الكتابُ أنيسُ الجالسين، ورفيقُ المسافرين، وبهجةُ المسْتأنسين، وخيرُ ما يهدى للعارفين.
البعدُ عنه غُربة، وافتقاده حُرقة. فهو كما قال الجاحظ (الكتابُ هو الذي إن نظرتَ فيه أطالَ إمتاعك، وشحذَ طِباعك، وبسطَ لِسانك، وجوَّدَ بنانكَ، وفخَّم ألفاظك).
وقد انقسمَ مُحبوه في إعارته على أقسام؛ فمنهم من يفرضُ الإعارة ولا يُفارُقُ الكتابُ داره فهو لا يُعيرُ الكتاب، ولو عُوتبَ أشدَّ العِتاب، ومنهم من يُعير للجميع، وقد عُرف عنه هذا الصنيع، ومنهم من لا يُعير إلا صاحب الحاجة من أهلِ العلمِ والرجاحة، ومنهم من يُعير بعدَ نشفِ الريق لكن برهنٍ وثيق.!!
فالذين لا يرون الإعارة هم على أحوال؛ فمنهم من يُعلقُ أبياتاً في مكتبته تُوحي بذلك فيعلقُ مثلاً قول الشاعر:
ألا يا مُستعير الكُتْبِ دعني
فإن إعارتي للكُتبِ عارُ
ومحبوبي من الدنيا كتاب
وهل أبصرتَ محبوباً يعارُ
ومنهم من يجعلُ أبياتاً في رقعة فإذا جاءَ من يطلبُ الإعارةَ دفعَ إليه الرقعة وهو فعلُ بعض أهل الأدب فإذا قرأها مضى، وهي:
ألا أيُّها المستعيرُ الكتابَ
ألا ارجعْ بغيرِ الذي تطلبُ
فلمسُ السماءِ وأخذ النجوم
بكفِكَ من أخذه أقربُ
فدُمْ ما بقيتَ على اليأسِ منهُ
فليسَ يُعارُ ولا يوهبُ
ومن كان يغضبُ إنْ لم يُعَرْ
فقُلْ من قريبٌ له يغضَبُ
إذا أنا كُتبي أعرتُ الصديقَ
ثلاثةُ أرباعها يذهبُ
فما كلُّ يومٍ أنا واجدٌ
كتاباً ولا كاتباً يكتبُ
وقول مسافر بن محمد البلخي:
أجودُ بِجُلِ مالي لا أُبالي
وَأبْخلُ عندَ مسألةِ الكِتابِ
وذلكَ أنني أفْنيْتُ فيه
عزيزَ العُمرِ أيَّامَ الشبابِ
وقال بعض الشعراء:
إني حلفتُ بربِ البيتِ والحرمِ
هَلْ فوقَها حلفةٌ تُرجى لذي قَسَمِ
أنْ لا أُعيرَ كتاباً فيه لي أَرَبٌ
إلا أخا ثِقةٍ عندي وذا كرمِ
ومن لطيفِ ما أنشدَ من يرى الإعارة قول أبي الكرم خميس بن علي الحوزي:
كُتبي لأهلِ العلمِ مبذولةٌ
أيديهم مثل يدي فيها
متى أرادوها بلا منةٍ
عاريةً فليستعيروها
حَاشَاي أنْ أكْتُمَها عنهمْ
بُخلاً كما غيري يُخفيها
أعارنا أشْياخُنا كُتْباً
وسنَّةُ الأشياخِ نُمضيها
وقال أبو حفص عمر بن عثمان الشعيبي:
لا تمنعنَّ الأهلَ كُتبكَ واغْتنم
في كُلِ وقتٍ أنْ تُعيرَ كتابا
فَمُعِيرها كَمُعِيرِ ماعونٍ فمن
يَمْنَعْهُ لاقى الويل والأنصابا
وهناكَ طريقةٌ أعجبتني في الإعارةِ والاستعارة، أمَّا في الإعارة فأعجبتني طريقةُ شيخنا السيد مالك السنوسي حفظه الله فقد خصصَّ دفتراً يكتبُ فيه اسم المستعير والكتاب المستعار، وأمَّا في الاستعارة فأعجبتني طريقةُ سيدي الوالد حفظه الله فقد خصصَّ دُولاباً يضعُ فيه الكتب المستعارة.
