"لا اتحدث النوبية مثل أهلي ولا أفهمها، لكنني في ذلك اليوم أحسست باحتياج شديد لما كنت استمع إليه من صلواتٍ بمفردات أحفظها ولا أفهمها".
——
- (ووو آرتي، أيين أورتي
أيين برتي).
أتاني صوت جدي من برزخه وهو يهمهم ببعض صلوات النوبيين المتوارثة، والتي سبقت - في اعتقاده - بعض الرسالات السماوية، وظلت تعيش في قلوبهم المؤمنة إلى علقت بعض مفرداتها بذهني.
كانت جدتي تتلوها أحياناً، لكنها تحملها الكثير من الرجاء فتتجاوز الحواجز وتعلو على السماء، وتتجه مع أنظارها مباشرة لله، ببساطة تدل على المحبة القديمة.
- (ووو آرتي)
ترتفع تلك الصلوت حرة طليقة اللسان بمعانٍ طلسمية بالنسبة لي ولمن يجهلها، لكنها حنينة في وقعها. يتسامى الحب عند ترتيلها وكأنه قصيدة غزل، تفصح عن حوارٍ غرامي متبادلٌ بين غيمةٍ وسمائها، في نداء يحمل الصدق، ويطلب الأمان والسلام.
تتسبب شدة الحرارة دوماً في تبخر المياه فتتكون الغيوم وتستر وجه السماء وكأنها رسائل إلهية، تعِد الأرض بالتبلل والخِصب، كذلك تتسبب شدة البعد في تبخر الأعزاء، فيهطل الجفاء دون رعود أو وعود.
لم تعجبني حركة الرياح وهي تسوق السحب اأتالاً في ذلك اليوم، وكأنها تريد أن تبعدني عن تأملي للون السماء الأزرق الذي أقف أسفله منذ ساعة، وأود لو أولد تحته من جديد، في فرصة أخرى بعيداً عن حياتي وما حوت من تفاصيل سخيفة.
أسقطت الغيوم بعض ما تحمل من مطر على استحياء، ثم اقتحمت الشمس تجمعاتها بشعاع ذهبي فجّ كومة منها، فازدهت أطرافها بمزيج قزحي خفيف.
كنت أحتاج إلى لحظات من التماسك والسلام أقاوم بها حزني، وأنكس خلالها رايات الخذلان لاستوعب ما خسرته طيلة العمر، آراء سذاجتي.
تفتت الحجر الطيني أسفل أقدامي وأنا أسير نحو سيارة والدي القديمة، واسال نفسي هل هذا جزائي؟
أنظر بلا شعور إلى السماء حال الشكوى، وأود لو تمتد منها يد تربت على كتفي وتواسيني. فارفع بصري نحوها ثانية واتوسل إليه كي تفعل.
أليس الله حيثما نكون وكيفما نريد؟!
- (ووو آرتي)..
أحتاج عونك الآن. رد لي حياتي أو أعد إلي والدي، فأنا قطعة من الورق الأصفر، أخذتها الرياح بعيداً دون إرادة أو مقاومة، ثم رمت بها تحت أقدام بدت صديقة، ثم سحقتها دون رحمة.
لم أغلق الباب جيداً لكن صوت المحرك الخشن ورائحة الوقود القليل الذي تسلفته من أحد الزملاء، ساعداني على إيقاف اجترار تلك الأفكار العلقمية التي تجتاح عقلي. والذي يأمرني
بدوره، بإنتاج المزيد من الغصص الخانقة التي ترهق روحي، وتغلق حلقي.
يقودني الشارع الثالث من منزلنا لأقرب محطة قد تزودني بالوقود، لكنني لم أكن أجرؤ على سلوكه، لذا اتخذت الطريق الأبعد الذي يمر عبر الحقول حتى أصل إلى وجهتي.
كان منزل حنان يتربع على ناصية الشارع الثالث، ومروري أمامه كان يعني عودة تلك المشاهد مرة أخرى لشريط ذكرياتي، وقد نجحت بصعوبة في نسيانها بعد أن كُسر خاطري من أقرب الصديقات إلى قلبي.
