الصورةُ بلاغةً.. والبلاغةُ صورةً (بلاغة اللغة الايقونية...الصورة بوصفها بلاغة)
1
ربما لم ينتبه الكثيرون إلى صدور كتاب (بلاغة اللغة الايقونية... الصورة بوصفها بلاغة) للدكتور شاكر لعيبي، ربما بسبب طبيعة بحثه التي تتناول موضوعا يتعلق بالبصري الذي هو حقل بعيد عن اهتمامات الكثير من القراء وحتى المثقفين لأنهم يعتبرونه أمرا خارج اختصاصاتهم، وهو أمر يلقي بظلاله المحزنة على واقع الفن والنقد التشكيلي تحديدا حيث يعاني هذا النمط من الكتابة غربة مضاعفة حينما تضاف له غربته داخل حقل الثقافة هو الآخر، والدكتور شاكر لعيبي مقيم في تونس ويعمل أستاذا في تدريس السيمياء الحديثة قي جامعة قابس هو شاعر عراقي له عدة دواوين وبحوث في ميدان الشعر عامة، والشعر العراق خاصة، كما هو أـيضاً ناقد ومنظر وكاتب في الفن وتاريخه، وفي السينمائيات البصرية.
2
طرفا الصورة
منذ عنوان كتابه كان المؤلف (يداور) بين (طرفي) الصورة، وهو ما فعلناه تنصيصا عليه في عنوان مقالنا هذا، في اللعب على (المداورة) بين الصورة البصرية كطرف، والمجاز الشعري طرفا آخر لاعتبارهما طرفي القضية، أو شكلي تمظهرهما؟ بين الصورة (بمعنى العلامة البصرية) وبين الصورة في اللغة المنطوقة، فهو يؤسس عنوانه على ثنائي الصورة (البصرية) مقابل اللغة المنطوقة، فيبين عنوان كتابه على تعاكس مرآوي بين طرفي هذه الثنائية، تقديماً وتأخيراً بين طرفيها، (مداورة) ودونما تصريح “بلاغة اللغة الايقونية... الصورة بوصفها بلاغة” وبذلك فهو يدلل منذ العنوان بأنه: أولاً، يقف ضمن الاتجاه السيميولوجي الذي يعتبر السيميولوجيا جزءا من اللسانيات حينما يؤكد منذ السطر الأول في الكتاب على ذلك “ما زالت اللغة المنطوقة على ما يبدو ضرورة في قراءة اللغة البصرية” إلا انه ومنذ السطر الثالث من الكتاب، ينتقل إلى مستوى آخر في هذه القضية حينما يميز بين مستويي البداهة في استخدام اللغة فيدعو إلى ترك المستوى المباشرة والنفعي في استخدام الألفاظ المتواطأ عليها اجتماعياً، ويؤكد ان ما يهمنا هنا “المستوى غير المباشر الجمالي الذي يقول المعاني ذاتها بشكل غير مباشر: مداورة،ويكون وقعه في أغلب الأحوال أعمق”، إلا أننا، ومنذ الصفحة الثانية (في النص)، المرقمة (6) بالتسلسل العام للكتاب نكتشف ان مقاصد المؤلف ليست كذلك إلا بهدف إيجاد آلية مرحّلة من اللغة إلى حقل الصورة البصرية، تلك الآلية التي هي الاستعارة او المجاز والتي تتضمن معنى (الانحراف)، وبذلك فهو يستعيد ذات الآلية التي كرس لها مؤلفا كتاب (الشعر والرسم) اهتمامهما لها باعتبارها الآلية الأكثر فاعلية لدراسة (الصورة الشعرية)، وبذلك فإننا نتقل إلى مستوى أعمق من قضية استنطاق العلاقات بذاتها، او استنطاقها بمعونة اللغة المنطوقة. ويبدو المؤلف وكأنه قد شعر بالخوف من ان يوجس القراء في أنفسهم ريبة فيؤكد “عندما يتعلق الأمر بالبلاغة الصورية، لا يتعلق الأمر، بحال من الأحوال، بعمل تلفيقي، ولا باستجلاب قسري لمصطلحات حقل إلى حقل مختلف، ولا بتقويل البصري ما تقوله البلاغات اللفظية” والسبب برأي المؤلف يتعلق “بامتلاك البصري، بطبعه أصلاً، بلاغة تأويليه ومجازات تتماس مع المجازات اللفظية المعهودة” ويماثل المؤلف بين المجاز اللغوي والصورة البصرية هنا في قوله “ان المجازات اللفظية هي ( انحراف متعمد) للغة عن استخدامها القاموسي... والصورة image بطبعها تتضمن شيئاً يمكن ان يوصف بالمجازي طالما فيها موضوعاً غائباً فعلياً لكنه حاضر دلالياً: لوجود الغائب” لذلك فهو يستنتج ان “المهم في الصورة ليس ما يحضر فيها ولكن ما يغيب” ونحن ربما تختلف معه في إعطاء الأهمية (لما يغيب) من الصورة، فأن ذلك سيؤدي إلى نقل الصورة من اعتبارها (واقعة شيئية) من خلال عناصرها الشيئية إلى معاملتها باعتبارها موضوعاً سردياً وفي ذلك تخسر الصورة جزءا من وجودها الشيئي.
3
البلاغة والمشابهة
يعيب شاكر لعيبي على بعض البلاغيين العرب لتبسيطهم للمجاز بأنه “فكرة (المشابهة) بين دالين”، ورغم ان فكرة التشاكل الصوري بين (حقلين صوريين) لا تختلف كثيراً عن محاولة تصنيف المجازات الايقونية التي أجراها المؤلف والتي اعتبر فيها دروس البلاغة “تقدم بضعة مفهومات مفيدة عن مفهوم التشبيه” وكانت تلك المفهومات لا تعدو ان تكون ذاتها التي اعتبرها تبسيطاً للقضية وهي “ إقامة مماثلة بين أمرين أو أكثر قصد اشتراكها في صفة أو أكثر بأداة لغرض مقصود” بينما يؤكد في الوقت ذاته أن “في اللغة الأيقونية نجد تماثلات بين أمرين مرئيين بسبب اشتراكهما في صفة أو أكثر بأداة لغرض مقصود” بينما يؤكد في الوقت ذاته ان “في اللغة الايقونية نجد تماثلات بين أمرين مرئيين بسبب اشتراكهما في صفة أو أكثر” وبذلك سنعود إلى المربع الأول وهو ان (التشاكل الصوري) عند مؤلفي كتاب (الشعر والرسم) والى غيرها من المفهومات التي تدرس الصورة الشعرية من خلال الصورة البصرية وهي ذاتها التي نجدها هنا حيث يحاول شاكر لعيبي ان يدرس الصورة البصرية من خلال مجاز الصورة الشعرية، أي استخدام المفهومات ذاتها، وبذلك تتحقق ذات البنية الدورانية والمرآوية جيئة وذهاباً بين ان تكون أولاهما أصلاً للثانية، وثانيهما، في الوقت ذاته، أصلاً للأولى، وفي كلتا الحالتين نجد سبباً قوياً لهما يربط الشعر بالرسم من خلال نقطة الالتقاء هي الصورة بنمطيها البصري والشعري.
