في مجموعتها " خسوف جزئي " الذي ضم 107 قصائد هايكو ميديا شيخة تتبادل معطيات الحواس المتمثلة بصور العواطف والمشاعر المتداخلة ومن خلال امتلاك ذلك الفيض الوجداني الذي تتألف وتتناغم فيه معطيات الحواس المختلفة.
قراءة / أيمن دراوشة
-=-=-=-=-
فن الهايكو جنس أدبي ياباني اقتحم أدبنا بكل قوة، فكان من العناصر الجاذبة للشعراء، ومغامرة من لدن الشعراء لخوض تجربته، مما ساهم في إثراء وإغناء أدبنا العربي وكذلك إنعاش الشعر العربي والأوساط الثقافية والأدبية على حد سواءز
من أبرز مقومات هذا الشعر اعتماده على الاختزال والتكثيف في جمله ، وكذلك النهاية القاسمة كالبرق الخاطف، ومحاكاة الحياة الطبيعة وجمالهما بتخيلات مبتكرة دون مشاهده فعلية، ولكنها موجودة ...
الشاعرة ميديا شيخة من الشاعرات اللواتي خضن هذه التجربة من خلال كتابتها لقصائد الهايكو في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي ، فصدر لها كتاب الهايكو خسوف جزئي التذي تضمن 107 قصائد هايكو عكست احترافية الشاعرة وموهبتها الفنية التي أثبتت براعتها وتميزها في هذا الفن الجديد الجميل.
لم يقتصر اهتمام الشاعرة التزامها بمقومات شعر الهايكو فقط، وإنما تجاوزت ذلك بانتقاء عناوين تجذب القارئ، وتضعه في حالة ترقب وشوق لنتائج سرد هذا العنوان، وقد اتضح هذا من خلال عنوان كتابها " خسوف جزئي " ولم تقل خسوف كلي مما يضعنا في دائرة التأويل والاستقصاء.
إن عملية صياغة الصورة في شعر الهايكو تستلزم خبرة وكفاءة عالية لا تتوفر عند الكثير من محترفي هذا الشعر، وقد نجح البعض فيها على مستوى ممتاز في أغلب أشعارهما.
في أكثر نصوصها الهايكوية قامت الشاعرة بتوظيف لغة صورية حملت الدلالات وكثفت من حالة الشعور الكلي للقصيدة ، فكانت لغتها عنصر جمالي يؤدي فعله بمفرده كجزء مستقل، ومع غيره داخلا في السياق اللغوي.
غنها هايكوات طعِّمت بالطاقة الشعرية لتنطق بكل الدلالات اللفظية وكل المعاني التي جمعها العنوان المثير " خسوف جزئي "
نكبة
سأخبرُكَ بوطنٍ ضيعني
أعتذرُ !!!
هل لا زالَ السيابُ
يغني أنشودةَ المطرِ؟
ومن خلال متابعتي لكثير من نصوص الكاتبة، وجدت أنها متكاملة أو فلنقل شبه متكاملة حتى لا يخوننا التعبير، في خلق نصوص ذات مهارة تركيبية وحسية في مضامين – الخيال والعاطفة ... وكذلك بتوظيف أدواتها من استعارة ومجاز ورمز وتشبيهات ولغة... واللغة عند الشاعرة توظيف شعري متعدد الأشكال والوظائف وتجسيم للانفعال بقالب وحسن جمالي فتَّان.
والذي أردت قوله من خلال هذا الاستعراض لكتاب الشاعرة ميديا هو اهتمامها وتركيزها على الصورة الشعرية ، وكذلك من ناحية الاختزال والتكثيف ... لهذا فلا عجب أن تكون هذه النصوص الهايكوية باذخة جمالا وصادمة خاتمة... بل مرآة عاكسة للواقع الفعلي والملموس وفي الفلسفة والأفكار والواقعية الاجتماعية وغيرها.
شاشة عرض
حُكَّامٌ ممثلون
ممثلونَ حكَّامٌ
خشبةُ المسرحِ تئنُ
المخرجُ يتأملُ رقعةَ الشطرنجِ
ولذا فإنه يمكن أن نطلق عليها وحدة معمارية أو تركيبية لأنها تنصب على البنية ولكن في مفهوم خارجي وليس في قصد تعبيري.
ومن مستلزمات العمل الفني الجيد أن يتوافر في النص منطق ترابطي تكون الصورة أو الصور المستخدمة مغذية له بأنساق خفية وهما يتفاعلان في محيط الدائرة، حتى لا تتكدس الصور وتنفصل عن جاذبية المركز الأساسي، فتهرب القصيدة وتدور في فراغ يتشتت فيه كل شيء...
