... "غذاء الروح"
(اجتراحُ الحلمِ والأملِ من يباسِ الطين.)
فيلمٌ قصيرٌ، من إخراج عباس العبودي، فكرة وسيناريو محمد صبيح الشمري.
انتاج مديرية شباب ورياضة واسط.
مدّة الفيلم ست دقائق ونصف الدقيقة.
لاشكَّ أن العالمَ اليوم مندهشٌ ومصدومٌ بوباء اجتاح الكرة الأرضية ، وقضى على الكثير من الناس ، وأفقدهم الحركة.. وقد تناولت السينما هذه الجائحة لما لها" السينما" من تأثير على حياة الإنسان المعاصر في تناول قضاياه ومؤرقاته وما فيها من آلام وأحلام ؛ وللفيلم بشكل عام دورٌ كبير في التغيير ، إذ ما نفع أن نرى فيلماً ينقل إلينا الواقع المؤلم دون أن نقبض على جرعة أمل أو إشارات ورسائلَ. فالمشاهد قد اكتوى من الواقع وهو يريد أن يخرج منه عن طريق الحلم ، لهذا يقال : إنَّ السينما بوابة صغيرة مفتوحة على الحلم."
يبدأ الفيلم بعالم الطفولة ، وفرحهم ولعبهم في شوارع الحي ، إذ لا قيد على ضحكات الأطفال البريئة.
طفلُ الفيلم يلعبُ مع أقرانه،يدخلُ البيت ليجد والده الضرير يعزفُ كعادته على آلة الكمان،فيحاولُ أن يقلده ، فيعزف في الهواء، يحلم بأنه اعتلى المنصة وثمّة جمهور يصفقُ له ، بيد أنَّ القاعة خالية منهم ، والكراسي فارغة. يعود إلى الواقع حيث عالمه ، متجاهلاً عدم اكتراث أبيه به، الأب الذي يستمر في العزف الهادئ. فجأة يتوقف ليسعل ويشعر بالاختناق والتعب، فيُنقل إلى المستشفى إذ تؤكد إصابته بمرض " كوفيد 19" بغتة يسمع عزفاً يأتي كالتراتيل من حديقة المستشفى ،يجعل المرضى والأطباء ، وكل من سمع العزف يتحركون رغبة في الإصغاء ، وإذ بالطفل يمسك بكمان أبيه غير عابئ ما إذا كان الكمان سينقل له الفايروس أم لا، عازفاً بكلّ ما أوتيَ من رغبة في الموسيقى وحبِّ والده الذي أصابه المرض ، وحُرِم من ممارسة عادته. بينما تنتقلُ الكاميرا أثناء عزف الطفل إلى شجرة يابسة تركز على غصن صغير وقد أورق واخضرَّ.
فيلم" غذاء الروح" يبثُّ حلماً عبر رسالة مضمرة مفادها: أنه سوف يأتي يوم يُزاح فيه هذا الوباء ، وهذا الألم المتناسل ، وهذا اليباس واليأس ، سوف يبددهم جميعاً لتورق حياة جديدة.
من وجهة نظري ليس بالضرورة لكل فيلم أنْ يقدم رسائل أو إجابات شافية لكل معضلة، فثمة أفلام تطرحُ أسئلة وتترك للمشاهد البحث عن إجابات لها. لكن " غذاء الروح" ارتأى أن يزرع الأمل، وأن يكون له أثرٌ على الوعي الجماعي، لأن العالم بأسره يعيش قلقاً من وباء حصد الأرواح وأحرق الحياة.
فذلك الغصن الصغير الذي أخذ يورق انطبع في ذهن المشاهد لتتكرس مسألة الأمل على شكلِ حلم بدأه الطفل في العزف، والذي تمنى مراراً أن يكون عازفاً مجيداً كأبيه الذي لم يفكرْ يوماً أن يعلمه ؛ أن يهتم بطفله الذي سيتابع خطاه في الحياة ، ولعلّي أتساءل : لمَ لمْ يطلب الطفل من أبيه أن يعلمه لطالما هو يحب الموسيقى ، وإنما اكتفى بمراقبته من حين إلى آخر؟ وظلَّ حلمه في الولوج إلى البوابة الصغيرة قائماً. لكنه الإهمال للطفولة، وانعزالية الأب الضرير. وأنا أرى أنه لا ضرورة لأن يكون الأب في الفيلم أعمى ، فالكثير من الناس يكونون انطوائيين وهادئين وقليلي الحركة، وعديمي الاعتناء بأطفالهم واغفال مواهبهم دون أن يكونوا عمياناً.