4
البلاغتان اللغوية والايقونية
يستعرض المؤلف تحت عنوان (تأصيل العلاقة بين البلاغتين اللغوية والايقونية في التراث) ويثبت إقرار “الفلاسفة المناطقة المسلمين بأغتراف الشعر والتصوير كليهما من (التشبيه)، والمراد بذلك هو سعي الفنين لمحاكاة الطبيعة وهذه هي فكرة ارسطرطاليسية عن جدارة”. ويستشهد المؤلف بقول الفارابي عن العلاقة بين الشعر والصورة البصرية، “ان فعليهما جميعا التشبيه، وغرضهما إيقاع المحاكيات” ويستشهد بأقوال أخرى لابن سينا وابن رشد وأخوان الصفا والجرجاني، وكلها “نصوص تشدد بشكل رئيس على مشكلة المحاكاة المختصرة إلى مصطلح بلاغي سائد في المجاز العربي وهو التشبيه”.
ويقرر المؤلف تحت عنوان “حدود المعاني في اللغة المنطوقة وتعددها في اللغة الأيقونية”، سعة حدود تأويل الصورة مقارنة باللغة وذلك “لان من النوادر ان تفرض الصورة فرضا معنى وحيدا واحدا وهو ما يحصل غالبا عندما يجري التعبير بالكلام. وهو ما يقصد بالمصطلح المكيف للصورة (تعدد المعاني poly semie )، لذلك فهو يؤكد طوال الكتاب بطريقة مختلفة بين الشد والارتخاء “اتساع حقول تأويل الصورة بالنسبة للمشاهدين، “إزاء نص مكتوب يضل حقل التأويل فيه أقل أتساعا قليلا، أقل فحسب لأنه متسع كذلك على طريقته، ولكنه ملموم إلى حد واضح، ومقارنة بالبصري دائما” وهي القضية الثانية التي ربما نختلف فيها معه أيضا فنحن نقول ان من الصعوبة الاتفاق بشكل مطمئن مع مقارنات كهذه في أمور ليست معيارية تماما. وتحت عنوان (تعدد المعاني في البلاغتين اللغوية الايقونية) يُرجع أسباب ذلك التعدد إلى ان “تعدد المعاني اقل مرونة في اللغة المنطوقة بالمقارنة مع اللغة الايقونية وذلك راجع برأيه إلى مفهوم التماثل، وهو وجود تشابه بين العلاقة التماثلية ومدلولها، بينما لا تشابه بين العلاقة الرقمية (في اللغة المنطوقة) لمدلولها، أي ان علاقتهما اعتباطية، لذا فان العلامات التماثلية ذات صفة عالية وهي تنطلق من الملموس الحسي لأنها تشير إلى شيء مدرك، ملموس ومخصص بينما تقول العلامات الرقمية (اللغوية) معناها انطلاقا من التجريد، فكلمة (أم) لا تشير إلى (أم) محددة مخصوصة كما يفعل الفوتوغراف أما السبب الأخير فهو وجود استمرارية بين العلامات التماثلية، فإذا ما تشابهتا فان دالهما يضل هو نفسه، أو انه يضل متشابها، إلا ان هذين النمطين العلاماتيين حينما يشتغلان في حقل المجاز فأنهما (يتماسان) فيحيل بعضهما بعضا ضمن الحقل الدلالي الواحد الواسع، فنرى أدوات التشبيه بعيوننا في الصورة البصرية، ونقرؤها في المنطوقة” وان تعدد المعاني برأي المؤلف هو ضروري في تأويل الصورة وقراءتها، حيث يمكن للصورة ان تقول عدة معان في ان واحد، كما هي في حقيقتها تضم عدة مجازات في نفس الوقت. ويؤكد المؤلف “ان مجموعة من العلامات الصورية قد تشكل لنا مدونة بصرية نستطيع قراءتها عبر نظام العلاقات البصرية وحدها أو بمساعدة نظام لغوي مجاور”.
5
وقد ضم الكتاب نماذج تطبيقية في قراءة الصورة الفوتوغرافية تشكل علامات مهمة في تواصل البحث السيميولوجي، مما يجعل كتاب الدكتور شاكر لعيبي برأينا محاولة جادة في تناول الصورة الفوتوغرافية تناولا سيميولوجيا تطبيقيا سيشكل مقدمة لدراسات أخرى أكثر عمقا.
