث مستقل إنما بدراسة المضمون كما ورد في مسرح توفيق الحكيم 2-المسرحيات السياسية (986دوارة 12) وبذلك فقد مارس الحكيم نقداً ثقافياً للحالة الطبيعية للشعب (1993عتمان 6383107124133) ولقد ذكر مندور في مؤلفه مسرح توفيق الحكيم بأن مفهوم السلطة لدى توفيق الحكيم في عودة الروح هو نموذج الحكم المطلق ويرفض الديمقراطية الزائفة (ب ت 93).
فما تصور الحكيم لمفهوم القانون والسلطة وقصة العقد الاجتماعي في تخييله السياسي ؟
ولذا سيناقش الباحث موضوع الدراسة في ثلاثة محاور :
المحور الأول :علاقة القانون بالأدب .
المحور الثاني :مفهوم الحكيم لتجديد لعقد الاجتماعي والقانون .
المحور الأول :علاقة القانون بالأدب
قال الشاعر معروف الرصافي في قصيدته حكومة الانتداب :
عَلَم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف(669)
مما يدلل على أن الاستعمار أسس لفكرة الدستور وأن الفارق الاقتصادي الاجتماعي يسبب فجوة في دولة القانون بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات السائرة نحو التقدم بين شكلانية القانون الوضعي والبراغماتية القانونية الغربية .
لذا فمن الممكن قراءة القانون في السياق الاقتصادي الاجتماعي إذ يرتبط القانون باللغة من حيث تحديد معاني النحو وخاصة أدوات النحو مثل حروف الجر في دلالة الجملة القانونية وكذلك فإن المعنى مرتبط بالبلاغة مثل تقدير الحذف لغةً أو عقلاً وبالصياغة القانونية من حيث مثلاً خصائص النص القانوني ونحوه من أفعال الكلام وصيغها وكذلك بالمعاجم اللغوية وتطور المصطلح القانوني .
إلا أن المعايير القانونية باعتبار القانون يرتكز للمعيارية يعتبر عماد التفسير مما يحد من التفسير البياني النحوي اللغوي القانوني وإن المعيار القانوني السليم يرتكز على منعكساته على الانسان وحقوقه وحرياته العامة مما يولد صراع على الحقوق مثل حق السلطة وتناقضه مع الحق بالحرية وتناقضات حق المجتمع وحق الفرد خاصة في قضايا الاسرة .
إلا أن اللغة ما زالت تحظى باهتمام بالغ الأهمية إذ أن تفسير الحدث القانوني كان مصدر إبداع الفيلسوف لودفيك فتجنشتاين بإبداع فلسفة اللغة ونظرية الألعاب اللغوية الدلالية في مؤلفه تحقيقات فلسفية(2007: 32) والتي تطورت لنظرية الحجاج القانوني والبلاغة الجديدة لتيتكا وشاييم بيرلمان وما زالت الدلالة محور بحث الأصوليين والنحويين والقانونيين والنقاد والفلاسفة ولذا ذكر السيوطي في الاتقان في علوم القراّن قول الإمام الشافعي رضي الله عنه : (اللغة لا يحيط بها إلا نبي ) (394)وينظر الرسالة (42)والصاحبي (41).
وبالبناء عليه فإن القانون يرتبط باللغة في التفسير والمعنى القانوني ومن الممكن أن يستفيد القانوني من نظريات التفسير الأدبية الثقافية والجمالية إذ أن التفسير لعبة لغوية ثقافية وعادة ما يتوفر مصفوفة من المعاني لتفسيرات تختلف درجات تأويلها من المحكم للمتشابه وعلى الرغم من التقنين القانوني إلا أن المتعاملين به قد يفسروه بشكل خاطئ عن قصد أو دون قصد إذ أن التفسير مرتبط بثقافة القاضي الشخصية والعامة وتوجهاته السياسية والاجتماعية فالمؤسسات تمنح المعنى القانوني وفقاً للثقافة السائدة والمهيمنة باعتبار القانون بنى فوقية محكومة بالبنية التحتية مما يشكل وجه من أوجه النقد الاقتصادي للقانون وفق الجدلية المادية التاريخية الماركسية وإزاحة لدوغمائية النص القانوني وخاصة أن قصد المشرع غامض وقد يخالف القاضي حتى محاضر المناقشة البرلمانية للقانون والتي تبين قصد المشرع إذ قد يكون وجهة النظر نحو مشروع القانون لا القانون عند إصداره ولذا تتعدد مدارس تفسير القانون مثل المدرسة القصدية والأصلانية في التفسير الدستوري الأمريكي في مقاربة لتفسير بمنهج مقاصد الشريعة الاسلامية .
والخلاف التفسيري يضعنا أمام تأويلات لا يمكن اعتبارها تفكيكية ولا نهائية ويعوزها الحسم القانوني ومثال ذلك في التغيرات في تفسير النص الديني خاصة في شهادة المرأة وعملها السياسي وقضايا الأسرة والذي كان نتيجة التغيرات الثقافية والاقتصادية وتعتبر أزمة المعنى القانوني من الأمور المربكة قانونياً مما يطرح منهج التأويل الأدبي أو الهيرمونطيقيا والفينومونولوجيا كمناهج تفسيرية أدبية لثقافة القانونية .
وفي زمن العولمة فإن الصراع الايدلوجي الطبقي يتقهقر بانتقاد الحداثة وإصلاحها على غرار مدرسة فرانكفورت النقدية والتي تأثر توفيق الحكيم بمنهجها لتكوين رؤيته الأدبية (دوارة 135) إلا أن الحكيم يثير المشكلة ولا يضع لها حلولا في أعماله الأدبية مما عرضه للائحة إتهام بأنه عدو المرأة والبرلمان
الثقافة السائدة للمجتمع أوجدت تأويلات ترتبط بالمساواة والاختلاف والثقافة والتعددية وقضايا المرأة وتمكينها السياسي والأسرة فالصراع جندري ثقافي في راهنية العولمة وإن كان المجتمع العربي لم يحسم قضاياه القومية والدينية ولذا فالقانون نتاج الفكر والثقافة السائدة في المجتمع والتفاعلات الاجتماعية لتفسيره .
ولقد واجه تراثنا العربي ازمة المعنى واللفظ بالأدب والفقه حيث ذكر الجرجاني في أسرار البلاغة " أن الألفاظ خدم المعاني والمصرفة في حكمها وكانت المعاني هي المالكة سياستها المستحقة طاعتها فمن نصر اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن وجهته واحاله عن طبيعته وذلك مظنة الاستكراه وفيه فتح أبواب العيب والتعرض للشين "(1991 8 ).
وتبارى الفقهاء المسلمين لتهذيب الخلافات الفقهية(الفقه المقارن ) بالمناظرات العلمية التي اغنت الفقه والادب العربي ومنها رفع الملام عن الائمة الاعلام لشيخ الاسلام ابن تيمية ( 1328م-1263=728-661) والفقيه القاضي الفيلسوف ابن رشد الأندلسي (520-595 ه=1126-1198م) في مصنفه بداية المجتهد ونهاية المقتصد وذلك لمناقشة القواعد الاصولية وقواعد الترجيح الفقهي وفي الأدب والفكر نجد مصنف الامتاع والمؤانسة لابن حيان التوحيدي( 414-310)ه/1023-922م) وبخاصة في حوارياته بالجدل بين المعنى النحوي والمعنى المنطقي في مناظرة السيرافي ويونس بن متا .
إلا أن تناقضات الاجتهادات القضائية في دول العالم السائرة نحو التقدم لا زالت غامضة وخفية على الرغم من تجاوز عهد المذاهب بالتدوين القانوني وقد نجد ذلك جليا في الاجتهادات القضائية العربية ومثاله أحكام القضاء الدستوري بين المحكمة الدستورية الأردنية في قرارها الصادر بدستورية الغرامة الضريبية بحزيران لعام 2018 (غير منشور) والمصرية مثل القضية رقم 332 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية" و القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 90 لسنـة 21 ق " دستورية "(متاح على شبكة الانترنت ) والقاضي بعدم دستوريتها .
فلا يقتصر الاختلاف على نصوص القانون وانما يتعدى للاجتهادات القضائية التفسيرية وذلك لأن مصطلحات الحرية والعدالة والنظام العام والقصد الجرمي والالفاظ القانونية بالمجمل حمالة أوجه وتختلف مقدمات الحكم ونتيجته من قاضي لأخر لأن الانسان محمل بتوجهات وشعور كامن وبالنتيجة حتى النتائج العلمية الفيزيائية تختلف باختلاف الراصد مع وحدة الاداة .
و إن القانون ونقده انعكاس لحضارة المجتمع وثقافته ورقيه ودرجة الحريات العامة في اخلاقيات الحياة السياسية وعلاوة على ذلك مدى تشتت السلطة ومحايثتها باعتبار الحقيقة القضائية نسبية ورؤية ذاتية تصاغ بقالب موضوعي والرؤية الذاتية تتضمن الشعور الذي مركزه الدماغ البشري فالذاتي والموضوعي جناحان لطائر الرخ القانوني فالعدالة حلم البشرية الذي يرنو له الانسان ويبقى الانسان يتطلع للإيمان بالعدالة السماوية المطلقة للحد من خيبات الأمل من الوصول للعدالة.
ولبلوغ معنى محكم مطرد فلقد نص القانون على طرق الطعن غير العادية من التمييز واعادة المحاكمة والنقض بأمر خطي وتنظيم هيئات موسعة لتفسير النص القانوني وتحقيق جودة الاحكام القضائية وعدم جواز التجريم لمرتين بذات الوقت double jeopardy والوارد كمبدأ دستوري في كندا والمكسيك والولايات المتحدة الامريكية مما يترتب عليه جزاء الانهاء الاجرائي بعدم التجريم from proceeding prevented إذ أن النشاط القضائي نشاط تفسيري وتتوجه بعض الدول الى ايلاء التعيينات القضائية وخاصة في الدول المتقدمة اهتماما بالغ الاهمية لان القاضي يبعث الروح بالنص القانوني وفق لإدراكه القانوني .
إذ أن ذات الواقعة قد تمثل حقيقتين مزدوجتين لاتهامين او تأثيمين declaration de culpabilite double و يمكن اظهار trible ثلاثية من الحقائق أو تفكيك للحقائق ولذا فقد نصت القاعدة الرومانية التاريخية على ما يلي : No bis in idem وهذه القاعدة تحرم الاتهام المزدوج double incrimination وذلك لحماية الحقوق الفردية بمواجهة سلطة التجريم وقد تلجأ المحكمة لتعيين خبير لغوي وذلك في قضايا نادرة على افتراض أن القاضي مؤهل لغويا مثل الدعوى التي اقامها رئيس مجلس النواب السابق ضد مديرة مدرسة لمحاكمتها على لفظة "يا هملالي "حيث بين الخبير معناها مستشهدا بالشعر والنثر .
وإن تعيين الخبير اللغوي يكون وفق سلطة المحكمة التقديرية التي تتوخى العدالة وكذلك وجوب تعيين مترجم للأجانب وعلاوة على ذلك الاعتراف الدستوري باللغات للأقليات الوطنية فمثلا الغى الكيان الصهيوني العربية من اللغات الرسمية في دولة الاحتلال وكذلك ما يتعلق بعلم اللغة الجنائي أو الشرعي أو القانوني أو القضائي أو ما يعرف Forensic Linguistics وإن هذا المصطلح مجهول تماما في القضاء العربي وذلك وفق ما ذكر العربي في بحثه عن اللسانيات القضائية (2017 50) لأن هذه العلاقة واضحة بين النص الديني الاسلامي من القران والحديث النبوي واللغة العربية في إطار علم أصول الفقه ولذا فإن القضاة والمحامين يعلمون بها وفق منهج القدماء الأصولي .
ومن الجدير بالذكر إن هناك توجهات لبيان حركة القانون في الأدب نحو الطبقة والجنس والقومية والدين والامتياز الوظيفي والاقتصادي(2015 عمران الدراسات الثقافية 28110566 53) فمثلاً كيف يتم التعامل بالتعذيب مع الطبقات الاجتماعية المتدنية التي تمثل قاع المجتمع وهي الجماعات الهامشية وكيف تتعامل أجهزة العدالة مع الضحية وبذلك تزايدت عدد الروايات في الوطن العربي الخاصة بمواضيع حقوق الانسان والحريات العامة والأدب النسوي وما تأثير الأدب على العقوبات القصوى مثل الإعدام والتوجهات نحو مراكز الاصلاح والتأهيل وكذلك الإصلاح الاجتماعي فهل الأدب ثورة ضد الظلم أم تبرير للظلم؟ فوفق وجهة نظر الغامدي فإن الأدباء يصنعون الطاغية أم أن الأدب حق .
لقد تناول 30 عمل مسرحي شكسبيري تداول السلطة والعدالة الادلة الجنائية والتفسير القانوني الغامض لذا يعتبر شكسبير المؤلف الحقيقي لدستور الانكليزيوذلك عبر تشكيل الوعي الدستوري وتعلم القانون واللغة من خلال مسرحياته حيث استشهد بأعماله في ( 800) حكم قضائي أمريكي فالشعراء هم المشرعون غير المعترف بهم( Ost SHAKESPEARE. LA COMÉDIE DE LA LOI p167.1689 ) ومن ذلك استلهم منظرو العقد الاجتماعي أفكارهم لكل من روسو وهوبز ولوك وعلاوة على ذلك فإن أدباء انكلترا وفرنسا كانوا من البرلمانيين مثل جون استيورت ميل في مؤلفة الحكومة البرلمانية وكذلك عباس محمود العقاد في العديد من مؤلفاته ومنها السدود والقيودكسيرة ذاتية لسجنه بسبب عمله البرلماني وغرامشي المثقف العضوي في مؤلفه رسائل من السجن لذا فللأدباء مكانه خاصة منذ دولة المدينة الفاضلة .
ولذا يمكن اعتبار توفيق الحكيم شكسبير العرب القانوني حيث أن أعماله تعتبر روح الثورة المصرية لعام 1952و2011كما سنبين لاحقا ويتجلى النقد الثقافي القانوني في المسرح والرواية والشعر ويتضح ذلك بالأثار الادبية للأعمال العالمية مثل ديستوفيسكي وتولستوي والبيرتو كامي و بودلير و كافكا وفيكتور هيجو وموليير وعبدالرحمن منيف ونجيب محفوظ .
سرديات الحكم القضائي
الحكم القضائي يتضمن روايات مختلفة لترتيب احداث الزمن الماضي بتسلسل منطقي للوصول إلى حقيقة نسبية محكومة بقواعد قانونية واجرائية في إطار ثقافي لشخصية من يشكل السرد النهائي للقصة بحيث يستبعد واقعيا بعض الحقائق لغايات الحكم بالرد الكافي عليها صراحة أو ضمنا وبذلك فإن الحكم القضائي لا يتضمن الفصل بالحقوق فقط انما يتضمن أبعاد ثقافية واجتماعية ولذلك فالخطاب القضائي محمول بخبايا اجتماعية وسياسية وثقافية وهي جوهر الفقه القضائي المقارن التي تبين اختلاف الرؤى القضائية المقارنة .
وعليه فالخطاب القضائي يعبر عن بنية سردية وبلاغة خطابية قانونية في إطار من أخلاقيات النقاش وقواعده الإجرائية في سرد حر ومقيد ومن الأمثلة على هذه السرديات قصة العدالة والضحية والحرية ويتشكل السرد القضائي شكلانياً ووجيزاً أو تفسيرياً حجاجياً وتتشكل الحقائق بعملية انتقائية على أساس معقولية الأدلة ولذا يغدو القانون مجالا للسرد والسرد مجالا للقانون (p1 story- tellelling in judicial).
لغة السرد القضائي
ووفقا لمبدأ تعدد الاصوات فإن الدليل على ذلك تعدد مستويات اللغة في السرد القضائي إذ تظهر اللغة بعدد من المستويات مثل العامية كلغة الحوار القضائي لسرد المتهم والخصوم والشهود مثلا ولغة السارد الفصحى للقاضي والمحامي لذا فتظهر اللغة النهائية بلغة اخرى تعتمد على المنطق القضائي للأحداث معتمدة على خصائص نحوية بالوضوح والتماسك والتضام اللغوي المنطقي لتسلسل الأحداث والايجاز.
ومن مفارقات المحاكمات في العالم الثالث بلوغها حد التشاجرية ولا يكون التواصل القانوني بالغاً جدواه الا على مبدأ الفهم والإفهام والتواصل الفعال و استنادا لمبدأ تعدد الاصوات الذي استعير من الرواية والذي تحكمه اخلاقيات النقاش وفق القوانين الاجرائية إذ يختزل السرد القضائي الإقناع المعنوي كقوة ناعمة تعلن الحكم ويقع على عاتق السلطة التنفيذية الإقناع القسري بصحة الحكم القضائي ولذا يرتبط القانون باللغة وبالأدب و بأصول الكتابة والإلقاء بالمرافعة القانونية كالصحة الصوتية ولغة الجسد كمقاربة لفن التمثيل والخطابة والتفسير القضائي والرواية القانونية ونقد القانون بهدف إحداث تغيير ثقافي .
المحور الثاني :مفهوم الحكيم لتجديد لعقد الاجتماعي والقانون .
تجديد الحكيم للعقد الاجتماعي
تعتبر التجربة الانسانية تجربة سردية وبذلك فإن السرد تمثيل للأحداث والحقائق مع وجود اتصال زمني بينهما والتجربة السردية خيالية بتضمنها الأدوات الرئيسة للتفكير فالبنية السردية تشكل تصورات وعمليات التفكير والحجاج الذي نمارسه بوعي وعليه فإن تصورات العقد الاجتماعي لجان جاك روسو وهوبز وجون لوك هي تصورات سردية خيالية للحالة الطبيعية للحاكم والمحكوم وتصورات العلاقة بينهما .