فللنظر إلى هذه الصورة المخلقة والتي حملت عنوان "سفر قلب" على سبيل المثال لا الحصر:
سِفرُ القلبِ
طريقٌ نحو الهاوية
قلب يشقُّ في الأفق
دربًا للنجاةِ
إنها صورة ذات صوغ خيالي مهيب، يستحيل ولا يجوز تجزئة كثافته المتواكبة، وهي تشكيل خلقته عبقرية ميديا الجامحة تستقطر من دفقة إبداع مثير للدهشة وللذهول تلك الصورة المصفاة والممتدة في كبرياء، وهي في انثيالها تتعدى تخوم الصور المملة ورتابة التفصيلات العقيمة، وهي بذلك تمتلك النفثة الروحية بدءًا من طريقٌ نحو الهاوية ومرورًا بها قلب يشق في الأفق، وانتهاء لهادربا للنجاة.
في نص الهايكو غروب
غروب
مئةُ عامٍ من العزلةِ
غروبُ شمسٍ
غابةُ السيابِ تحتضرُ..!!
نلهث وراء تنويعات تصويرية، ورسم إيقاع فني متلاحق محكم فمن مئة عام من العزلة إلى غروب الشمس حتى احتضار غابة السياب حيث تكاد لحيوية الأداء وشفافية الصوغ المتألق أن نلمس وأن نشم وأن نشاهد ذلك الغروب.
لقد تماسكت صور الشاعرة مع سواها، واسمدت حيويتها من شرايين تضامنها في جسد النصوص مجتمعة فشكلت النصوص بنية تحتية قوية لا يمكن أن تنهار.
موت
قرأتُ الصحيفةَ
ألفَ مرةٍ
القطارُ لا يزالُ في المحطةِ!
إن الصورة تشي بلهيب الانتظار وضيق ضائق بكل شيء، وتضخيم المعاناة ، ويظل الشجن الروحي يتدفق موجات هاربة من لزوجة الكون، وبلادة الوجود من غير مباشرة ولا حشو.
لقد جاءت قصائد الكتاب اختزالا خاطفًا اتكأت صاحبته على حشد مجازي ربما كان عوضا عن لقطة سريعة، واتكاء الصورة على البث الإيحائي ومن خلال الإيهام الوجداني لتتجاوز الصورة تخوم الواقع الحرفي ، ويتخلق لها- وبها- وجود مجازي ينافس الوجود المادي.
قراءة / أيمن دراوشة
-=-=-=-=-
فن الهايكو جنس أدبي ياباني اقتحم أدبنا بكل قوة، فكان من العناصر الجاذبة للشعراء، ومغامرة من لدن الشعراء لخوض تجربته، مما ساهم في إثراء وإغناء أدبنا العربي وكذلك إنعاش الشعر العربي والأوساط الثقافية والأدبية على حد سواءز
من أبرز مقومات هذا الشعر اعتماده على الاختزال والتكثيف في جمله ، وكذلك النهاية القاسمة كالبرق الخاطف، ومحاكاة الحياة الطبيعة وجمالهما بتخيلات مبتكرة دون مشاهده فعلية، ولكنها موجودة ...
الشاعرة ميديا شيخة من الشاعرات اللواتي خضن هذه التجربة من خلال كتابتها لقصائد الهايكو في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي ، فصدر لها كتاب الهايكو خسوف جزئي التذي تضمن 107 قصائد هايكو عكست احترافية الشاعرة وموهبتها الفنية التي أثبتت براعتها وتميزها في هذا الفن الجديد الجميل.
لم يقتصر اهتمام الشاعرة التزامها بمقومات شعر الهايكو فقط، وإنما تجاوزت ذلك بانتقاء عناوين تجذب القارئ، وتضعه في حالة ترقب وشوق لنتائج سرد هذا العنوان، وقد اتضح هذا من خلال عنوان كتابها " خسوف جزئي " ولم تقل خسوف كلي مما يضعنا في دائرة التأويل والاستقصاء.
إن عملية صياغة الصورة في شعر الهايكو تستلزم خبرة وكفاءة عالية لا تتوفر عند الكثير من محترفي هذا الشعر، وقد نجح البعض فيها على مستوى ممتاز في أغلب أشعارهما.
في أكثر نصوصها الهايكوية قامت الشاعرة بتوظيف لغة صورية حملت الدلالات وكثفت من حالة الشعور الكلي للقصيدة ، فكانت لغتها عنصر جمالي يؤدي فعله بمفرده كجزء مستقل، ومع غيره داخلا في السياق اللغوي.