حنان، صديقة طفولتي. جمعتنا ذات القرية والمدرسة والحي وتشاركنا الحزن والفرح والنجاح والمسكن والملابس، والحزب والعمل ثم الزوج والمصير.
نعم تشاركنا كل شيء، كانت هي خزانة أسراري، وكان يربطنا حب جنوني لم يحسن البعض تفسيره لاختلافات كثيرة حتى في ألواننا وطبقاتنا الاجتماعية، ربما!
هي سمراء فاتنة تتنقل أسرتها من قرية إلى قرية تبعاً لتنقلات والدها الذي يعمل في مجال الري، بينما انتمي لأسرة نزح كبارها من أقصى الشمال للعمل في مجال الزراعة.
كانت والدتي تخاف من البقاء وحدها في المنزل ريثما يعود والدي من أسفاره ومأمورياته الكثيرة، فهو يعمل في إحدى المنظمات الأجنبية في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية.
والدة حنان هي الجارة الأقرب لمنزلنا، كانت تزورنا بين الحين والحين لتبيع والدتي بعض أغراض النساء وأدوات المنزل التي ترد إليها من الحدود، وقد طلب والدي من زوجها أن تبقى معنا بعد مغادرته حتى يعود، كلما كان ذلك ممكناً.
وعند عودته، كان يحمل لهم من الهدايا والحلوى مثلما يحمل لنا دون تمييز، وقد كبرنا على هذا الحال.
لم يكن هناك من هو أسعد منا كأختين صديقتين، كانت سميرتي في الليالي المقمرة، وجليستي الوحيدة، نكتشف الحياة معاً، ونفسرها كيفما يحلو لنا.
وعندما انتظمت في ذلك الحزب خلال سنوات دراسة الطب وقبل التخرج من الجامعة، لم تتردد هي لحظة في الانتماء إليه لأجلي، إلا ان السياسة لم تكن تستهويني مثلها، فبقيت ضمن عضويته لأجلها وحرصاً على دعمها ومساندتها، وكنت أسعد بمرافقتها أينما تذهب.
توفي والدي في طريق السفر، ولحقت به والدتي بعد زواجي بزمن قصير.
واستمر عملنا في الحزب الذي كان معارضاً شرساً لنظام الحكم، وتم اعتقالنا معاً، فانكرنا معرفتنا ببعضنا حتى تضمنا زنزانة واحدة، لكنهم عرفوا ما بيننا من صداقة وتقارب فكان ذلك هو الافتراق الأول.
بقيتُ في السجن لعامٍ وثلاتة أشهر بعد خروجها، ثم اطلق سراحي بعفو مفاجئ، فعدت لأجدها تسكن في منزلي وتشاركني زوجي!
وقفت في عتبة الباب لاستجمع قواي حينها وأحاول أن أفهم كيف حدث هذا.
كان زوجي من زعماء الحزب، إلا أن لديه خلافات واضحة مع (حنان)، حتى أنه طلب مني ذات يوم ان أبتعد عنها وكان يرفض حضورها للمنزل لزيارتي.
جاءت وهي تهز رضيعها وتسأله: من أتانا في هذه الساعة المتأخرة يا حبيبي؟!
كم كان شكري جزيلاً لله، حين علمت أنها اتخذت غرفة غير غرفتي كمخدع لها!
اندفعت في صمت لأجمع أغراضي، فلحق بي (زوجنا) وهو يتمتم بمبررات زواجه منها في سخافة بذيئة، وقال: (طال سجنك، ولم تنجبي لي).
لم التفت ولم أنطق.
سعدت لوجود تلك النقود التي كنت احتفظ بها في علبة مخملية تحت الملابس، مع مفاتيح البيت القديم، وقلادة ذهبية أهدتني إياها والدتي يوم زفافي.
أفرغت محتويات الخزانة في حقيبة السفر القديمة، وأنزلت صورتنا ايام الطفولة من على الحائط ووضعتها على الأرض، وسرت فوقها حتى تكسر الزجاج قبالة وجهها، وخرجت محطمة مذهولة للشارع، للمجهول، للوحشة، للبرد واللاشيء.