فالسرد الدستوري ملحمة شعبية تسطرها روايات العقد الاجتماعي في مرحلة التعاقد الروائي للسكان السابقة على تشكيل الدستور ويسرد العقد الاجتماعي عند روسو قصة الإرادة العامة وهوبز السيادة ولوك الدولة كقاضي محايد و تشكيل الديمقراطية وفي إطار الروايات الحديثة فالعقد الاجتماعي في التخييل السياسي لرولز في مؤلفه العدالة كإنصاف يتمثل في مؤسسات ليبرالية منظمة ويجد الباحث تأثر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في رواية توفيق الحكيم عودة الروح إذ ذكر ذلك صراحة في اهدائه كتابه فلسفة الثورة لتوفيق الحكيم ووصفه بالأب الروحي لثورة 23 يوليو وهذا ما اعتبره عدد من المثقفين في ثورة يناير بأن كتابه عودة الوعي هو انجيل ثورة يناير وذلك على غرار كتاب روسو بالعقد الاجتماعي فيما يخص الثورة الفرنسية ولذا فإن الباحث يجد أن العقد الاجتماعي لتوفيق الحكيم ينقسم لمرحلتين :
اولا : التحرر من نير الاستعمار والاقطاع المملوكي لأسرة محمد علي باشا وعلاقة الدين بالدولة ويتمثل بروايته عودة الروح ومسرحية أهل الكهف وشمس النهار .
ثانيا :التحرر من الديمقراطية الزائفة والطبقية والانتقال للديمقراطية التشاركية والوعي الاقتصادي ويتمثل بمؤلفه عودة الوعي ومسرحياته براكسا الحكم أو مشكلة الحكم والسلطان الحائر وعصفور من الشرق وحضرة النائبة المحترمة .
ولذا فإن العقد الاجتماعي يرتبط بكل مرحلة يتشكل بها تحول دستوري مما يشكل تجديدا للعقد الاجتماعي وبذلك نجد أن الثورة الفرنسية انشغلت بتحولات عميقة من الجمهورية الفرنسية الأولى للخامسة وفي مصر تحولت من الملكية لعدد من الجمهوريات المتحولة مثل جمهورية عبد الناصر الأولى وجمهورية السادات الثانية ودواليك .
وتتصدر السردية الدستورية ديباجة الدساتير مثل الدستور الامريكي التي خطها جورج واشنطن والدستور المصري الجديد لعام 2014 الذي نثره الشاعر المصري سيد حجاب للإجابة على تساؤلات الهوية والتاريخ الانساني لمصر(لقاء على قناة يوتيوب متاح على الشابكة الالكترونية ) وكذلك اعلان استقلال فلسطين الذي نظمه الشاعر محمود درويش 1988.
وبالنتيجة فإن فلسفة الدولة وأصلها تستحوذ على الاعمال الكاملة لتوفيق الحكيم فالمسرح السياسي جزء من المسرح الاجتماعي وهو يشكل موضوع الثقافة والمجتمع المصري ففلسفة التعادلية في مؤلفه الذي يحمل ذات المسمى يوضح مذهب الحكيم بالفن والحياة لوضع ميزان بين السلطان والمجتمع بحيث تتوازن قوة الحاكم والمحكوم لتوليد حراك اجتماعي ايجابي فلا يبتلع الحاكم المحكوم وبذلك لا تطغى قوة على أخرى (تصدير ج 2عودة الروح 2)فالروح هي الثقافة والهُوية المصرية قلب واحد وإيمان في واحد ( ج2 :63) فالمعبود ذلك الرجل الذي تتمثل فيه كل عواطف الشعب وأمانيه ويكون رمزا (ج 2: 64) والرواية تستنهض المصري "الاجتماع في دمنا والحياة الاجتماعية طبيعة نشأت فينا من أجيال "(ج 2: 9)"أهل مصر شعب عريق فين 8 الاف سنة واحنا في وادي النيل "(ج 2: 8)وبذلك تتكرر لفظة الجماعة والشعب وضمير الجماعة و احنا ونحن والاشتياق للمكان ص(ج2 : 14) وتكون النهضة باسترداد الماضي باعتبار اساطير الحكيم منزوع منها المقدس لاستنهاض المصري "جئت اعيد لك الحياة "(ج 2 : 1).
إن النهوض بالفلاح هي الفكرة التي تستحوذ على الرواية فالفلاح لا يستريح (ج2 :22 )"انهض ...انهض ....يا أوزوريس "(ج 2 :1)وتحاول الرواية تفسير العلاقة بين البدوي والفلاح وايجاد تفسير جديد بخلاف النظرية الخلدونية (ج2 : 2625)وبذلك وجد عبد الناصر شخصيته الحقيقية بمحسن بطل عودة الروح فقوة مصر في القلب وقوة اوروبا بالعقل وإن العلم هو طريق التقدم المصري (ج 2: 55)
وبذلك فإن الحكيم يعالج دراميا التحرر من نير الاستعمار الانكليزي والاقطاع التركي ليصنع الشعب المصري اسطورته الجديدة وبهذا فإنه يعالج مرحلة الاستعمار باعتبار سرديته مقاومة ضد الاحتلال وبما استلزم توحد الشعب المصري بثورة 1919 للاصطفاف كروح واحدة مع مفجر الثورة مصطفى كامل وهي ثورة تحررية ليبرالية ضد الاستعمار الانكليزي وقد مثلت معظم أعمال توفيق الحكيم حتى مسرحياته الذهنية وانتج بعضها سينمائيا ومنها مسلسل عودة الروح في ست وعشرون حلقة تلفزيونية .(متاحة على الشابكة العنكبوتية )مما يجعل الرواية تشكل أدب الاستعمار المصري .
مفهوم الحكيم للقانون :
إن رواية يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم في بنيتها السطحية سيرة ذاتية لسحابات من الاحزان والالم الذاتي وبالنتيجة فإن البوح الأدبي بيومياته ينفث همومه المتصلة بالجريمة فهو محترق نفسيا بعذاباتها وتأوهاتها ولذا فإن كتابة الرواية لتداوي هذه النفس المحترقة مطلقا لها عنان الحرية لتكتب في ساعات الضيق (6 ) ويدلل على هذا الاحتراق النفسي شعوره بالتهاب وغصة الحلق حيث ان الغرائز الجرمية في الريف لا تنام مما يدلل على ارتفاع مستويات الجريمة ولذا يخرج من الجلسة محطم الاعصاب منفعلا (40) وأن الفلاح مسالم لا يرتكب جريمة إلا من مأجور (125).
الازدحام القضائي
ويبين الحكيم معاناة رجال العدالة بالعمل المتواصل مما يجعل المهني يصارع رسالة العدل بسبب تجشمه لعمل مهني شاق في بنية ثقافية ريفية ما زالت تفتقر لمقومات التنمية اجتماعيا وسياسيا وثقافيا فالفلاحين مكدسون كالذباب ولذلك يعمل النائب على كتابة الفقرات الشكلية للكشف عن الجثة من ديباجة و وصف للملابس والوجه والمكان (13) والشكاوى لا تنتهي (158).
إلا ان الرواية في النسق الثقافي المضمر تمثل رفضاً للهيمنة الثقافية من عناصر الثقافة القانونية المتركزة في دور القضاة والمحامين وتبعية القضاء ونقده للبنية العميقة للسلطة بحيث يسعى لتمكين الجماعات الهاشمية من التمرد والعمل على كسر التراتبية الهرمية الاجتماعية التي تمكن المجموعات الثقافية المهيمنة من احتواء المهمش .
إذ أن القانون لا يوظف للتغيير الاجتماعي بما فيه النفع العام إنما للهيمنة على معايير اجتماعية تكرس لصالح القابضين على السلطة وبذلك يفسر القانون من ناحية الثقافة المهيمنة وقمع الجماعات المهمشة بحيث يخلق انماط مستقرة للسلوك والمواقف الاجتماعية لمصلحة السلطة إذ أن القضاء في نسقه الثقافي المضمر بنية داخلية في بنية النظام العامة الشكلية باعتبار القانون شكلاني وضعي يرتبط بقوة معنوية قضائية وقوة مادية قادرة على تنفيذه بالقوة وهذا ما يبين مدى التقارب بين غرامشي وتوفيق الحكيم المثقف المشتبك والمعبر عن تطلعات الشعب المصري .
كما يبين مكانة المرأة في المجتمع فالمرأة تولد كالجاموسة (106) والسفسطة(89 )هي البديل عن الحجاج القانوني وكيف يُوظف القانون لخدمة السلطة (88 )فالقانون يخدم السلطة والاغنياء (83).
وهذا ما نجده في قراءة توفيق الحكيم في البحث عن نظام الحكم الديمقراطي الحر غير الزائف وغير المستبد ورفض الصراعات الحزبية للمصالح الشخصية الضيقة وشكلانية دور المرأة والبحث عن دورها الحقيقي في المجتمع المتحضر الذي يراوح بين دورها العصري بالمزاوجة بين وظائفها الأسرية والحياة العامة وبذلك لم يكن الحكيم عدو للمرأة وانما مراعيا لاختلافها عن الرجل ومطالبا بحقوقها كامرأة مختلفة اذ لا تزال المرأة تعمل في البيت اكثر من الرجل وبذلك هو يسلط الضوء على مشكل اجتماعي دون أن يطرح حلولاً.
إن توفيق الحكيم ناقد ثقافي للسلطة وهذا ما نجده في رواية السلطان الحائر وعودة الوعي وبراكسا الحكم حيث يسرد القصص اليومية للمرأة والرجل وهموم المجتمع فيقدم في سردية يوميات نائب في الأرياف إشكالية المرأة باختيار الزوج فأي دعوى لا تخلو من النسوان ؟(20) ويتعرض لمشكل الحرية والمساواة ويقدم خطاب حجاجي برهاني يتفوق على الخطاب السفسطائي من المتهمين والمحامين .