غنها هايكوات طعِّمت بالطاقة الشعرية لتنطق بكل الدلالات اللفظية وكل المعاني التي جمعها العنوان المثير " خسوف جزئي "
نكبة
سأخبرُكَ بوطنٍ ضيعني
أعتذرُ !!!
هل لا زالَ السيابُ
يغني أنشودةَ المطرِ؟
ومن خلال متابعتي لكثير من نصوص الكاتبة، وجدت أنها متكاملة أو فلنقل شبه متكاملة حتى لا يخوننا التعبير، في خلق نصوص ذات مهارة تركيبية وحسية في مضامين – الخيال والعاطفة ... وكذلك بتوظيف أدواتها من استعارة ومجاز ورمز وتشبيهات ولغة... واللغة عند الشاعرة توظيف شعري متعدد الأشكال والوظائف وتجسيم للانفعال بقالب وحسن جمالي فتَّان.
والذي أردت قوله من خلال هذا الاستعراض لكتاب الشاعرة ميديا هو اهتمامها وتركيزها على الصورة الشعرية ، وكذلك من ناحية الاختزال والتكثيف ... لهذا فلا عجب أن تكون هذه النصوص الهايكوية باذخة جمالا وصادمة خاتمة... بل مرآة عاكسة للواقع الفعلي والملموس وفي الفلسفة والأفكار والواقعية الاجتماعية وغيرها.
شاشة عرض
حُكَّامٌ ممثلون
ممثلونَ حكَّامٌ
خشبةُ المسرحِ تئنُ
المخرجُ يتأملُ رقعةَ الشطرنجِ
ولذا فإنه يمكن أن نطلق عليها وحدة معمارية أو تركيبية لأنها تنصب على البنية ولكن في مفهوم خارجي وليس في قصد تعبيري.
ومن مستلزمات العمل الفني الجيد أن يتوافر في النص منطق ترابطي تكون الصورة أو الصور المستخدمة مغذية له بأنساق خفية وهما يتفاعلان في محيط الدائرة، حتى لا تتكدس الصور وتنفصل عن جاذبية المركز الأساسي، فتهرب القصيدة وتدور في فراغ يتشتت فيه كل شيء...
فللنظر إلى هذه الصورة المخلقة والتي حملت عنوان "سفر قلب" على سبيل المثال لا الحصر:
سِفرُ القلبِ
طريقٌ نحو الهاوية
قلب يشقُّ في الأفق
دربًا للنجاةِ
إنها صورة ذات صوغ خيالي مهيب، يستحيل ولا يجوز تجزئة كثافته المتواكبة، وهي تشكيل خلقته عبقرية ميديا الجامحة تستقطر من دفقة إبداع مثير للدهشة وللذهول تلك الصورة المصفاة والممتدة في كبرياء، وهي في انثيالها تتعدى تخوم الصور المملة ورتابة التفصيلات العقيمة، وهي بذلك تمتلك النفثة الروحية بدءًا من طريقٌ نحو الهاوية ومرورًا بها قلب يشق في الأفق، وانتهاء لهادربا للنجاة.
في نص الهايكو غروب
غروب
مئةُ عامٍ من العزلةِ
غروبُ شمسٍ
غابةُ السيابِ تحتضرُ..!!
نلهث وراء تنويعات تصويرية، ورسم إيقاع فني متلاحق محكم فمن مئة عام من العزلة إلى غروب الشمس حتى احتضار غابة السياب حيث تكاد لحيوية الأداء وشفافية الصوغ المتألق أن نلمس وأن نشم وأن نشاهد ذلك الغروب.
لقد تماسكت صور الشاعرة مع سواها، واسمدت حيويتها من شرايين تضامنها في جسد النصوص مجتمعة فشكلت النصوص بنية تحتية قوية لا يمكن أن تنهار.
موت
قرأتُ الصحيفةَ
ألفَ مرةٍ
القطارُ لا يزالُ في المحطةِ!
إن الصورة تشي بلهيب الانتظار وضيق ضائق بكل شيء، وتضخيم المعاناة ، ويظل الشجن الروحي يتدفق موجات هاربة من لزوجة الكون، وبلادة الوجود من غير مباشرة ولا حشو.
لقد جاءت قصائد الكتاب اختزالا خاطفًا اتكأت صاحبته على حشد مجازي ربما كان عوضا عن لقطة سريعة، واتكاء الصورة على البث الإيحائي ومن خلال الإيهام الوجداني لتتجاوز الصورة تخوم الواقع الحرفي ، ويتخلق لها- وبها- وجود مجازي ينافس الوجود المادي.