كانت المرة الأولى التي أعود فيها للقرية دونها، لم يبق من عائلتي أحد، ولا يوجد بالبيت سوى بعض الأثاث، والكتب والصور وسيارة والدي القديمة تحت غطاءها السميك.
آهٍ كم اشتاق إلى أمي، وافتقد والدي وحديثه الآن.
أيقنت بعد الذي حدث معي، انه كان حكيماً مشاهداً تعبر رؤيته ظواهر الاحداث للبعيد.
قال لي ذات صباح ماطرٍ وأنا أهم بالخروج إثر نداءها لي :
- (لتكن بينكما مسافة، فالحياة مُباعِدة تشق القلوب).
كنت أعده محض هذيان، وهل تجرؤ الحياة على ذلك؟
كم أحتاجه الآن ليساندني، ويرى كيف صارت الحياة مباعِدة تشق القلوب.
لم احتمل وجودي في منزل معبأ بذكريات هي جزء منها أو جلها، وفضلت الإقامة في مشفى القرية مع الممرضات، وانغمست في العمل على معاونة طبيب القرية.
تركت لها ولذكرياتها كل شيء وآثرت حياة القرية وبدأت أنساها، وأنسى زوجي الذي أحببته وقضيت معه أجمل لحظات العمر.
كان الفجر بعيداً تلك الليلة. أفقت عند منتصف الليل على طرقات عنيفة بالباب، كانت الشرطة تبحث عنا، معاً.
وجدوا (زوجنا) قتيلاً بالقرب من باب المنزل الذي صار بيتها، واتهمنا معاً بقتله. فضحكتُ وعجبتُ.
- ووو...آرتي...
ما هذا المصير؟ ألا يوجد شيء غير متصل بها؟
بقيت في السجن حتى عثرت الشرطة على دليل إدانتها بالتحريض على قتله. لكنها تركت وليدها رفقة جارتنا وهربت إلى خارج المدينة قبل وصول الشرطة.
ثلاث سنوات من البحث دون أن يعثروا لها على أثر، حتى هدم السيل جدار منزلنا بالقرية ، فعثروا على جثتها منتفخة متعفنة، كانت تختبيء داخل غرفتي.
——
- (ووو آرتي، أيين أورتي
أيين برتي).
أتاني صوت جدي من برزخه وهو يهمهم ببعض صلوات النوبيين المتوارثة، والتي سبقت - في اعتقاده - بعض الرسالات السماوية، وظلت تعيش في قلوبهم المؤمنة إلى علقت بعض مفرداتها بذهني.
كانت جدتي تتلوها أحياناً، لكنها تحملها الكثير من الرجاء فتتجاوز الحواجز وتعلو على السماء، وتتجه مع أنظارها مباشرة لله، ببساطة تدل على المحبة القديمة.
- (ووو آرتي)
ترتفع تلك الصلوت حرة طليقة اللسان بمعانٍ طلسمية بالنسبة لي ولمن يجهلها، لكنها حنينة في وقعها. يتسامى الحب عند ترتيلها وكأنه قصيدة غزل، تفصح عن حوارٍ غرامي متبادلٌ بين غيمةٍ وسمائها، في نداء يحمل الصدق، ويطلب الأمان والسلام.
تتسبب شدة الحرارة دوماً في تبخر المياه فتتكون الغيوم وتستر وجه السماء وكأنها رسائل إلهية، تعِد الأرض بالتبلل والخِصب، كذلك تتسبب شدة البعد في تبخر الأعزاء، فيهطل الجفاء دون رعود أو وعود.
لم تعجبني حركة الرياح وهي تسوق السحب اأتالاً في ذلك اليوم، وكأنها تريد أن تبعدني عن تأملي للون السماء الأزرق الذي أقف أسفله منذ ساعة، وأود لو أولد تحته من جديد، في فرصة أخرى بعيداً عن حياتي وما حوت من تفاصيل سخيفة.
أسقطت الغيوم بعض ما تحمل من مطر على استحياء، ثم اقتحمت الشمس تجمعاتها بشعاع ذهبي فجّ كومة منها، فازدهت أطرافها بمزيج قزحي خفيف.