منقول عن جريدة الإتحاد
1
ربما لم ينتبه الكثيرون إلى صدور كتاب (بلاغة اللغة الايقونية... الصورة بوصفها بلاغة) للدكتور شاكر لعيبي، ربما بسبب طبيعة بحثه التي تتناول موضوعا يتعلق بالبصري الذي هو حقل بعيد عن اهتمامات الكثير من القراء وحتى المثقفين لأنهم يعتبرونه أمرا خارج اختصاصاتهم، وهو أمر يلقي بظلاله المحزنة على واقع الفن والنقد التشكيلي تحديدا حيث يعاني هذا النمط من الكتابة غربة مضاعفة حينما تضاف له غربته داخل حقل الثقافة هو الآخر، والدكتور شاكر لعيبي مقيم في تونس ويعمل أستاذا في تدريس السيمياء الحديثة قي جامعة قابس هو شاعر عراقي له عدة دواوين وبحوث في ميدان الشعر عامة، والشعر العراق خاصة، كما هو أـيضاً ناقد ومنظر وكاتب في الفن وتاريخه، وفي السينمائيات البصرية.
2
طرفا الصورة
منذ عنوان كتابه كان المؤلف (يداور) بين (طرفي) الصورة، وهو ما فعلناه تنصيصا عليه في عنوان مقالنا هذا، في اللعب على (المداورة) بين الصورة البصرية كطرف، والمجاز الشعري طرفا آخر لاعتبارهما طرفي القضية، أو شكلي تمظهرهما؟ بين الصورة (بمعنى العلامة البصرية) وبين الصورة في اللغة المنطوقة، فهو يؤسس عنوانه على ثنائي الصورة (البصرية) مقابل اللغة المنطوقة، فيبين عنوان كتابه على تعاكس مرآوي بين طرفي هذه الثنائية، تقديماً وتأخيراً بين طرفيها، (مداورة) ودونما تصريح “بلاغة اللغة الايقونية... الصورة بوصفها بلاغة” وبذلك فهو يدلل منذ العنوان بأنه: أولاً، يقف ضمن الاتجاه السيميولوجي الذي يعتبر السيميولوجيا جزءا من اللسانيات حينما يؤكد منذ السطر الأول في الكتاب على ذلك “ما زالت اللغة المنطوقة على ما يبدو ضرورة في قراءة اللغة البصرية” إلا انه ومنذ السطر الثالث من الكتاب، ينتقل إلى مستوى آخر في هذه القضية حينما يميز بين مستويي البداهة في استخدام اللغة فيدعو إلى ترك المستوى المباشرة والنفعي في استخدام الألفاظ المتواطأ عليها اجتماعياً، ويؤكد ان ما يهمنا هنا “المستوى غير المباشر الجمالي الذي يقول المعاني ذاتها بشكل غير مباشر: مداورة،ويكون وقعه في أغلب الأحوال أعمق”، إلا أننا، ومنذ الصفحة الثانية (في النص)، المرقمة (6) بالتسلسل العام للكتاب نكتشف ان مقاصد المؤلف ليست كذلك إلا بهدف إيجاد آلية مرحّلة من اللغة إلى حقل الصورة البصرية، تلك الآلية التي هي الاستعارة او المجاز والتي تتضمن معنى (الانحراف)، وبذلك فهو يستعيد ذات الآلية التي كرس لها مؤلفا كتاب (الشعر والرسم) اهتمامهما لها باعتبارها الآلية الأكثر فاعلية لدراسة (الصورة الشعرية)، وبذلك فإننا نتقل إلى مستوى أعمق من قضية استنطاق العلاقات بذاتها، او استنطاقها بمعونة اللغة المنطوقة. ويبدو المؤلف وكأنه قد شعر بالخوف من ان يوجس القراء في أنفسهم ريبة فيؤكد “عندما يتعلق الأمر بالبلاغة الصورية، لا يتعلق الأمر، بحال من الأحوال، بعمل تلفيقي، ولا باستجلاب قسري لمصطلحات حقل إلى حقل مختلف، ولا بتقويل البصري ما تقوله