المستشار بهاء المري - اقتحام السجون بين اغتيال الخازندار وثورة يناير 2011(*)

إنَّ المُتأمل في كثير من آليات ارتكاب وقائع الإرهاب والتخطيط لها، وتنفيذها، وطريقة الهروب من مسرح الحادث، بل واستمالة صِغار الموظفين من ضِعاف النفوس بالعطايا، سيكتشفُ من غَير عَناء، كم هي تَتماثَل - أو قُل تتكرر - منذ النصف الأول من القرن العشرين، مع ما حدث من إرهاب في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
هذا التماثل - إن أعملنا الفِكر والعقل والمنطق والاستخلاص القويم -يجعلك تطمئن تمام الاطمئنان إلى أن الفاعل هناك هو الفاعل هنا.
ونسوقُ فيما يلي صورة مُخطط لاقتحام سجن مصر سنة 1948 لتهريب المتهمَين في قتل القاضي أحمد الخازندار، لتجدها صورة لما حَدث في اقتحام السجون المُخطط له، والحاصل في توقيت واحد على مستوى الجمهورية، على أثر ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
- يقول أحمد عادل كمال "القيادي في النظام الخاص للإخوان المسلمين":

*****

في كتابه "النقط فوق الحروف" يقول عن محاولة تهريب المتهمَين بقتل القاضي الخازندار:
"تمت دراسة العَملية، مباني السجن من الخارج، ومَسَالكه من الداخل، ونظام الحراسة فيه، وأُعِدَّت مُعدات الاقتحام، سلالم من الخشب يُمكن طيّها وفَردها، وسلالم من الحِبال ذات عُقَد، وذات عُقَل من الخشب، واختير مكان الاقتحام من سور السجن الخلفي الجنوبي.
ودُرس كل ما سَوف تُقابله مجموعة الاقتحام، وتمَّ اختيار هذه المجموعة ودُرِّبت على العمل الموكول إليها، وانتُخِب السلاح المناسب، وكان في جملته من الرشاشات الصغيرة والمسدسات، إذ لم يكن مع الطرف الآخر من حُراس السجن سوى بنادق قديمة الطراز مما يُحشَى طلقة طلقة، وتم استمالة بعض حرَس السجن وزنازينه. وأُعِدت السيارات اللازمة للاختطاف، كما أُعِدَ المَخبأ الذي يَلجأ إليه الهاربان.
ودُرس نظام الإنارة في المنطقة لقَطْع التيار الكهربائي ساعتها، وكان كل شيء يسير في مساره المرسوم، ولكن جاء حادث السيارة الجيب، وقُبض على المُخطِّطين وعلى بعض المُرشحين للاشتراك فيها قبل التنفيذ، وحتى نفس المفتاح الذي كان مُقررا أن يَفتح أبواب السِّجن سَقطَ مع ما كان بالسيارة الجيب"(1).
- ويقول محمود الصباغ (2): "القيادي في ذات النظام الخاص:

*****

"صدَق إخوان النظام في الدفاع عنهما "أي قاتلي القاضي أحمد الخازندار" والعمل على نجاتهما مما وقعا فيه، نتيجة لخطأ غير مُتعمَّد من رئيس النظام، فتحمَّلوا مصاريف الدفاع عن المتهمَين.
كما تحمَّلتُ بنفسي وضع خُطة لخَطف الأخوَين عبد الحافظ، ومحمود زينهم من سجن مصر تَحسُّبًا لما يُمكن أن يقع في نَفس القضاة من غضب لزميلهم فيحكموا عليهما بالإعدام.
وقد اشترك معي الأخ صلاح عبد الحافظ في متابعة تنفيذ الخطة، فقد كان ولعه بنجاة شقيقه حسن ولعًا كبيرا.
وقد انْبنَت الخطة على الاستعانة باثنین من السَّجانین في نقل صورة المفتاح الماستر الذي یَفتح جمیع الزنازین على قطعة من الصابون، بحیث یُمكن صُنع مفتاح مُطابق له بِیَد البرَّاد الماهر "الخولي" ومن الطبیعي أنني دفعتُ لهذين السَّجانین أتعابهما عن هذا العمل، وقد كان اختيارهما دقیقًا فلم یُفصحوا لأحد عن عمليتهما الخَطِرة .
كما كان من الخُطة الاستعانة باثنین من المسجونین العادیین الذین تعوَدا الخروج لعیادة طبیة في المستشفیات، وكانت علاقتهما بالسَّجانین المرافقین لهما تسمح بأن یتركوا لهما حرية التنقل وزیارة أهلهما، ثم العودة إلى السجن دون إضرار بالسجَّانین .
وقد تم فعلاً الاتفاق مع هذين المَسجونَین على فتح باب زنازین كل من الأخوَین حسن عبد الحافظ، ومحمود زينهم، بالمفتاح المصنوع بمعرفتنا ومساعدتهما في القفز من سور السجن في الوقت الذي نتفق عليه، ومن المَوضع الذي نتفق عليه.
ولقد دفعتُ بنفسي لهذين المَسجونَین أتعابهما سَخیًا عن هذه العملیة، ولكن إرادة الله شاءت أن یُلقَى القبض علینا في قضیة "السيارة الجيب" قبل تنفیذ هذه الخطة، على الرغم من أن تجربة المفتاح قد نجَحت في فتح الزنازین.
كما أن القبض علینا لم یَسمح لنا بتنفیذ خطة بدیلة كانت تقضي بخطف الأخوَین من سیارة السجن عند دخولهما بين مسجدي الرفاعي والسلطان حسن بتهويش حراستهما بقنابل صوت، ثم الفرار بهما بعیدًا عن الموقع المختار.
وكان كل ذلك من فضل الله الذي قدَّر لهذين الأخوَین أن يخرجا من سجنهما سالمَین مُعافین، ولم یقضیا فيه أكثر من ثلاث سنین، وذلك بأن شملهما العفو الشامل الذي صدر عن كل المسجونین السیاسیین في أوائل أیام ثورة یولیو سنة 1952 وكان من بین الذین خرجوا الأخوین حسن عبد الحافظ، ومحمود زينهم، وجمیع المتهمين في قضایا الأوكار، بینما تم القبض على ابراهيم عبد الهادي قاتل الإمام الشهيد، وحُوكم أمام محكمة الثورة وحكم عليه بالإعدام الذي خُفِّف إلى السجن المؤبد".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) من كتاب: "القتل باسم الوطن والدين. محاكمات شهيرة وبطولات زائفة".
([1]) أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، مرجع سابق صـ 222.
(2) محمود الصباغ: حقيقة التنظيم الخاص، مرجع سابق، صـ 141.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى