تمهيد: هناك خياران- رئيسيان- يحددان مستقبل الامه العربية المسلمة بشعوبها المتعددة:
الخيار الأول(استمرار الاستقطاب) : الخيار الأول يقوم على ترك الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب"الصراع" السياسي،الاقتصادي،الاجتماعي"القبلي ،الطائفي..."
المجال الاجتماعي( التفتيت الطائفى) : حيث يقوم هذا الخيار- في المجال الاجتماعي – على الاستمرار في تكريس ما هو كائن ـ اى الانتقال من" تقسيم "الأمم والشعوب المسلمة (بانهيار الخلافة كرمز للوحدة الاسلاميه رغم ما شابها من أوجه قصور في مرحلتها الاخيره)، إلى "تجزئه "الامه العربية المسلمة"(اتفاقيه سيكس بيكو 1916)، إلى" تفتيت" الدولة الوطنية إلى دويلات قائمه على أسس شعوبيه أو قبليه أو طائفيه (مشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالى الصهيونى).
المجال السياسي ( مشكله التخلف الديمقراطي) : كما يقوم هذا الخيار- في المجال السياسي- على الاستمرار في الأخذ بجمله من الآليات السياسية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة التخلف الديموقراطي (السياسي)،التي تتمثل في ضعف التقاليد الديمقراطية ، نتيجة لعوامل خارجية "كالاستعمار" وداخليه "كالاستبداد" متفاعلة، ومن هذه الآليات السياسية:
ا/ الأحزاب ذات الشكل الليبرالي، والتي هي معادل سياسي للنظام الاقتصادي الرأسمالي ، والقائم على المنافسة الحرة من اجل الربح، والتي أدى شيوعها في الواقع السياسي ، إلى أن أصبحت صله هذه الأحزاب بالواقع الاجتماعي ،انعكاس لواقع تخلف النمو الوطني والقومي، فأصبحت تعبيراً سياسياً عن الانغلاق القبلي أو الطائفي، ولا يمكن التحرر من هذا الانغلاق إلا بالتحرر من هذا الشكل الليبرالي ، والتحول من نخبه سياسيه إلى طليعة للمجتمع .
ب/ الخلط بين الدولة (بما هي مجموع: السلطة"الحكومة" والأرض "الوطن" والشعب على مر الأزمان)، والنظام السياسي (بما هو السلطة "الحكومة" في زمان ومكان معين)، هذا الخلط يتمظهر في عدة ظواهر أهمها شيوع معيار الولاء بدلا من الكفاءة لدى النظم المتعاقبة ، وعدم تمييز بعض قطاعات المعارضة بين استهداف الحكومة واستهداف مؤسسات الدولة، ولا يمكن التحرر من هذا الخلط إلا بالأخذ بالكفائه كمعيار وحيد للوظيفة العامة ، والتمييز بين السلطة والدولة.
مجال العلاقة بين الدين والدولة( الاستقطاب بين الثيوقراطيه والعلمانية) : كما يقوم هذا الخيار على استمرار الاستقطاب بين النخب السياسية ، في قضيه العلاقة بين الدين والدولة ، حيث تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذاهب سياسيه تقارب مذهب الثيوقراطيه (الدولة الدينية بالمفهوم الغربي)، والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة خلط (وليست علاقة ارتباط )، وهو ما يلزم منه انفراد فرد معين أو فئة معينه بالسلطة الدينية " الروحية"(وبالتالي السلطة السياسية أيضا) دون الشعب، وهذه النخب السياسية تتجاهل حقيقة أن هذا المذهب مرفوض إسلاميا لأنه يودى إلى تحويل المطلق (الدين) إلى محدود (الدولة أو السلطة) أو العكس ، وبالتالي إضفاء قدسيه الدين على البشر ، و هو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير. كما تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذهب العلمانية والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة فصل ،(وليست علاقة تمييز) فصل الدين عن الدولة، اى فصل السلطة الدينية (الروحية) عن السلطة السياسية ، وهذه النخب تتجاهل حقيقة أن العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، تحولت إلي تيار فكرى معين ، ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى، تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم ، انتهى إلي أقامه نظام علماني في موقفه من الدين ، فردى في موقفه من المجتمع ، راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة، كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية... ، سادت أوربا نحو سبعه قرون. وبالتالي فانه بالاضافه إلى أن الحل الذي قدمته العلمانية لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة ، فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في مجتمع اسلامى ،هو أن تستبدل المفاهيم والقيم والقواعد الاسلاميه، بالمفاهيم والقيم والقواعد الغربية، لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية ، وهو مضمون التغريب.
المجال الاقتصادي(تخلف النمو الاقتصادي) : كما يقوم هذا الخيار - في المجال الاقتصادي - على الاستمرار في الأخذ بجمله من السياسات الاقتصادية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة تخلف النمو الاقتصادي ، والمتمثلة في عجزه عن الاستغلال الأمثل لموارده المادية والبشرية المتاحة له، ومن هذه السياسات الاقتصادية، اتخاذ موقف القبول المطلق للخصخصة ، وهى الاليه الاساسيه للنظام الاقتصادي الراسمالى، والذي تم تطبيقه عبر مراحل ونظم متعاقبة ، وتزايدت وتيرة تطبيقه في الفترة الاخيره ، بحجه انه في ظل هذه الخصخصة ، تم تحقيق قدر كبير من التقدم الاقتصادي ، مع تجاهل حقيقة أن الذي يستفيد من التقدم الاقتصادي ، في اى نظام اقتصادي راسمالى هم الاقليه وليس الاغلبيه.
المجال القانوني(المقياس الخاص للاستقرار): كما يقوم هذا الخيار - في المجال القانوني -على الاستمرار في الأخذ بمقياس خاص واستثنائي للاستقرار غير المقياس القانوني له ، وإذا كان المسوغ الذي يستند إليه هذا الخيار هو تحقيق الاستقرار، فان الأخذ بهذا المقاس للاستقرار لن يؤدى – على المدى البعيد- إلا إلى عدم الاستقرار ، إذ لا يستطيع أحد من الناس وهو يمارس حياته ، ويدخل في علاقات خاصة أو عامة مع غيره ،أن يعرف مقدما أن ما يقوم به يطابق أو لا يطابق مع هذا المقياس الخاص..
مجال العلاقة بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي : كما يقوم هذا الخيار – في مجال العلاقة بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي - على استمرار الاستقطاب بين القوى السياسية بين موقفين : الموقف الأول: يركز على مشكله الاستعمار الخارجي، ويتجاهل – او يقلل من أهميه- مشكله الاستبداد الداخلي، فهو يعطى الاولويه للتحرر من الاستعمار على مقاومه الاستبداد ،أما الموقف الثاني فهو يركز على مشكله الاستبداد الداخلي ، ويتجاهل – او يقلل من أهميه-مشكله الاستعمار الخارجي ، فهو يعطى الاولويه لمقاومه الاستبداد على من التبعية.
القضية الفلسطينية (الإبقاء على ما هو كائن): كما يقوم هذا الخيار- في مجال القضية الفلسطينية- على الإبقاء على ما هو كائن من احتلال صهيوني لفلسطين، وهضم لكافه الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني .
الخيار الثاني(التوافق) : أما الخيار الثاني فيقوم على وقف الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب ، والانتقال إلى التوافق " المشاركة" السياسي ، الاقتصادي، الاجتماعي...
الإصلاح: هذا الخيار يقوم على- في مجال التغيير- على إعطاء الاولويه للإصلاح كأسلوب للتغيير يتصف بالسلمية والتدرج " مع الإقرار بأن هذه الاولويه مشروطة بعدم اكتمال توافر شروط الثورة الذاتية والموضوعية"، كما أن الخيار يدعو إلى الأخذ بالرؤية الشاملة للعلاقة بين الإبعاد المتعددة للتغير، والتي تجعل العلاقة بين هذه الأبعاد المتعددة ، علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة إلغاء وتناقض ، فتجمع هذه الرؤية بين التغيير الادارى كنمط تغيير ذاتي يتصل بالأشخاص، والتغيير السياسي كنمط تغيير موضوعي يتصل بالنظم السياسية، والتغيير الحضاري كنمط تغيير يجمع بين الذاتي والموضوعي ، ويتصل بالبنية السياسية،الاقتصادية ،الاجتماعية، الثقافية ...للمجتمع "لتي تتضمن أنماط التفكير و النظم الاجتماعية".
الخيار الثاني والمبادرة الشعبية العربية الإسلامية للتوافق والإصلاح : إن خيار التوافق والإصلاح هو الخيارالوحيد ،الذي يمكن من خلاله، تقديم حلول صحيحة المشاكل التي يطرحها واقع الامه،وتنفيذ ما هو ممكن من هذه الحلول.
التوافق والإصلاح مطالب وطنيه وقوميه ودينيه"شرعيه" : والتوافق والإصلاح من أهم المطالب الوطنية والقومية والدينيه"الشرعية". فالإسلام كدين جعل الأصل والقاعدة في العلاقة بين الناس هو المشاركة - التي يمكن التعبير عنها بمصطلح التوافق- لذا عبر القران الكريم عنها القران بمصطلحات ايجابيه كالتالف كما فى قوله تعالى (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)، والتعاون كما في قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى )(2: المائدة)،والموالاة كما في قوله تعالى (المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة) .أما الصراع- الذي يمكن التعبير عنه بمصطلح الاستقطاب- فهو الفرع والاستثناء ، لذا عبر عنه القران الكريم بمصطلحات سلبيه كالعداوة والبغضاء كما في قوله تعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)(91: المائدة) ،والعدوان كما في قوله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . اتساقا مع هذا حثت الكثير من النصوص المسلمين إلى الوحدة قال تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )(آل عمران103). كما نهت الكثير من النصوص عن التفرق ، قال تعالى ( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104). لذا اعتبر علماء أهل السنة فتنه التفرق امن أعظم الفتن ، يقول الإمام ابن تيمية فى قوله (وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان، فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا).
أما الإصلاح فقد أوجبته الكثير من النصوص ، بل وجعله القران جوهر رسالات السماوية ، فوصف به إبراهيم: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾(البقرة: 130)، وعيسى ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾)آل عمران(46: ،وشعيب ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[هود: 88) يقول الإمام الرازي في تفسيره الكبير (والمعنى: ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي, وقوله ما (استطعت) فيه وجوه: الأول أنه ظرف والتقدير مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا. والثاني أنه بدل من الإصلاح, أي المقدار الذي استطعت منه. والثالث أن يكون مفعولا له أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه ).