البلاغات اللفظية” والسبب برأي المؤلف يتعلق “بامتلاك البصري، بطبعه أصلاً، بلاغة تأويليه ومجازات تتماس مع المجازات اللفظية المعهودة” ويماثل المؤلف بين المجاز اللغوي والصورة البصرية هنا في قوله “ان المجازات اللفظية هي ( انحراف متعمد) للغة عن استخدامها القاموسي... والصورة image بطبعها تتضمن شيئاً يمكن ان يوصف بالمجازي طالما فيها موضوعاً غائباً فعلياً لكنه حاضر دلالياً: لوجود الغائب” لذلك فهو يستنتج ان “المهم في الصورة ليس ما يحضر فيها ولكن ما يغيب” ونحن ربما تختلف معه في إعطاء الأهمية (لما يغيب) من الصورة، فأن ذلك سيؤدي إلى نقل الصورة من اعتبارها (واقعة شيئية) من خلال عناصرها الشيئية إلى معاملتها باعتبارها موضوعاً سردياً وفي ذلك تخسر الصورة جزءا من وجودها الشيئي.
3
البلاغة والمشابهة
يعيب شاكر لعيبي على بعض البلاغيين العرب لتبسيطهم للمجاز بأنه “فكرة (المشابهة) بين دالين”، ورغم ان فكرة التشاكل الصوري بين (حقلين صوريين) لا تختلف كثيراً عن محاولة تصنيف المجازات الايقونية التي أجراها المؤلف والتي اعتبر فيها دروس البلاغة “تقدم بضعة مفهومات مفيدة عن مفهوم التشبيه” وكانت تلك المفهومات لا تعدو ان تكون ذاتها التي اعتبرها تبسيطاً للقضية وهي “ إقامة مماثلة بين أمرين أو أكثر قصد اشتراكها في صفة أو أكثر بأداة لغرض مقصود” بينما يؤكد في الوقت ذاته أن “في اللغة الأيقونية نجد تماثلات بين أمرين مرئيين بسبب اشتراكهما في صفة أو أكثر بأداة لغرض مقصود” بينما يؤكد في الوقت ذاته ان “في اللغة الايقونية نجد تماثلات بين أمرين مرئيين بسبب اشتراكهما في صفة أو أكثر” وبذلك سنعود إلى المربع الأول وهو ان (التشاكل الصوري) عند مؤلفي كتاب (الشعر والرسم) والى غيرها من المفهومات التي تدرس الصورة الشعرية من خلال الصورة البصرية وهي ذاتها التي نجدها هنا حيث يحاول شاكر لعيبي ان يدرس الصورة البصرية من خلال مجاز الصورة الشعرية، أي استخدام المفهومات ذاتها، وبذلك تتحقق ذات البنية الدورانية والمرآوية جيئة وذهاباً بين ان تكون أولاهما أصلاً للثانية، وثانيهما، في الوقت ذاته، أصلاً للأولى، وفي كلتا الحالتين نجد سبباً قوياً لهما يربط الشعر بالرسم من خلال نقطة الالتقاء هي الصورة بنمطيها البصري والشعري.
4
البلاغتان اللغوية والايقونية
يستعرض المؤلف تحت عنوان (تأصيل العلاقة بين البلاغتين اللغوية والايقونية في التراث) ويثبت إقرار “الفلاسفة المناطقة المسلمين بأغتراف الشعر والتصوير كليهما من (التشبيه)، والمراد بذلك هو سعي الفنين لمحاكاة الطبيعة وهذه هي فكرة ارسطرطاليسية عن جدارة”. ويستشهد المؤلف بقول الفارابي عن العلاقة بين الشعر والصورة البصرية، “ان فعليهما جميعا التشبيه، وغرضهما إيقاع المحاكيات” ويستشهد بأقوال أخرى لابن سينا وابن رشد وأخوان الصفا والجرجاني، وكلها “نصوص تشدد بشكل رئيس على مشكلة المحاكاة المختصرة إلى مصطلح بلاغي سائد في المجاز العربي وهو التشبيه”.