نواف بن محمد بن عبدالله آل رشيد
البعدُ عنه غُربة، وافتقاده حُرقة. فهو كما قال الجاحظ (الكتابُ هو الذي إن نظرتَ فيه أطالَ إمتاعك، وشحذَ طِباعك، وبسطَ لِسانك، وجوَّدَ بنانكَ، وفخَّم ألفاظك).
وقد انقسمَ مُحبوه في إعارته على أقسام؛ فمنهم من يفرضُ الإعارة ولا يُفارُقُ الكتابُ داره فهو لا يُعيرُ الكتاب، ولو عُوتبَ أشدَّ العِتاب، ومنهم من يُعير للجميع، وقد عُرف عنه هذا الصنيع، ومنهم من لا يُعير إلا صاحب الحاجة من أهلِ العلمِ والرجاحة، ومنهم من يُعير بعدَ نشفِ الريق لكن برهنٍ وثيق.!!
فالذين لا يرون الإعارة هم على أحوال؛ فمنهم من يُعلقُ أبياتاً في مكتبته تُوحي بذلك فيعلقُ مثلاً قول الشاعر:
ألا يا مُستعير الكُتْبِ دعني
فإن إعارتي للكُتبِ عارُ
ومحبوبي من الدنيا كتاب
وهل أبصرتَ محبوباً يعارُ
ومنهم من يجعلُ أبياتاً في رقعة فإذا جاءَ من يطلبُ الإعارةَ دفعَ إليه الرقعة وهو فعلُ بعض أهل الأدب فإذا قرأها مضى، وهي:
ألا أيُّها المستعيرُ الكتابَ
ألا ارجعْ بغيرِ الذي تطلبُ
فلمسُ السماءِ وأخذ النجوم
بكفِكَ من أخذه أقربُ
فدُمْ ما بقيتَ على اليأسِ منهُ
فليسَ يُعارُ ولا يوهبُ
ومن كان يغضبُ إنْ لم يُعَرْ
فقُلْ من قريبٌ له يغضَبُ
إذا أنا كُتبي أعرتُ الصديقَ
ثلاثةُ أرباعها يذهبُ
فما كلُّ يومٍ أنا واجدٌ
كتاباً ولا كاتباً يكتبُ
وقول مسافر بن محمد البلخي:
أجودُ بِجُلِ مالي لا أُبالي
وَأبْخلُ عندَ مسألةِ الكِتابِ
وذلكَ أنني أفْنيْتُ فيه
عزيزَ العُمرِ أيَّامَ الشبابِ
وقال بعض الشعراء:
إني حلفتُ بربِ البيتِ والحرمِ
هَلْ فوقَها حلفةٌ تُرجى لذي قَسَمِ
أنْ لا أُعيرَ كتاباً فيه لي أَرَبٌ
إلا أخا ثِقةٍ عندي وذا كرمِ
ومن لطيفِ ما أنشدَ من يرى الإعارة قول أبي الكرم خميس بن علي الحوزي:
كُتبي لأهلِ العلمِ مبذولةٌ
أيديهم مثل يدي فيها
متى أرادوها بلا منةٍ
عاريةً فليستعيروها
حَاشَاي أنْ أكْتُمَها عنهمْ
بُخلاً كما غيري يُخفيها
أعارنا أشْياخُنا كُتْباً
وسنَّةُ الأشياخِ نُمضيها
وقال أبو حفص عمر بن عثمان الشعيبي:
لا تمنعنَّ الأهلَ كُتبكَ واغْتنم
في كُلِ وقتٍ أنْ تُعيرَ كتابا
فَمُعِيرها كَمُعِيرِ ماعونٍ فمن
يَمْنَعْهُ لاقى الويل والأنصابا
وهناكَ طريقةٌ أعجبتني في الإعارةِ والاستعارة، أمَّا في الإعارة فأعجبتني طريقةُ شيخنا السيد مالك السنوسي حفظه الله فقد خصصَّ دفتراً يكتبُ فيه اسم المستعير والكتاب المستعار، وأمَّا في الاستعارة فأعجبتني طريقةُ سيدي الوالد حفظه الله فقد خصصَّ دُولاباً يضعُ فيه الكتب المستعارة.
نواف بن محمد بن عبدالله آل رشيد