أن تكتشف بين ثنايا التاريخ الشخصي لكاتب تعشق كتاباته يحمل بذرة الثورة على القيم الجاهزة، ويضرب عرض الحائط أنساق الذكاء المسطر له إلى ارتقاء سلم الوظائف المغرية. لا تفعلها سوى فكرة الحرية الملتبسة حين تخرج عن مزاعم النظرية القسرية. إنه الاختبار الحقيقي، بعيدا عن الوهج العائلي المصنوع. أحيانا، كنت أقع في خلط بين البحث عن الحرية والسعادة، وأحاول أن أقف عند نقطة التماس بينهما. أربط الأولى بالاختيار والثانية بالتمرد. وأن تعيش وجودك لا وجود الآخرين، مع انبثاق لحظة القلق الداعي لحظة الخفقان. لكن، سرعان ما تتحمل مسؤولية اختيارك أو تمردك، ويخفق قلبك بفرح متوتر، متذوقا قولة نيتشه " صر ما أنت".
مدينة بياريتز الساحلية تبدو صاخبة في الصيف عكس فصل الشتاء. تقتات من فوضى الناس الهاربة من حمأة القيظ. لهذا كان جورج أورويل يعلم بوسعه أن يجد عمل نادل في فندق "القصر" المطل على الساحل الأطلسي. مكان استراحة ملوك فرنسا وانجلترا وروسيا والنمسا سابقا. خاصة نابليون الثالث وملك انجلترا إدوارد السابع.
الروايات المشاكسة؛ هي التي تقبل أن نبعثر ذواتنا في شخصوها، ونكلفها بمهمة زعزعة الاستبطانات وطنطنة جرة الذاكرة. قد تكون بطلة أو محايدة أو ساذجة أو على شاكلة حيوانات؛ كما الحال مع رواية " مزرعة الحيوان" التي سخرت من ستالين، وقد كان جورج يعشق أن يسميها " اتحاد الجمهوريات الاشتراكية الحيوانية"، نكاية في الاتحاد السوفياتي ساعتها. لكن ما شدني حقيقة إلى جورج أورويل، وانسجاماته مع قناعاته اليسارية رواية" متشردا في باريس ولندن"، ستكشف لنا عن هيمنة الرأسمالية، فتخلق لنا جيلا ضائعا وسط تبني فكرة التحرر إلى الانجراف وسط متاهات البطالة والجوع الممنهج، لدرجة يمكنك أن ترهن ملابسك التي تلبسها، ترهن أحلامك، ترهن أحاسيسك، مشاعرك الخلاقة، وتنساق للاستلاب وللاغتراب لعدو يحسن ثقافة الأرباح، ويتحول الكل إلى أداة تحكمها قوانين الربح والخسارة والصفقات. فتلاحقك أعمال العبودية الجديدة، وتبلور نفسا انتقاميا من الذات والعالم، من خلال ساعات العمل الطويلة، المشينة؛ كغاسل الصحون، الشاهد على حقيقة المطاعم عوض الأبهة المرسومة على الطاولات في الأبهاء.
ما كان يهمني شخصيا هو الدلالة المتحيزة لمعطيات يسارية تنسجم مع حدة الكراهية للستالينية في كل أعمال جورج أورويل تقريبا، ومقت النظام الشمولي. وعلى النقيض كذلك مقت الرأسمالية الجاثمة على كل شيء، وهذا ما ستؤكده رواية "1984" من خلال بطل الرواية وينستون سميث، الذي بلغت مماراته وتخوفاته من كل شيء أقصى العذابات النفسية. وما حيرني شخصيا هو جورج أنه كان يعمل نادلا في الفنادق الفخمة لجني المال، محتكا بالبرجوازية الجديدة.
أليست هذه الهوة النفسية لجورج أورويل كانت تنازعه بين المهانة والتمرد؟
هشام ناجح
مدينة بياريتز الساحلية تبدو صاخبة في الصيف عكس فصل الشتاء. تقتات من فوضى الناس الهاربة من حمأة القيظ. لهذا كان جورج أورويل يعلم بوسعه أن يجد عمل نادل في فندق "القصر" المطل على الساحل الأطلسي. مكان استراحة ملوك فرنسا وانجلترا وروسيا والنمسا سابقا. خاصة نابليون الثالث وملك انجلترا إدوارد السابع.
الروايات المشاكسة؛ هي التي تقبل أن نبعثر ذواتنا في شخصوها، ونكلفها بمهمة زعزعة الاستبطانات وطنطنة جرة الذاكرة. قد تكون بطلة أو محايدة أو ساذجة أو على شاكلة حيوانات؛ كما الحال مع رواية " مزرعة الحيوان" التي سخرت من ستالين، وقد كان جورج يعشق أن يسميها " اتحاد الجمهوريات الاشتراكية الحيوانية"، نكاية في الاتحاد السوفياتي ساعتها. لكن ما شدني حقيقة إلى جورج أورويل، وانسجاماته مع قناعاته اليسارية رواية" متشردا في باريس ولندن"، ستكشف لنا عن هيمنة الرأسمالية، فتخلق لنا جيلا ضائعا وسط تبني فكرة التحرر إلى الانجراف وسط متاهات البطالة والجوع الممنهج، لدرجة يمكنك أن ترهن ملابسك التي تلبسها، ترهن أحلامك، ترهن أحاسيسك، مشاعرك الخلاقة، وتنساق للاستلاب وللاغتراب لعدو يحسن ثقافة الأرباح، ويتحول الكل إلى أداة تحكمها قوانين الربح والخسارة والصفقات. فتلاحقك أعمال العبودية الجديدة، وتبلور نفسا انتقاميا من الذات والعالم، من خلال ساعات العمل الطويلة، المشينة؛ كغاسل الصحون، الشاهد على حقيقة المطاعم عوض الأبهة المرسومة على الطاولات في الأبهاء.
ما كان يهمني شخصيا هو الدلالة المتحيزة لمعطيات يسارية تنسجم مع حدة الكراهية للستالينية في كل أعمال جورج أورويل تقريبا، ومقت النظام الشمولي. وعلى النقيض كذلك مقت الرأسمالية الجاثمة على كل شيء، وهذا ما ستؤكده رواية "1984" من خلال بطل الرواية وينستون سميث، الذي بلغت مماراته وتخوفاته من كل شيء أقصى العذابات النفسية. وما حيرني شخصيا هو جورج أنه كان يعمل نادلا في الفنادق الفخمة لجني المال، محتكا بالبرجوازية الجديدة.
أليست هذه الهوة النفسية لجورج أورويل كانت تنازعه بين المهانة والتمرد؟
هشام ناجح