أسس المبادرة الشعبية العربية الإسلامية للتوافق والإصلاح:ان تطبيقات خيار التوافق والإصلاح في كافه المجالات تشكل أسس مبادرة شعبيه عربيه إسلاميه للتوافق والإصلاح،والمقصود بكون هذه المبادرة شعبيه أن الالتزام بها يقع – أساسا- على عاتق القوى الشعبية، باعتبار ان تحقيق اى غاية للامه هو- أساسا- مسئوليه الامه كلها ، وليس مسئوليه فئه معينه من فئاتها فقط،كما ان المقصود بكون هذه المبادره عربيه ، إنها تتناول الهم المشترك للشعوب العربية المتعددة،دون إنكار أهميه معالجه القضايا الوطنية" المحلية " ، والمقصود بكون هذه المبادرة إسلاميه انها تنطلق من مسلمه ان الإسلام كدين هو الذي اوجد الامه العربية ، وهو الذي يشكل الهيكل الحضاري لها ، وبالتالي فان اى حل لاى مشكله يطرحها واقع الامه العربيه، لن تقبله الجماهير العربيه -حتى ولو كان صحيحا- ما لم يتسق مع المفاهيم والقيم والقواعد الكلية للإسلام كدين.
الأسس:
المجال السياسي(الحرية والشورى والديموقراطيه ): العمل المشترك على حل مشكلة التخلف الديمقراطي(السياسي)، بالأخذ بجمله من الآليات السياسية ومنها: العمل على ترسيخ الديموقراطيه (كقيمه وممارسه )،وباعتبارها نظام فني لضمان سلطه الشعب ،تتسق مع الشورى كمفهوم كلى للفلسفة السياسية الاسلاميه / إقرار الحريات والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية / تفعيل الحوار الوطني والقومي من اجل التوافق على ما هو مشترك من ثوابت الأوطان والامه/الجمع بين معياري الاغلبيه والتوافق (الديموقراطيه التوافقية )، وذلك بالتوافق على صيغه للحكم تجمع بين حكم الاغلبيه (البرلمانية)،وإقرار دور فاعل لكافه مكونات المجتمع : الاجتماعية والدينية والعرقية والوظيفية... وحفظ حقوق هذه المكونات على المستوى الدستوري / تفعيل مؤسسات المجتمع المدني...
مجال العلاقة بين الدين والدولة:(مدنيه السلطة ودينيه التشريع "مصدره الاساسى" ) : تجاوز الاستقطاب بين الثيوقراطيه(الدولة الديني بالمفهوم الغربي) والعلمانية،والانتقال إلى التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع ، ففيما يتعلق بمدنيه السلطة نجد ان المنظور السياسي الاسلامى لا يتناقض مع الدلالة العامة - المشتركة لمصطلح الدولة المدنية التي تسند السلطة للشعب، والتي يكون الحاكم فيها نائب عنه ، لا تنفرد بها دونه كمحصله لانفراده بالسلطة الروحية، لأنه استند كل من السلطة السياسية (التي عبر عنها القران الكريم بمصطلح الأمر )، والسلطة الدينية (والتي عبر عنها القران بمصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) إلى الجماعة بموجب عموم الاستخلاف، قال تعالى(وأمرهم شورى بينهم)، وقال تعالى (كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ولان الحاكم وكيل عن الجماعة ، له حق تعينها ومراقبتها وعزلها ، يقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ) (الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 7 ).أما فيما يتعلق بدينيه التشريع فان المقصود بالتشريع هنا مصدره الاساسى، وذلك بأن تكون أصول الشريعة (التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة)،هي المصدر الاساسى للتشريع،على أن تكون فروعها(التي مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة) احد مصادر التشريع ، فتكون نقطه بداية للاجتهاد التشريعي وليست نقطه نهاية له ، بالاضافه إلى مصادر أخرى للتشريع كالعرف والإسهامات القانونية للمجتمعات المعاصرة ،بشرط عدم تعارضهما مع أصول الدين، وهذا التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع " اومصدره الاساسى" يتفق مع الحل الإسلامي الصحيح ، لقضية العلاقة بين الدين والدولة،والذي يجعل العلاقة بينهما علاقة ارتباط (وليست علاقة خلط كما في الثيوقراطيه) لان السلطة في الإسلام مقيده بجمله من القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها، وعلاقة تمييز(وليست علاقة فصل كما في العلمانية)، لان الإسلام ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير.
المجال الاقتصادي(التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية): الأخذ بجمله من السياسات الاقتصادية التي تسهم في تجاوز تخلف النمو الاقتصادي ، و تحقيق التقدم الاقتصادي ومنها: الالتزام بمبدأ التنمية المستقلة / التأكيد على دور الدولة في الاقتصاد ، مع العمل على إصلاح القطاع العام/ دعم السلع الضرورية والاستراتيجيه/وضع ضوابط للسوق/ توجيه القطاع الخاص والاستثمار الاجنبى نحو المجالات الانتاجيه التي تحقق الفائدة للمجتمع، وليس المجالات الاستهلاكية على حساب المجتمع/تفعيل مؤسسات الضمان الاجتماعي، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة كالجمعيات التعاونية والنقابات/تجاوز موقفي القبول المطلق أو الرفض المطلق للخصخصة ، إلى الموقف النقدي منها قائم على: عدم خصخصة المؤسسات الإستراتيجية، وضمان ديمقراطية خصخصة المؤسسات الأخرى بالرجوع إلي الشعب ورقابه الدولة /العمل على اعتبار أن تحقيق العدالة الاجتماعية هو احد الغايات الاساسيه للنشاط الاقتصادي للدولة، وتحقيق التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي ، وعدالة توزيع نائج هذا النمو الاقتصادي....
