لطالما سألت نفسي كثيراً: هل توجد سن معينة، يتقاعد بعدها الكاتب عن كتابته، أسوة بسِنّ التقاعد الرسمية التي نجدها في الوظائف الحكومية؟، وهل يمكن أن تشيخ الكتابة بشيخوخة الجسد، وتنتج ما يسيء إلى تاريخ الكاتب، بدلاً عن الإضافة الحقيقية إلى هذا التاريخ؟
في رأيي الشخصي، نعم، فالكاتب أسوة بأي كائن بشري، له طفولته، ومراهقته وصباه، وسنّ حكمته، ثم شيخوخة لابد منها لتكتمل دورة الحياة العادية، وإذا طَبَّقْنا هذا المبدأ على المسألة الإبداعية، والتي تشكل الذاكرة جزءاً كبيراً وحيوياً منها، نجد بالفعل مراهقة إبداعية، وصبا وفتونة، وعمراً ناضجاً متوهجاً، ثم عمراً آخر يتَّسم بالنسيان. وبالتالي كل ما ينتج فيه إما إعادة لما كتبه المبدع من قبل أيام أن كان متوهجاً، وإما كتابات بدائية، ينقصها كثير من التحليق، وكثير من خيال الكتابة الحقة.
وفي تاريخ الكتابة الطويل، توقف كثيرون عن الإبداع بمحض إرادتهم، بمجرد بلوغهم سنّاً معينة، وكان هذا في رأيي خوفاً من خوض تجارب جديدة لا ترقى لمستوى تجاربهم السابقة، بينما استمر آخرون في الدرب، غير عابئين بما قد تحدثه تجاربهم الجديدة، في أذهان عشاق عرفوهم من قبل وأحبّوهم كثيراً، وقد ذكرت من قبل في شهادة لي عن الراحل العظيم الطيب صالح، أنه عرف جيداً متى يتوقف، وأين، تماماً مثل لاعب الكرة النجم الذي يعتزل المباريات، وهو ما زال في أوج تألُّقه، ويستطيع الجري وإحراز الأهداف، وهو ما يفعله عادة في مهرجان الاعتزال الذي يقام له. كان بإمكان الطيب أن يستمر سنوات أخرى، وأن يكتب موسم هجرة آخر، وعرس زين آخر لكنه لم يفعل، ورحل، وكان تاريخه هو تاريخه نفسه، ذلك الذي لن تغيِّره كتابة متأخرة.
بالنسبة للكولومبي الأعظم في تاريخ الكتابة، غابرييل جارثيا ماركيز، كان الأمر مختلفاً، فماركيز الذي أنتج: «في ساعة نحس» وهو صبي، و«مئة عام من العزلة»، وهو في سن الشباب، و«الحب في زمن الكوليرا»، وهو في سن النضج العظيمة، كتب بعد ذلك:«ذكرى غانياتي الحزينات»، تأثراً برواية الياباني ياسوناري كواباتا «الجميلات النائمات»، كما هو معروف، وكما ذكر ذلك هو نفسه، وإذا كانت رواية «كواباتا»، هي الأصل وهي الطازجة والناضجة جداً، فـ«ذكرى غانياتي الحزينات»، لم تكن أكثر من كتابة (شيخة)، لروائي عظيم، كان من الممكن أن لا يكتبها، ويظل التاريخ الإبداعي الذي يحمله نظيفاً من خدوش فكرة لم تكن فكرته، ومعالجة لم تكن كمعالجاته السابقة.
لقد قرأت في مواقع القرّاء تعليقات بالعربية والإنجليزية، عن «ذكرى غانياتي الحزينات»، وكان معظمها يردِّد أن ماركيز قد تعب، وروايته القصيرة هذه، لم تضف جديداً سوى لكتابته شخصياً، أو للكتابة الإبداعية عموماً.
على نهج ماركيز، ما زال بعض الكتّاب اللامعين في العالم يسيرون، فما زالت مارجريت أتوود تكتب، ونادين غورديمر تكتب،وماريو بارغاس يوسا، صاحب «مديح الخالة»، يكتب، وما زال كتّاب في بلادنا العربية يكتبون، فهل ستكون كتابتهم هي كتابتهم نفسها، أم ترى يستعيدون ما كان ماضياً متوهِّجاً، وانطفأ؟.
