يعقوب الشوملي - أدباء برسم البيع

بعض الأدباء عندنا تجّار – وأنا أقول البعض نزولا عند رغبة البعض – طابع الربح هو حافزهم الأول، قبل أن يخطوا أسود على أبيض. يساومون أولا على عدد الكلمات وعلى عدد الفلسات، ويشترطون الصفحة التي تنزل فيها مقالاتهم والعنوان الذي سيبوبون به كلمتهم ... ويساومون أيضا على سرعة الدفع وعلى طريقة القبض. ويلين جانبهم قبل نشر الغسيل .. ويصلب عودهم، بعد أن يثبت وجودهم ويبرز عمودهم .
الأدب عندنا بالمزاد، بالمزاد العلني، والأدباء يستعرضون عضلاتهم في شوارع الصحف والمجلات، بحثا عن القبض الأسمن، والمقال نفسه يعرض على أكثر من زبون، مع يمين قاطع مانع، أنه كتبه لك، نزولا عند رغبتك.
أديب نشر غسيلاً بعينه في ثلاث صحف، ومحاضر ألقى محاضرة بذاتها في ست مدن، كاتب آخر- على ذمته أنه مشهور- سرق مقالا من كتاب معروف وأديبة تتخايل زهوا وكبرياء وهي تتحايل على قصاصات مجلة حواء، وتنشرها باسمها.
أصحاب زوايا الخانكي- اليومية والأسبوعية – يظهرون ويغيبون – كالنجوم المذنبة، يبذلون ماء وجوههم – نقطة نقطة – حتى يحسن عليهم المحسنون، ويضم ريشتهم جناح التحرير، فينتفخون زهوا ويضون أن ريشتهم الوحيدة في الجناح، وقد ترتجف يدا رئيس التحرير، قبل أن يقطع لهم تذكرة دخول الجنة، وركوب قطار الصحافة، وينقعهم شهوراً وسنيناً بين رجاء حار وجدال وحوار، وكذب أبيض وكذب أسود، حتى يسرقوا موافقة رئيس التحرير. فيقفز إسمهم إلى طابق أعلى، ثم ما يلبثون، بنفس الأسلوب يضربون على نفس الوتر، حتى يصلوا إلى صدر المضافة وينادوا بحصتهم في مسمار جحا.
ونكبة أخرى نكبة المجنون الذي ألقى حجراً في بئر، يعجز ألف عامل عن نشله، مجنون أطلق لقباً على هذا الأديب، وأصبح يطالب بتطويبه، ووضعه في جواز سفره، فهذا فولتير الشرق وهذا الكاتب الساخر وهذه ساجان العرب، وهذا بحتري القرن العشرين، وهذا أمير الشعر، وذاك شيخ الأدباء. هذا هزار .. وهذا بزار.. وهذا عار ابن عار.
يجب أن يكون الأديب سيداً وإلا جاء أدبه عبداً كنفسه، واللقب يجب أن يكون مبايعة عن استحقاق وجدارة والنشر يجب ألا يكون تبادل مصالح على وزن – حكلي تحكلك - .
أدبنا مريض. وأدباؤنا تجار بالقلم العريض، ولا أقول لهم وحدهم فيتو، إنما أقولها أيضا لكل المسؤولين عن رعاية الأدباء.

17.12.1965


------------------------------------
* في زاويته اليومية في جريدة فلسطين الموقعة بعنوان فيتونجي بتاريح 17.12.1965
أعلى