كنت أحتاج إلى لحظات من التماسك والسلام أقاوم بها حزني، وأنكس خلالها رايات الخذلان لاستوعب ما خسرته طيلة العمر، آراء سذاجتي.
تفتت الحجر الطيني أسفل أقدامي وأنا أسير نحو سيارة والدي القديمة، واسال نفسي هل هذا جزائي؟
أنظر بلا شعور إلى السماء حال الشكوى، وأود لو تمتد منها يد تربت على كتفي وتواسيني. فارفع بصري نحوها ثانية واتوسل إليه كي تفعل.
أليس الله حيثما نكون وكيفما نريد؟!
- (ووو آرتي)..
أحتاج عونك الآن. رد لي حياتي أو أعد إلي والدي، فأنا قطعة من الورق الأصفر، أخذتها الرياح بعيداً دون إرادة أو مقاومة، ثم رمت بها تحت أقدام بدت صديقة، ثم سحقتها دون رحمة.
لم أغلق الباب جيداً لكن صوت المحرك الخشن ورائحة الوقود القليل الذي تسلفته من أحد الزملاء، ساعداني على إيقاف اجترار تلك الأفكار العلقمية التي تجتاح عقلي. والذي يأمرني
بدوره، بإنتاج المزيد من الغصص الخانقة التي ترهق روحي، وتغلق حلقي.
يقودني الشارع الثالث من منزلنا لأقرب محطة قد تزودني بالوقود، لكنني لم أكن أجرؤ على سلوكه، لذا اتخذت الطريق الأبعد الذي يمر عبر الحقول حتى أصل إلى وجهتي.
كان منزل حنان يتربع على ناصية الشارع الثالث، ومروري أمامه كان يعني عودة تلك المشاهد مرة أخرى لشريط ذكرياتي، وقد نجحت بصعوبة في نسيانها بعد أن كُسر خاطري من أقرب الصديقات إلى قلبي.
حنان، صديقة طفولتي. جمعتنا ذات القرية والمدرسة والحي وتشاركنا الحزن والفرح والنجاح والمسكن والملابس، والحزب والعمل ثم الزوج والمصير.
نعم تشاركنا كل شيء، كانت هي خزانة أسراري، وكان يربطنا حب جنوني لم يحسن البعض تفسيره لاختلافات كثيرة حتى في ألواننا وطبقاتنا الاجتماعية، ربما!
هي سمراء فاتنة تتنقل أسرتها من قرية إلى قرية تبعاً لتنقلات والدها الذي يعمل في مجال الري، بينما انتمي لأسرة نزح كبارها من أقصى الشمال للعمل في مجال الزراعة.
كانت والدتي تخاف من البقاء وحدها في المنزل ريثما يعود والدي من أسفاره ومأمورياته الكثيرة، فهو يعمل في إحدى المنظمات الأجنبية في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية.
والدة حنان هي الجارة الأقرب لمنزلنا، كانت تزورنا بين الحين والحين لتبيع والدتي بعض أغراض النساء وأدوات المنزل التي ترد إليها من الحدود، وقد طلب والدي من زوجها أن تبقى معنا بعد مغادرته حتى يعود، كلما كان ذلك ممكناً.
وعند عودته، كان يحمل لهم من الهدايا والحلوى مثلما يحمل لنا دون تمييز، وقد كبرنا على هذا الحال.
لم يكن هناك من هو أسعد منا كأختين صديقتين، كانت سميرتي في الليالي المقمرة، وجليستي الوحيدة، نكتشف الحياة معاً، ونفسرها كيفما يحلو لنا.
وعندما انتظمت في ذلك الحزب خلال سنوات دراسة الطب وقبل التخرج من الجامعة، لم تتردد هي لحظة في الانتماء إليه لأجلي، إلا ان السياسة لم تكن تستهويني مثلها، فبقيت ضمن عضويته لأجلها وحرصاً على دعمها ومساندتها، وكنت أسعد بمرافقتها أينما تذهب.
توفي والدي في طريق السفر، ولحقت به والدتي بعد زواجي بزمن قصير.
واستمر عملنا في الحزب الذي كان معارضاً شرساً لنظام الحكم، وتم اعتقالنا معاً، فانكرنا معرفتنا ببعضنا حتى تضمنا زنزانة واحدة، لكنهم عرفوا ما بيننا من صداقة وتقارب فكان ذلك هو الافتراق الأول.
بقيتُ في السجن لعامٍ وثلاتة أشهر بعد خروجها، ثم اطلق سراحي بعفو مفاجئ، فعدت لأجدها تسكن في منزلي وتشاركني زوجي!
وقفت في عتبة الباب لاستجمع قواي حينها وأحاول أن أفهم كيف حدث هذا.
كان زوجي من زعماء الحزب، إلا أن لديه خلافات واضحة مع (حنان)، حتى أنه طلب مني ذات يوم ان أبتعد عنها وكان يرفض حضورها للمنزل لزيارتي.
جاءت وهي تهز رضيعها وتسأله: من أتانا في هذه الساعة المتأخرة يا حبيبي؟!
كم كان شكري جزيلاً لله، حين علمت أنها اتخذت غرفة غير غرفتي كمخدع لها!
اندفعت في صمت لأجمع أغراضي، فلحق بي (زوجنا) وهو يتمتم بمبررات زواجه منها في سخافة بذيئة، وقال: (طال سجنك، ولم تنجبي لي).
لم التفت ولم أنطق.
سعدت لوجود تلك النقود التي كنت احتفظ بها في علبة مخملية تحت الملابس، مع مفاتيح البيت القديم، وقلادة ذهبية أهدتني إياها والدتي يوم زفافي.
أفرغت محتويات الخزانة في حقيبة السفر القديمة، وأنزلت صورتنا ايام الطفولة من على الحائط ووضعتها على الأرض، وسرت فوقها حتى تكسر الزجاج قبالة وجهها، وخرجت محطمة مذهولة للشارع، للمجهول، للوحشة، للبرد واللاشيء.
كانت المرة الأولى التي أعود فيها للقرية دونها، لم يبق من عائلتي أحد، ولا يوجد بالبيت سوى بعض الأثاث، والكتب والصور وسيارة والدي القديمة تحت غطاءها السميك.
آهٍ كم اشتاق إلى أمي، وافتقد والدي وحديثه الآن.
أيقنت بعد الذي حدث معي، انه كان حكيماً مشاهداً تعبر رؤيته ظواهر الاحداث للبعيد.
قال لي ذات صباح ماطرٍ وأنا أهم بالخروج إثر نداءها لي :
- (لتكن بينكما مسافة، فالحياة مُباعِدة تشق القلوب).
كنت أعده محض هذيان، وهل تجرؤ الحياة على ذلك؟
كم أحتاجه الآن ليساندني، ويرى كيف صارت الحياة مباعِدة تشق القلوب.
لم احتمل وجودي في منزل معبأ بذكريات هي جزء منها أو جلها، وفضلت الإقامة في مشفى القرية مع الممرضات، وانغمست في العمل على معاونة طبيب القرية.
تركت لها ولذكرياتها كل شيء وآثرت حياة القرية وبدأت أنساها، وأنسى زوجي الذي أحببته وقضيت معه أجمل لحظات العمر.
كان الفجر بعيداً تلك الليلة. أفقت عند منتصف الليل على طرقات عنيفة بالباب، كانت الشرطة تبحث عنا، معاً.
وجدوا (زوجنا) قتيلاً بالقرب من باب المنزل الذي صار بيتها، واتهمنا معاً بقتله. فضحكتُ وعجبتُ.
- ووو...آرتي...
ما هذا المصير؟ ألا يوجد شيء غير متصل بها؟
بقيت في السجن حتى عثرت الشرطة على دليل إدانتها بالتحريض على قتله. لكنها تركت وليدها رفقة جارتنا وهربت إلى خارج المدينة قبل وصول الشرطة.
ثلاث سنوات من البحث دون أن يعثروا لها على أثر، حتى هدم السيل جدار منزلنا بالقرية ، فعثروا على جثتها منتفخة متعفنة، كانت تختبيء داخل غرفتي.