المجال القانوني(المقياس القانوني للاستقرار) : الحفاظ على الاستقرار طبقا للمقياس القانوني،اى اتفاق علاقات الناس مع القانون .
مكافحة الفساد:وضع آليات وقوانين لمكافحه الفساد مثل : وضع ضوابط للمنافسة بين القطاعين العام والخاص كدعم القطاع العام و تفعيل الرقابة فيه ،وتحفيز العاملين به / ان يكون لكل قطاع مجالات محدده مقصورة عليه وحده / تطوير نظام اختيار وتعيين وترقية العاملين اعتمادا على مبدأ الكفائه وليس الولاء/ إصدار قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيق مبدأ من أين لك هذا...
حل مشكله التهميش : كما يقوم هذا الخيار- في مجال حل مشكله التهميش على الإقرار بمشكله التهميش باعتبار أنها مشكله ذات أبعاد متعددة " تاريخيه ، اقتصاديه ، سياسيه، عرقيه…" ، وليست ذات بعد واحد، وإنها مشكله عامه وليست مشكله خاصة، وأنها محصله تراكم تاريخي طويل، وبالتالي فان حلها على المستوى العملي يكون بالعمل المشترك والتدريجي "بالانتقال من ما هو كائن ،إلى ما هو الممكن، إلى ما ينبغي أن يكون",أما حلها على المستوى الفكري فيكون من خلال رفض مذاهب الوحدة المطلقة ، وتبنى مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات الهوية،المجال السياسي، الاقتصادي،القانوني،الثقافي….
الربط بين رفض الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي: الربط بين مشكلتي الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي،باعتبار ان الاول هو قيد داخلي على حرية الشعوب ، بينما الثاني هو قيد خارجي عليها. فالاستبداد هو قيد داخلي على حرية الشعوب لأنه انفراد اقليه (فرد او فئة) بالسلطة دون الشعب .والاستعمار هو قيد خارجي على حرية الشعوب لأنه استيلاء شعب على إمكانيات شعب أخر وتسخيرها لخدمة مصالحه.
القضية الفلسطينية (ما هو ممكن): التمييز بين مرحلتين من مراحل تحرير فلسطين :أولا: مرحله ما ينبغي أن يكون: وهى مرحله النصر النهائي ،والمتمثل فى استعاده كل الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني العربي المسلم ، وتحققها يتوقف على توحد الاراده الفلسطينية والعربية والاسلاميه . ثانيا: مرحله ما هو ممكن وتأخذ شكل حرمان إسرائيل من الأمن والاعتراف، حتى لا يتحول الصهاينة إلى امة ، ذلك أن غايه الصهيونية هو محاولة تحويل الجماعات القبلية اليهودية، المنتمية إلى أمم شتى إلى امة واحده، بان تستولي على ارض فلسطين لتكون ديارها ، ولابد لكي تم ذلك من أن تستقر على الأرض وتختص بها، وهذا الاستقرار يقتضي توافر أمران هما الأمن والاعتراف. وهنا نستند إلى قاعدة النهى عن موالاة الذين أخرجونا من ديارنا: ﴿ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ﴾ ، وهذه القاعدة تأخذ أشكال عديدة منها : عدم الاعتراف بإسرائيل كدوله ومؤسسه سياسية ، تقوم على اغتصاب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني/ رفض كافه أشكال التطبيع.عدم التنازل عن الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني، ورفض مشاريع التسوية التي لا تقود إلى الاعتراف بهذه الحقوق / السعي إلى الحصول على حقوق جزئيه، بشرط عدم استبدالها بالحقوق الكاملة/ مقاطعه دوله إسرائيل والدول والشركات والمؤسسات التي تدعمها/ اعتبار المقاومة خيار استراتيجي في هذه المرحلة ، مع التأكيد على أن الضمان لاستمرار المقاومة هو أن تكون شعبيه ، فالرهان في هذه المرحلة على الشعوب وليس على النظم السياسية، ورفض احتكار اى فصيل أو نظام سياسي فلسطيني أو عربي أو اسلامى للمقاومة أو احتكار التحدث باسمها / دعم المقاومة ماديا ومعنويا / العمل على إلغاء – أو تقليل – الحواجز بين فلسطين وأمتها العربية المسلمة / الدفاع عن الحقوق الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، و إقرار ودعم حقوق الشعب الفلسطيني...
الوحدة الممكنة : اتخاذ كافه الخطوات الممكنة تجاه الوحدة الوطنيه والقوميه "الوحده العربيه" والدينيه"الوحده الاسلاميه" ، بشكل تدريجي سلمى مؤسساتي، كإيجاد وتفعيل مؤسسات العمل المشترك"كإنشاء السوق المشتركة،اتفاق الدفاع المشترك، البرلمان المشترك .إلغاء أو تخفيف القيود على حركه العمالة والتجارة . تفعيل الحوار بين تيارات الامه، للالتقاء على ما هو مشترك من ثوابت الامه ...