ويقرر المؤلف تحت عنوان “حدود المعاني في اللغة المنطوقة وتعددها في اللغة الأيقونية”، سعة حدود تأويل الصورة مقارنة باللغة وذلك “لان من النوادر ان تفرض الصورة فرضا معنى وحيدا واحدا وهو ما يحصل غالبا عندما يجري التعبير بالكلام. وهو ما يقصد بالمصطلح المكيف للصورة (تعدد المعاني poly semie )، لذلك فهو يؤكد طوال الكتاب بطريقة مختلفة بين الشد والارتخاء “اتساع حقول تأويل الصورة بالنسبة للمشاهدين، “إزاء نص مكتوب يضل حقل التأويل فيه أقل أتساعا قليلا، أقل فحسب لأنه متسع كذلك على طريقته، ولكنه ملموم إلى حد واضح، ومقارنة بالبصري دائما” وهي القضية الثانية التي ربما نختلف فيها معه أيضا فنحن نقول ان من الصعوبة الاتفاق بشكل مطمئن مع مقارنات كهذه في أمور ليست معيارية تماما. وتحت عنوان (تعدد المعاني في البلاغتين اللغوية الايقونية) يُرجع أسباب ذلك التعدد إلى ان “تعدد المعاني اقل مرونة في اللغة المنطوقة بالمقارنة مع اللغة الايقونية وذلك راجع برأيه إلى مفهوم التماثل، وهو وجود تشابه بين العلاقة التماثلية ومدلولها، بينما لا تشابه بين العلاقة الرقمية (في اللغة المنطوقة) لمدلولها، أي ان علاقتهما اعتباطية، لذا فان العلامات التماثلية ذات صفة عالية وهي تنطلق من الملموس الحسي لأنها تشير إلى شيء مدرك، ملموس ومخصص بينما تقول العلامات الرقمية (اللغوية) معناها انطلاقا من التجريد، فكلمة (أم) لا تشير إلى (أم) محددة مخصوصة كما يفعل الفوتوغراف أما السبب الأخير فهو وجود استمرارية بين العلامات التماثلية، فإذا ما تشابهتا فان دالهما يضل هو نفسه، أو انه يضل متشابها، إلا ان هذين النمطين العلاماتيين حينما يشتغلان في حقل المجاز فأنهما (يتماسان) فيحيل بعضهما بعضا ضمن الحقل الدلالي الواحد الواسع، فنرى أدوات التشبيه بعيوننا في الصورة البصرية، ونقرؤها في المنطوقة” وان تعدد المعاني برأي المؤلف هو ضروري في تأويل الصورة وقراءتها، حيث يمكن للصورة ان تقول عدة معان في ان واحد، كما هي في حقيقتها تضم عدة مجازات في نفس الوقت. ويؤكد المؤلف “ان مجموعة من العلامات الصورية قد تشكل لنا مدونة بصرية نستطيع قراءتها عبر نظام العلاقات البصرية وحدها أو بمساعدة نظام لغوي مجاور”.
5
وقد ضم الكتاب نماذج تطبيقية في قراءة الصورة الفوتوغرافية تشكل علامات مهمة في تواصل البحث السيميولوجي، مما يجعل كتاب الدكتور شاكر لعيبي برأينا محاولة جادة في تناول الصورة الفوتوغرافية تناولا سيميولوجيا تطبيقيا سيشكل مقدمة لدراسات أخرى أكثر عمقا.
منقول عن جريدة الإتحاد