إلا أن إحساسه كقاضي لا يغيب فهو يشكل ادراكه (22) ولذا فإن توفيق الحكيم يخلق معنى قانوني من ملاحظاته وتجربته القضائية بشكل مبدع قادر على تفسير السلطة القانونية فالقانون تفسير وسرد وخطاب ولغة وثقافة و اطار لحياة بقافية نابضة بالأفكار من حيث عدالة العقوبة والمساواة بشأنها والطبيعة النفسية للقضاة فمنهم المتشكك والعطوف والسكير ( 57)والقاضي المبتدئ والمتهم المحترف (58)والقاضي المتسرع الذي يعمل على عجل دون مراعاة جودة الاحكام القضائية للحاق بالقطار العائد للقاهرة (27) إذ أن الدعوى بنظر الحاجب (كله اكل عيش )(29)"والفلاحين يجلسون القرفصاء كأنهم ماشية يرفعون عيونهم الخاشعة الى القاضي وهو ينطق بالحكم كأنه راع في يديه عصا "والقاضي يتضجر من ذات القضايا فهي عبارة عن غسل الملابس في الترعة وذبح الخرفان خارج السلخانة مع علم القاضي بتخلف حياتهم وعيشهم كالسائمة والنيابة لا يعنيها الا بتطبيق قانون غير مناسب للبيئة الريفية مما يدلل على شكلانية القانون وعدم مشاركة الفلاحين في اصدارها وفهمها .
ولذا فتجربته القضائية يبرزها كتجربة سردية بحيث يمثل الاحداث كملفوظ ويمثل الحقائق مع وجود اتصال زمني بينهما باستخدام الخيال السردي ببنية سردية تحكم التصورات الفكرية التي يمارسها في عالم الوعي واللاوعي وان الاختلاف القضائي بالأحكام يعبر التلون الحرباوي في سرد الآراء والاستنتاجات الفردية التي توضح القضية وان الاختيار عملية انتقائية لدعم القرارات المختلفة مما يبين اللعبة اللغوية التفسيرية للأحكام ليساعد على تناسب القضية بشكل جيد في الاطار القضائي مما يؤدي لإغلاق القضية ضد مجهول او عدم المساواة والتمييز بالعقوبة وعجز المحكوم عن دفع قيمة الكفالة المالية التي يعجز الفلاح عنها بسبب فقره في ظل حكومة غير عادلة (64) وينتقد الأدلة التي تعتمد على العرض القانوني "التشخيص"(122) إذ أنها لا تشكل دليلا كاملاً.
ويظهر من دعوى اساءة الامانة بالرواية المذكورة بأن حجج الادعاء والدفاع يستخلص منها القاضي ما يستلزم اقناع القارئ بصحة النتيجة وبشكل يبين تماسك سردي لا يقتصر على عدم وجود تناقض منطقي للأحداث ولكن استنادا للبرهان والادلة التي تدعم القرار القضائي ولذلك استبعد بينة الدفاع لعدم الحضور مستبعدا السرد الداخلي للدفاع بسرد المحكمة النهائي والحكم بالحبس والادعاء المدني .
وقد بين الحكيم تنميط الجريمة في رواية نائب من الارياف وإنه لم يكن عدوا للريف الا انه كان يدعو لتحضره (7) واوضح وجهة نظره من كذب الشاهد وتبرعه بالإضافة والحذف للرواية الجرمية (15) فالشاهد يبعث الحياة بالتحقيق اذ أن النائب العام لا يشكل الجريمة ولكن يعيد سرد الماضي وأحداثه الحاصلة خارج جدران المحكمة ولذا يسأل اسئلة تقليدية لا تقدم ولا تؤخر (16) .
فالحقيقة لا تُوزن بالبرهان وانما بعدد صفحات التحقيق (19) والجهات العليا يهمها التصرف بالقضايا والفراغ منها على أي وجه (170) وبتسديد كشف الجنايات (171)وتعرضت الرواية للفصل بين اعمال التحقيق واعمال تمثيل النيابة للحد من العبء الواقع على النيابة العامة (168) ويتجه مبدأ الفصل بين السلطات حديثا الى الفصل بين سلطة تحريك الدعوى والتحقيق فيها والاحالة وتنفيذ العقوبة ولذا فإنه ينتقد مبدأ النيابة لا تتجزاء (160)
ولا يوجد انتخابات نزيهة (137) لسيطرة الطبقة الحاكمة واستمرارها وينكر الحكيم وجود العدالة اذ انه لم يراها هو وزملائه لذا فإن ملاذ العدل –القضاة -يشعرون بالظلم فهو وزملائه يقول بتهكم وبسخرية من أنه ملاذ العدل (167 )و ذلك نظرا للإجحاف في حركات التنقل بين زملائه القضاء بسبب الصراع الطبقي والمحسوبيات(164)ونظرا لضيق الوقت فإنه يقرأ الملف من الاخير ويغفل الديباجة في الشكاوى وإن معنى الافراج بالكفالة عدم اقتناع النيابة العامة بخطورة الجريمة اقتناعا كاملا (651 )عدالة وفن ويوضح الحكيم معاني غامضة في القانون مثل تجزئة النيابة ويقارب بين المهن مثل الطب الشرعي والفن( 655)وفي النائبة المحترمة (242)يعالج دراميا إشكالية تولي المرأة للمواقع القيادية وهو موضوع راهن .
واستخدم توفيق الحكيم اللغة المحكية وذلك بسردها بصفته الراوي العليم بذات اللغة الريفية بحيث يقرب الرواية من القارئ المصري ويوظفها لتمثيل الذي يعتمد على الحوار اذ ان اللغة المزخرفة بالبديع لا تتوائم والتطور اللغوي للتمثيل المسرحي ومثال ذلك القضية على الحبل للدلالة على اعدام المتهم ( 17 )وقرشانه (124)الا أن لغة السرد لغة بين الفصحى والعامية لغة الصحافة .
الخاتمة
ويتضح أن الحكيم شخصية جدلية تأثر بالغرب مع الحفاظ على هويتها العربية الإسلامية وكان يحفر بالتاريخ ويوظف الاسطورة في سبيل الإجابة على تساؤله الرئيس حول الهوية المصرية ؟ وبالنتيجة تأثر في السياق التاريخي لمفهوم الشرق الذي يتضمن الفكر الاسلامي ومفهوم الغرب وعالج قضايا الثقافة والسلطة والعدالة والقانون بشكل صريح دون أقنعة ساعيا للبحث عن العدالة وتحقيق دولة الرفاهية وسيادة القانون .وفقا لتحولات في نصوصيه السردية.
أولا : المراجع العربية
1- أحمد اللسانيات القضائية في الوطن العربي مجلة الأثر العدد 29 2017متاح على الشابكة العنكبوتية .
2- بوعزة: محمد سرديات ثقافية منشورات الاختلاف متاح على شبكة الانترنت.
3- الجرجاني : عبد القاهر أبوبكر أسرار البلاغة تحقيق محمد شاكر جدة: مطبعة المدني 1991.
4- الحكيم :توفيق عودة الروح المطبعة النموذجية ب ت .
5- الحكيم :توفيق يوميات نائب في الأرياف دار مصر للطباعة ب ت
6-السيوطي :جلال الدين الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد منصور القاهرة :مكتبة دار التراث 2010.
7-الحكيم ،توفيق ،الأعمال الكاملة .
8- الحكيم :توفيق عودة الروح المطبعة النموذجية ب ت
8- شوندي :حسن أضواء نقدية على رواية يوميات نائب في الأرياف متاح على شبكة الانترنت.
9- مندور :محمد مسرح توفيق الحكيم ط2 القاهرة:دار نهضة مصر للطباعة والنشر ب ت.
10- الراميني :عرسان أصول الكتابة والبحث العلمي الطبعة العربية إربد :دار الأمل للنشر والتوزيع 2014.
11- عتمان : أحمد المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم القاهرة :مكتبة لبنان 1993.
13-دوارة :فؤاد مسرح توفيق الحكيم 2-المسرحيات السياسية الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986.
14- الرصافي :معروف الأعمال الكاملة متاح على الشابكة العنكبوتية.
15-ديونغ :سايمون الدراسات الثقافية :مقدمة نقدية ترجمة ممدوح عمران الكويت :عالم المعرفة 2015العدد 425.
16-فتغنشتاين :لودفيك تحقيقات فلسفية ترجمة عبدالرزاق بنور بيروت :المنظمة العربية للترجمة 2007.