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
- للاطلاع على دراسات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات: الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري
2/ القناه الرسميه للدكتور صبرى محمد خليل على اليوتيوب:
الخيار الأول(استمرار الاستقطاب) : الخيار الأول يقوم على ترك الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب"الصراع" السياسي،الاقتصادي،الاجتماعي"القبلي ،الطائفي..."
المجال الاجتماعي( التفتيت الطائفى) : حيث يقوم هذا الخيار- في المجال الاجتماعي – على الاستمرار في تكريس ما هو كائن ـ اى الانتقال من" تقسيم "الأمم والشعوب المسلمة (بانهيار الخلافة كرمز للوحدة الاسلاميه رغم ما شابها من أوجه قصور في مرحلتها الاخيره)، إلى "تجزئه "الامه العربية المسلمة"(اتفاقيه سيكس بيكو 1916)، إلى" تفتيت" الدولة الوطنية إلى دويلات قائمه على أسس شعوبيه أو قبليه أو طائفيه (مشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالى الصهيونى).
المجال السياسي ( مشكله التخلف الديمقراطي) : كما يقوم هذا الخيار- في المجال السياسي- على الاستمرار في الأخذ بجمله من الآليات السياسية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة التخلف الديموقراطي (السياسي)،التي تتمثل في ضعف التقاليد الديمقراطية ، نتيجة لعوامل خارجية "كالاستعمار" وداخليه "كالاستبداد" متفاعلة، ومن هذه الآليات السياسية:
ا/ الأحزاب ذات الشكل الليبرالي، والتي هي معادل سياسي للنظام الاقتصادي الرأسمالي ، والقائم على المنافسة الحرة من اجل الربح، والتي أدى شيوعها في الواقع السياسي ، إلى أن أصبحت صله هذه الأحزاب بالواقع الاجتماعي ،انعكاس لواقع تخلف النمو الوطني والقومي، فأصبحت تعبيراً سياسياً عن الانغلاق القبلي أو الطائفي، ولا يمكن التحرر من هذا الانغلاق إلا بالتحرر من هذا الشكل الليبرالي ، والتحول من نخبه سياسيه إلى طليعة للمجتمع .
ب/ الخلط بين الدولة (بما هي مجموع: السلطة"الحكومة" والأرض "الوطن" والشعب على مر الأزمان)، والنظام السياسي (بما هو السلطة "الحكومة" في زمان ومكان معين)، هذا الخلط يتمظهر في عدة ظواهر أهمها شيوع معيار الولاء بدلا من الكفاءة لدى النظم المتعاقبة ، وعدم تمييز بعض قطاعات المعارضة بين استهداف الحكومة واستهداف مؤسسات الدولة، ولا يمكن التحرر من هذا الخلط إلا بالأخذ بالكفائه كمعيار وحيد للوظيفة العامة ، والتمييز بين السلطة والدولة.
مجال العلاقة بين الدين والدولة( الاستقطاب بين الثيوقراطيه والعلمانية) : كما يقوم هذا الخيار على استمرار الاستقطاب بين النخب السياسية ، في قضيه العلاقة بين الدين والدولة ، حيث تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذاهب سياسيه تقارب مذهب الثيوقراطيه (الدولة الدينية بالمفهوم الغربي)، والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة خلط (وليست علاقة ارتباط )، وهو ما يلزم منه انفراد فرد معين أو فئة معينه بالسلطة الدينية " الروحية"(وبالتالي السلطة السياسية أيضا) دون الشعب، وهذه النخب السياسية تتجاهل حقيقة أن هذا المذهب مرفوض إسلاميا لأنه يودى إلى تحويل المطلق (الدين) إلى محدود (الدولة أو السلطة) أو العكس ، وبالتالي إضفاء قدسيه الدين على البشر ، و هو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير. كما تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذهب العلمانية والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة فصل ،(وليست علاقة تمييز) فصل الدين عن الدولة، اى فصل السلطة الدينية (الروحية) عن السلطة السياسية ، وهذه النخب تتجاهل حقيقة أن العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، تحولت إلي تيار فكرى معين ، ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى، تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم ، انتهى إلي أقامه نظام علماني في موقفه من الدين ، فردى في موقفه من المجتمع ، راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة، كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية... ، سادت أوربا نحو سبعه قرون. وبالتالي فانه بالاضافه إلى أن الحل الذي قدمته العلمانية لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة ، فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في مجتمع اسلامى ،هو أن تستبدل المفاهيم والقيم والقواعد الاسلاميه، بالمفاهيم والقيم والقواعد الغربية، لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية ، وهو مضمون التغريب.
المجال الاقتصادي(تخلف النمو الاقتصادي) : كما يقوم هذا الخيار - في المجال الاقتصادي - على الاستمرار في الأخذ بجمله من السياسات الاقتصادية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة تخلف النمو الاقتصادي ، والمتمثلة في عجزه عن الاستغلال الأمثل لموارده المادية والبشرية المتاحة له، ومن هذه السياسات الاقتصادية، اتخاذ موقف القبول المطلق للخصخصة ، وهى الاليه الاساسيه للنظام الاقتصادي الراسمالى، والذي تم تطبيقه عبر مراحل ونظم متعاقبة ، وتزايدت وتيرة تطبيقه في الفترة الاخيره ، بحجه انه في ظل هذه الخصخصة ، تم تحقيق قدر كبير من التقدم الاقتصادي ، مع تجاهل حقيقة أن الذي يستفيد من التقدم الاقتصادي ، في اى نظام اقتصادي راسمالى هم الاقليه وليس الاغلبيه.
