كانوا ثلاثة عمالقة في عصر تزاحم فيه الكبار: طه حسين، وعباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم. بعكس نجيب محفوظ، مثلا، الذي لم يكتب إلا في الرواية والسيناريو، تاركا التأملات إلى أواخر العمر، كتبوا هم في كل شيء: الأدب، والفكر، والفلسفة، والتاريخ، والسيرة، والمذكرات، وفي ما قد نسيت. اثنان منهما ذهبا إلى الدراسة في باريس، طه والحكيم. العقاد بقي في القاهرة ينحت من صفائح الكتب ويحفر في غبار التاريخ. سبقاه في العلم، وجاورهما في التعلم.
ثلاثة عباقرة من مصر، طه وعباس بالطربوش الوطني.. الحكيم بالبيرية الفرنسية الشائعة يومها في أرجاء فرنسا.
لا مناسبة للكتابة عنهم، فلا يحتاجون إلى مناسبة. وأنا أعيد قراءة الثلاثة، دائما، وكيفما اتفق. أحيانا في حب مجرد وإعجاب شديد العمق. أحيانا بحثا عن سطر في موضوع، عن تذكير بموضوع. أحيانا بحثا عن صورة مصر، مصر البهية، كما رسمها عباقرة ذلك الزمان، بمحبة ورفق ورعاية.
توصلت بعد هذا العمر إلى قناعة بأن الحكيم غاب مظلوما بين الآخرين. أخذتنا الجدية والاجتهاد عند طه والعقاد، فلم ننتبه إلى عبقرية السخرية عند الحكيم ومرتبتها الأدبية. أخذنا بالفصحى الكبرى عند اثنين، فلم ننتبه كفاية إلى ذلك الخلط الساحر بينها وبين العامية الغنائية الأثيرية عند الثالث. ذهب الأولان إلى التاريخ الكبير وذهب الحكيم إلى الأرياف والترع والمأمور والوكيل وأهل البحر. والبحر كما تعرف، هو لقب النيل عند رعاياه وأهله ومراكبيته.
كان للحكيم أسلوبه، تعرفه به من هنا إلى دمياط. أسلوب ولد معه، وكانت له رؤية ساخرة صامتة لماحة إلى تخلف المجتمع. لكنه لم يقس عليه كما فعل طه، ولم ينصب نفسه معلما عليه كما فعل العقاد، بل أخذ يمازحه بعذوبة وخفة ظل مصرية وتركه يختار ويحتار. لم يبق لنا الكثير نتأمله ونسحر به، لأن الحكيم أكثر من المسرح، والمسرح لا يقرأ بعيدا عن الخشبة حتى لو كان المؤلف شكسبير. المسرح خطاب ووقع وإيقاع وعلاقة مباشرة بين النص وناقله وسامعيه.
أما ما تركه العقاد من فكر وأدب ورواية فلم يأخذ حقه رغم كل ما أخذ. نظرنا إليه دائما على أنه التالي: طه حسين وتوفيق الحكيم. العقاد والحكيم. نجيب محفوظ والحكيم. وهو لم يكن تاليا. هو لم يكن حافظ إبراهيم بعد شوقي. هو كان توفيق الحكيم
ثلاثة عباقرة من مصر، طه وعباس بالطربوش الوطني.. الحكيم بالبيرية الفرنسية الشائعة يومها في أرجاء فرنسا.
لا مناسبة للكتابة عنهم، فلا يحتاجون إلى مناسبة. وأنا أعيد قراءة الثلاثة، دائما، وكيفما اتفق. أحيانا في حب مجرد وإعجاب شديد العمق. أحيانا بحثا عن سطر في موضوع، عن تذكير بموضوع. أحيانا بحثا عن صورة مصر، مصر البهية، كما رسمها عباقرة ذلك الزمان، بمحبة ورفق ورعاية.
توصلت بعد هذا العمر إلى قناعة بأن الحكيم غاب مظلوما بين الآخرين. أخذتنا الجدية والاجتهاد عند طه والعقاد، فلم ننتبه إلى عبقرية السخرية عند الحكيم ومرتبتها الأدبية. أخذنا بالفصحى الكبرى عند اثنين، فلم ننتبه كفاية إلى ذلك الخلط الساحر بينها وبين العامية الغنائية الأثيرية عند الثالث. ذهب الأولان إلى التاريخ الكبير وذهب الحكيم إلى الأرياف والترع والمأمور والوكيل وأهل البحر. والبحر كما تعرف، هو لقب النيل عند رعاياه وأهله ومراكبيته.
كان للحكيم أسلوبه، تعرفه به من هنا إلى دمياط. أسلوب ولد معه، وكانت له رؤية ساخرة صامتة لماحة إلى تخلف المجتمع. لكنه لم يقس عليه كما فعل طه، ولم ينصب نفسه معلما عليه كما فعل العقاد، بل أخذ يمازحه بعذوبة وخفة ظل مصرية وتركه يختار ويحتار. لم يبق لنا الكثير نتأمله ونسحر به، لأن الحكيم أكثر من المسرح، والمسرح لا يقرأ بعيدا عن الخشبة حتى لو كان المؤلف شكسبير. المسرح خطاب ووقع وإيقاع وعلاقة مباشرة بين النص وناقله وسامعيه.
أما ما تركه العقاد من فكر وأدب ورواية فلم يأخذ حقه رغم كل ما أخذ. نظرنا إليه دائما على أنه التالي: طه حسين وتوفيق الحكيم. العقاد والحكيم. نجيب محفوظ والحكيم. وهو لم يكن تاليا. هو لم يكن حافظ إبراهيم بعد شوقي. هو كان توفيق الحكيم