الابحاث الاجنبية
Ost SHAKESPEARE. LA COMÉDIE DE LA LOI1-
1- story- tellelling in judiciL AVILABLE ON LINE 2-
المحامي إبراهيم محمد أبوحماد
مجاز بالسياسة والقانون والاقتصاد واللغة العبرية والعربية والفرنسية
ماجستير قانون
ولقد مارس الحكيم نقداً ثقافياً في أعماله الأدبية من تداول السلطة والعدالة و الأدلة الجنائية مثل عودة الروح وبراكسا أو مشكلة الحكم وعودة الوعي ويوميات نائب في الأرياف ولذلك كانت أعمال الحكيم محل دراسة أدبية جمالية كالبنيوية وثقافية مثل المرأة والشباب والجندر والأسطورة والطبقة والقومية والدين إلا أن موضوع العدالة ومفهوم السلطة والقانون لم يكن محل بحث مستقل إنما بدراسة المضمون كما ورد في مسرح توفيق الحكيم 2-المسرحيات السياسية (986دوارة 12) وبذلك فقد مارس الحكيم نقداً ثقافياً للحالة الطبيعية للشعب (1993عتمان 6383107124133) ولقد ذكر مندور في مؤلفه مسرح توفيق الحكيم بأن مفهوم السلطة لدى توفيق الحكيم في عودة الروح هو نموذج الحكم المطلق ويرفض الديمقراطية الزائفة (ب ت 93).
فما تصور الحكيم لمفهوم القانون والسلطة وقصة العقد الاجتماعي في تخييله السياسي ؟
ولذا سيناقش الباحث موضوع الدراسة في ثلاثة محاور :
المحور الأول :علاقة القانون بالأدب .
المحور الثاني :مفهوم الحكيم لتجديد لعقد الاجتماعي والقانون .
المحور الأول :علاقة القانون بالأدب
قال الشاعر معروف الرصافي في قصيدته حكومة الانتداب :
عَلَم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف(669)
مما يدلل على أن الاستعمار أسس لفكرة الدستور وأن الفارق الاقتصادي الاجتماعي يسبب فجوة في دولة القانون بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات السائرة نحو التقدم بين شكلانية القانون الوضعي والبراغماتية القانونية الغربية .
لذا فمن الممكن قراءة القانون في السياق الاقتصادي الاجتماعي إذ يرتبط القانون باللغة من حيث تحديد معاني النحو وخاصة أدوات النحو مثل حروف الجر في دلالة الجملة القانونية وكذلك فإن المعنى مرتبط بالبلاغة مثل تقدير الحذف لغةً أو عقلاً وبالصياغة القانونية من حيث مثلاً خصائص النص القانوني ونحوه من أفعال الكلام وصيغها وكذلك بالمعاجم اللغوية وتطور المصطلح القانوني .
إلا أن المعايير القانونية باعتبار القانون يرتكز للمعيارية يعتبر عماد التفسير مما يحد من التفسير البياني النحوي اللغوي القانوني وإن المعيار القانوني السليم يرتكز على منعكساته على الانسان وحقوقه وحرياته العامة مما يولد صراع على الحقوق مثل حق السلطة وتناقضه مع الحق بالحرية وتناقضات حق المجتمع وحق الفرد خاصة في قضايا الاسرة .
إلا أن اللغة ما زالت تحظى باهتمام بالغ الأهمية إذ أن تفسير الحدث القانوني كان مصدر إبداع الفيلسوف لودفيك فتجنشتاين بإبداع فلسفة اللغة ونظرية الألعاب اللغوية الدلالية في مؤلفه تحقيقات فلسفية(2007: 32) والتي تطورت لنظرية الحجاج القانوني والبلاغة الجديدة لتيتكا وشاييم بيرلمان وما زالت الدلالة محور بحث الأصوليين والنحويين والقانونيين والنقاد والفلاسفة ولذا ذكر السيوطي في الاتقان في علوم القراّن قول الإمام الشافعي رضي الله عنه : (اللغة لا يحيط بها إلا نبي ) (394)وينظر الرسالة (42)والصاحبي (41).
وبالبناء عليه فإن القانون يرتبط باللغة في التفسير والمعنى القانوني ومن الممكن أن يستفيد القانوني من نظريات التفسير الأدبية الثقافية والجمالية إذ أن التفسير لعبة لغوية ثقافية وعادة ما يتوفر مصفوفة من المعاني لتفسيرات تختلف درجات تأويلها من المحكم للمتشابه وعلى الرغم من التقنين القانوني إلا أن المتعاملين به قد يفسروه بشكل خاطئ عن قصد أو دون قصد إذ أن التفسير مرتبط بثقافة القاضي الشخصية والعامة وتوجهاته السياسية والاجتماعية فالمؤسسات تمنح المعنى القانوني وفقاً للثقافة السائدة والمهيمنة باعتبار القانون بنى فوقية محكومة بالبنية التحتية مما يشكل وجه من أوجه النقد الاقتصادي للقانون وفق الجدلية المادية التاريخية الماركسية وإزاحة لدوغمائية النص القانوني وخاصة أن قصد المشرع غامض وقد يخالف القاضي حتى محاضر المناقشة البرلمانية للقانون والتي تبين قصد المشرع إذ قد يكون وجهة النظر نحو مشروع القانون لا القانون عند إصداره ولذا تتعدد مدارس تفسير القانون مثل المدرسة القصدية والأصلانية في التفسير الدستوري الأمريكي في مقاربة لتفسير بمنهج مقاصد الشريعة الاسلامية .
والخلاف التفسيري يضعنا أمام تأويلات لا يمكن اعتبارها تفكيكية ولا نهائية ويعوزها الحسم القانوني ومثال ذلك في التغيرات في تفسير النص الديني خاصة في شهادة المرأة وعملها السياسي وقضايا الأسرة والذي كان نتيجة التغيرات الثقافية والاقتصادية وتعتبر أزمة المعنى القانوني من الأمور المربكة قانونياً مما يطرح منهج التأويل الأدبي أو الهيرمونطيقيا والفينومونولوجيا كمناهج تفسيرية أدبية لثقافة القانونية .
وفي زمن العولمة فإن الصراع الايدلوجي الطبقي يتقهقر بانتقاد الحداثة وإصلاحها على غرار مدرسة فرانكفورت النقدية والتي تأثر توفيق الحكيم بمنهجها لتكوين رؤيته الأدبية (دوارة 135) إلا أن الحكيم يثير المشكلة ولا يضع لها حلولا في أعماله الأدبية مما عرضه للائحة إتهام بأنه عدو المرأة والبرلمان
الثقافة السائدة للمجتمع أوجدت تأويلات ترتبط بالمساواة والاختلاف والثقافة والتعددية وقضايا المرأة وتمكينها السياسي والأسرة فالصراع جندري ثقافي في راهنية العولمة وإن كان المجتمع العربي لم يحسم قضاياه القومية والدينية ولذا فالقانون نتاج الفكر والثقافة السائدة في المجتمع والتفاعلات الاجتماعية لتفسيره .
ولقد واجه تراثنا العربي ازمة المعنى واللفظ بالأدب والفقه حيث ذكر الجرجاني في أسرار البلاغة " أن الألفاظ خدم المعاني والمصرفة في حكمها وكانت المعاني هي المالكة سياستها المستحقة طاعتها فمن نصر اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن وجهته واحاله عن طبيعته وذلك مظنة الاستكراه وفيه فتح أبواب العيب والتعرض للشين "(1991 8 ).
وتبارى الفقهاء المسلمين لتهذيب الخلافات الفقهية(الفقه المقارن ) بالمناظرات العلمية التي اغنت الفقه والادب العربي ومنها رفع الملام عن الائمة الاعلام لشيخ الاسلام ابن تيمية ( 1328م-1263=728-661) والفقيه القاضي الفيلسوف ابن رشد الأندلسي (520-595 ه=1126-1198م) في مصنفه بداية المجتهد ونهاية المقتصد وذلك لمناقشة القواعد الاصولية وقواعد الترجيح الفقهي وفي الأدب والفكر نجد مصنف الامتاع والمؤانسة لابن حيان التوحيدي( 414-310)ه/1023-922م) وبخاصة في حوارياته بالجدل بين المعنى النحوي والمعنى المنطقي في مناظرة السيرافي ويونس بن متا .
إلا أن تناقضات الاجتهادات القضائية في دول العالم السائرة نحو التقدم لا زالت غامضة وخفية على الرغم من تجاوز عهد المذاهب بالتدوين القانوني وقد نجد ذلك جليا في الاجتهادات القضائية العربية ومثاله أحكام القضاء الدستوري بين المحكمة الدستورية الأردنية في قرارها الصادر بدستورية الغرامة الضريبية بحزيران لعام 2018 (غير منشور) والمصرية مثل القضية رقم 332 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية" و القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 90 لسنـة 21 ق " دستورية "(متاح على شبكة الانترنت ) والقاضي بعدم دستوريتها .
فلا يقتصر الاختلاف على نصوص القانون وانما يتعدى للاجتهادات القضائية التفسيرية وذلك لأن مصطلحات الحرية والعدالة والنظام العام والقصد الجرمي والالفاظ القانونية بالمجمل حمالة أوجه وتختلف مقدمات الحكم ونتيجته من قاضي لأخر لأن الانسان محمل بتوجهات وشعور كامن وبالنتيجة حتى النتائج العلمية الفيزيائية تختلف باختلاف الراصد مع وحدة الاداة .
و إن القانون ونقده انعكاس لحضارة المجتمع وثقافته ورقيه ودرجة الحريات العامة في اخلاقيات الحياة السياسية وعلاوة على ذلك مدى تشتت السلطة ومحايثتها باعتبار الحقيقة القضائية نسبية ورؤية ذاتية تصاغ بقالب موضوعي والرؤية الذاتية تتضمن الشعور الذي مركزه الدماغ البشري فالذاتي والموضوعي جناحان لطائر الرخ القانوني فالعدالة حلم البشرية الذي يرنو له الانسان ويبقى الانسان يتطلع للإيمان بالعدالة السماوية المطلقة للحد من خيبات الأمل من الوصول للعدالة.
ولبلوغ معنى محكم مطرد فلقد نص القانون على طرق الطعن غير العادية من التمييز واعادة المحاكمة والنقض بأمر خطي وتنظيم هيئات موسعة لتفسير النص القانوني وتحقيق جودة الاحكام القضائية وعدم جواز التجريم لمرتين بذات الوقت double jeopardy والوارد كمبدأ دستوري في كندا والمكسيك والولايات المتحدة الامريكية مما يترتب عليه جزاء الانهاء الاجرائي بعدم التجريم from proceeding prevented إذ أن النشاط القضائي نشاط تفسيري وتتوجه بعض الدول الى ايلاء التعيينات القضائية وخاصة في الدول المتقدمة اهتماما بالغ الاهمية لان القاضي يبعث الروح بالنص القانوني وفق لإدراكه القانوني .
إذ أن ذات الواقعة قد تمثل حقيقتين مزدوجتين لاتهامين او تأثيمين declaration de culpabilite double و يمكن اظهار trible ثلاثية من الحقائق أو تفكيك للحقائق ولذا فقد نصت القاعدة الرومانية التاريخية على ما يلي : No bis in idem وهذه القاعدة تحرم الاتهام المزدوج double incrimination وذلك لحماية الحقوق الفردية بمواجهة سلطة التجريم وقد تلجأ المحكمة لتعيين خبير لغوي وذلك في قضايا نادرة على افتراض أن القاضي مؤهل لغويا مثل الدعوى التي اقامها رئيس مجلس النواب السابق ضد مديرة مدرسة لمحاكمتها على لفظة "يا هملالي "حيث بين الخبير معناها مستشهدا بالشعر والنثر .
وإن تعيين الخبير اللغوي يكون وفق سلطة المحكمة التقديرية التي تتوخى العدالة وكذلك وجوب تعيين مترجم للأجانب وعلاوة على ذلك الاعتراف الدستوري باللغات للأقليات الوطنية فمثلا الغى الكيان الصهيوني العربية من اللغات الرسمية في دولة الاحتلال وكذلك ما يتعلق بعلم اللغة الجنائي أو الشرعي أو القانوني أو القضائي أو ما يعرف Forensic Linguistics وإن هذا المصطلح مجهول تماما في القضاء العربي وذلك وفق ما ذكر العربي في بحثه عن اللسانيات القضائية (2017 50) لأن هذه العلاقة واضحة بين النص الديني الاسلامي من القران والحديث النبوي واللغة العربية في إطار علم أصول الفقه ولذا فإن القضاة والمحامين يعلمون بها وفق منهج القدماء الأصولي .
ومن الجدير بالذكر إن هناك توجهات لبيان حركة القانون في الأدب نحو الطبقة والجنس والقومية والدين والامتياز الوظيفي والاقتصادي(2015 عمران الدراسات الثقافية 28110566 53) فمثلاً كيف يتم التعامل بالتعذيب مع الطبقات الاجتماعية المتدنية التي تمثل قاع المجتمع وهي الجماعات الهامشية وكيف تتعامل أجهزة العدالة مع الضحية وبذلك تزايدت عدد الروايات في الوطن العربي الخاصة بمواضيع حقوق الانسان والحريات العامة والأدب النسوي وما تأثير الأدب على العقوبات القصوى مثل الإعدام والتوجهات نحو مراكز الاصلاح والتأهيل وكذلك الإصلاح الاجتماعي فهل الأدب ثورة ضد الظلم أم تبرير للظلم؟ فوفق وجهة نظر الغامدي فإن الأدباء يصنعون الطاغية أم أن الأدب حق .
لقد تناول 30 عمل مسرحي شكسبيري تداول السلطة والعدالة الادلة الجنائية والتفسير القانوني الغامض لذا يعتبر شكسبير المؤلف الحقيقي لدستور الانكليزيوذلك عبر تشكيل الوعي الدستوري وتعلم القانون واللغة من خلال مسرحياته حيث استشهد بأعماله في ( 800) حكم قضائي أمريكي فالشعراء هم المشرعون غير المعترف بهم( Ost SHAKESPEARE. LA COMÉDIE DE LA LOI p167.1689 ) ومن ذلك استلهم منظرو العقد الاجتماعي أفكارهم لكل من روسو وهوبز ولوك وعلاوة على ذلك فإن أدباء انكلترا وفرنسا كانوا من البرلمانيين مثل جون استيورت ميل في مؤلفة الحكومة البرلمانية وكذلك عباس محمود العقاد في العديد من مؤلفاته ومنها السدود والقيودكسيرة ذاتية لسجنه بسبب عمله البرلماني وغرامشي المثقف العضوي في مؤلفه رسائل من السجن لذا فللأدباء مكانه خاصة منذ دولة المدينة الفاضلة .
ولذا يمكن اعتبار توفيق الحكيم شكسبير العرب القانوني حيث أن أعماله تعتبر روح الثورة المصرية لعام 1952و2011كما سنبين لاحقا ويتجلى النقد الثقافي القانوني في المسرح والرواية والشعر ويتضح ذلك بالأثار الادبية للأعمال العالمية مثل ديستوفيسكي وتولستوي والبيرتو كامي و بودلير و كافكا وفيكتور هيجو وموليير وعبدالرحمن منيف ونجيب محفوظ .
سرديات الحكم القضائي
الحكم القضائي يتضمن روايات مختلفة لترتيب احداث الزمن الماضي بتسلسل منطقي للوصول إلى حقيقة نسبية محكومة بقواعد قانونية واجرائية في إطار ثقافي لشخصية من يشكل السرد النهائي للقصة بحيث يستبعد واقعيا بعض الحقائق لغايات الحكم بالرد الكافي عليها صراحة أو ضمنا وبذلك فإن الحكم القضائي لا يتضمن الفصل بالحقوق فقط انما يتضمن أبعاد ثقافية واجتماعية ولذلك فالخطاب القضائي محمول بخبايا اجتماعية وسياسية وثقافية وهي جوهر الفقه القضائي المقارن التي تبين اختلاف الرؤى القضائية المقارنة .
وعليه فالخطاب القضائي يعبر عن بنية سردية وبلاغة خطابية قانونية في إطار من أخلاقيات النقاش وقواعده الإجرائية في سرد حر ومقيد ومن الأمثلة على هذه السرديات قصة العدالة والضحية والحرية ويتشكل السرد القضائي شكلانياً ووجيزاً أو تفسيرياً حجاجياً وتتشكل الحقائق بعملية انتقائية على أساس معقولية الأدلة ولذا يغدو القانون مجالا للسرد والسرد مجالا للقانون (p1 story- tellelling in judicial).
لغة السرد القضائي
ووفقا لمبدأ تعدد الاصوات فإن الدليل على ذلك تعدد مستويات اللغة في السرد القضائي إذ تظهر اللغة بعدد من المستويات مثل العامية كلغة الحوار القضائي لسرد المتهم والخصوم والشهود مثلا ولغة السارد الفصحى للقاضي والمحامي لذا فتظهر اللغة النهائية بلغة اخرى تعتمد على المنطق القضائي للأحداث معتمدة على خصائص نحوية بالوضوح والتماسك والتضام اللغوي المنطقي لتسلسل الأحداث والايجاز.
ومن مفارقات المحاكمات في العالم الثالث بلوغها حد التشاجرية ولا يكون التواصل القانوني بالغاً جدواه الا على مبدأ الفهم والإفهام والتواصل الفعال و استنادا لمبدأ تعدد الاصوات الذي استعير من الرواية والذي تحكمه اخلاقيات النقاش وفق القوانين الاجرائية إذ يختزل السرد القضائي الإقناع المعنوي كقوة ناعمة تعلن الحكم ويقع على عاتق السلطة التنفيذية الإقناع القسري بصحة الحكم القضائي ولذا يرتبط القانون باللغة وبالأدب و بأصول الكتابة والإلقاء بالمرافعة القانونية كالصحة الصوتية ولغة الجسد كمقاربة لفن التمثيل والخطابة والتفسير القضائي والرواية القانونية ونقد القانون بهدف إحداث تغيير ثقافي .
المحور الثاني :مفهوم الحكيم لتجديد لعقد الاجتماعي والقانون .
تجديد الحكيم للعقد الاجتماعي
تعتبر التجربة الانسانية تجربة سردية وبذلك فإن السرد تمثيل للأحداث والحقائق مع وجود اتصال زمني بينهما والتجربة السردية خيالية بتضمنها الأدوات الرئيسة للتفكير فالبنية السردية تشكل تصورات وعمليات التفكير والحجاج الذي نمارسه بوعي وعليه فإن تصورات العقد الاجتماعي لجان جاك روسو وهوبز وجون لوك هي تصورات سردية خيالية للحالة الطبيعية للحاكم والمحكوم وتصورات العلاقة بينهما .