المجال القانوني(المقياس الخاص للاستقرار): كما يقوم هذا الخيار - في المجال القانوني -على الاستمرار في الأخذ بمقياس خاص واستثنائي للاستقرار غير المقياس القانوني له ، وإذا كان المسوغ الذي يستند إليه هذا الخيار هو تحقيق الاستقرار، فان الأخذ بهذا المقاس للاستقرار لن يؤدى – على المدى البعيد- إلا إلى عدم الاستقرار ، إذ لا يستطيع أحد من الناس وهو يمارس حياته ، ويدخل في علاقات خاصة أو عامة مع غيره ،أن يعرف مقدما أن ما يقوم به يطابق أو لا يطابق مع هذا المقياس الخاص..
مجال العلاقة بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي : كما يقوم هذا الخيار – في مجال العلاقة بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي - على استمرار الاستقطاب بين القوى السياسية بين موقفين : الموقف الأول: يركز على مشكله الاستعمار الخارجي، ويتجاهل – او يقلل من أهميه- مشكله الاستبداد الداخلي، فهو يعطى الاولويه للتحرر من الاستعمار على مقاومه الاستبداد ،أما الموقف الثاني فهو يركز على مشكله الاستبداد الداخلي ، ويتجاهل – او يقلل من أهميه-مشكله الاستعمار الخارجي ، فهو يعطى الاولويه لمقاومه الاستبداد على من التبعية.
القضية الفلسطينية (الإبقاء على ما هو كائن): كما يقوم هذا الخيار- في مجال القضية الفلسطينية- على الإبقاء على ما هو كائن من احتلال صهيوني لفلسطين، وهضم لكافه الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني .
الخيار الثاني(التوافق) : أما الخيار الثاني فيقوم على وقف الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب ، والانتقال إلى التوافق " المشاركة" السياسي ، الاقتصادي، الاجتماعي...
الإصلاح: هذا الخيار يقوم على- في مجال التغيير- على إعطاء الاولويه للإصلاح كأسلوب للتغيير يتصف بالسلمية والتدرج " مع الإقرار بأن هذه الاولويه مشروطة بعدم اكتمال توافر شروط الثورة الذاتية والموضوعية"، كما أن الخيار يدعو إلى الأخذ بالرؤية الشاملة للعلاقة بين الإبعاد المتعددة للتغير، والتي تجعل العلاقة بين هذه الأبعاد المتعددة ، علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة إلغاء وتناقض ، فتجمع هذه الرؤية بين التغيير الادارى كنمط تغيير ذاتي يتصل بالأشخاص، والتغيير السياسي كنمط تغيير موضوعي يتصل بالنظم السياسية، والتغيير الحضاري كنمط تغيير يجمع بين الذاتي والموضوعي ، ويتصل بالبنية السياسية،الاقتصادية ،الاجتماعية، الثقافية ...للمجتمع "لتي تتضمن أنماط التفكير و النظم الاجتماعية".
الخيار الثاني والمبادرة الشعبية العربية الإسلامية للتوافق والإصلاح : إن خيار التوافق والإصلاح هو الخيارالوحيد ،الذي يمكن من خلاله، تقديم حلول صحيحة المشاكل التي يطرحها واقع الامه،وتنفيذ ما هو ممكن من هذه الحلول.
التوافق والإصلاح مطالب وطنيه وقوميه ودينيه"شرعيه" : والتوافق والإصلاح من أهم المطالب الوطنية والقومية والدينيه"الشرعية". فالإسلام كدين جعل الأصل والقاعدة في العلاقة بين الناس هو المشاركة - التي يمكن التعبير عنها بمصطلح التوافق- لذا عبر القران الكريم عنها القران بمصطلحات ايجابيه كالتالف كما فى قوله تعالى (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)، والتعاون كما في قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى )(2: المائدة)،والموالاة كما في قوله تعالى (المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة) .أما الصراع- الذي يمكن التعبير عنه بمصطلح الاستقطاب- فهو الفرع والاستثناء ، لذا عبر عنه القران الكريم بمصطلحات سلبيه كالعداوة والبغضاء كما في قوله تعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)(91: المائدة) ،والعدوان كما في قوله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . اتساقا مع هذا حثت الكثير من النصوص المسلمين إلى الوحدة قال تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )(آل عمران103). كما نهت الكثير من النصوص عن التفرق ، قال تعالى ( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104). لذا اعتبر علماء أهل السنة فتنه التفرق امن أعظم الفتن ، يقول الإمام ابن تيمية فى قوله (وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان، فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا).
أما الإصلاح فقد أوجبته الكثير من النصوص ، بل وجعله القران جوهر رسالات السماوية ، فوصف به إبراهيم: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾(البقرة: 130)، وعيسى ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾)آل عمران(46: ،وشعيب ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[هود: 88) يقول الإمام الرازي في تفسيره الكبير (والمعنى: ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي, وقوله ما (استطعت) فيه وجوه: الأول أنه ظرف والتقدير مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا. والثاني أنه بدل من الإصلاح, أي المقدار الذي استطعت منه. والثالث أن يكون مفعولا له أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه ).