يوحي الفيلم وذلك من خلال عنوانه " غذاء الروح" على تناوله موضوعة الموسيقى وأثرها الإيجابي في حياة المرضى، أو الناس المعافين ، إذ كانت الموسيقى منذ عهود غذاءً للرّوح. وقد أكد على أهميتها أطباء عرب منذ العهود السالفة وفلاسفة ومفكرون كالكندي والفارابي وابن سينا، إذ أكدوا على نجاعتها من ناحية علاج المرضى وإراحة نفسياتهم الكليلة ، وتحليق الناس العاديين في فضاءات حالمة.
الفكرة وإن كانت مطروقة في الأدب والسينما والأمثال في الموروث الشعبي،إذ لا يخفى مشهد ذلك الغصن الأخضر الذي يتجلى من النافذة ليشيع أملاً وحياة ، بيد أن المخرج عباس العبودي أراد من فيلمه لأن يؤدي دوره في هذه المحنة العالمية ، ويكون أداة في تشكيل الوعي العام للمجتمع. راغباً بكلِّ ما يملك من أدواتٍ بسيطة لأن يكون فنه لبنة في بناء جسر لتجاوز الوباء وبث الأمل.
فكم قيل: يمكن لورقة أو ريشة أن تجترح العجائب فتشتفي الآلام وتحقيق الأحلام ، وتعيد الأمل المفقود.
أتذكر وأنا أكتب رأيي حول فيلم غذاء الروح مقولة مصطفى كامل: لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس، غداً يوم أفضل ، هكذا يقول لنا الامل ، وهكذا يحثنا."
شكرا لهذا المخرج الجميل الذي لم يقف مكتوف اليدين أمام الوباء والوجع والصعوبات واليباس، فأخرج لنا احساسه الايجابي في ظروف صعبة وتحديات جسيمة بفيلمه القصير " غذاء الروح" ذي المضمون الدلالي.
نجاح إبراهيم/ سورية.
(اجتراحُ الحلمِ والأملِ من يباسِ الطين.)
فيلمٌ قصيرٌ، من إخراج عباس العبودي، فكرة وسيناريو محمد صبيح الشمري.
انتاج مديرية شباب ورياضة واسط.
مدّة الفيلم ست دقائق ونصف الدقيقة.
لاشكَّ أن العالمَ اليوم مندهشٌ ومصدومٌ بوباء اجتاح الكرة الأرضية ، وقضى على الكثير من الناس ، وأفقدهم الحركة.. وقد تناولت السينما هذه الجائحة لما لها" السينما" من تأثير على حياة الإنسان المعاصر في تناول قضاياه ومؤرقاته وما فيها من آلام وأحلام ؛ وللفيلم بشكل عام دورٌ كبير في التغيير ، إذ ما نفع أن نرى فيلماً ينقل إلينا الواقع المؤلم دون أن نقبض على جرعة أمل أو إشارات ورسائلَ. فالمشاهد قد اكتوى من الواقع وهو يريد أن يخرج منه عن طريق الحلم ، لهذا يقال : إنَّ السينما بوابة صغيرة مفتوحة على الحلم."
يبدأ الفيلم بعالم الطفولة ، وفرحهم ولعبهم في شوارع الحي ، إذ لا قيد على ضحكات الأطفال البريئة.
طفلُ الفيلم يلعبُ مع أقرانه،يدخلُ البيت ليجد والده الضرير يعزفُ كعادته على آلة الكمان،فيحاولُ أن يقلده ، فيعزف في الهواء، يحلم بأنه اعتلى المنصة وثمّة جمهور يصفقُ له ، بيد أنَّ القاعة خالية منهم ، والكراسي فارغة. يعود إلى الواقع حيث عالمه ، متجاهلاً عدم اكتراث أبيه به، الأب الذي يستمر في العزف الهادئ. فجأة يتوقف ليسعل ويشعر بالاختناق والتعب، فيُنقل إلى المستشفى إذ تؤكد إصابته بمرض " كوفيد 19" بغتة يسمع عزفاً يأتي كالتراتيل من حديقة المستشفى ،يجعل المرضى والأطباء ، وكل من سمع العزف يتحركون رغبة في الإصغاء ، وإذ بالطفل يمسك بكمان أبيه غير عابئ ما إذا كان الكمان سينقل له الفايروس أم لا، عازفاً بكلّ ما أوتيَ من رغبة في الموسيقى وحبِّ والده الذي أصابه المرض ، وحُرِم من ممارسة عادته. بينما تنتقلُ الكاميرا أثناء عزف الطفل إلى شجرة يابسة تركز على غصن صغير وقد أورق واخضرَّ.
فيلم" غذاء الروح" يبثُّ حلماً عبر رسالة مضمرة مفادها: أنه سوف يأتي يوم يُزاح فيه هذا الوباء ، وهذا الألم المتناسل ، وهذا اليباس واليأس ، سوف يبددهم جميعاً لتورق حياة جديدة.
من وجهة نظري ليس بالضرورة لكل فيلم أنْ يقدم رسائل أو إجابات شافية لكل معضلة، فثمة أفلام تطرحُ أسئلة وتترك للمشاهد البحث عن إجابات لها. لكن " غذاء الروح" ارتأى أن يزرع الأمل، وأن يكون له أثرٌ على الوعي الجماعي، لأن العالم بأسره يعيش قلقاً من وباء حصد الأرواح وأحرق الحياة.
فذلك الغصن الصغير الذي أخذ يورق انطبع في ذهن المشاهد لتتكرس مسألة الأمل على شكلِ حلم بدأه الطفل في العزف، والذي تمنى مراراً أن يكون عازفاً مجيداً كأبيه الذي لم يفكرْ يوماً أن يعلمه ؛ أن يهتم بطفله الذي سيتابع خطاه في الحياة ، ولعلّي أتساءل : لمَ لمْ يطلب الطفل من أبيه أن يعلمه لطالما هو يحب الموسيقى ، وإنما اكتفى بمراقبته من حين إلى آخر؟ وظلَّ حلمه في الولوج إلى البوابة الصغيرة قائماً. لكنه الإهمال للطفولة، وانعزالية الأب الضرير. وأنا أرى أنه لا ضرورة لأن يكون الأب في الفيلم أعمى ، فالكثير من الناس يكونون انطوائيين وهادئين وقليلي الحركة، وعديمي الاعتناء بأطفالهم واغفال مواهبهم دون أن يكونوا عمياناً.
يوحي الفيلم وذلك من خلال عنوانه " غذاء الروح" على تناوله موضوعة الموسيقى وأثرها الإيجابي في حياة المرضى، أو الناس المعافين ، إذ كانت الموسيقى منذ عهود غذاءً للرّوح. وقد أكد على أهميتها أطباء عرب منذ العهود السالفة وفلاسفة ومفكرون كالكندي والفارابي وابن سينا، إذ أكدوا على نجاعتها من ناحية علاج المرضى وإراحة نفسياتهم الكليلة ، وتحليق الناس العاديين في فضاءات حالمة.
الفكرة وإن كانت مطروقة في الأدب والسينما والأمثال في الموروث الشعبي،إذ لا يخفى مشهد ذلك الغصن الأخضر الذي يتجلى من النافذة ليشيع أملاً وحياة ، بيد أن المخرج عباس العبودي أراد من فيلمه لأن يؤدي دوره في هذه المحنة العالمية ، ويكون أداة في تشكيل الوعي العام للمجتمع. راغباً بكلِّ ما يملك من أدواتٍ بسيطة لأن يكون فنه لبنة في بناء جسر لتجاوز الوباء وبث الأمل.
فكم قيل: يمكن لورقة أو ريشة أن تجترح العجائب فتشتفي الآلام وتحقيق الأحلام ، وتعيد الأمل المفقود.
أتذكر وأنا أكتب رأيي حول فيلم غذاء الروح مقولة مصطفى كامل: لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس، غداً يوم أفضل ، هكذا يقول لنا الامل ، وهكذا يحثنا."
شكرا لهذا المخرج الجميل الذي لم يقف مكتوف اليدين أمام الوباء والوجع والصعوبات واليباس، فأخرج لنا احساسه الايجابي في ظروف صعبة وتحديات جسيمة بفيلمه القصير " غذاء الروح" ذي المضمون الدلالي.
نجاح إبراهيم/ سورية.