في رأيي الشخصي، نعم، فالكاتب أسوة بأي كائن بشري، له طفولته، ومراهقته وصباه، وسنّ حكمته، ثم شيخوخة لابد منها لتكتمل دورة الحياة العادية، وإذا طَبَّقْنا هذا المبدأ على المسألة الإبداعية، والتي تشكل الذاكرة جزءاً كبيراً وحيوياً منها، نجد بالفعل مراهقة إبداعية، وصبا وفتونة، وعمراً ناضجاً متوهجاً، ثم عمراً آخر يتَّسم بالنسيان. وبالتالي كل ما ينتج فيه إما إعادة لما كتبه المبدع من قبل أيام أن كان متوهجاً، وإما كتابات بدائية، ينقصها كثير من التحليق، وكثير من خيال الكتابة الحقة.
وفي تاريخ الكتابة الطويل، توقف كثيرون عن الإبداع بمحض إرادتهم، بمجرد بلوغهم سنّاً معينة، وكان هذا في رأيي خوفاً من خوض تجارب جديدة لا ترقى لمستوى تجاربهم السابقة، بينما استمر آخرون في الدرب، غير عابئين بما قد تحدثه تجاربهم الجديدة، في أذهان عشاق عرفوهم من قبل وأحبّوهم كثيراً، وقد ذكرت من قبل في شهادة لي عن الراحل العظيم الطيب صالح، أنه عرف جيداً متى يتوقف، وأين، تماماً مثل لاعب الكرة النجم الذي يعتزل المباريات، وهو ما زال في أوج تألُّقه، ويستطيع الجري وإحراز الأهداف، وهو ما يفعله عادة في مهرجان الاعتزال الذي يقام له. كان بإمكان الطيب أن يستمر سنوات أخرى، وأن يكتب موسم هجرة آخر، وعرس زين آخر لكنه لم يفعل، ورحل، وكان تاريخه هو تاريخه نفسه، ذلك الذي لن تغيِّره كتابة متأخرة.
بالنسبة للكولومبي الأعظم في تاريخ الكتابة، غابرييل جارثيا ماركيز، كان الأمر مختلفاً، فماركيز الذي أنتج: «في ساعة نحس» وهو صبي، و«مئة عام من العزلة»، وهو في سن الشباب، و«الحب في زمن الكوليرا»، وهو في سن النضج العظيمة، كتب بعد ذلك:«ذكرى غانياتي الحزينات»، تأثراً برواية الياباني ياسوناري كواباتا «الجميلات النائمات»، كما هو معروف، وكما ذكر ذلك هو نفسه، وإذا كانت رواية «كواباتا»، هي الأصل وهي الطازجة والناضجة جداً، فـ«ذكرى غانياتي الحزينات»، لم تكن أكثر من كتابة (شيخة)، لروائي عظيم، كان من الممكن أن لا يكتبها، ويظل التاريخ الإبداعي الذي يحمله نظيفاً من خدوش فكرة لم تكن فكرته، ومعالجة لم تكن كمعالجاته السابقة.
لقد قرأت في مواقع القرّاء تعليقات بالعربية والإنجليزية، عن «ذكرى غانياتي الحزينات»، وكان معظمها يردِّد أن ماركيز قد تعب، وروايته القصيرة هذه، لم تضف جديداً سوى لكتابته شخصياً، أو للكتابة الإبداعية عموماً.
على نهج ماركيز، ما زال بعض الكتّاب اللامعين في العالم يسيرون، فما زالت مارجريت أتوود تكتب، ونادين غورديمر تكتب،وماريو بارغاس يوسا، صاحب «مديح الخالة»، يكتب، وما زال كتّاب في بلادنا العربية يكتبون، فهل ستكون كتابتهم هي كتابتهم نفسها، أم ترى يستعيدون ما كان ماضياً متوهِّجاً، وانطفأ؟.