أسس المبادرة الشعبية العربية الإسلامية للتوافق والإصلاح:ان تطبيقات خيار التوافق والإصلاح في كافه المجالات تشكل أسس مبادرة شعبيه عربيه إسلاميه للتوافق والإصلاح،والمقصود بكون هذه المبادرة شعبيه أن الالتزام بها يقع – أساسا- على عاتق القوى الشعبية، باعتبار ان تحقيق اى غاية للامه هو- أساسا- مسئوليه الامه كلها ، وليس مسئوليه فئه معينه من فئاتها فقط،كما ان المقصود بكون هذه المبادره عربيه ، إنها تتناول الهم المشترك للشعوب العربية المتعددة،دون إنكار أهميه معالجه القضايا الوطنية" المحلية " ، والمقصود بكون هذه المبادرة إسلاميه انها تنطلق من مسلمه ان الإسلام كدين هو الذي اوجد الامه العربية ، وهو الذي يشكل الهيكل الحضاري لها ، وبالتالي فان اى حل لاى مشكله يطرحها واقع الامه العربيه، لن تقبله الجماهير العربيه -حتى ولو كان صحيحا- ما لم يتسق مع المفاهيم والقيم والقواعد الكلية للإسلام كدين.
الأسس:
المجال السياسي(الحرية والشورى والديموقراطيه ): العمل المشترك على حل مشكلة التخلف الديمقراطي(السياسي)، بالأخذ بجمله من الآليات السياسية ومنها: العمل على ترسيخ الديموقراطيه (كقيمه وممارسه )،وباعتبارها نظام فني لضمان سلطه الشعب ،تتسق مع الشورى كمفهوم كلى للفلسفة السياسية الاسلاميه / إقرار الحريات والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية / تفعيل الحوار الوطني والقومي من اجل التوافق على ما هو مشترك من ثوابت الأوطان والامه/الجمع بين معياري الاغلبيه والتوافق (الديموقراطيه التوافقية )، وذلك بالتوافق على صيغه للحكم تجمع بين حكم الاغلبيه (البرلمانية)،وإقرار دور فاعل لكافه مكونات المجتمع : الاجتماعية والدينية والعرقية والوظيفية... وحفظ حقوق هذه المكونات على المستوى الدستوري / تفعيل مؤسسات المجتمع المدني...
مجال العلاقة بين الدين والدولة:(مدنيه السلطة ودينيه التشريع "مصدره الاساسى" ) : تجاوز الاستقطاب بين الثيوقراطيه(الدولة الديني بالمفهوم الغربي) والعلمانية،والانتقال إلى التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع ، ففيما يتعلق بمدنيه السلطة نجد ان المنظور السياسي الاسلامى لا يتناقض مع الدلالة العامة - المشتركة لمصطلح الدولة المدنية التي تسند السلطة للشعب، والتي يكون الحاكم فيها نائب عنه ، لا تنفرد بها دونه كمحصله لانفراده بالسلطة الروحية، لأنه استند كل من السلطة السياسية (التي عبر عنها القران الكريم بمصطلح الأمر )، والسلطة الدينية (والتي عبر عنها القران بمصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) إلى الجماعة بموجب عموم الاستخلاف، قال تعالى(وأمرهم شورى بينهم)، وقال تعالى (كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ولان الحاكم وكيل عن الجماعة ، له حق تعينها ومراقبتها وعزلها ، يقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ) (الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 7 ).أما فيما يتعلق بدينيه التشريع فان المقصود بالتشريع هنا مصدره الاساسى، وذلك بأن تكون أصول الشريعة (التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة)،هي المصدر الاساسى للتشريع،على أن تكون فروعها(التي مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة) احد مصادر التشريع ، فتكون نقطه بداية للاجتهاد التشريعي وليست نقطه نهاية له ، بالاضافه إلى مصادر أخرى للتشريع كالعرف والإسهامات القانونية للمجتمعات المعاصرة ،بشرط عدم تعارضهما مع أصول الدين، وهذا التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع " اومصدره الاساسى" يتفق مع الحل الإسلامي الصحيح ، لقضية العلاقة بين الدين والدولة،والذي يجعل العلاقة بينهما علاقة ارتباط (وليست علاقة خلط كما في الثيوقراطيه) لان السلطة في الإسلام مقيده بجمله من القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها، وعلاقة تمييز(وليست علاقة فصل كما في العلمانية)، لان الإسلام ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير.
المجال الاقتصادي(التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية): الأخذ بجمله من السياسات الاقتصادية التي تسهم في تجاوز تخلف النمو الاقتصادي ، و تحقيق التقدم الاقتصادي ومنها: الالتزام بمبدأ التنمية المستقلة / التأكيد على دور الدولة في الاقتصاد ، مع العمل على إصلاح القطاع العام/ دعم السلع الضرورية والاستراتيجيه/وضع ضوابط للسوق/ توجيه القطاع الخاص والاستثمار الاجنبى نحو المجالات الانتاجيه التي تحقق الفائدة للمجتمع، وليس المجالات الاستهلاكية على حساب المجتمع/تفعيل مؤسسات الضمان الاجتماعي، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة كالجمعيات التعاونية والنقابات/تجاوز موقفي القبول المطلق أو الرفض المطلق للخصخصة ، إلى الموقف النقدي منها قائم على: عدم خصخصة المؤسسات الإستراتيجية، وضمان ديمقراطية خصخصة المؤسسات الأخرى بالرجوع إلي الشعب ورقابه الدولة /العمل على اعتبار أن تحقيق العدالة الاجتماعية هو احد الغايات الاساسيه للنشاط الاقتصادي للدولة، وتحقيق التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي ، وعدالة توزيع نائج هذا النمو الاقتصادي....