فالسرد الدستوري ملحمة شعبية تسطرها روايات العقد الاجتماعي في مرحلة التعاقد الروائي للسكان السابقة على تشكيل الدستور ويسرد العقد الاجتماعي عند روسو قصة الإرادة العامة وهوبز السيادة ولوك الدولة كقاضي محايد و تشكيل الديمقراطية وفي إطار الروايات الحديثة فالعقد الاجتماعي في التخييل السياسي لرولز في مؤلفه العدالة كإنصاف يتمثل في مؤسسات ليبرالية منظمة ويجد الباحث تأثر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في رواية توفيق الحكيم عودة الروح إذ ذكر ذلك صراحة في اهدائه كتابه فلسفة الثورة لتوفيق الحكيم ووصفه بالأب الروحي لثورة 23 يوليو وهذا ما اعتبره عدد من المثقفين في ثورة يناير بأن كتابه عودة الوعي هو انجيل ثورة يناير وذلك على غرار كتاب روسو بالعقد الاجتماعي فيما يخص الثورة الفرنسية ولذا فإن الباحث يجد أن العقد الاجتماعي لتوفيق الحكيم ينقسم لمرحلتين :
اولا : التحرر من نير الاستعمار والاقطاع المملوكي لأسرة محمد علي باشا وعلاقة الدين بالدولة ويتمثل بروايته عودة الروح ومسرحية أهل الكهف وشمس النهار .
ثانيا :التحرر من الديمقراطية الزائفة والطبقية والانتقال للديمقراطية التشاركية والوعي الاقتصادي ويتمثل بمؤلفه عودة الوعي ومسرحياته براكسا الحكم أو مشكلة الحكم والسلطان الحائر وعصفور من الشرق وحضرة النائبة المحترمة .
ولذا فإن العقد الاجتماعي يرتبط بكل مرحلة يتشكل بها تحول دستوري مما يشكل تجديدا للعقد الاجتماعي وبذلك نجد أن الثورة الفرنسية انشغلت بتحولات عميقة من الجمهورية الفرنسية الأولى للخامسة وفي مصر تحولت من الملكية لعدد من الجمهوريات المتحولة مثل جمهورية عبد الناصر الأولى وجمهورية السادات الثانية ودواليك .
وتتصدر السردية الدستورية ديباجة الدساتير مثل الدستور الامريكي التي خطها جورج واشنطن والدستور المصري الجديد لعام 2014 الذي نثره الشاعر المصري سيد حجاب للإجابة على تساؤلات الهوية والتاريخ الانساني لمصر(لقاء على قناة يوتيوب متاح على الشابكة الالكترونية ) وكذلك اعلان استقلال فلسطين الذي نظمه الشاعر محمود درويش 1988.
وبالنتيجة فإن فلسفة الدولة وأصلها تستحوذ على الاعمال الكاملة لتوفيق الحكيم فالمسرح السياسي جزء من المسرح الاجتماعي وهو يشكل موضوع الثقافة والمجتمع المصري ففلسفة التعادلية في مؤلفه الذي يحمل ذات المسمى يوضح مذهب الحكيم بالفن والحياة لوضع ميزان بين السلطان والمجتمع بحيث تتوازن قوة الحاكم والمحكوم لتوليد حراك اجتماعي ايجابي فلا يبتلع الحاكم المحكوم وبذلك لا تطغى قوة على أخرى (تصدير ج 2عودة الروح 2)فالروح هي الثقافة والهُوية المصرية قلب واحد وإيمان في واحد ( ج2 :63) فالمعبود ذلك الرجل الذي تتمثل فيه كل عواطف الشعب وأمانيه ويكون رمزا (ج 2: 64) والرواية تستنهض المصري "الاجتماع في دمنا والحياة الاجتماعية طبيعة نشأت فينا من أجيال "(ج 2: 9)"أهل مصر شعب عريق فين 8 الاف سنة واحنا في وادي النيل "(ج 2: 8)وبذلك تتكرر لفظة الجماعة والشعب وضمير الجماعة و احنا ونحن والاشتياق للمكان ص(ج2 : 14) وتكون النهضة باسترداد الماضي باعتبار اساطير الحكيم منزوع منها المقدس لاستنهاض المصري "جئت اعيد لك الحياة "(ج 2 : 1).
إن النهوض بالفلاح هي الفكرة التي تستحوذ على الرواية فالفلاح لا يستريح (ج2 :22 )"انهض ...انهض ....يا أوزوريس "(ج 2 :1)وتحاول الرواية تفسير العلاقة بين البدوي والفلاح وايجاد تفسير جديد بخلاف النظرية الخلدونية (ج2 : 2625)وبذلك وجد عبد الناصر شخصيته الحقيقية بمحسن بطل عودة الروح فقوة مصر في القلب وقوة اوروبا بالعقل وإن العلم هو طريق التقدم المصري (ج 2: 55)
وبذلك فإن الحكيم يعالج دراميا التحرر من نير الاستعمار الانكليزي والاقطاع التركي ليصنع الشعب المصري اسطورته الجديدة وبهذا فإنه يعالج مرحلة الاستعمار باعتبار سرديته مقاومة ضد الاحتلال وبما استلزم توحد الشعب المصري بثورة 1919 للاصطفاف كروح واحدة مع مفجر الثورة مصطفى كامل وهي ثورة تحررية ليبرالية ضد الاستعمار الانكليزي وقد مثلت معظم أعمال توفيق الحكيم حتى مسرحياته الذهنية وانتج بعضها سينمائيا ومنها مسلسل عودة الروح في ست وعشرون حلقة تلفزيونية .(متاحة على الشابكة العنكبوتية )مما يجعل الرواية تشكل أدب الاستعمار المصري .
مفهوم الحكيم للقانون :
إن رواية يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم في بنيتها السطحية سيرة ذاتية لسحابات من الاحزان والالم الذاتي وبالنتيجة فإن البوح الأدبي بيومياته ينفث همومه المتصلة بالجريمة فهو محترق نفسيا بعذاباتها وتأوهاتها ولذا فإن كتابة الرواية لتداوي هذه النفس المحترقة مطلقا لها عنان الحرية لتكتب في ساعات الضيق (6 ) ويدلل على هذا الاحتراق النفسي شعوره بالتهاب وغصة الحلق حيث ان الغرائز الجرمية في الريف لا تنام مما يدلل على ارتفاع مستويات الجريمة ولذا يخرج من الجلسة محطم الاعصاب منفعلا (40) وأن الفلاح مسالم لا يرتكب جريمة إلا من مأجور (125).
الازدحام القضائي
ويبين الحكيم معاناة رجال العدالة بالعمل المتواصل مما يجعل المهني يصارع رسالة العدل بسبب تجشمه لعمل مهني شاق في بنية ثقافية ريفية ما زالت تفتقر لمقومات التنمية اجتماعيا وسياسيا وثقافيا فالفلاحين مكدسون كالذباب ولذلك يعمل النائب على كتابة الفقرات الشكلية للكشف عن الجثة من ديباجة و وصف للملابس والوجه والمكان (13) والشكاوى لا تنتهي (158).
إلا ان الرواية في النسق الثقافي المضمر تمثل رفضاً للهيمنة الثقافية من عناصر الثقافة القانونية المتركزة في دور القضاة والمحامين وتبعية القضاء ونقده للبنية العميقة للسلطة بحيث يسعى لتمكين الجماعات الهاشمية من التمرد والعمل على كسر التراتبية الهرمية الاجتماعية التي تمكن المجموعات الثقافية المهيمنة من احتواء المهمش .
إذ أن القانون لا يوظف للتغيير الاجتماعي بما فيه النفع العام إنما للهيمنة على معايير اجتماعية تكرس لصالح القابضين على السلطة وبذلك يفسر القانون من ناحية الثقافة المهيمنة وقمع الجماعات المهمشة بحيث يخلق انماط مستقرة للسلوك والمواقف الاجتماعية لمصلحة السلطة إذ أن القضاء في نسقه الثقافي المضمر بنية داخلية في بنية النظام العامة الشكلية باعتبار القانون شكلاني وضعي يرتبط بقوة معنوية قضائية وقوة مادية قادرة على تنفيذه بالقوة وهذا ما يبين مدى التقارب بين غرامشي وتوفيق الحكيم المثقف المشتبك والمعبر عن تطلعات الشعب المصري .
كما يبين مكانة المرأة في المجتمع فالمرأة تولد كالجاموسة (106) والسفسطة(89 )هي البديل عن الحجاج القانوني وكيف يُوظف القانون لخدمة السلطة (88 )فالقانون يخدم السلطة والاغنياء (83).
وهذا ما نجده في قراءة توفيق الحكيم في البحث عن نظام الحكم الديمقراطي الحر غير الزائف وغير المستبد ورفض الصراعات الحزبية للمصالح الشخصية الضيقة وشكلانية دور المرأة والبحث عن دورها الحقيقي في المجتمع المتحضر الذي يراوح بين دورها العصري بالمزاوجة بين وظائفها الأسرية والحياة العامة وبذلك لم يكن الحكيم عدو للمرأة وانما مراعيا لاختلافها عن الرجل ومطالبا بحقوقها كامرأة مختلفة اذ لا تزال المرأة تعمل في البيت اكثر من الرجل وبذلك هو يسلط الضوء على مشكل اجتماعي دون أن يطرح حلولاً.
إن توفيق الحكيم ناقد ثقافي للسلطة وهذا ما نجده في رواية السلطان الحائر وعودة الوعي وبراكسا الحكم حيث يسرد القصص اليومية للمرأة والرجل وهموم المجتمع فيقدم في سردية يوميات نائب في الأرياف إشكالية المرأة باختيار الزوج فأي دعوى لا تخلو من النسوان ؟(20) ويتعرض لمشكل الحرية والمساواة ويقدم خطاب حجاجي برهاني يتفوق على الخطاب السفسطائي من المتهمين والمحامين .
إلا أن إحساسه كقاضي لا يغيب فهو يشكل ادراكه (22) ولذا فإن توفيق الحكيم يخلق معنى قانوني من ملاحظاته وتجربته القضائية بشكل مبدع قادر على تفسير السلطة القانونية فالقانون تفسير وسرد وخطاب ولغة وثقافة و اطار لحياة بقافية نابضة بالأفكار من حيث عدالة العقوبة والمساواة بشأنها والطبيعة النفسية للقضاة فمنهم المتشكك والعطوف والسكير ( 57)والقاضي المبتدئ والمتهم المحترف (58)والقاضي المتسرع الذي يعمل على عجل دون مراعاة جودة الاحكام القضائية للحاق بالقطار العائد للقاهرة (27) إذ أن الدعوى بنظر الحاجب (كله اكل عيش )(29)"والفلاحين يجلسون القرفصاء كأنهم ماشية يرفعون عيونهم الخاشعة الى القاضي وهو ينطق بالحكم كأنه راع في يديه عصا "والقاضي يتضجر من ذات القضايا فهي عبارة عن غسل الملابس في الترعة وذبح الخرفان خارج السلخانة مع علم القاضي بتخلف حياتهم وعيشهم كالسائمة والنيابة لا يعنيها الا بتطبيق قانون غير مناسب للبيئة الريفية مما يدلل على شكلانية القانون وعدم مشاركة الفلاحين في اصدارها وفهمها .
ولذا فتجربته القضائية يبرزها كتجربة سردية بحيث يمثل الاحداث كملفوظ ويمثل الحقائق مع وجود اتصال زمني بينهما باستخدام الخيال السردي ببنية سردية تحكم التصورات الفكرية التي يمارسها في عالم الوعي واللاوعي وان الاختلاف القضائي بالأحكام يعبر التلون الحرباوي في سرد الآراء والاستنتاجات الفردية التي توضح القضية وان الاختيار عملية انتقائية لدعم القرارات المختلفة مما يبين اللعبة اللغوية التفسيرية للأحكام ليساعد على تناسب القضية بشكل جيد في الاطار القضائي مما يؤدي لإغلاق القضية ضد مجهول او عدم المساواة والتمييز بالعقوبة وعجز المحكوم عن دفع قيمة الكفالة المالية التي يعجز الفلاح عنها بسبب فقره في ظل حكومة غير عادلة (64) وينتقد الأدلة التي تعتمد على العرض القانوني "التشخيص"(122) إذ أنها لا تشكل دليلا كاملاً.
ويظهر من دعوى اساءة الامانة بالرواية المذكورة بأن حجج الادعاء والدفاع يستخلص منها القاضي ما يستلزم اقناع القارئ بصحة النتيجة وبشكل يبين تماسك سردي لا يقتصر على عدم وجود تناقض منطقي للأحداث ولكن استنادا للبرهان والادلة التي تدعم القرار القضائي ولذلك استبعد بينة الدفاع لعدم الحضور مستبعدا السرد الداخلي للدفاع بسرد المحكمة النهائي والحكم بالحبس والادعاء المدني .
وقد بين الحكيم تنميط الجريمة في رواية نائب من الارياف وإنه لم يكن عدوا للريف الا انه كان يدعو لتحضره (7) واوضح وجهة نظره من كذب الشاهد وتبرعه بالإضافة والحذف للرواية الجرمية (15) فالشاهد يبعث الحياة بالتحقيق اذ أن النائب العام لا يشكل الجريمة ولكن يعيد سرد الماضي وأحداثه الحاصلة خارج جدران المحكمة ولذا يسأل اسئلة تقليدية لا تقدم ولا تؤخر (16) .
فالحقيقة لا تُوزن بالبرهان وانما بعدد صفحات التحقيق (19) والجهات العليا يهمها التصرف بالقضايا والفراغ منها على أي وجه (170) وبتسديد كشف الجنايات (171)وتعرضت الرواية للفصل بين اعمال التحقيق واعمال تمثيل النيابة للحد من العبء الواقع على النيابة العامة (168) ويتجه مبدأ الفصل بين السلطات حديثا الى الفصل بين سلطة تحريك الدعوى والتحقيق فيها والاحالة وتنفيذ العقوبة ولذا فإنه ينتقد مبدأ النيابة لا تتجزاء (160)
ولا يوجد انتخابات نزيهة (137) لسيطرة الطبقة الحاكمة واستمرارها وينكر الحكيم وجود العدالة اذ انه لم يراها هو وزملائه لذا فإن ملاذ العدل –القضاة -يشعرون بالظلم فهو وزملائه يقول بتهكم وبسخرية من أنه ملاذ العدل (167 )و ذلك نظرا للإجحاف في حركات التنقل بين زملائه القضاء بسبب الصراع الطبقي والمحسوبيات(164)ونظرا لضيق الوقت فإنه يقرأ الملف من الاخير ويغفل الديباجة في الشكاوى وإن معنى الافراج بالكفالة عدم اقتناع النيابة العامة بخطورة الجريمة اقتناعا كاملا (651 )عدالة وفن ويوضح الحكيم معاني غامضة في القانون مثل تجزئة النيابة ويقارب بين المهن مثل الطب الشرعي والفن( 655)وفي النائبة المحترمة (242)يعالج دراميا إشكالية تولي المرأة للمواقع القيادية وهو موضوع راهن .
واستخدم توفيق الحكيم اللغة المحكية وذلك بسردها بصفته الراوي العليم بذات اللغة الريفية بحيث يقرب الرواية من القارئ المصري ويوظفها لتمثيل الذي يعتمد على الحوار اذ ان اللغة المزخرفة بالبديع لا تتوائم والتطور اللغوي للتمثيل المسرحي ومثال ذلك القضية على الحبل للدلالة على اعدام المتهم ( 17 )وقرشانه (124)الا أن لغة السرد لغة بين الفصحى والعامية لغة الصحافة .
الخاتمة
ويتضح أن الحكيم شخصية جدلية تأثر بالغرب مع الحفاظ على هويتها العربية الإسلامية وكان يحفر بالتاريخ ويوظف الاسطورة في سبيل الإجابة على تساؤله الرئيس حول الهوية المصرية ؟ وبالنتيجة تأثر في السياق التاريخي لمفهوم الشرق الذي يتضمن الفكر الاسلامي ومفهوم الغرب وعالج قضايا الثقافة والسلطة والعدالة والقانون بشكل صريح دون أقنعة ساعيا للبحث عن العدالة وتحقيق دولة الرفاهية وسيادة القانون .وفقا لتحولات في نصوصيه السردية.
أولا : المراجع العربية
1- أحمد اللسانيات القضائية في الوطن العربي مجلة الأثر العدد 29 2017متاح على الشابكة العنكبوتية .
2- بوعزة: محمد سرديات ثقافية منشورات الاختلاف متاح على شبكة الانترنت.
3- الجرجاني : عبد القاهر أبوبكر أسرار البلاغة تحقيق محمد شاكر جدة: مطبعة المدني 1991.
4- الحكيم :توفيق عودة الروح المطبعة النموذجية ب ت .
5- الحكيم :توفيق يوميات نائب في الأرياف دار مصر للطباعة ب ت
6-السيوطي :جلال الدين الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد منصور القاهرة :مكتبة دار التراث 2010.
7-الحكيم ،توفيق ،الأعمال الكاملة .
8- الحكيم :توفيق عودة الروح المطبعة النموذجية ب ت
8- شوندي :حسن أضواء نقدية على رواية يوميات نائب في الأرياف متاح على شبكة الانترنت.
9- مندور :محمد مسرح توفيق الحكيم ط2 القاهرة:دار نهضة مصر للطباعة والنشر ب ت.
10- الراميني :عرسان أصول الكتابة والبحث العلمي الطبعة العربية إربد :دار الأمل للنشر والتوزيع 2014.
11- عتمان : أحمد المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم القاهرة :مكتبة لبنان 1993.
13-دوارة :فؤاد مسرح توفيق الحكيم 2-المسرحيات السياسية الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986.
14- الرصافي :معروف الأعمال الكاملة متاح على الشابكة العنكبوتية.
15-ديونغ :سايمون الدراسات الثقافية :مقدمة نقدية ترجمة ممدوح عمران الكويت :عالم المعرفة 2015العدد 425.
16-فتغنشتاين :لودفيك تحقيقات فلسفية ترجمة عبدالرزاق بنور بيروت :المنظمة العربية للترجمة 2007.
الابحاث الاجنبية
Ost SHAKESPEARE. LA COMÉDIE DE LA LOI1-
1- story- tellelling in judiciL AVILABLE ON LINE 2-
المحامي إبراهيم محمد أبوحماد
مجاز بالسياسة والقانون والاقتصاد واللغة العبرية والعربية والفرنسية
ماجستير قانون