المجال القانوني(المقياس القانوني للاستقرار) : الحفاظ على الاستقرار طبقا للمقياس القانوني،اى اتفاق علاقات الناس مع القانون .
مكافحة الفساد:وضع آليات وقوانين لمكافحه الفساد مثل : وضع ضوابط للمنافسة بين القطاعين العام والخاص كدعم القطاع العام و تفعيل الرقابة فيه ،وتحفيز العاملين به / ان يكون لكل قطاع مجالات محدده مقصورة عليه وحده / تطوير نظام اختيار وتعيين وترقية العاملين اعتمادا على مبدأ الكفائه وليس الولاء/ إصدار قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيق مبدأ من أين لك هذا...
حل مشكله التهميش : كما يقوم هذا الخيار- في مجال حل مشكله التهميش على الإقرار بمشكله التهميش باعتبار أنها مشكله ذات أبعاد متعددة " تاريخيه ، اقتصاديه ، سياسيه، عرقيه…" ، وليست ذات بعد واحد، وإنها مشكله عامه وليست مشكله خاصة، وأنها محصله تراكم تاريخي طويل، وبالتالي فان حلها على المستوى العملي يكون بالعمل المشترك والتدريجي "بالانتقال من ما هو كائن ،إلى ما هو الممكن، إلى ما ينبغي أن يكون",أما حلها على المستوى الفكري فيكون من خلال رفض مذاهب الوحدة المطلقة ، وتبنى مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات الهوية،المجال السياسي، الاقتصادي،القانوني،الثقافي….
الربط بين رفض الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي: الربط بين مشكلتي الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي،باعتبار ان الاول هو قيد داخلي على حرية الشعوب ، بينما الثاني هو قيد خارجي عليها. فالاستبداد هو قيد داخلي على حرية الشعوب لأنه انفراد اقليه (فرد او فئة) بالسلطة دون الشعب .والاستعمار هو قيد خارجي على حرية الشعوب لأنه استيلاء شعب على إمكانيات شعب أخر وتسخيرها لخدمة مصالحه.
القضية الفلسطينية (ما هو ممكن): التمييز بين مرحلتين من مراحل تحرير فلسطين :أولا: مرحله ما ينبغي أن يكون: وهى مرحله النصر النهائي ،والمتمثل فى استعاده كل الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني العربي المسلم ، وتحققها يتوقف على توحد الاراده الفلسطينية والعربية والاسلاميه . ثانيا: مرحله ما هو ممكن وتأخذ شكل حرمان إسرائيل من الأمن والاعتراف، حتى لا يتحول الصهاينة إلى امة ، ذلك أن غايه الصهيونية هو محاولة تحويل الجماعات القبلية اليهودية، المنتمية إلى أمم شتى إلى امة واحده، بان تستولي على ارض فلسطين لتكون ديارها ، ولابد لكي تم ذلك من أن تستقر على الأرض وتختص بها، وهذا الاستقرار يقتضي توافر أمران هما الأمن والاعتراف. وهنا نستند إلى قاعدة النهى عن موالاة الذين أخرجونا من ديارنا: ﴿ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ﴾ ، وهذه القاعدة تأخذ أشكال عديدة منها : عدم الاعتراف بإسرائيل كدوله ومؤسسه سياسية ، تقوم على اغتصاب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني/ رفض كافه أشكال التطبيع.عدم التنازل عن الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني، ورفض مشاريع التسوية التي لا تقود إلى الاعتراف بهذه الحقوق / السعي إلى الحصول على حقوق جزئيه، بشرط عدم استبدالها بالحقوق الكاملة/ مقاطعه دوله إسرائيل والدول والشركات والمؤسسات التي تدعمها/ اعتبار المقاومة خيار استراتيجي في هذه المرحلة ، مع التأكيد على أن الضمان لاستمرار المقاومة هو أن تكون شعبيه ، فالرهان في هذه المرحلة على الشعوب وليس على النظم السياسية، ورفض احتكار اى فصيل أو نظام سياسي فلسطيني أو عربي أو اسلامى للمقاومة أو احتكار التحدث باسمها / دعم المقاومة ماديا ومعنويا / العمل على إلغاء – أو تقليل – الحواجز بين فلسطين وأمتها العربية المسلمة / الدفاع عن الحقوق الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، و إقرار ودعم حقوق الشعب الفلسطيني...
الوحدة الممكنة : اتخاذ كافه الخطوات الممكنة تجاه الوحدة الوطنيه والقوميه "الوحده العربيه" والدينيه"الوحده الاسلاميه" ، بشكل تدريجي سلمى مؤسساتي، كإيجاد وتفعيل مؤسسات العمل المشترك"كإنشاء السوق المشتركة،اتفاق الدفاع المشترك، البرلمان المشترك .إلغاء أو تخفيف القيود على حركه العمالة والتجارة . تفعيل الحوار بين تيارات الامه، للالتقاء على ما هو مشترك من ثوابت الامه ...
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
- للاطلاع على دراسات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات: الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري
2/ القناه الرسميه للدكتور صبرى محمد خليل على اليوتيوب: